هجرة السوريين لا تعني الموت غرقاً فقط!/ فايز ساره
آخر الكوارث التي حلت بالمهاجرين غير الشرعيين الى اوروبا، كان غرق سفينة في البحر المتوسط تقل ثلاثمائة شخص، وقبلها بايام فقط غرقت سفينة اخرى في البحر المتوسط، كانت تقل أكثر من سبعمائة شخص، وفي الحالتين كان بين الضحايا سوريون منهم نساء واطفال. والحادثتان تكرار لما سبق وحصل عشرات المرات في مياه البحر المتوسط في الاربع سنوات الماضية، وكلها حصدت ارواح سوريين، تقول بعض التقديرات انهم تجاوزوا الخمسة وثلاثين الف شخص، وقد يكون العدد أكثر من ذلك بكثير، لانه من الصعب احصاء ارقام من ماتوا، وهم في جحيم المجهول.
الموت البحري لبعض المهاجرين السوريين غير الشرعين الى اوروبا، هو محصلة لعمليات تجري في الظلام، تمتد مجرياتها على شواطئ البحر المتوسط في بلدان منها تركيا الى مصر وليبيا وتونس والجزائر، وهدفها بلدان بينها اليونان وايطاليا وربما في غيرها من البلدان في رحلات سرية لا نعرفها، لان خطوط الهجرة السرية، لا تعلن عن نفسها، وانما تنكشف احياناً، والذين يديرون تلك العمليات عصابات من المهربين المتاجرين بالبشر، يستغلون حاجة الاشخاص البسيطة في البحث عن مكان آمن، يجدون فيه ملاذاً، يوفر الحد الادنى من مأوى وغذاء ورعاية صحية، بعد ان دفعهم مسار القتل والجوع والافقار الذي اختطه نظام الاسد في التعامل مع السوريين منذ اكثر من أربع سنوات، دفع خلالها نحو خمسة ملايين سوري الى بلدان الجوار، التي عجزت بامكانياتها المتواضعة وظروفها الصعبة وبالمساعدات الدولية الشحيحة عن توفير ما يحتاجه هذا العدد الضخم من اللاجئين، مما اضطر بعضهم بجهود فردية للبحث عن ملاذ آخر في بلدان الوضع الافضل القريب في اوروبا.
مسار الهجرة غير الشرعية للسوريين، يبدأ من البحث في المناطق الهامشية عن المهربين، واغلبهم من الشخصيات الغامضة في اسمائها وفي تصرفاتها، لانها جزء من مافيا مجهولة، لاتستطيع الكشف عن تفاصيلها، وبعد العثور على المهربين، تبدأ الشروط المالية والوعود بأفضل شروط الانتقال من باب تطمين الراغبين بالهجرة، وتأكيد ان سلامتهم مضمونة، وان وصولهم مؤكد وسريع، وان ظروفهم ستكون افضل مما هم فيه، والمقابل المادي، يمكن ان يصل الى عشرة آلاف يورو، ويضيف بعض المهربين، انه يمكن ان تمنح تسهيلات بالدفع الذي يمكن ان يكون على مرحلتين.
الراغبون بالهجرة والذين يصدمهم حجم المبلغ الذي يساوي ثروة حقيقية بالنسبة لهم، يبذلون كل طاقاتهم لتأمين المبلغ، بعض منهم يأتي بما تبقى له من قيمة ارض او منزل أو محل باعه في سوريا، وآخر جمع ماتبقى من مال من اخوته واهله، وآخر استدان من هنا وهناك مبالغ، وأضافها الى مايملك، وكلهم يضعون المال في قبضة المهربين، قبل ان تبدأ الرحلة، التي لا مؤكد فيها، بل ان بعضها لم يتم اصلاً، حيث يكتشف بعض الراغبين في الهجرة، انهم وقعوا في قبضة نصابين ومحتالين، باعوهم الوهم واخذوا ما أمكن جمعه من مال بهدف هجرة غير شرعية لن تتم.
اما الذين سارت امورهم على مايرام، والتقوا مهربيهم في المكان والزمان من اجل السفر، فأغلبهم يجد نفسه ضحية كذب فاضح، حيث السفينة الموعودة، تحولت قارباً صغيراً، والعدد المحدود من المهاجرين صار أكبر مما يحتمله قارب متهالك، والسفر المأمون، تحول الى سفر محاط بالمخاطر، وليس امام المهاجر الا القبول بالامر الواقع، او ان ماله سيضيع عليه، وتفوت عليه فرصة السفر الني انتظرها طويلاً، وقد لا تتوفر فرصة اخرى.
يصعد المهاجرون الى السفينة او القارب، وقد يصبح الاخير قارباً مطاطياً، دون ان يملكوا اية فرصة للاعتراض، وفي بعض مواقع التهريب، ركب المهاجرون تحت تهديد سلاح عندما ابدوا اعتراضات على بعض تفاصيل سفرهم، بل الاصعب من ذلك، كان اجبار الركاب على النزول في مناطق، لا تشكل نقطة الوصول المفترضة، وبعضهم تم تسليمهم الى خفر السواحل في بلد الانطلاق، وفي كثير من الحالات خسر الركاب، ما دفعوه من اموال بغية الهجرة، وبعضهم تم ايداعه السجون لفترات قبل ان يعود الى حيث كان، ليبدأ من جديد من استطاع منهم محاولة جديدة لهجرة الى ملاذ آمن.
مسارات الهجرة غير الشرعية للسوريين الى اوروبا وتفاصيلها، هي بعض معاناة السوريين، التي تصاعدت وعمقت الكارثة الانسانية، التي صاروا في اعماقها، وهي قضية يبدو ان لا حلول لها، طالما ظلت سوريا مكاناً طارداً لسكانها بسبب ممارسات نظام الاسد، والتي توافقت معها ممارسات جماعات التطرف والارهاب مثل «داعش»، ليدفعا معاً المزيد لمغادرة بلادهم، وان كان هناك مسعى دولي لوقف الهجرة غير الشرعية، فلا بد ان يركز المسعى على وقف الحرب في اطار حل سياسي للقضية السورية، وحتى يحين وقت الحل، وتبدأ خطواته العملية، فان تحسين اوضاع وحياة النازحين واللاجئين في بلدان الجوار بين الخطوات الاولى المطلوبة، التي تحتاج جهوداً اقليمية ودولية مكثفة، وتتطلب توفير تمويل مناسب، يوفر حياة انسانية مقبولة، كما ان فتح ابواب بلدان العالم بما فيه اوروبا امام سفر مأمون للسوريين، يمكن ان يخفف من عمليات الهجرة غير الشرعية، وتجعلهم خارج خارطة الهجرة غير الشرعية، التي لا تعني اليوم سوى التعرض للمخاطر شاملة الابتزاز والسرقة واحتمالات كبيرة للموت غرقاً.
المستقبل