صفحات سوريةمنذر خدام

هل الجيش الحر حر فعلاً


منذر خدام

الموقف من الجيش الحر كان مشكلة بالنسبة لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في بداية ظهوره لجهة كيف يمكن تأييده واعتباره من أدوات الثورة دون التناقض مع أحدى لاءاتها المعروفة. ونتيجة الحوار تم التوصل إلى الصيغة المعروفة باعتباره ظاهرة موضوعية وبصفته هذه اعتبرته الهيئة من أدوات الثورة، لكنها اشترطت عليه لكي يكون كذلك أن يلتزم بإستراتيجيتها السلمية، وأن يقصر عملياته العسكرية بحدود الدفاع عن النفس وحماية المتظاهرين السلميين. بالطبع كانت الهيئة تفضل لو أن جميع الذين انشقوا عن الجيش لم يلجؤا إلى حمل السلاح والاكتفاء بالانضمام إلى الحراك الشعبي السلمي، لكن عنف النظام لم يترك لكثيرين منهم أي خيار سوى حمل البارودة دفاعا عن النفس في البداية، والهجوم على قوات النظام العسكرية والأمنية في السياق والنهاية.

بهذه الصيغة عبرت هيئة التنسيق عن معارضتها لعسكرة الثورة لكن بصورة مواربة وخجولة، غير أن واقع الحال اليوم، وخصوصا بعد أن صارت التيارات والقوى الإسلامية المتطرفة تشغل مواقع أساسية في المعارضة المسلحة، وباتت العسكرة تهدد ليس الثورة ذاتها فحسب بل الدولة والمجتمع والكيان السوري، فإن الصيغة السابقة لم تعد صالحة وهي بالتالي بحاجة إلى مراجعة، واتخاذ موقف صريح وواضح من المعارضة المسلحة. بداية لا بد من مراجعة تسمية الجيش الحر فهي تسمية لم تعد صالحة ولا تعكس واقع حال المعارضة المسلحة، وهي تستخدم اليوم لتبييض كثير من الأفعال الإجرامية التي تقوم بها تنظيمات إرهابية موصوفة. تحت عنوان الجيش الحر تنشط اليوم كتائب الجهاديين من كل لون وخصوصا من القاعدة وتوابعها وفروعها، وهناك جيش تحرير سورية التابع للآخوان المسلمين، وهناك كتائب صدام حسين،إضافة إلى الجيش الوطني السوري بقيادة اللواء محمد الحاج علي، والمجلس الأعلى بقيادة العميد مصطفى الشيخ، والجيش الحر الأصلي التابع لرياض الأسعد.

في الخطاب الإعلامي لهيئة التنسيق اليوم يستخدم مصطلح الجيش الوطني الحر لتمييز فئة من المعارضة المسلحة تضم بصورة رئيسية المنشقين عن الجيش الذين يؤمنون بضرورة التمسك بالطابع السلمي للثورة، ويقصرون عملياتهم العسكرية بحدود الدفاع عن النفس وحماية المتظاهرين السلميين. إضافة إلى ذلك فهم كما أعلن بعض ممثليهم مستعدون لإلقاء السلاح فور وضوح ملامح حل سياسي يحقق للشعب ما ثار من اجله، ويؤمن مخرجا للسلطة الحاكمة، كنوع من المساومة التاريخية، ويحافظ، قبل هذا وبعده، على سورية أرضا وشعبا موحدة. بهذا المعنى فإن هيئة التنسيق الوطنية تلتقي سياسيا مع هذه الفئة من المعارضة المسلحة، وتشجعها على التعبير صراحة عن مواقفها وتمييز نفسها عن باقي فئات المسلحين.

من جهة أخرى فإن هيئة التنسيق لا توافق على سلوكيات أغلب القوى المسلحة ذات الطابع الطائفي وخصوصاً المجموعات الإرهابية المعروفة والتي تقف غالبا وراء عمليات التفجير بواسطة المفخخات التي لا تميز بين الناس فتقتلهم جميعا. إضافة إلى ذلك فإنها تمارس العنف بدوافع مشبوهة، وتعمل في سبيل أجندات خاصة تتعارض مع أهداف الشعب السوري.

إن مشكلة المعارضة المسلحة أكثر تعقيدا من مشكلة المعارضة السياسية لأنها ببساطة تتعامل بالسلاح هذا أولا، ولأنها ثانيا أسيرة من يمولها ويسلحها، ولأنها متناحرة ثالثا، وفي النهاية فهي مثل النظام جزء من الأزمة، وفي الوقت ذاته لا حل بدونهما. من هنا يتأتى تعقيد الموقف السياسي من هذه المجموعات المسلحة، فإدانتها جراء ما تقوم به مع النظام من أفعال إجرامية تتسبب في قتل البشر وتدمير الحجر والشجر مطلوبة وضرورية، لكنها لا تحل المشكلة، كما إن الصمت عن أفعالها يعد مشاركة لها بها، وهو أمر خاطئ سياسيا وعملياً، ولا يبقى سوى التعامل السياسي النقدي معها. والمقصود هنا التمييز على مستوى الخطاب السياسي بين فئاتها المختلفة، والعمل في الميدان على كشف الغطاء الاجتماعي عن الفئات الإرهابية منها، ودفعها للخروج من المدن وعدم الاحتماء بالناس. بهذا الشكل فإن الهيئة لا تناقض أحد لاءاتها الشهيرة ” لا للعنف …” ، لكنها في الوقت ذاته، وعلى مستوى السياسة، تؤمن لنفسها مساراً مرناً للتعامل مع واقع متحرك له صبغة عنفية غالبة عليه. والتعامل المقصود هنا يركز على جعل هذه المعارضة المسلحة أكثر قبولا للخيارات السياسية، وأكثر استعدادا لتكييف نشاطاتها العسكرية مع الإستراتيجية السلمية للثورة.

هل تنجح الهيئة في مساعيها هذه أم تفشل؟ الأمر يتوقف على تطور العمليات العسكرية على الأرض.اليوم كثير من الناس الذين هللوا في مراحل معينة من مراحل الثورة لعسكرتها بدؤوا يتراجعون عن مواقفهم هذه، تحت وطأت هول الدمار والقتل الذي تسبب به الصراع المسلح بين النظام والمعارضة المسلحة، إضافة إلى ذلك بدأت الأوهام المتعلقة بإمكانية إسقاط النظام بالسلاح تزول، خصوصا بعد أن انكشفت إلى حد الفضيحة مواقف كثير من الدول التي شجعت السوريين على اللجوء إلى العنف في فترات سابقة. يلاحظ اليوم تزايد عدد المطالبين بالحلول السياسية السلمية بين المواطنين السوريين المعارضين والموالين، كما يلاحظ تزايد ميل المعارضات السياسية السورية خصوصا في الخارج لفكرة الحل السياسي، ولذلك فهي لم تعد ترفض مباشرة أية مبادرة سياسية يتقدم بها هذا الطرف المعارض أو ذاك، هذه الجهة الدولية أو تلك. كما يلاحظ أيضا تنامي الجنوح للمخارج السياسية في أوساط بعض القوى المسلحة، كل ذلك يؤشر بصورة إيجابية على صحة مواقف هيئة التنسيق السياسية والتي جاء مؤتمر إنقاذ سورية الذي شاركت في عقده مع بعض قوى المعارضة في الداخل تتويجا لها. يؤشر على ذلك أيضا حجم الاتصالات الكثيرة التي قام بها مواطنون سوريون كثيرون مع قيادة الهيئة معبرين عن تأييدهم لها، وكذلك تغير مواقف بعض قوى المعارضة السورية الرئيسية التي ناصبت الهيئة العداء في السابق ومبادرتها الاتصال بقيادة الهيئة وتهنئتها على نجاح المؤتمر، كذلك الاتصالات الدولية النشطة معها تأييدا لفكرة المؤتمر الدولي كمخرج من الأزمة التي تعصف بسوريا من جراء تعميم العنف.

إن تشتت وصراع المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح أضر كثيرا بثورة الشعب السوري، ويكاد يمهد الطريق أمام ثورة مضادة تجتهد لترسيخ أقدامها على الأرض، فهل من فرصة لإعادة التصويب السياسي تصحيحا لمسار الثورة بحيث تحقق أهدافها في الحرية والكرامة والديمقراطية، مع الحفاظ على سورية وشعبها موحدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى