صفحات العالم

هل أصبح العالم مشلولا أمام الوضع في سوريا؟


حامد الحمود

أثبتت لنا المواقف السياسية الدولية أن أصدقاء قليلين ملتزمين بقضيتك، أجدى وأكثر نفعا من كثيرين متعاطفين، لكنهم ليسوا متأكدين من طبيعة علاقتهم معك. فالحالة الأولى يمثلها موقف إيران وروسيا الداعمتين جدا ودوما للنظام السوري. أما الحالة الثانية، فيمثلها تعاطف عشرات الدول مع قوى المعارضة السورية التي شجعت على المضي في ثورتها. وقدمت لها مساعدات، لكن الوعود التي قدمت لها كانت أكثر. بل إن ما قدّم لها من وعود ودعم سياسي ورسائل صريحة بقرب سقوط النظام، وأن أيام نظام الأسد أصبحت معدودة، جعلها تبالغ في اندفاعاتها بالدخول في معارك غير مستعدة لها بالقدر الكافي مع جيش النظام. فلا أعتقد أن المعارضة قد استفادت من تصريحات أردوغان وهلاري كلينتون التي تنبأت بسقوط النظام خلال أيام معدودة، ومنذ حوالي السنة، فالحسابات الدولية، أو الأميركية والأوروبية والتركية والعربية، ظلت تتوقع انهيارا وشيكا للنظام السوري، استنادا إلى مصادر مخابراتية غير دقيقة. لذا كانت بخيلة في دعمها العسكري لقوى المعارضة، متوجّسة من حضور قوي لفئات إسلامية متطرفة بين قوى المعارضة. وكأن النظام السوري كان أكثر تأثيرا في تشكل رؤى هذه الدول المعادية له، التي أظهرت دعما إعلاميا أكثر منه عسكريا لقوى المعارضة.

ولعلها مفارقة أنه في الوقت الذي يكثف فيه النظام السوري استخدامه الطائرات والمدفعية والدبابات في قصف مواقع المعارضة، وفي الوقت الذي يكشف فيه للعالم عن المذابح التي ارتكبت في داريا، يكتب ديفيد اغناطيوس في «الواشنطن بوست» في 2012/9/6 محذرا من الدعم العسكري للمعارضة السورية لتواجد بعض عناصر «القاعدة» في صفوفها، مذكرا من ارتكاب أخطاء أفغانستان في أول الثمانينات من القرن الماضي. هذا في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الاستخباراتية أن المتطرفين الإسلاميين بين قوى المعارضة لا يتعدّون بضع مئات، هذا من إجمالي قوى المعارضة المقاتلة التي تزيد على مائة ألف مقاتل. هذا ويبدو أن هذه التحذيرات من تعاظم قوى إسلامية متطرفة بين صفوف المعارضة، ستستمر لتبرير التلكؤ في تقديم الدعم للشعب السوري، وللتخلي عن المسؤولية الأخلاقية، التي طالما ادعى بتحملها نحو هذا الشعب.

ولعل السفير الألماني في الأمم المتحدة – بيتر فيتش كان يقدم اعترافا بقوله أخيرا «نأسف لأننا مشلولون الى هذه الدرجة.. الوضع في سوريا مأساوي». لقد أساء العالم بتقدير الاختلافات في بنية الأنظمة التي هبّ عليها الربيع العربي، الذي تحوّل في سوريا الى عاصفة مدمرة. فقد نسي العالم المتقدم الحروب الطائفية، لذا لم يقدر أو يتوقع عمق هذا الاصطفاف الطائفي حول النظام. لم يفهم مثلا أن ما حدث من انشقاقات إلى تاريخه، لم يكن انشقاقا داخل السلطة الحاكمة، وإنما اقتصرت هذه الانشقاقات على قليل من أفراد الدولة المعلنة، أو الدولة الظاهرة كما يصفها الكاتب السوري المعارض ياسين الحاج صالح، الذي فاز أخيرا بجائرة الأمير كلاوس الهولندية، والذي قضى حوالي 17 سنة في زنزانات النظام. فيرى ياسين الحاج صالح (الحياة بتاريخ 2012/8/12) مثلا أن رياض حجاب، الذي كان يشغل – قبل انشقاقه – منصب الرجل الثاني في الدولة الظاهرة، لا يعدو كونه موظفا محدود الاهمية. اما الدولة الباطنة او النظام، فهي مركب سياسي امني قائم على علاقات الثقة الشخصية، ونواته الصلبة عائلية طائفية.

إن كان الربيع العربي ونسيمه الذي هبّ على تونس ومصر واليمن، أدخلا العرب في عصر جديد، وملآ قلوبنا تفاؤلا، فإن ما يجري في سوريا لأمر مخيف. فهناك أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ في الداخل والخارج. ومن المحزن أن تتعود حواسنا على سماع ورؤية المجازر اليومية. ان حسابات العالم الجيوسياسية، بليدة الإحاسيس، وتفتقد الوازع الأخلاقي.

فالعالم تعاطف وشجع الشعب السوري على الثورة، لكنه لم يفِ بوعوده، وظلت تحاليله مبالغة في التأني والتردد أمام رؤية مآس لا تتوقف. فعندما يصرح مسؤول في دولة محورية بأن أيام الأسد أصبحت محدودة، فلابد ان يكون ذلك التزاما بجعلها فعلا محدودة، وإلا فإن التصريح سيكون موهما وضارا.

القبس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى