صفحات العالم

هامشيون يملأون الفراغ


عبد الوهاب بدرخان

مشهدا الأحد الماضي في وسط بيروت، ضد النظام السوري ومعه، كانا يائسين ولم يحققا هدفهما لكنهما عمّقا تفاهة الوضع الداخلي. هناك اجماع على انهما مثّلا جماعات هامشية في غياب القوى السياسية الأساسية، علماً بأن المخاطر تأتي أحياناً من الهوامش، بل انها هي التي توظف لافتعال الفتن. وتتحمل القوى الأساسية في 14 و8 آذار، بانقساماتها الحادة، مسؤولية منع الدولة والمجتمع من بناء موقف واضح ومحترم والى حد ما موحد يتعلق بمستقبل العلاقة بين الشعبين والدولتين في سوريا ولبنان. فمنذ أصبحت “الفتنة” المآل المتوقع لأي خلاف، جرى تعطيل البلد ورهنه في صراعات داخلية وخارجية متداخلة.

يبقى المشهدان، على رغم مساهمتهما في احياء “الشارعين” او التذكير بهما، في اطار التعبير، وهو مبدئياً حق للجميع. فمن حق البعثيين التظاهر تضامناً مع النظام السوري، وتأكيداً لارتباطهم به والانتماء اليه، من دون ان يُعرف متى وأين تبدأ لبنانيتهم وماذا تعني اذا وجدت أصلاً. ثم ماذا يعني التضامن مع هذا النظام في أيامنا هذه، بل ماذا يعني تراقص المتضامنين وهزجهم فيما كانت لا تزال تدور في بابا عمرو وقائع أحدث مجازر واعدامات جماعية؟ المعنى واضح، لكن تترك الاجابة لضمائر المتضامنين. وليس هناك ضمير انساني يمكن ان يسوّغ القتل او يثني على القتلة.

كذلك، من حق السلفيين وأشباههم ان يتظاهروا ويعتصموا نصرة لشعب سوريا الذي يتعرض لأعتى وحشية تمارسها سلطة ضد من يفترض أنهم شعبها. لكن السلفيين يخطئون إذ يعتقدون انهم اسدوا أي خدمة للسوريين المنكوبين، بل ان ظهورهم في قلب بيروت ولحاهم وأثوابهم وشعاراتهم تشكل تنفيراً بائناً ومباشراً لأي نصرة عالمية متوخاة. واذ يشكو زعيمهم أحمد الأسير من “تطمينات” المجتمع الدولي بأن “لا تدخل عسكرياً” في سوريا، على رغم المجازر، فعله يدرك أن قفزه وأمثاله الى الواجهة لا يحبط أي “تدخل” فحسب، بل يقنع القوى الدولية بأن الشيطان الذي تعرفه في سوريا أفضل من الشيطان الذي تجهله.

لم يكن المشهدان مع وضد. كانا بالأحرى مع، لكن احدهما يعلم، والآخر لا يعلم. فالنظام السوري ووكلاؤه الـ8 آذاريين سيعملون على نفخ الفقاعة الأسيرية وتضخيمها لأنها تخدم رواية دمشق وأكاذيبها. ومن شأن الأسير ان يصدّق نفسه كرقم جديد صعب في المعادلة الداخلية، وعذره في ذلك أن ثمة “فراغاً اسلامياً” وأنه وحده من تجرأ وتقدم لملئه.

هذا الفراغ ليس اسلامياً، انه وطني، ويشتمل على كل مكوّنات المجتمع التي لم تعد تعرف او ترى إلا ما يفرّقها. لا أحد يجهل ان للبلد سقفاً هو التوافق، وانه الآن بلا سقف. يخطئ “حزب الله” في قصر رهاناته على بقاء نظام دمشق، كما يخطئ خصومه في القعود وانتظار سقوط هذا النظام. إذا كان مستقبل البلد رهن ما سيحصل في سوريا، فهذا لا يعني سوى أنهم لا يتصورون وفاقاً وطنياً ولا في اي حال.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى