صفحات الناس

هجوم إلكتروني… من أجل سوريا

في الأسبوع الماضي فقد السوريون الاتصال بشبكة الإنترنت للمرة الثانية خلال شهر واحد. وبينما يدعي نظام الأسد أن تلك الأعطال ناتجة عن عيوب في وصلات الشبكة، فإن هناك دلائل تشير إلى أن الأعطال كانت نتيجة لمحاولات متعمدة من جانب الحكومة السورية، لإضعاف قدرة المعارضة السورية على التواصل داخل البلاد والاتصال بالعالم الخارجي.

وفيما يناقش صانعو السياسة الأميركية الإجراءات الإضافية التي يمكنهم اتخاذها للضغط على الرئيس السوري، ومساعدة العناصر المعتدلة في المعارضة السورية، فإنه يتوجب عليهم أيضاً النظر في مسألة القيام بحملة إلكترونية عسكرية عبر الإنترنت لمنح السوريين القدرة على التواصل بحرية عليها. والقيام بذلك سوف يخدم أهدافنا القومية، ويمثل التزاماً مبدئياً بحرية الإنترنت. فمثلا يمكننا من خلال قيادة «الفضاء المعلوماتي العسكري الجديدة» خلق «ملاذ آمن» رقمي مشابه للملاذات الآمنة في العالم الحقيقي التي تمنح للاجئين الهاربين من قمع ووحشية الأنظمة، عبر نشر تقنيات البث اللاسلكي فائق الدقة والسرعة (واي فاي) للمسافات الطويلة، على امتداد الحدود السورية وفي المناطق الخاضعة للمعارضة الموثوق بها. ويشار في هذا السياق إلى أن المنصات التي تتيح نقل إشارات «واي فاي» عبر مسافات تتجاوز 60 ميلا، تستخدم بالفعل في أجزاء من جنوب آسيا وبعض الأسواق الريفية هناك.

وبتأمين نقاط دخول آمنة لشبكة الإنترنت ستكون جماعات المعارضة قادرة على الربط بين شبكاتها اللاسلكية والشبكات الخاصة بالجماعات المتفقة معها في الأفكار والأهداف. وسيمكّنهم هذا من الوصول لمسافات أبعد داخل البلاد، مما يوفر لقطاعات عريضة من السكان السوريين وصلات للدخول بحرية على لإنترنت. ونظراً لأن الولايات المتحدة ستكون قادرة على مراقبة هذه الشبكات، فإنها ستستطيع التأكد من أن عناصر المعارضة المعتدلة هي المستفيد الرئيسي من ذلك.

وهناك إجراءات لاحقة يمكن اتخاذها قد تشمل الإجراءات اللازمة لمواجهة القدرات الإلكترونية التي يمتلكها نظام الأسد، لمراقبة اتصالات المعارضة من داخل بنية الاتصالات السلكية واللاسلكية التحتية الموجودة بالفعل.

وكل ذلك يمكن القيام به دون حاجة لوضع جنود أميركيين على الأرض. فأخصائيو قيادة الفضاء المعلوماتي بإمكانهم مراقبة شبكات المعارضة من على بعد، لمواجهة أي محاولات حكومية للتداخل معه تلك الشبكات والتشويش عليها، مع القيام في الآن ذاته بتدريب عناصر المعارضة كي يكونوا قادرين على تشغيل وحماية اتصالاهم الرقمية دون حاجة لمعاونة من أحد.

وأي شخص لديه شك في قوة الدخول الحر على الإنترنت، عليه التمعن في التجربة المصرية. فبعد سقوط حكومة «مبارك»، وبينما كان التيار الديني يسعى لتحقيق السيطرة على الأوضاع من خلال نشر الدعايات عبر المنافذ الإعلامية التقليدية، بدأ جرّاح القلب الذي تحول إلى مذيع ساخر، «باسم يوسف»، إذاعة مقاطع مصورة على موقع يوتيوب للكشف عن ادعاءاتهم الكاذبة. واليوم نجد أن البرنامج الذي يقدمه يوسف عبر إحدى القنوات الفضائية، هو البرنامج الأكثر شعبية في مصر، ويؤدي دوراً مهماً في اقتطاع مساحة معينة من الخطاب السياسي في البلاد وإتاحتها للمصريين الراغبين في مساءلة الحكم القائم.

والنموذج المصري يلقي الضوء على الدور الطويل الأمد الذي يمكن للاستراتيجية الفضائية التي أشرنا إليها لعبه في سوريا بمجرد سقوط النظام الحالي. فمثلما كان الحال في مصر، يتوقع لسوريا أيضاً أن تدخل فترة صعبة من الانتقال السياسي سوف يكون فيها امتلاك قدرة الدخول الحر على الإنترنت والسيطرة على الاتصالات الرقمية أمراً على قدر كبير من الحيوية. فمن خلال ضمان تمكين السكان من الحصول على وصلات لدخول الإنترنت سيكون بمقدور الولايات المتحدة الترويج للآراء المعتدلة ومواجهة الأفكار المتطرفة لبعض الجماعات الجهادية.

والقيام بحملة فضائية في سوريا من خلال أظهار القدرات الأميركية المتفوقة سوف يساعد على ردع هؤلاء الذين يرغبون في القيام بهجمات إلكترونية ضد الأراضي الأميركية مستقبلا.

والحقيقة أن الواجب يستدعي تنفيذ تلك الحملة على نطاق واسع في أي منطقة تسعى الولايات المتحدة إلى التأثير على تطوراتها السياسية. فالطغاة الذين يحرمون شعوبهم من حق التجمع الرقمي، يجب أن يعلموا أن أميركا سوف تقوم بنشر عناصر من قوتها في مجال الفضاء المعلوماتي مثلما تقوم بنشر عناصر من تلك القوة في كافة المجالات الأخرى، عندما يتفق ذلك مع أهدافنا الوطنية وقيمنا الراسخة.

هناك خيارات محدودة للتعامل مع المذابح التي يرتكبها نظام الأسد ضد شعبه، بيد أن ذلك لا يعني أن باقي العالم عاجز عن التحرك. فحملة فضائية جيدة التنفيذ سوف تؤدي في وقت واحد إلى تقوية المعارضة وتقويض الحكومة السورية، والترويج لمبادئ حرية التعبير والتجمع، والمساعدة على تشكيل ملامح البيئة الاستراتيجية في المنطقة لسنوات طويلة قادمة.

كريس فينان

مستشار سابق لإدارة أوباما في شؤون الأمن المعلوماتي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى