صفحات العالم

هل أصبح الأسد عبئاً إقليمياً ودولياً!

 

د.نقولا زيدان

لم تصدق نبوءة مشعوذي حضارة” المايا” حول نهاية العالم في 21 كانون الأول 2012 فما زالت البشرية حية ترزق… كما لم تصدق نبوءة لعنة الفراعنة حول عدم المساس بقبورهم فقد تم اكتشاف محتويات قبورهم وأهراماتهم فأصبحت جزءاً من التراث العالمي.

حقاً لم يسقط العالم إنما بشار الأسد هو المهدد بالسقوط الحتمي الوشيك الآن.. فقد قاربت السنة السورية الدموية المأسوية الثانية نهايتها وهو ما زال في سدة الرئاسة السورية. إنما يلاحظ المراقبون الدوليون أن ثمة لغة جديدة ونبرة مختلفة ومنحى مغايراً تبرز في التعاطي مع هذا الدكتاتور الدموي ونظامه الفاشي. أصبحنا نلاحظ الآن أسلوباً جديداً في التعاطي الإقليمي والدولي معه لم نعهده من ذي قبل ألا وهو محاولة التفريق بين رحيله ونظامه من جهة وبقاء سوريا من جهة أخرى.. ويبرز “فلاديمير بوتين” بلا منازع رائداً سباقاً في هذه المقولة إذ راح يصرح أنه لا يهم كثيراً بقاء الأسد أو رحيله بل الأهم هو مستقبل سوريا.

وما من شك على الإطلاق أن ما عناه “بوتين” هو ضمان مصالح روسيا في سوريا حتى ولو دقت الساعة واضطر الأسد لحزم حقائبه والرحيل.

إلا أن كلام “بوتين” هذا يحمل في طياته مخاوف جدية حول مستقبل سوريا كدولة وككيان مستقل واحتمال تعرضها الجدي للتقسيم، خصوصاً إذا ربطناه بتصريح للأسد نفسه يقول فيه إنه غير عازم، مهما كلف الأمر، على مغادرة سوريا. وتروج في بعض الأوساط الدولية مخاوف جدية من احتمال استعدادات يجريها الدكتاتور للانتقال من دمشق الى اللاذقية أو طرطوس.

ليس هذا فحسب بل سبق هذين التصريحين كلام صدر عن الخارجية الروسية عندما صرح “بوغدانوف” أن فرص قدرة الأسد على البقاء تتضاءل وأن الجيش السوري الحر يحقق إنجازات عسكرية كبيرة على أرض المعركة.

وقد سارعت الخارجية الروسية بعدها بأيام في محاولة لتصويب تصريح “بوغدانوف” هذا وأن ثمة خطأ ما قد جرى في ترجمة أصله الروسي.

فلنتذكر جيداً، منعاً لأي التباس أو فهم خاطئ لتطور المواقف الإقليمية المعنية أو الدولية بالنسبة لسوريا. ففي لقاء جنيف في 30 حزيران 2012 جرى الاتفاق بين روسيا وأميركا على فهم مشترك بين الدولتين لعبارة “ما بعد رحيل الأسد” عندما سارعت هيلاري كلينتون الى الحديث عن وجوب تنحي الأسد بينما استدرك وزير خارجية روسيا “لافروف” للكلام عما يمكن أن يحدث عام 2014 في سوريا بعد نهاية ولاية الرئيس السوري. ويبدو في هذا الصدد أن الطرفان لا يجدان غضاضة في استمرار الحرب السورية لما بعد 2014.

علينا أن نذهب أبعد من ذلك لندرك المواقف فقد جرى البحث يومياً بين “بوتين” والقادة الأتراك حول مستقبل الأسد، إنما لم يحصل بعد اتفاق نهائي محدد. وقد أبدى حلف الناتو وتركيا بالذات إظهاراً واضحاً لحسن النيات عندما تم نصب أربع بطاريات “باتريوت” في عمق الحدود التركية على حدودها الجنوبية الشرقية (حوالى 100 كيلومتر) لطمأنة السوريين والإيرانيين معاً أنها لن تطاول عمق أراضيهما.

لا بل وجه أحمد داود أوغلو رسالة الى إيران يحضها فيها على الضغط على الأسد لإيجاد مخرج ما لحل الأزمة السورية، ولم تحمل رسالة أوغلو أي تحذيرات قد يُفهم منها التلويح بتدخل عسكري تركي لم يكن يوماً جدياً في أي حال.

لقد سبق كل هذا زيارة علي لاريجاني رجل إيران القوي الى سوريا (ولبنان) وتركيا حيث تحدثت المعلومات عن نصائح إيرانية عقلانية للأسد بوجوب التنحي إلا أن الأخير رفضها رفضاً باتاً، ذلك أنه ما زال يعتقد بإمكانية سحق المعارضة المسلحة عسكرياً. وحيال العناد الأسدي اضطرت إيران للعودة الى تبني مقولة “التسوية السياسية أو الحل السياسي”.

إن الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية لا يهمها كثيراً شخص بشار الأسد وطاقمه بقدر ما يهمها استمرار وثبات الخط اللوجستي الممتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا ووصولاً الى جنوب لبنان، فإذا تنحى الأسد وجاءت الى السلطة في سوريا حكومة على غرار نور المالكي ممالئة للأميركيين والإيرانيين في آن معاً فإن طهران تجد فيه الحل الأقل سوءاً. ذلك أن ما يهم طهران هو تأمين مقعد لها على طاولة مفاوضات السلام لحل مشكلة الشرق الأوسط. إن هذا الخط اللوجستي بالنسبة لإيران لأهم بكثير من رأس بشار الأسد نفسه.

وفي هذا الصدد علينا ملاحظة تركيز حسن نصر الله أمين عام حزب الله على “سوريا” أكثر منه على تركيزه على “شخص الأسد” وذلك في جميع خطبه السياسية الأخيرة.

ثمة سؤال ملح لم يعد باستطاعة أحد تجنبه” هل أصبح الأسد بمجازره وعزلته العربية والدولية وبطاقمه وزبانيته عبئاً ثقيلاً لا يُطاق على الجميع؟ أي بالتحديد على حلفائه الأقربين والأبعدين؟ على الإيرانيين وحزب الله أولاً وعلى الروس والصينيين أيضاً. ثمة شعور عام يدل على ذلك. بل حتى المعارضة السورية المعتدلة في الداخل يكتنفها شعور كهذا.

فلا عجب إذا رأينا الاخضر الابراهيمي يحاول كمندوب دولي وعربي، النفاذ من هذه الثغرة للوصول الى تسوية سياسية للأزمة. تسوية عصية تكاد تكون مستحيلة لتظل سوريا موحدة قبل السقوط النهائي في مشروع التقسيم.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى