صفحات العالم

هكذا غير الأكراد حسابات تركيا في سوريا


بيلين تورغوت

لسنوات عديدة, كان ينظر إلى المأساة الكردية على أنها مجموعة من الهدايا و الحلويات المحشوة التي يتم تناقلها ما بين سياج من الأسلاك الشائكة, يحمل الأطفال عاليا و يتم تناقل الأخبار عبر الحدود السورية التركية المغلقة. و كل عيد ديني يقوم الناس فيه بارتداء أجمل أزيائهم و ذلك من أجل رؤية بعضهم البعض على الطرف الآخر من الحدود التي رسمت اعتباطيا من قبل بريطانيا و فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى. لقد تم خلق هذه الدول من قبل القوى الغربية المنتصرة التي تركت الأكراد منقسمين ما بين تركيا و سوريا و العراق و إيران, حيث قامت كل من هذه الدول بإنكار و قمع الهوية الكردية.

بعد قرن على ذلك تقريبا, فإن الزلزال الجيوسياسي الذي بدأ بغزو الولايات المتحدة للعراق و الذي استمر من خلال الثورة السورية أدى إلى نشوء تحد لأسس النظام السياسي الإقليمي الذي بني من قبل الفرنسيين و البريطانيين, واضعا مستقبل الشرق الأوسط نهبا للنوازع المختلفة. هذه المرة, فإن الأكراد الذي يقدر عددهم بأكثر من 30 مليون, وهو الرقم الذي قد يجعلهم من أكثر الشعوب التي تعيش دون دولة, أكثر تنظيما. مدعومون بازدهار النفط في كردستان العراق – والتي انفصلت عن عراق صدام حسين بمساعدة من  الولايات المتحدة بعد حرب الخليج عام 1991, و أصبحت دولة شبه رسمية بعد سقوطه – ظهر الأكراد كقوة إقليمية جديدة, ظهرت و أكثر من أي مكان آخر في الثورة السورية.

لقد سيطر المقاتلون السوريون الأكراد قبل أسبوعين على بلدات في المنطقة الشمالية من سوريا بعد أن تنازل الأسد عنها لصالحهم من أجل استخدام قواته في دمشق وحلب. قبل ذلك, و في 12 يوليو, توسط الزعيم الكردي مسعود برزاني في اتفاق ما بين الجماعات السورية الكردية المتنافسة من أجل تشكيل مجلس وطني و التعهد بتسوية خلافاتهم من أجل المصالح الكردية المشتركة. لقد فاجأ هذا التطور أنقرة. و قد قال الكاتب التركي محمد علي بيراند أن إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرق سوريا, بعد انبثاق مشابه لها في العراق, يمكن أن ينذر بتحقق أسوأ كوابيس أنقرة  و المتمثل في خلق {دولة كردية كبيرة} على طول الحدود الجنوبية الشرقية  المضطربة حيث يسكن ما يقرب من 14 مليون كردي هناك. حتى كلمة “كردستان” تعتبر من المحرمات في تركيا, حيث أدى التمرد الانفصالي و الجهود المبذولة لقمعه إلى حصد أرواح ما يقرب من 3000 شخص خلال العقود الثلاثة الماضية.

يقول مصطفى كوندغدو من مشروع حقوق الإنسان الكردي ومقره لندن :”الحركة الكردية في سوريا تاريخية, وقد سلك الأكراد طريقا ثالثا. عوضا عن سحقهم ما بين نظام الأسد أو المعارضة, فقد قاموا بخطوة تعتمد على بناء مصالحهم الخاصة طويلة الأمد. لقد عملوا مع قوى المعارضة, و لكنهم مستقلون عنها أيضا. لقد أظهروا أنفسهم على أنهم لاعبون رئيسيون في هذه اللعبة و ليسوا ضحايا.

في الأشهر الأولى التي انطلقت فيها الثورة السورية, كان المجتمع الكردي على حذر من كل من نظام الأسد و من المعارضة السورية التي يسيطر عليها الإسلاميون للاستفادة من ما يمكن أن يكون فرصة تاريخية. يقول سيدا أتلوغ و هو مؤرخ و خبير في شئون الأكراد السوريين في جامعة البوسفور في اسطنبول :” لقد استخدموا زخم الانتفاضة من أجل إقامة مراكز مجتمعية و الشروع في نقاش عام و هي أمور لم تكن تسمع تحت حكم الأسد, لقد اتخذوا موضعهم في المظاهرات الكبيرة التي كانت تجري كل جمعة, و لكنهم كانوا دائما يحملون علمهم و يهتفون بشعاراتهم الخاصة أيضا. و الآن فإنهم يقطفون ثمار هذه العملية”.

إن أهم مخاوف تركيا هي أن واحد من أهم الأحزاب الكردية و أقواها و هو حزب الاتحاد الديمقراطي لديه علاقات مقربة مع حزب العمال الكردستاني, و هي مجموعة انفصالية تم ضمها لقوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و التي تقاتل من أجل الحصول على حكم ذاتي في المنطقة الجنوب شرقية من البلاد منذ عام 1984. وقد قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في خطاب وطني في 31 يوليو “لن نسمح أبدا بأي مبادرات يمكن أن تهدد أمن تركيا”. وقد حذر أردوغان  بأن تركيا سوف تتدخل في سوريا إذا أقام حزب العمال الكردستاني أي معسكر هناك, و قد بدأ الجيش التركي بنشر قوات و دبابات و صواريخ مضادة للطائرات في ذلك الجزء من الحدود.

بعد وقت قصير على سقوط شمال سوريا قام حزب العمال الكردستاني بشن هجوم على سيمدينلي و هي قرية تركية قرب الحدود السورية. و على الرغم من أنهم يستخدمون أسلوب الكر و الفر في ضرب المواقع العسكرية, إلا أنهم في هذه المرة قاموا بحصار البلدة الشرقية النائية, و ذلك من أجل لفت النظر كما يبدو. و قد استمر القتال لما يقرب من أسبوعين تقريبا حيث يقال أن قوات حزب العمال قد تمركزت في أماكن حصينة حول البلدة. وقد رفضت الحكومة التركية تقديم أي تفاصيل و هناك تعتيم إعلامي واضح. و قد قال موقع بيانت الإخباري المستقل أن مئات من القرويين أجبروا على ترك منازلهم بسبب القصف الجوي العنيف.

و لكن مع كل تهديد أردوغان, فإن التدخل العسكري أمر غير محتمل لسبب بسيط وهو أنه سوف يكون كارثيا. إن هذا التدخل قد يشوه صورة تركيا الشخصية على أنها بطل للديمقراطية في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي. كما أن هذا الأمر قد يثير العداوات مع الأكراد سواء داخليا أو في العراق و سوريا. كما أن هذا الأمر سوف يثير غضب المعارضة السورية العربية التي أطلقت العديد من المناشدات من أجل التدخل لإسقاط الأسد و لكن دعواتها جميعها تم تجاهلها.

يقول ألتوغ “إن تركيا ترى نفسها أكبر بكثير مما هي عليه. لا يمكنها التدخل بشكل منفرد في سوريا دون دعم الناتو أو الولايات المتحدة. أعتقد أنهم سوف يسيرون في الطرق الدبلوماسية من أجل محاولة السيطرة على التطورات في كردستان سوريا بتلك الطريقة”. في الواقع و على الرغم من وجود نفس المخاوف من ظهور حكومة إقليم كردستان في العراق, إلا أن أنقرة قامت ببناء علاقات تجارية قوية مع القيادة العراقية الكردية في أربيل, و التي عملت على منع حزب العمال الكردستاني من العمل بحرية على أراضيها. يوم الخميس الماضي, التقى وزير الخارجية التركي أحمد داودأوغلو مع البرزاني من أجل الطلب منه كبح جماح الأكراد السوريين. إن أربيل بحاجة إلى التعاون التركي من أجل خلق طريق للاستقلال عن بغداد في مجال تصدير النفط عن طريق حكومة كردستان العراق.

الأكراد على جانبي الحدود السورية التركية يقولون أنهم لا يبحثون عن كردستان مستقلة, و لكنهم يريدون إنشاء حكم ذاتي و منطقة كردية كاملة معترف بها على غرار حكومة كردستان العراق, و التي بقيت تحت سيادة العراق الفدرالية. هذه المناطق سوف تكون بالرغم من هذا متشاركة في بعض المناطق الحدودية مع الحكومة الفدرالية الكردية. و هذه النظرة كانت متبنية من قبل عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي كان يعتقد أن الدولة القومية هي مجرد نموذج قديم  و لا تناسب و حاجات الأكراد.

يقول أتلوغ :”بالطبع, بشكل أو بآخر فإن الاتحاد الذي سوف ينبثق سوف يعتمد على العديد من المحددات, مثل المجتمع الدولي ناهيك عن التحولات الجارية في دمشق, و لكن هذا سن الرشد السياسي بالنسبة للأكراد. إنهم يتبعون إستراتيجية براغماتية وملائمة سياسيا”.

وعند سؤاله ما إذا كانت المنطقة مستعدة لكردستان مستقلة أجاب البرزاني بانفتاح لفضائية الجزيرة:  “إنه حق طبيعي للشعب, و لكن متى و كيف تكون جاهزة  فهذا سؤال مختلف “

إن المشكلة التركية هي أن الأحداث في سوريا يمكن أن تجبرها على التعامل مع التحدي الكردي المحلي, ليس عسكريا فقط. لقد تأرجح أردوغان ما بين مزيد من الديمقراطية و الحقوق الثقافية لأكراد تركيا, و تبني موقف عسكري أكثر تشددا, إن آلاف السياسيين و الناشطين الأكراد تحت الاعتقال حاليا بسبب انتمائهم المزعوم إلى فرع من فروع حزب العمال الكردستاني. و قد كتب بيراند “هذا هو السؤال الأكثر أهمية : ما هي الجهود التي فعلناها من أجل حل المشكلة الكردية لدينا, و ذلك من أجل راحة مواطنينا من أصول كردية ؟ “. بغض النظر عن الجواب, هذا السؤال يكتسب أهمية بشكل مركزي و متزايد في تشكيل رد الفعل التركي على التمرد في البيت المجاور.

التايم

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى