هذا العيد/ حسام عيتاني
تحضر في العيد القيم الإنسانية العليا التي يحتفل المؤمنون بها، لتُقارن بواقع الحال المأسوي غالباً، في كلمات الخطباء صبيحة العيد.
ومن واقع الحال، أن مؤمنين أبيح لهم أكل الكلاب والقطط في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق بسبب حصار قوات النظام السوري. الأمر ذاته في الغوطة الشرقية، التي وافق الجيش على خروج بعض من سكانها المدنيين من طوق الحصار الى ضاحية قدسيا، فارضاً عليهم الهتاف بحياة قاتلهم الذي قصفهم بالغازات الكيماوية قبل شهرين.
ومن واقع الحال أيضاً، أن يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان والأردن لأبشع انواع الاستغلال المادي والنفسي والجسدي، وان يصبحوا أهدافاً لعوارض مختلف الامراض الاجتماعية.
ومنه كذلك تقارير تفصل جرائم بعض المسلحين المتطفلين على الثورة في قرى الساحل السوري، في دفعة جديدة لريح الحرب الطائفية التي يشتهيها النظام ويجهد مع أجهزته في سبيل تعميمها.
التضامن البسيط الذي كانت جماعة المؤمنين تعتمد عليه في درء النوائب لم يعد كافياً في عالم اليوم. تعقيد البنى الاجتماعية من جهة وهول غوائل الدهر، من الجهة المقابلة، باتا يتطلبان مستوى أرقى من التعامل العابر للخصوصيات الدينية والوطنية. هذا في البداهات.
والحال اننا لسنا امام «هجمة» من قوى ضارية لاعقلانية تستبيح المجتمعات العربية بهدف استتباعها وإلحاقها بمشاريع امبراطورية أو تسلطية، ولسنا فقط في مخاض غامض السمات ننتقل فيه من حال معلوم – مرفوض الى حال مجهول – مأمول. بل نحن شهود على تضاؤل قيمة ما تشكله مجتمعاتنا ودولنا في العالم وانقلاب الاستثمارات السياسية – الاقتصادية السابقة الى اعباء على مجتمعاتنا ككل.
فالكيفية التي انتهت بها مأساة قتل سكان قرى الغوطتين بالسارين تقول، بين أشياء أخرى، ما نعرضه كشعوب عربية على العالم. فهذا لا يحتاج المزيد من الضحايا. ولم تعد تكفي جثث اطفال الغوطة لتحرك أي ضمير ما دامت لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بمصلحة واضحة لأسياد العالم. وها هو الديكتاتور ينتظر الدعوة الرسمية ممن هدده بالقصف للمشاركة بالحل السياسي في جنيف-2.
والواقع، أيضاً، أن الاوراق التي كانت في ايدي شعوب وحكومات هذه المنطقة، قد فقدت قيمتها وجرى تحييدها أو قلبها وبالاً على اصحابها. خطف الطائرات في الستينات والسبعينات امتداداً إلى ارهاب «القاعدة» في العقدين الماضيين، وما بين الظاهرتين من كفاح مسلح ومقاومة، انتهى الى تكريس انقسامات عميقة في المجتمعات العربية والى حروب اهلية وهزائم مريرة. كذلك حال التلويح بسلاح النفط الذي أبعد بطرق عدة عن أي استخدام سياسي. آخر هذه الطرق ما يجري في العراق وليبيا اللذين يقدمان نموذجين فاقعين لثروة نفطية يجري استغلالها في دول تقف على عتبة الانهيار الشامل.
وفي الوقت ذاته، يقول تقدم قوى من نوع «الدولة الاسلامية في العراق والشام» («داعش»)، ونجاحها في التمدد وفرض نفوذها، وما يعادلها في بلدان عربية اخرى كاليمن وليبيا، أن مشكلات المجتمعات العربية أعمق وأسوأ مما بدا ذات يوم قريب انتشر فيه التفاؤل من ميدان التحرير في القاهرة. ويقول ايضاً ان أنصاف المواقف والحلول التي قبلت بها الثورات العربية، سرعان ما تكشف عن عجز التسويات المتسرعة عن انجاز التغيير المنشود.
في جميع الأحوال، يمر هذا العيد وسط مرارات الجميع من الجميع.
الحياة