هبوب الشعر في إدنبرة
سحر عبدالله
حين تهب نسائم الشعر من الجنوب
يحيى جابر، جولان حاجي، مازن معروف ورشا عمران في إدنبرة بدعوى من مهرجان رييل للشعر والموسيقى والفنون,لم أصدق الخبر الذي زفه لي الصديق جولان حاجي منذ حوالي شهر. سارعت لحجز شقة وبطاقات القطار كي نتعرف عليهم وجهاً لوجه فالجميع أعرفهم شعراً لكني لم ألتق أحدهم من قبل. لكن إدنبرة عاصمة سكوتلندا تلك المدينة المسترخية على البحر والممتلئة بكل ما يجعلها مدينة جديرة بالجمال كانت مشغولة بأشياء كثيرة غير قراءة شعراء سوريين وفلسطينين على مدى يومين من شهر أيار وهو موعد سنوي للما را ثوان. يركضون بالآلاف لساعات طويلة خدمة لأغراض إنسانية تتراوح من دعم لشعوب تناضل من أجل الحرية أحياناً أو من أجل الدفاع عن قطط وكلا ب المدينة في أحيان أخرى.
كان كل ما يهمني أن أجد غرفة تضمني والأولاد وعلي ونرى الأصدقاء ونستمع للشعر. لمحاسن الصدف تمكنت من تأمين سكن بلحظات أخيرة وكان البيت الذي استأجرناها قريب للمكان الذي نزل فيه الأصدقاء. مساء الخميس كان يحيى ورشا وجولان ومازن في غلاسغو لقراءة الشعر وزيارة بعض ملامح المدينة السياحية . وصلوا متأخرين ومتعبين واتفقنا أن نلتقي صباح الجمعة.
مشيت أنا وكنان ودفى باتجاه الدار السكوتلندية ولم تكن تبعد سوى دقائق عن مكان إقامتنا وإذا برأس يحيى جابر الأبيض يلوح لنا بنهاية الشارع. قلت لكنان هذا يحيى جابر.. حاولت أن أقتنص صورة خاطفة قبل أن نقترب أكثر، فهب من مكانه ولاقانا بتلك الابتسامة الأليفة كمن تعرفه منذ دهر.بعدها بدقائق وصلت رشا وكان العناق والسلام والاطمئنان على البلد وأحوالها.
كانت رشا تسترق الوقت بين الدقيقة والأخرى كي تلقي نظرة ع الفيس بوك وتتابع جمعة الحرية وبين اطمئنان وآخر سيكارة. كانت منفضة السكائر مليئة بما تبقى من رماد الأنفاس المتعبة والتي طال انتظارها.
مساء للشعر:
وصلت أنا وكنان لمكتبة الشعرالكسوتلندي حيث كان موعدنا للاستماع وقوفاً مع الشعر العربي: وقفت بسوداها وحزن صوتها الذي سكب على الحضور هدوءه اللافت تكتب سيرة منارتها البحرية بظهرها المدار نحو المدينة ووجها الملقى على البحر، بمعطفها المتهالك وبذكرياتها ووحدتها تمضي كرقم في دفتر حساب، كانت رشا عمران التي اختارت أن تسمع بقلبها لمن لم يقل شيئاَ
” هو لم يقل شيئاَ ، أنا التي كنت أستمع إليه”
القراءة الثانية كانت لمازن معروف الشاعرالفلسطيني اللبناني الذي بدأ قراءته بمقطع مؤثر للغاية : أن تصرخ هو أن تكون فلسطينياً تبعها بصور موحية وقوية ومؤثرة جداً عن معنى أن تكون فلسطيني: أن ترى صورتك المتكسرة على وجه مياه البالوعة !
الرصاصة الطائشة التي عبرت الصالون وغرفة الجلوس لتستقر في أسفل رأسي وتقتلك!!
جولان حاجي: ذاك الكردي الجميل الذي وصل لإدنبرة في اللحظة الأخيرة بعد أن انتظر أكثر من غيره للحصول على فيزا وكذلك حُقِقَ معه لساعة ونصف في المطار لأسباب لم أفهمها منه لضيق الوقت.
وقف جولان كشجرة نحيلة ورقيقة وسط القاعة مسرحا نظره الثابت في اللامكان وفي ما خلف النافذة متحفزاً ومبتدئاً قرائته الشعرية بقصيدة باللغة الانكليزية
وبثلاث قصائد باللغة العربية سكبت من الحزن وغرابة الصور بما يكفي كي يصفق الجهور بقوة حين انتهى من قراءة قصيدته الأخيرة بالانكليزية:
“الحياة التي صنعتني انتهت”
“واليد التي علمتني بُترت”
“درج يفضي إلى اللانهاية وأحلام تأخذ للمجهول..
“حصاة تحت جمجمة الوالد وقبلة على فم أختي التي ماتت..
خاتمة القراءات كانت ليحيى جابر الذي قدمه الشاعر السكوتلندي الشاب وهو من ترجم قراءات يحيى للانكليزية بأنك حين تود التعرف على شاعر وكاتب ومخرج ورجل مشهور فأنت تتعرف على يحيى جابر..
اختار يحيى أن يبدأ القراءة بلفتة ساخرة وموحية وبتواضع واضح: حين سأله الشاعر من سيبدأ بالقراءة أولا رد يحيى أنت طبعاَ فالبلد بلدك والسيدات أولاً!!
“لستُ مجنوناً لكني رأيتُ هذا الصباح البحر في المغسلة..”
“بعدَ قصة حبٍ طويلة طويلة جداً تزوجتُ نفسي”
“صفعتُ لصا ً في وجهه لأنه يشبهني”
ومقاطع أخرى جميلة ومختصرة أثارت التصفيق والإعجاب
من الضروري التنبيه بأن المهرجان أيضاً رعى احتفالية قصيرة للسينما السورية تضمنت فيلمين لعمر أميرلاي أحدهما فيلم الطوفان وكذلك فيلم زبد لريم علي إضافة لفعالية موسيقية لشابين من لبنان.
على تواضع التظاهرة من كل النواحي وخاصة التنظيمية كنت سعيدة وبأنانية خاصة أن أرى الأصدقاء يطيرون من بلاد الألم كي يمتعونا ويمنحونا الكثير من الأمل والجمال شعراً ونثراً ورؤية.
ودعنا الأصدقاء على أمل لقاء قريب وأطول وقضينا يوماً إضافياً في المدينة وبين شارع وشارع كان كنان يردد عبارة يحيى وصفعتُ لصاً على وجهه لأنه يشبهني..
إدنبرة 12 أيار 2011