“نوافذ” المستقبل إذ أقفلت/ محمد حجيري
مع إقفال أو إيقاف ملحق “نوافذ” في جريدة “المستقبل” إلى أجَل غير مسمى، لأسباب معروفة (مالية)، يطوى الهامش الوحيد الذي كان متاحاً في الجريدة الحزبية المستقبلية الحريرية…
“نوافذ” الذي يصدر مع الجريدة صباح كل أحد، وله جمهوره، تميز بزواياه ومواضيعه، سواء المقالات الطويلة، أو التوقيعات المقتبسة من الصحف والمقابلات، أو الصور المنتقاة من الاعلام العالمي أو حتى “فواصل” أو “الفايسبوكيات”، أو تقسيمه المواد بين الاجتماعية والسياسية والأدبية والشعرية والمزاجية، وتفاوت حضوره بين مرحلة واخرى، بين استقطاب وآخر، بين سياسية واخرى، وشكل رافعة لا بأس بها، استقطبت مجموعة بارزة من الكتّاب السوريين واللبنانيين والعراقيين والمصريين، سواء في بداياته يوم كان اسمه (“روافد” قبل تغيير لاسباب تتعلق بنقابة الصحافة) ويديره حسن داوود كصفحة في جريدة “المستقبل”، الى جانب الشعراء بسام حجار يوسف بزي وفادي طفيلي والباحث شوقي الدويهي، ثم في مرحلة لاحقة تحول ملحقاً له كيانه الخاص، واعداده النخبوية، إلى أن أعيد ضمه الى الجريدة ضمن خطة حصر النفقات.
ورغم ظروف الصحيفة الحزبية وحسابتها السياسية والشخصية، صمد “نوافذ”، كأنه يمشي في حقل ألغام، سواء في مرحلة حسن داوود أو مرحلة يوسف بزي، استقطب الكتابات الميدانية من القاهرة، قرأنا فيه للراحل هاني درويش وحمدي رزق، ونشر الكتابات السياسية والأدبية والكردية من سوريا لعشرات الأسماء من ياسين الحج صالح الى عمر قدور، وفي لبنان بقي المنبر الوحيد الذي يكتب فيه وضاح شرارة بلغته الصعبة والمكثفة، وفتح مجالاً لكتابات عن مواضيع كانت هامشية لم تكن موضع اهتمام الصحف اليومية، سواء الكتابة عن العمارة والاحياء البسيطة والسير الشخصية أو المطاعم والمأكولات وصولا الى الصور الفوتوغرافية مع جوزيف الحاج.
و”نوافذ” كان خافتاً أو “يعارض” بطريقة حسن داوود حتى العام 2005، بدأ بعد اغتيال الرئيس الحريري أكثر جرأة وانفتاحاً على مواضيع كانت السياسات الحريرية تتجنبها وتهابها، وظهر بعد الثورة السورية اكثر اندفاعا، وارتبط هذا الاندفاع بحماس يوسف بزي الفائض في تأييد الثورة السورية، واعتباره انها الطريق الى خلاص بيروت.
مع تفاقم أزمة تيار “المستقبل” المالية، وانعكسها سلباً على اعلامه وموظفيه، بات كل شيء على المحك، غياب الرواتب من دون شك يدفع العقل الى التكاسل و”انعدام الأمل” كما عنون بزي مقاله الأخير، وأكثر من سبعة أشهر بلا رواتب في “المستقبل”، كافية للانفجار وإعلان العصيان، في بلد نعيش فيه كل يوم بيومه…
في ظل الأزمة، كان يوسف بزي حائراً ومربكاً، هل يبقى هل يرحل؟ الى أين يرحل؟ دولة لم تستقبله اعتبرته “شيعياً” في زمن الفرز الاقليمي، وجريدة لم توظفه، قيل لإدارتها انه متطرف في 14 آذار، مع أنه كان أعلن نفوره من 14 آذار التي عول عليها لفترة. بين البقاء والرحيل كان يوسف بزي، بين الصمود واللاصمود كما يظهر في تعليقاته الفايسبوكية، وكانت الخاتمة ان سقطت “نوافذ” أمام رياح الازمة المالية المستقبلية.
لا شك أن الملاحق الثقافية، غالباً ما تكون أولى الضحايا حين تحصل الازمات المالية في الصحف اللبنانية، فالادارة (أي أصحاب الصحف) إما تقلص نفقاتها فتقزم من شكل الملاحق وتضمها الى الجريدة كما حصل في “المستقبل” و”النهار”، وفي السياق ذاته، ومع تقليص النفقات يتم تهريب أو “تطفيش” أبرز الكتّاب والمستكتبين، وهذا حصل نسبياً في ملحق “نوافذ” وقبله ملحق “النهار” زمن الياس خوري، وملحق “آفاق” في جريدة الحياة الذي بات أقل من صفحة ثقافية، بلا نكهة، والأفدح من ذلك أن الصحف تلجأ أيضاً الى طرد رموز الملاحق،(الياس خوري وبلال خبيز ولاحقاً محمد أبي سمرا في “النهار”)، وحسن داوود في “المستقبل”.
انتهى “نوافذ” الآن، عسى أن يعود لاحقاً، ولا ضرورة لإبداء الرأي في ملاحق “السفير” و”النهار”…
وتحية الى يوسف بزي.
المدن