هل انحرفت “رابطة الصحافيين السوريين” عن مسار الثورة؟/ اسطنبول – لبنى سالم
شهدت رابطة الصحافيين السوريين، خلال الأيام الماضية، انسحاباً لعدد من أعضائها، احتجاجاً على ما وصفوه “بانحراف الرابطة عن مسارها الوطني والمهني”. وأكّد الصحافيون إبراهيم الجبين وعلي سفر وثائر الزعزوع وعدنان عبد الرزاق وكندا قنبر لـ”العربي الجديد” انسحابهم بشكل نهائي من عضوية الرابطة.
اتهم إبراهيم الجبين، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لها، في حديث لـ”العربي الجديد” الرابطة بأنّها “انحرفت عن كونها مؤسسة للثورة، وتحولت إلى مؤسسة تعتاش على الثورة، وتحرص على الدعم الدولي أكثر مما تحرص على الرأي العام السوري”. وذكر الجبين “اعتراضه على مجموعة من الأحداث التي وقعت في الفترة الماضية كامتناع الرابطة عن رفع علم الثورة في مؤتمرها الأخير، وعدم تشكيل لجان قانونية”.
وقال علي سفر، أحد أعضاء الرابطة السابقين، إنّ “الممارسات غير الديمقراطية، والتسلط على القرار، وغياب لوائح تنفيذية لعمل الهيئات، وأخيراً وجود التيار الانفصالي شكلت أسباباً متراكمة دفعته للانسحاب منها”. وأشار كل من الصحافيين ثائر الزعزوع وعدنان عبد الرزاق إلى “دخول الرابطة في حالة من المهاترات المرتبطة بالانتماءات المذهبية والقوميات”، وهو ما اعتبره الزعزوع “مضيعةً للوقت ليس إلّا”.
وأشار عبد الرزاق إلى موقف رئيس الرابطة رياض معسعس الذي عزا استمرار الخلافات إلى عدم وجود لجنة الشفافية، ووعد بانتخابها من جديد لحل هذه الخلافات، مبيناً أن معسعس “دعا من خلال صفحته الشخصية إلى حل الخلاف الحالي بطريقة تقبيل الشوارب”.
والخلافات الداخلية في الرابطة ليست جديدة، ففي وقت سابق، تسبب شعار “إسقاط النظام” الذي تضمنه ميثاق الشرف الخاص بالرابطة بخلافٍ حاد بين أعضائها، لم يخلُ من تراشق الاتهامات. إذ اشترط الاتحاد الدولي للصحافيين على الرابطة التنازل عنه للقبول بعضويتها، الأمر الذي اعتبره البعض مقبولاً كون الرابطة تقدّم نفسها على أنّها تجمع صحافي مهني، وتبعاً لمعايير الاتحاد لا يجوز لها رفع شعارات سياسية تفقدها صفة الحيادية. بينما اعتبره آخرون بمثابة تخلٍ عن أهداف ثورية أساسية وبيع للمبادئ مقابل الدعم. وفي هذا الإطار أشار الجبين إلى أن “أحد أعضاء الاتحاد وهو عراقي ومعروفٌ بتأييده لنظام الأسد هو من وضع هذا الشرط، وهو ما دفعنا لتعطيل قبوله داخل الرابطة”.
وكان مسعود عكو، وهو نائب رئيس الرابطة، قد عبّر مؤخراً عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك” أنه “لن يتراجع يوماً عن مسعاه إما إلى إقامة نظام فيدرالي في سورية أو الاستقلال عنها”. ووصف الحق الكردي بتكوين دولته المستقلة بالعادل كحق الفلسطينيين بدولتهم. وأضاف أن “أعداد الأكراد تفوق أعداد الفلسطينيين بخمس مرات”.
تصريحات عكو الأخيرة فجّرت الخلافات، وأثارت موجةً من الانتقادات اللاذعة له، كما شكلت دافعاً قوياً لعدد من الصحافيين لاتخاذ قرار انسحابهم. وفي هذا الإطار، يقول إبراهيم الجبين: “من غير المقبول بالنسبة لي وجود توجّه انفصالي داخل الرابطة التي أنتمي لها، وإذا كان من الطبيعي وجود من يدعو للانفصال فمن الطبيعي وجود “داعش” مثلاً! أعتقد أن الاختلافات السياسية أمرٌ متاح، لكن على الرابطة أن تجمعها هوية وطنية واحدة، وأن لا يسمح لأيٍّ كان بازدراء القوميات الأخرى”.
وفي الإطار نفسه، طالب الناشط ميزر مطر، عبر صفحته على “فيسبوك”، بمحاسبة عكو على حديثه ودفاعه عن تقسيم سورية. وقال مطر: “بالنسبة إلي لا اعترف بعروبة سورية، وهاد ما بيعني إني أمنع مطالب المنادين بالعروبة أو الكردية أو الشركسية إلى كل القوميات والأعراق الموجودة في سورية، ولست ضد الفيدرالية أو المركزية أو أي نوع من أشكال الحكم الديمقراطية لدولة تحمي الجميع وتساوي بين الحقوق و طالما لا تمس بوحدة الأراضي السورية. أقف في وجه أي مشروع لوسم سورية بقومية معينة وفي وجه أي مشروع لتقسيم سورية بشكل عرقي أو قومي أو طائفي أو إثني كما طرحه الزميل مسعود عكو وتحدث عن تقسيم سورية بأي شكل حتى لو كان طائفياً، وهذا لا يتوافق مع النظام الداخلي للرابطة”.
وأضاف: “لا أظنّ أن أحداً ينفي التغيير الديمغرافي والقمع ومنع الحريات وتعريب أسماء المناطق الكردية وما مارسه نظام حافظ الأسد”. وقال: “جمعتنا رابطة للصحافيين السوريين المنتمين لقيم ومطالب ثورة 15 آذار، ولا اعتبر نفسي عضواً في كيان أحد أشخاصه الاعتباريين ينادي ويطالب ويدافع عن التقسيم في حال لم يحاسب”.
من جهته، أوضح عكو أنّ كتاباته تُعبّر عن آرائه الشخصيّة، ولا تمثل أي جهة يعمل معها. واستنكر عكو في حديثه لـ”العربي الجديد”، “محاولة البعض بغير وجه حق مصادرة آرائه السياسية بحجة المنصب الذي يشغله”. وأضاف: “تضم الرابطة أعضاء من مشارب وانتماءات مختلفة، ويتوجب عليها كجميع منظمات المجتمع المدني أن لا تكون مسيّسة، وإن لم نستطع أن نعمل بحيادية يجب أن نكون مهنيين قدر الإمكان”.
وتعقيباً على قرارات الانسحاب، قال عكو إنّ “الانسحاب لا يشكل حلاً مناسباً لحل المشاكل داخل أي مؤسسة أو رابطة، وأن هناك نظاماً داخلياً وآلية قانونية في الرابطة يمكن الاعتكاف إليها، ويمكن لأي عضو مهما كانت صفته اللجوء إليها، كهيئة الشفافية التي يتم انتخابها لحل الخلافات بين المتخاصمين، أدعو المنسحبين إلى العودة وإتباع هذه الطرق القانونية”.
وتوازياً مع الخلافات الأخيرة التي لم تجد طريقاً إلى الحل، كشف مصدر من داخل الرابطة فضّل عدم الإفصاح عن هويته عن “قيام أكثر من عشرين عضواً بتهديد إدارة الرابطة بالانسحاب إن لم تتم الاستجابة لمطالبهم بتصحيح وضع الرابطة”. فيما كشف مصدر آخر أنّ “قرابة 50 عضواً من التيار المعارض داخل الرابطة يحاولون من خلال مجموعة مغلقة على (فيسبوك) تنسيق وتخطيط إجراء انقلاب جماعي، لإعادة الانتخابات العامة داخل الرابطة، بهدف إعادة بنائها من الداخل”.
وعن تعثر الرابطة وعدد من التجمعات الفكرية والمهنية الوليدة بعد الثورة، اتفقت تصريحات مسعود عكو وعلي سفر المتواجدين على طرفي الخلاف، على اعتبارها أمراً طبيعياً، يعود إلى افتقار السوريين طوال الفترة الماضية من حكم الأسد إلى التجارب الديمقراطية في العمل المؤسساتي والنقابي.
وبعيداً عن الرابطة، بادر عدد من الصحافيين السوريين منذ عدّة أشهر، وعلى رأسهم مصطفى السيد، وعمر الخليل، ومحمد أمين، إلى دعوة عدد من الصحافيين الآخرين لتكوين جسدٍ إعلاميٍ جديد منفصل ومستقل. وكشف مصدر فَضّل عدم الكشف عن اسمه أن دعوات الانضمام إلى الكيان الجديد استندت صراحة إلى ما وصفوه “بهيمنة القطب الكردي المتمثل بأعضاء إدارة الرابطة سردر درويش وميساء حسين ومسعود عكو”. إلا أن الكيان الجديد لم يبصر النور حتى اليوم.
يُذكر أن رابطة الصحافيين السوريين تشكلت منذ 20 فبراير/شباط 2012، ووصل عدد الصحافيين المنضمين إليها قبل حالة الانسحاب الأخير إلى 270 صحافياً سورياً.
العربي الجديد