هدم المنازل العقابي في المدن السورية: جريمة حرب
من لجان التنسيق المحلية في سوريا
هدم المنازل العقابي في المدن السورية
في العمليات الحربية أو بقرارات إدارية هو جريمة حرب
عمد النظام المجرم خلال الشهور الماضية إلى اتباع سياسة ممنهجة تستهدف إلحاق أكبر دمار ممكن لمدن وبلدات سوريا، تحقيقاً لشعار “الأسد أو نحرق البلد”. وهو يقوم بذلك بالوسائل الحربية، وكذلك باللجوء إلى سياسة الطرد القسري للمدنيين من بيوتهم وهدم المنازل بيتاً بيتاً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، في شهري تموز وآب من عام ٢٠١٢، قامت قوات الأسد المجرمة بهجوم عسكري ضخم ضد السكان المدنيين في حيي كفرسوسة وبساتين الرازي المزة والأحياء التي يطلق عليها “مناطق المخالفات” في دمشق. نجم عن الهجوم أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، ودمار كبير لأحياء بكاملها.
أثناء تنفيذ الهجوم، وبعده مباشرة، قامت حكومة النظام بالإعلان عن نيتها تنفيذ عمليات هدم إداري للمنازل في هذه الأحياء، بحجة “التنظيم العمراني”. وفي الأسابيع التي لحقت الهجوم، قامت جرافات البلدية، مدعومة من قبل دبابات الجيش، وجنود المشاة، والشبيحة بالدخول بشكل يومي إلى تلك المناطق، في عملية هدم ممنهج للمنازل بيتاً بيتاً، مع تدمير المحاصيل الزراعية، وقلع حواكير الصبارة بكاملها والتي طالما ميزت ودعمت الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تلك الأحياء.
عند قيامه بهدم المنازل، يدعي النظام بأن هذه البيوت “مخالفة”، لأنها مبنية بدون رخص بناء و/أو أنها تطأ على أراضي منظمة أو هي قيد التنظيم العمراني. وتستند سلطات النظام إلى المرسوم التشريعي رقم (٤٠) الذي أصدره رأس نظام التشبيح في ٢٧ أيار ٢٠١٢، كأساس قانوني لعمليات هدم المنازل الجارية على نطاق واسع. قبل بدء الثورة كان نظام التشبيح يصدر مثل هذه المراسيم بشكل دوري لتنفيذ سياساته في “التنظيم العمراني” التي اتسمت على مدى عقود، بأنها غير منصفة، وبطيئة واعتباطية، وتقوم أساساً على تفضيل المضاربة العقارية، بدون اعتبار لمسؤوليته في تأمين مساكن منصفة وكريمة للمجتمع.
ومع بداية الثورة، أصبح النظام يستخدم قوانين التنظيم العمراني كأداة للقمع السياسي وكشكل من أشكال العقاب الجماعي لإزالة أية إمكانية للعيش في تلك الأحياء. يُطرد السكان قسراً من بيوتهم، وتُنهَب منازلهم، ومن ثم تُهدَم أو تُحرق أمام عيونهم، بدون أي اخطار مسبق. وتكثر الأدلة في العديد من الأحياء، عن عمليات هدم فوري لمنازل بسبب وجود عبارات مناهضة للأسد على جدرانها. وفي ظل هذه الظروف، فإن هدم المنازل الإداري، يجري بشكل عقابي و كأداة حرب غير شرعية. ولا يجد القاطنون فيما يختبرونه من هدم لمنازلهم بشكل إداري أي فرق بينه وبين القصف العشوائي.
ترى لجان التنسيق المحلية بأنه في ظل الأوضاع الراهنة، فإن القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الانسان المطبق في النزاعات المسلحة غير الدولية، هما واجبا التطبيق بشكل رئيسي على الاحياء المدنية السورية، سواء أكانت هناك معارك تحدث فيها أم لا. إن قانونية أعمال هدم المنازل أو أية أعمال حكومية بقصد “التنظيم العمراني” يجب تقييمها من منظور القانون الدولي الإنساني. وتصبح المنازل في هذه الأحياء محمية بشكل رئيسي بمقتضى أحكام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، من حيث هي ممتلكات مدنية لسكان مدنيين.
سوريا دولة عضو في اتفاقيات جنيف الأربع تاريخ ١٢ اب ١٩٤٩، التي تضم قواعد اتفاقية للقانون الدولي الانساني. وتطبق المادة ٣ المشتركة لهذه الاتفاقيات على كافة أطراف النزاع المسلح غير الدولي. كما أن الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني أصبحت تعتبر جرائم حرب. وقد أدرجت تعاريف لجرائم الحرب في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية التي تمت الدعوة للتوقيع عليه في روما عام ١٩٩٨ (نظام روما)، وكانت سوريا قد وقعت عليه ولكنها لم تنضم إليه.
وتعكس لائحة جرائم الحرب الواردة في المادة (٨) منه، القانون الدولي العرفي القائم وقت اعتماد النص. وتعلن المادة ٨(٢)(هـ)(12) من نظام روما أن تدمير ممتلكات الطرف الآخر أو الاستيلاء عليها هي جريمة حرب، ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات النزاع. عندما يقوم النظام بهدم المنازل الإداري، فإنه لا يعتد بالضرورة العسكرية، بل يلجأ للهدم لأغراض عقابية حصراً، الأمر الذي يشكل جريمة حرب وفق أحكام القانون الدولي الإنساني.
وبموجب نظام روما، يعتبر الأفراد، سواءً أكانوا مدنيين أو عسكريين، مسؤولين جنائياً بارتكاب جرائم حرب عند خرق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، في أوقات النزاع المسلح ذي الطابع غير الدولي. وتلحق المسؤولية أي شخص يرتكب هذه الجرائم، وأية أشخاص آخرين متورطين فيها، سواء عبر تقديم العون والمساعدة، أو اصدار الأوامر أو التخطيط لارتكاب الجريمة. في الظروف الموصوفة أعلاه، تحمل لجان التنسيق المحلية مسؤولية إرتكاب جرائم حرب لكل الأفراد المشتركين في هدم المنازل الإداري بالتزامن مع الهجوم العسكري الذي يشنه النظام على المدن السورية. يشمل هؤلاء، بدون حصر، رأس النظام التشبيحي، الذي أصدر مرسوم هدم المنازل الإداري في ظروف النزاع المسلح، بالإضافة إلى كل عضو من أعضاء قوات الأسد قام بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لتنفيذ حملات الهدم، وكل عضو في الحكومة، ومن الوزارات ذات الصلة، وكذلك في السلطات البلدية، بما في ذلك المحافظين، وكافة الدوائر البلدية المختصة، التي تورطت بشكل مباشر أو غير مباشر في حملات هدم المنازل الإداري ذي الطابع العقابي في كافة أنحاء المدن السورية.
توجه لجان التنسيق المحلية هذا النداء العاجل لكافة المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المعنية، لإعلان المدن السورية، بما في ذلك مناطق السكن غير الرسمي، مدناً محمية بشكل مطلق من أعمال هدم المنازل الإداري، وذلك حتى سقوط النظام التشبيحي الحالي وإقامة حكومة ديموقراطية وشرعية في البلاد.
لجان التنسيق المحلية في سوريا 10-9-2012