هل أنجز “الرياض 2” المطلوب دولياً؟/ عمر كوش
بعد أن انفضّ المؤتمرون من المعارضة السورية في “الرياض 2” وأشباههم، ونجح مؤتمرهم في التوسعة والتغيير المطلوبين، يسأل سوريون كثيرون عما أنجزه هؤلاء، وهل خرجوا بما هو مطلوب دولياً أم بما تتطلبه القضية السورية، بوصفها قضية عادلة لشعبٍ خرج في ثورة منذ أكثر من ست سنوات، مطالباً بالحرية والخلاص من استبداد حكم آل الأسد؟ ولعل الناظر في حيثيات المؤتمر ومخرجاته، بدءا من التحضير له وتجاوز الهيئة العليا للمفاوضات، ثم استقالة منسقها العام رياض حجاب وعدد من أعضائها، مروراً بالبيان الختامي وملابسات كيفية انتخاب أعضاء الهيئة وتعيينهم، وصولاً إلى تشكيل الوفد التفاوضي الجديد، يجد أن الكفّة لم تكن في صالح غالبية السوريين وثورتهم، ذلك أن إدخال أعضاء من منصتي موسكو والقاهرة إلى الهيئة كان أحد شروط الروس، لكي تنال قسطاً من رضاهم واطمئنانهم على اقتراب الهيئة من أجندتهم، خصوصا وأنهم شكلوا، إضافة إلى أعضاء “هيئة التنسيق”، التي تتمتع بازداوجية فريدة منذ بداية تشكيلها، مكّنتها من وضعٍ قدم في مقلب المعارضة وأخرى في مقلب النظام، الأمر الذي يجعل كفّة القرار في الهيئة العليا للتفاوض تميل نحوهم، وتبتعد عن مطلب الثورة الأساس، رحيل النظام وأركانه، على الرغم من أن البيان الختامي ذكر رحيل الأسد وزمرته، لكنه استدرك، ملاقياً جماعة موسكو وحابيا لها، من خلال ترك الباب مفتوحاً للتفاوض المباشر من دون شروط مسبقة على كل شيء، وكل القضايا الخلافية والإشكالية، بما فيها “منصب رئاسة الجمهورية”، حيث تفيد التجارب بأن من يدخل أي عملية مفاوضات أو تسوية سياسية من دون أسس أو محدّدات (يسميها بعضهم شروطاً)، سيخضع لمختلف إملاءات القوى المؤثرة وضغوطها، بناء على حسابات اللاعبين وتوازناتهم على الأرض والتجاذبات والمماحكات الإقليمية والدولية. وبالتالي، فإن كل الكلام الذي ساقه البيان عن التمسك بالقرارات الأممية، بدءا من بيان جنيف 1 لعام 2012 وصولاً إلى قراري مجلس الأمن 2118 لعام 2013 و2254 لعام 2015، يصبح تمسكاً بيدين مغمورتين بصابونٍ سائل أو بالزيت أو بأي سائل لزج آخر، إذ سرعان ما ستفلت الدفّة من بين يديه، ويتنازل عن كل شيء في مقابل لا شيء، خصوصا وأن الوفد التفاوضي الجديد ليس على رأي واحد، وسيواجه قوىً تدافع بشراشة من أجل بقاء الأسد الكيميائي ونظامه المجرم، ما يعني أن كل شيء سيضيع على أيدي القادمين الجدد والهيئة الجديدة ووفدها التفاوضي.
أنجز “الرياض 2” ما كان يخشاه سوريون كثر، في تبنّي ما كانت تطالب به القوى الدولية، وهو الواقعية السياسية التي تمليها ضرورة الأخذ بالحسبان المتغيرات على الأرض، وتغيرات المواقف الدولية حيال القضية السورية، إذ تبيّن أن الواقعية المطلوبة جسّدها التكيف مع المطالب والشروط التي وضعها ساسة الكرملين وسواهم. وبالتالي، فإن المأزق الحقيقي للمجتمعين في المؤتمر، من المعارضة السورية وأشباهها، لا يجسّده البيان الختامي فقط، بل يجسّده انضمام عناصر أقل ما يقال عنهم إنها معارضة موالية للنظام، أو بصريح العبارة هم صنيعة أجهزة دول حليفة للنظام في حربه ضد الشعب السوري، وما تبقّى من كلامٍ عن ممكنات المناورة وطرق التنفيذ وحسن التخطيط وفعالية الأداء، لن يخفي المأزق الحقيقي للمعارضة السورية التي تزداد تمييعاً وهلامية مع كل مؤتمر يعقد بناء على رغبة الدول الخائضة في دم السوريين.
ولا يُنسى أن في المقلب الآخر أصلب المواقف، حيث لم يقدّم النظام الأسدي أي تنازل منذ بداية الثورة، بل تمادى وأمعن في قتله السوريين، بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الكيميائية، ولم يدخل في عملية تفاوضٍ حقيقية، لا في جنيف ولا في سواها، ولم يعترف يوماً بوجود معارضة له، إلا من هم على شاكلته، ومن صنعتهم أجهزته الاستخباراتية، وفعل ذلك كله بحماية وإسناد من النظام الروسي ونظام الملالي الإيراني، اللذيْن دافعا عنه في كل المحافل الدولية، ووقفا معه في كل ممارساته الإجرامية. وبالتالي من المستغرب أن تميل المعارضة السورية إلى المدافعين عن النظام، باستيعاب ممثليهم، بل ودمجهم في صفوفها. ولذلك لن يكون مستغرباً ذهاب بعض أعضاء الهيئة العليا للتفاوض إلى مؤتمر سوتشي الذي يحضر له النظام الروسي، بغرض قتل مطالب السوريين العادلة في التغيير السياسي. ولن نذهب بعيداً ونحلق عالياً، بل سنلجأ إلى الحسابات البسيطة الواضحة، فالهيئة العليا للتفاوض تضم، في تركيبتها الجديدة، أربعة أعضاء من منصة موسكو ومثلهم من منصة القاهرة، وهؤلاء سيحضرون مؤتمر سوتشي “للشعوب السورية”، بل وأعلنوا ذلك قبل الذهاب إلى مؤتمر الرياض 2، كما سيذهب معهم أيضاً ستة أعضاء من هيئة التنسيق التي تنسق مواقفها مع ساسة موسكو، وتحظى بدعمهم وحمايتهم، وهناك آخرون ضمن الهيئة يتحضرون للذهاب معهم أيضاً. وبالتالي، ألم ينقل ذلك المعارضة السورية إلى حضيض المواقف، ويبعدها تماماً عن الثورة وطموحات غالبية السوريين؟ أليست هذه هي منجزات مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية ومخرجاته؟
العربي الجديد