هل بدأت معركة دمشق… “الحاسمة”؟
سركيس نعوم
قبل بضعة أشهر عنُفت الاشتباكات بين الثوار السوريين وقوات نظام آل الاسد في ما يسمى ريف دمشق ودمشق نفسها. قيل في حينه في الاعلام وخارجه ان معركة السيطرة على العاصمة قد بدأت، وإن من شأن ذلك تسريع انتصار الثورة، وانتقالها الى مرحلة بناء الدولة وفقاً لنظام جديد يقول كل قادتها على تنوعهم السياسي والطائفي والمذهبي انهم يريدونه ديموقراطياً. لكن المعركة المشار اليها فشلت اذ نجحت وحدات الجيش النظامي في الامساك بالعاصمة بقوة بعد اقفال الثغر التي تسلل منها اليها الثوار. وهي ثغر حدودية، اذا جاز التعبير بين العاصمة وريفها.
لماذا هذا الكلام الآن عن محاولة عسكرية ثورية فشلت في تحقيق هدفها قبل اشهر؟ لأن وسائل الاعلام كلها ملأى ومنذ ايام كثيرة بأخبار تؤكد ان معركة دمشق بدأت، ولكن بمبادرة هذه المرة من النظام الذي قرر على ما يبدو حسم الوضع في العاصمة لمصلحته، ولأن مصادر الاخبار ولا سيما التي منها جدية وفعلية في آن واحد تؤكد هذه الاخبار سواء في صيغتها المنشورة في الاعلام او في صيغ اخرى. هذا فضلاً عن ان ترك الاوضاع في دمشق على ترديها التصاعدي من شأنه ارباك قادة النظام وفي مقدمهم الرئيس بشار الأسد ووضعهم جدياً ربما للمرة الأولى امام احتمال بداية النهاية وإن طويلة. ذلك أن ريفها صار في غالبيته تحت سيطرة الثوار، او في صورة ادق توزعت السيطرة عليه بين قوات الفريقين مع أرجحية واضحة جداً للثوار. كما ان هؤلاء صاروا ومن جهات عدة على تخوم العاصمة او على ابوابها. ولذلك فان الدفاع عنها يقتضي اولاً اخراج الثوار من “الريف” واستعادته، ثم الإطباق عليهم في العاصمة وإحكام السيطرة عليها. وهذا ما سيجري قريباً. ولا شك في ان معركة دمشق ستؤدي الى شمولها “بنعمة التدمير” التي لم توفّر اياً من مدن سوريا وأريافها.
هل تنجح معركة “تحرير” ريف دمشق من الثوار على أيدي قوات النظام، وإبعاد تهديدهم الجدي لها في الاشهر القليلة الماضية؟
مؤيدو النظام السوري من اللبنانيين، الذين يعتمدون على عواطفهم عند اطلاق المواقف السياسية والتحليلات والاستشرافات، يؤكدون ان الاسد سيحسم المعركة في دمشق وريفها، وان ذلك سيكون المنطلق لاستعادة سائر المناطق “المحررة” من الثوار بعد القضاء عليهم. اما الذين من هؤلاء يعتمدون على العقل والمنطق فانهم لا يجزمون بالنجاح رغم رغبتهم الصادقة فيه، وربما رغم المساعدة المباشرة التي يقدمونها “للنظام” من اجل تحقيقه. أما المعادون للنظام من لبنانيين وسوريين وعرب ومعهم المتابعون الاجانب للأوضاع في سوريا فانهم يعطون حظوظاً كبيرة لاخراج النظام وقواته من دمشق وريفها وتاليا لتسريع انهياره. لكنهم يلفتون الى أن السيطرة على العاصمة ومحيطها قد تحتاج الى معارك لا معركة واحدة. اما التأكد من النصر فنابع من ان القوى النظامية التي تقاتل هي المضمونة الولاء، اما الاخرى المشكوك في ولاء كل افرادها فانها بعيدة الى حد ما عن القتال المباشر. لكن الأولى تعبت. ولذلك فان النظام يحاول تجنيد من هو قادر على القتال وراغب فيه او ملتزم فيه. ولذلك ايضاً توقفت غالبية القتال البري ولجأ النظام الى الطيران الحربي والمدفعية والصواريخ. لكن الصواريخ المضادة للطائرات بدأت تصل وقد تُعطِّل جزئياً قدرته العسكرية. هذا مع الاشارة الى ان النظام قد بدأ من دون اعلام تنفيذ الاجراءات التي يجب على كل جيش تنفيذها في حال خسارة المعركة وذلك فقط من باب الاحتياط.
ماذا عن المدن السورية الأخرى التي “يشترك” في السيطرة عليها وعلى اريافها الجيش النظامي والثوار؟
لا بد ان تستمر المعارك فيها بين الطرفين، يجيب المتابعون الأجانب انفسهم. لكنهم يستبعدون ان تشهد معارك حاسمة في اثناء خوض المعركة النهائية في دمشق وريفها وعليهما، ربما لأن “امكانات” الفريقين عسكرياً لا تسمح لهما بذلك. علماً ان هذه المعارك ستبدأ وبالتدريج فور انتهاء الأعمال العسكرية في دمشق اياً يكن الرابح والخاسر فيها.
ماذا بعد معركة دمشق والمعارك التي ستليها؟
الجواب عن هذا السؤال ليس واحداً عند المتابعين الاجانب اياهم وتحديداً اذا كان النظام السوري هو الخاسر فيها. وقد يعود ذلك الى غياب مخططات نهائية عند احد من الثوار لما يجب ان يكون عليه الوضع في الدولة المذكورة بعد انهيار نظام الأسد، وخصوصاً بعد التشرذم ومنذ بداية الثورة للقوى المشتركة فيها، وخصوصا بعد تحولها مسلحة، وبعد العجز حتى الآن ورغم كل المساعي والضغوط الدولية والعربية لتوحيدها. انه جوابان ومتناقضان. ما هما؟
النهار