صفحات الحوار

نهلة الشهال: لا بد من إعلان نسوي يشكل وثيقة الحد الأدنى لمطالب النساء


كتب: بيروت – محمد الحجيري

نهلة الشهال: لا بد من إعلان نسوي يشكل وثيقة الحد الأدنى لمطالب النساء

نهلة الشهال باحثة وكاتبة سياسية، تكتب في جريدة «السفير» اللبنانية وتواكب الأحداث في العالم العربي، وتميل في مواقفها إلى الأجواء اليسارية.

تعتبر أن الثورات العربية ساهمت في بروز المرأة في المجال السياسي، خصوصاً في الساحات والميادين. وتطالب بإقرار قانون الأحوال الشخصية الذي يقدم المساواة بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وتنفي أن يكون الدين هو المشكلة بالنسبة إلى المرأة، بل استخدامه بطرق غير سليمة.

ما رأيك في من يقول إن مشعل الثورة التونسية محمد البوعزيزي أشعل النار في نفسه ليس لأنهم صادروا عربة خضاره وفاكهته بل لأن الشرطية التونسية (أي المرأة) صفعته؟

هذا تفسير سخيف، والأمور ليست بهذه البساطة. القضية الجوهرية ليست في أن امرأة صفعت البوعزيزي وجعلت ذكورته تنتفض ولا في تحطيم عربة خضاره… في رأيي، لا ينتحر الإنسان إلا إذا وصل إلى درجة عالية من اليأس والقنوط المتراكم، وأعتقد أن البوعزيزي يشبه عشرات من الشباب في المنطقة العربية، خصوصاً في المغرب والجزائر وتونس، الذين أحراقوا أنفسهم بسبب تراكم اليأس في حياتهم مع أنهم ما زالوا شباناً. من هنا، يطرح السؤال الحقيقي بمنأى عن الشكل: لماذا انتحر البوعزيزي؟ والإجابة: انتحر بسبب انسداد الأفق وانعدام الأمل الذي تراكم في حياته بسبب السياسة المتبعة من النظام. كان انتحاره فعلاً احتجاجياً هائلاً، وبات نقطة تحول في تاريخ الثورات العربية. السؤال الآخر في سياق الحديث عن البوعزيزي: لماذا إحراق نفسه هو بالذات كان سبباً في اشتعال الثورات العربية والتظاهرات؟ هنا أقول إن ثمة إجابات كثيرة عن هذا السؤال وتحتاج إلى درس وتمعن وتمحيض، ولا تختصر بالقول إنها ترتبط بحدث إحراق شاب نفسه. أما فكرة أنه من فرط ما شعر البوعزيزي بالإهانة انتفضت ذكوريته لأن امرأة صفعته، فأنا أجدها سخيفة. لقد شاهدت والدته وأخوته في أكثر من مناسبة، وهو لم يشعر بالمهانة لأن امرأة صفعته بل لأن حياته كلها مهانة.

قال البعض إنه إضافة إلى تحطيم عربة الخضار خاصته ومصادرة محتوياتها، صفعته امرأة فلم يتحمل.

هكذا فُسرت الحادثة لأن عقلنا البطريركي هكذا يفسر. علينا أن نتأمل أن ثمة العشرات من الشبان في المغرب العربي انتحروا بحرق أنفسهم ولم تصفعهم امرأة. أحاول أن أقول لك إن المتداول ليس حقيقياً، ولا أدافع عن صفعة المرأة أو صفعة الرجل. أعتقد أن المرأة عندما تتصرف كالرجل بالمعنى السيىء للكلمة، فهذا لا يعزز مكانتها، وأعرف أن بعض النساء غالباً عندما يصلن إلى مراكز في وظائف ومواقع يصبح لديهن ميل إلى القول إنهن على قدر المسؤولية من خلال محاكاة السلوك الذكوري والرجولي، وهذا سلوك مدان، وهذه الحلقة المفرغة التي تتعلق بالعقلية البطريركية لا تتعلق في قضية البوعزيزي فحسب، بل بالكثير من القيم الاجتماعية السائدة. من هنا، لا أدافع عن الشرطية وكونها شرطية لا يحق لها بالضرب، ولا أحد يحق له ضرب الأخرين سواء أكان شاباً أو فتاة. أعود لأقول إن من السخف تماماً تداول تصورات عن البوعزيزي هي بنت ذهنيتنا لا بنت الواقع، فالعشرات غيره أحرقوا أنفسهم في بلده وغيره من البلدان العربية.

هل جاء تسليط الضوء على محمد البوعزيزي لأنه كان الذروة؟

كان برميل البارود في تونس جاهزاً، هذا ما يجب أن يفهمه الجمهور على الأقل. قبل أن ينتحر البوعزيزي كانت في منطقته انتفاضة في الحوض المنجمي في تونس، عندما اشتعلت الانتفاضة لم يتحدث أحد عنها مع أنها استمرت ستة أشهر، وكانت فظيعة والشرطة السياسية أقفلت المنطقة وهي شاسعة، وقمعت الجمهور ولكنه لم يسأل.

حصل الانفجار الثوري في تونس بعد البوعزيزي لأن الأمور كانت مهيأة لذلك وتواجدت علامات في هذا السياق. أقرأ الثورة التونسية من خلال أسباب كثيرة تراكمت في الواقع التونسي وأتي من يشعلها، ولا يمكن اختصار الأمور بقضية البوعزيزي. أعطي مثلاً آخر أن المؤرخين يقولون إن الحرب العالمية الأولى اندلعت لأن الإمبراطور الفلاني اغتيل، لكن قبل الاغتيال كانت عناصر الحرب متوافرة وتحتاج إلى عود ثقاب أو حجة معينة لتشتعل.

ما الذي تغير في ما يتعلق بالمرأة العربية، قبل الثورة وخلالها وبعدها؟

حدث أمر مهم للغاية واستثنائي، وهو حجم المشاركة النسائية في الحراك العام. النساء لم يكن غائبات عن التحركات السياسية منذ ما قبل الاستقلالات في المنطقة العربية حتى الآن، لكن هذه المرة حدث أمر آخر ووجود النساء في الساحات وجود مقبول، اجتماعيا وشرعياً، ومرغوب فيه أيضاً. النساء هن اللواتي فرضن حضورهن في الساحات، وتولّد شعور لدى المجتمع بأن حجم المهمّة كبير إلى حد يتطلب مشاركة الجميع. آخذ مثلاً من أماكن صعبة مثل اليمن، نزلت النساء إلى الساحات بالنقاب والخمار بينهن محاميات ومدرسات وأحتللن ساعة التغيير، ونصبن خيماً واعتصمن فيها وشملت مشاركتهن مدناً عدة وليس العاصمة فحسب. حين اعتقلت توكل كرمان، التي حازت في ما بعد جائزة نوبل للسلام، خرجت تظاهرات من الرجال تحمل صورتها وتطالب بإطلاق سراحها. وهي وسواها من المناضلات، اعتلين منصات الخطابة في الساحات العامة في صنعاء وفي مدن أخرى، وخاطبن الرجال من موقع قيادي. وكرمان تلك مناضلة شابة سبق لها أن قاتلت لمنع الزواج المبكر للفتيات. وهي عضو في المكتب السياسي لحزب الإصلاح الإسلامي، لكنها كثيراً ما نشرت مقالاتها في جريدة «الحزب» الاشتراكي اليمني. صحيح أنها المشهورة بين النساء، لكنهن في الواقع عشرات وعشرات، وفي التظاهرات كن بالآلاف. لأجل مشاركة النساء في الشأن العام شهدنا نوعاً من القبول الاجتماعي أو الإحساس بالحاجة والضرورة، بالإضافة إلى الاندفاع الذاتي، وحاول علي عبدالله صالح التشهير بهن من خلال القول إنهن يمارسن الفحشاء في الساحات، لكن ذلك كله لم يثنهن عن المشاركة.

أعتقد أن معادلة مشاركة النساء في الشأن العام ما كانت لتكون لولا الإحساس بضخامة المهمة. لا ننسى أننا في العالم العربي، منذ 1967 على الأقل إلى اليوم، نعيش الواقع نفسه بتداعياته كافة، وثمة مقولات سائدة تستسلم للواقع تقول: «لا يمكن أن يحدث أي تغيير في المنطقة»، و»أنتم عاجزون عن فعل أي شيء» و»هذه السلطات أبدية وقائمة لا جدوى الحراك». راجت هذه المقولات والسياسات إلى درجة أن الناس استبطنت فكرة العجز عن التغيير والتحرك، لكن عندما حصلت الثورة التونسية ولأسباب عدة أمكن أن تنجح بسرعة، وبكلفة نسبياً خفيفة، فتحت طريقاً واسعاً وصعباً وخطيراً مساره التغيير.

من هذا المنطلق، أعتقد أن النساء أصبحن موجودات في الساحات العامة، وهن يسألن في قرارة أنفسهن ماذ نفعل؟ نحن نقدم أمراً كبيراً! في رأيي، مشاركة النساء في الحقل العام والتظاهرات كانت أحد أبرز المكتسبات التي تحققت في الربيع العربي، عدا عن أن هذا الربيع أحدث صدمة إيجابية في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسة. لنتذكر كيف كنا ننظر قبل الآن إلى واقعنا ومجتمعنا قبل الثورات، كنا نقول إننا عاجزون عن فعل أي شيء، ومحكومون بحالة سكون ونخران. فجأة وفي وقت قصيرة، في أقل من سنة ونصف السنة، أصبحنا نواجه مشكلات التغيير، وهي كبيرة.

ألا تجدين أن المرأة ستكون ضحية هذا التغيير؟

هذا ما يردده كثر عندما يحدث التغيير: تشارك النساء في الثورة، ولاحقاً عندما تنجح الثورة يقمعن ويجلسن في بيوتهن. أعادت الثورات العربية طرح مسألة موقع النساء ودورهن بحدة كبيرة، فاللحظة التغييرية تفرض الموضوع، لا سيما بعدما لوحظت المشاركة النسائية في التحركات كافة وعلى امتداد العالم العربي بتنوع أوضاعه. ثم لوحظ انكفاء حضور النساء في الهيئات المنتخبة أو التقريرية، وبعض الارتدادات عن مكاسب كانت متحققة للنساء. وأما التفسير فيكاد يكون جاهزاً: «هذا ما حصل بعد الثورة الجزائرية، على رغم جميلة بوحيرد والآلاف من رفيقاتها».{إنهم الاسلاميون»، تقول أصوات أخرى. وتختلط الأمثلة التاريخية بتلك العائدة إلى ركز وحجج فكرية، ويغلب على كل حال منطق الضحية: «هذا ما يحصل دوما». لكن، وفق أي معيار نقيّم المسار الذي قطعته نضالات النساء، أفراداً وحركات للوصول إلى حقوقهن؟! وما هي حقوقهن تلك أصلاً، ومن يقرر تعريفها؟ تغيب عادة هذه الأسئلة، ويبدأ النقاش من السطر الذي يليها، وكأن الإجابات عليها بديهية. أزعم أنها ليست كذلك بالنسبة إلى الوعي العام، الشعبي السائد أو الغالب، بل حتى لدى الحركات النسوية نفسها. ويتضح أن ثمة ضرورة ملحة لنقاش واضح، يتناول المبادئ العامة وتحديد الأولويات وطرق تحققها.

حتى في تونس تتوافر للمرأة حقوق في الأحوال الشخصية مثلاً قد تطيح بها الارتدادات.

لم يمسوا بها حتى الآن. ثمة وعد من القوى الأساسية في السلطة الجديدة بما فيها حزب النهضة الإسلامي، وهو القوة الأساسة المسيطرة، أن أحداً لن يقدم على تغيير الحقوق التي حصلت عليها المرأة. تسألني هل ظهور التيارات السلفية قد يؤدي إلى الانتقاص من مكتسبات حققتها المرأة وهي قليلة؟ أعتقد أن كل المجتمع قد يتعرض للأذى إذا سيطرت عليه فئة أو مجموعة متخلفة خارج الزمن واقصائية للآخرين ومستبدة، ليس النساء فحسب من سيدفعن الثمن، بل المجتمع كله.

في رأي، كل شي يرتبط بالمرأة، إذا هي قمعت قمع كل شي معها.

لماذا! في بلد مثل روسيا يُقمع الإبداع وتحارب الصحافة واللثقافة… فيما لا تُقمع النساء بشكل خاص. ليس علينا أن نوصف الأمور بطريقة مكيانيكية، ولا تُزايد عليّ بالنسوية.

أقصد حرية المرأة المرتبطة بمفهوم الجسد أو العام والخاص.

قبل الحديث عن الجسد، وجود النساء في الحقل العام هو مكسب من دون تحرر الجسد، إذا النساء في اليمن رفعن درجة مشاركتهن في الاقتصاد والسياسة والقضايا العامة وبقين تحت النقاب أعتبر أنهن قدمن خطوة كبيرة. ثمة فرق كبير بين العام والخاص وتحرر الجسد، وثمة خطاب في المنطقة يقول إن المشكلة في المنطقة العربية تتعلق بأمرين: الأمر الأول في رأي أصحاب هذا الخطاب يكون من خلال تعزيز الفردية والفردانية، وأن نتحول أنا وأنت وغيرنا إلى أفراد وليس إلى عشائر وجماعات، والأمر الثاني هو التحرر بمعناه الجسدي. شخصياً، أرفض هذا الخطاب وهو ليس بالصحيح في مجمل الأحوال، فنحن أمام مجتمعات متعرضة للخراب في مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والتعليمية والثقافية. أنا لا أضع أولويات محددة وضد وضعها، الأخرون يضعون أولويات، يعتبرون أن الفردانية وتحرر الجسد هما الأولوية، وأنا أقول إن مهمة التغيير متكاملة ومعقدة ويجب أن تحمل بأكملها. وكيف تحمل؟ المجتمعات تخترع أدوات حمل المهمة.

ألا تجدين أن الدين هو الأساس في عدم تقدم المرأة في العالم العربي؟

ليس صحيحاً! في رأيي، استخدام الدين هو السبب الأساسي. ثمة طريقة معينة في استخدام الدين مضرة بالنساء. لماذا لا يوجد صراع حول تأويل الدين؟

حاول نصر حامد أبو زيد تأويل الدين وتعرض للنفي في مصر.

نحتاج إلى الصراع حول التأويل الآخر للدين، ولو حصل هذا الصراع قد تكون النساء بحالة جيدة. أعطيك مثلاً السيد محمد حسين فضل الله، وهو رجل دين وليس كارل ماركس متنكراً، لكنه أصدر فتويين شهيرتين ومهمتين بالنسبة إلي. تقول الفتوى الأولى إن الذي يقتل تحت مسمى جرائم الشرف يجب أن يعاقب في الدنيا وفي الآخرة بطريقة مضاعفة، لأنه قتل قريبة له، وكان ضد ما يسمى «العذر المخفف». لماذا لم يحمل المجتمع هذه الفتوى ويعتدّ بها من دون أن يخرج خارج الدين ليقول هذا هو الدين؟ قال السيد فضل الله بأسباب دينية أن تكون عقوبة من يرتكب جريمة شرف مضاعفة، وعلى هذا أقول إن العلة ليست في الدين، بل من أي زاوية نأخذه ونتعامل معه ونوظفه ونؤوّله.

تعلقت الفتوى الثانية بتعنيف النساء من أزوجهن، فالسيد فضل الله أصدر فتوى يطلب من المرأة التي تتعرض للضرب أن تواجه زوجها بالضرب، فقيل له «أنك تفكك الأسرة» وما إلى ذلك، وكأن عدم تفكيك الأسرة يتحقق باستكانة النساء للضرب. استمر السيد فضل الله في الفتوى ولم يهتم كثيراً للضجة الذي أحدثتها.

ثمة من رد عليه قائلاً إن المرأة إذا حاولت ضرب زوجها سيتفوق عليها جسدياً؟

ما قاله السيد فضل الله يعبّر عن موقف ديني وفقهي قبل كل شيء، وبغض النظر عن قدرة المرأة أو الرجل الجسدية… والمقصود من الفتوى أولاً وأخيراً إدانة العنف على المرأة وتحريمه، والذي يأول القضية من الحديث عن القدرات الجسدية يذهب باتجاه تسخيف الأمور. أعود هنا مجدداً إلى الذهنية التي تقول إن البوعزيزي انتحر لأن امرأة صفعته، وهي نفسها العقلية التي تتحدث عمن هو أقوى بتوجيه الصفعات والـ{بوكسات» في قضية العنف على النساء. شخصياً، أدخلت بناتي إلى نادي للتدرب على «التايكواندو» لمواجهة أي تحرش طارئ وسلبي في الشارع، لكن هذا ليس بالحل لأن القضية في المعايير الاجتماعية التي نتبناها. تخيل أن ست نساء يقتلن سنوياً من عنف أزواجهن في بلد مثل فرنسا، فكم هو عدد اللواتي يتعرضن للضرب بشكل عام في هذا البلد؟! ومن هنا نستنتج أن الأمور لا تقاس بالنمطية السائدة والأمر لا يتعلق بالدين كما يروج البعض، بل بالنسيج الاجتماعي. ففي فرنسا بلد العلمانية حيث الدين لا حضور له، وحيث الفرادنية قوية والقانون له هيبته ومفاعيله، نجد أن المرأة تتعرض للضرب والعنف الجسدي أكثر من البلدان المتخلفة. هنا أود أن أقول إننا نهمل العقلية والسلوك الاجتماعي، والقيم المقبولة وغير المقبولة، حتى إن الفردية الفردانية في فرنسا باتت أحد عناصر تعزيز العنف ضد المرأة، لأنك إذا التقيت برجل يصفع زوجته ويعنفها على الطريق لا تستطيع أن تتدخل، سيقول لك «أمر يخصني». سأعطيك مثلاً آخر، ابنتي في بريطانيا سمعت ضجة في شقة جيرانها، فظنت أن جارتها العجوز تتعرض للضرب من زوجها، وحين ذهبت لتستفسر تبين لها أن الابنة تضرب الأم. استغرب الناس هناك كيف دخلت ابنتي بيت جارتها وتدخلت في شؤونهم و{خرقت» خصوصيتهم! السؤال: هل كان عليها أن تبقى جالسة في بيتها تسمع الصراخ والعويل احتراماً للخصوصية والفردية السائدة هناك؟ ثمة أمور سخيفة ينتجها بعض القيم ولا يمكن تجاهل سلبياتها؟ وعلى هذا لا يجب أن نعمم الأفكار وننظر إلى المعطيات بطريقة مطلقة، فالفردانية ليست صيغة مطلقة للتقدم، كما أن الضوابط العشائرية أو الجماعية والجماعة كائنة ما كانت فيها بعض الميزات الإيجابية ولا يجب أن ننتقدها بالمطلق. بالتالي، تتعلق المسألة بالقيم الاجتماعية السائدة.

بعض النواب في لبنان يقول إنه ضد الكوتا النسائية وعلى المرأة أن تصل إلى كرسي البرلمان من خلال قدرتها وكفاءتها؟

يدور هذا النقاش في العالم والمنطقة وليس في لبنان فحسب. ثمة اتجاهان بخصوص النظر في موضوع الكوتا النسائية حتى ضمن النساء أنفسهن. يقول أحد الاتجاهين لماذا الـ{كوتا»، وهي شيء مفتعل وغير عادي، وقد يأتي بنساء غير كفوءات وأنه يجب أن تصل المرأة إلى النيابة من خلال الكفاءة والقدرة؟ فيما يقول الاتجاه الآخر إن معوقات وصول النساء إلى البرلمان كبيرة إلى حد أنه لا بد من اختراقها لو من باب ليس كافياً لوحده ولكنه تمهيدي في التغيير.

في مرحلة من المراحل، عندما كنت ثورية أكثر من الآن، كنت ضد الـ{كوتا» النسائية، لكني الآن من المنادين بتطبيقها في العالم العربي. أرى أن تخصيص نسبة معينة للنساء في البرلمان فيه الكثير من الإيجابيات للنساء ولكنه ليس الأفضل، وهو يكسر المشهد الذكوري والبطريركي السائد ويبقى في الأحوال كافة أفضل من أن تكون الأماكن العامة والمؤسسات خالية من النساء.

ينادي البعض بتعديل قوانين الأحوال الشخصية كافة وقوانين المرأة، خصوصاً تلك التي صدرت في زمن ما قبل ثورات الربيع العربي. هل تؤيدين ذلك؟

لا بد من إقرار الأحوال الشخصية بشكل يعترف بمساواة النساء وبمسؤولياتهن داخل الأسرة. ويتعلق الأمر أيضاً بمنع تعدد الزوجات وبحماية حقوق النساء في حضانة أولادهن عند الطلاق، وحقوقهن في المنزل العائلي وبنسبة ما في الأملاك المكتسبة خلال الزواج، لا سيما حين تكون النساء عاملات ذوات دخل ينفق على العائلة… وهي كلها مواضيع تمس مباشرة البنية البطريركية، وتبين مبلغ التناقض بين استمراريتها قانويناً وفكرياً وبين الواقع الفعلي حيث النساء بتن يمثلن نسبة ذات مغزى من قوة العمل في مجتمعاتهن. أثار هذا الجانب أكبر قدر من التوترات والمواجهات في السنوات الماضية، ووصل أحياناً إلى التسبب بتظاهرات هائلة متقابلة، حيث نزلت مئات الألوف من النساء إلى الشوارع تأييداً للشريعة الإسلامية التي «إذا طبقت بشكل سليم» تكفي لتوفير حقوقهن وحمايتهن من غدر الزمان، بينما طالبت الأخريات بمدونة مدنية يمكن تطبيقها على المواطنين كافة بالتساوي. من لا يتذكر التظاهرات في المغرب في بداية الألفية الثالثة؟ وقد صدرت المدونة في النهاية بإدارة مكلية وسعت إلى التوفيق بين القطبين. من جهة ثانية، ثمة أصوات عدة تسجل، وعن حق، الاعتباطية في تطبيق مدونة الأسرة المغربية الجديدة بسبب جهل أو ريبة القضاة وصاحبات الشأن أنفسهن، وعجزهن عن الاستفادة من بنودها. ذلك أن البؤس الشديد ما زال قائماً، يرافقه ما هو معلوم من سلوكيات وتشويات، كذلك هي الأمية، خصوصاً بين النساء. وقد أعلن حزب النهضة الإسلامي في تونس أنه سيحترم مدونة الأسرة المعلمول بها، وهي متقدمة في اعترافها بحقوق للنساء مع حقوق للرجال.

ما المطلوب من المرأة في العالم العربي اليوم؟

لا بد من التفاوض على إعلان نسوي يشكل وثيقة الحد الأدني لمطالبات النساء في العالم العربي اليوم. هذا لا يمنع احتفاظ كل مجموعة بمطالباتها الخاصة، لكنه يولد دينامية سجالية مسؤولة ويفيد على السواء التيارات كافة الموجودة بين النساء، لأنه وسيلة لردم القطيعة بينهن، وهي أكبر بكثير مما بين سواهن، والريبة أيضاً. وهذا بذاته له دلالاته. يمكن لمسار تفاوضي من هذا القبيل أن يضع التساؤلات والتحديات على الطاولة، وأن يبلور الاتجاهات داخل التيارات نفسها، وأن ينضج الكثير من الأهداف والوسائل على السواء.

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى