صفحات العالم

هل “النأي بالنفس” الخيار الأفضل؟/ محمد أبو رمان

 

 

 

يرى مسؤولون أردنيون أنّ السياسة الخارجية الأردنية تجاه سورية جنّبت الدولة أزمات كبيرة ومنعرجات خطيرة، كانت ستقع فيها، لو أنّنا أخطأنا في قراءة الوضع السوري، أو تورّطنا، بشكل أو بآخر، فيما يجري وراء حدودنا الشمالية.

يبني المسؤولون هذه القراءة على التطورات الأخيرة التي أعقبت التدخل العسكري الروسي، وما أحدثه من تحولات كبيرة في موازين القوى لصالح النظام هناك، إلاّ أنّ المسؤولين أنفسهم يتجاهلون التطورات الأخيرة في درعا المحاذية للحدود الشمالية، بعد أن حقق النظام السوري تقدماً كبيراً هناك، بسيطرته على قرية الشيخ مسكين الاستراتيجية، واندفاعه إلى درعا البلد، مهد الثورة السورية، ما قد يهدد بموجة كبيرة من اللاجئين السوريين، بدت معالمها راهناً عبر نزوح قرابة 70 ألفاً هرباً من القصف إلى قرى محاذية للحدود الأردنية، وهو عدد مرشّح للارتفاع، بالتزامن مع وجود قرابة 22 ألف لاجئ في محاذاة الحدود الشمالية الشرقية، غالبيتهم من الأطفال في مخيمي الحدلات والركبان، وهو عدد مرشّح للارتفاع.

مثل هذا الوضع يمثل انقلاباً كاملاً لما كانت عليه الأحوال قبل التدخل الروسي في درعا، إذ كانت المحافظة السورية الجنوبية بصورة غير رسمية تحت “الرعاية الأردنية”، عبر دعم الجيش الحرّ (الجبهة الجنوبية التي تمثل الفصيل العسكري الأكبر)، ما منح الأردن ميزات استراتيجية مهمة، في مقدمتها ضمان عدم وصول داعش إلى هذه المنطقة، كما حدث في أغلب الأراضي السورية، وعبر النفوذ الكبير، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، للأردن في درعا.

اليوم لم تعد درعا تحت الرعاية الأردنية، وتلاشى الخط الأحمر الذي وضعه الأردن سابقاً أمام أي اجتياح عسكري من النظام السوري والإيرانيين لدرعا، وتنكّر الروس للتفاهمات غير الرسمية التي وصلوا إليها مع الأردن، فأدت إلى تحييد درعا في المواجهات العسكرية الأخيرة، فأصبحت مهددة بسيناريو شبيه تماماً لما حدث في حلب.

منذ التدخل الروسي، أعاد الأردن تموضعه، واتجه إلى الحياد أكثر، وقام باستدارة غير معلنة، دفعت به إلى استراتيجية “النأي بالنفس”، وتزامن ذلك، وربما عكس تحولاً كبيراً في الاستراتيجية الغربية تجاه سورية، ما أدى، في الوقت نفسه، إلى إغلاق غرفة إدارة العمليات العسكرية في درعا (التي أُطلق عليها الموك).

الآن، ما هي خيارات الأردن؟ فالتخلي عن الدور السابق في درعا، الذي شكّل ما أطلق عليه سياسيون كبار “الوسادات” الأمنية والعسكرية للأردن، أدى إلى حالةٍ من الفوضى في المحافظة وارتباك الجبهة الجنوبية وتراجعها وتقدم النظام، وتهديد للأمن الوطني الأردني، عبر انتقال حالة الفوضى إلى الشمال وموجات كبيرة من اللاجئين.

إذا كان الروس لم يحترموا تفاهماتهم مع الأردن سابقاً، فأيّ ضمانات للأردن بعدما فقد “رعايته” لدرعا من أخطار أمنية وعسكرية محتملة؟

يناقش سياسيون أردنيون بأنّه لا يمكن للأردن أن يفعل أكثر مما يقوم به حالياً من دور إنساني مقتصر على التعامل مع تداعيات الأزمة السورية، بشأن اللاجئين السوريين، وأنّ الخيار الآخر يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس، الذين يتبنون سياسة “الأرض المحروقة” في التعامل مع المعارضة السورية، كما حدث في شمال سورية.

بالطبع، المسألة مركّبة وجدلية؛ لكن السؤال المطروح هل سورية بالنسبة للأردن أصبحت قضية لاجئين وتمويل فقط، أم أنّها تمثل بعداً مهماً وأساسياً من الأمن الوطني الأردني؟ وهل مصلحة الأردن اليوم في النأي بالنفس بانتظار أمواج اللاجئين والحرس الثوري الإيراني على حدوده الشمالية؟ وربما وصول داعش، بعد أن يتفكك الجيش الحرّ وانتقال المواجهات إلى المنطقة الحدودية، بعدما كانت قبل ذلك على بعد مئات الكيلومترات؟

لا يوجد خيار سهل أو بسيط، ولا يمكن القول إنّ المخاطرة في كلتا الحالتين ليست موجودة. لكن، من قال إنّ “خسارة درعا” أمر سهل أو ثانوي للأردن، وهل يمكن بالفعل النأي بالنفس في هذه الظروف التاريخية الانتقالية غير المسبوقة؟

مجرد أسئلة برسم العصف الفكري.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى