هل بدأ التقسيم الفعلي بالتوزيع «الإداري» في سورية؟
عادل مالك *
أيضاً وأيضاً عن لبنان وسورية نكتب.
لبنان غارق في أجواء إجراء الانتخابات النيابية، أو إمكانية عدم إجرائها في الموعد المقرر على الأرجح. وسورية غارقة في المزيد من الاقتتال مع بروز أكثر لبعض الجماعات الدينية المتطرفة والتي صادرت على ما يبدو آراء غالبية الشعب السوري في الحرب ضد النظام الذي لا يزال قائماً بعد انقضاء سنتين وبداية السنة الثالثة، من الثورة الشعبية أو الانتفاضة.
وجديد الوضع هو التالي: تقسيم إداري جديد للمحافظات السورية من جهة، وتنامي فكرة سيطرة التيارات المتطرفة في ساحات الاقتتال والمواجهات.
بالنسبة لقرار تقسيم سورية إلى سبعة عشر منطقة بدلاً من أربعة عشر، بدا للبعض وكأنه تقسيم جديد ليس على أساس إداري، بل على أساس طائفي وعرقي في بعض المناطق… والسؤال الذي طرح: هل أن سورية دخلت فعلاً مرحلة التقسيم والتي جرى عنها الكثير من الكلام طوال مراحل الأزمة السورية؟
والذي سبق هذه الخطوة الرسمية عمليات نزوح واسعة النطاق ضمتها طبيعة المواجهات العسكرية بين الجيش السوري الموالي للنظام و «الجيش السوري الحر» المنشق عن النظام. وحول الرياح التقسيمية التي تعصف بسورية والمنطقة بوجه الإجمال كلام يجب أن يقال.
إن «التقسيم» الفعلي لأي وحدة جغرافية لن يصدر بمرسوم أو بقرار، بل إن سياسات الأمر الواقع هي التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات، ويترك لعامل الزمن أن يفعل فعله في تكريس الواقع «المستجد». ومع بروز أزمات وحالات رديفة لما تشهده سورية والدول المعنية بالصراع فيها، يبرز عامل الأكراد والمطالبة بالاستقلال والحكم الذاتي، وهذا ما تواجهه تركيا أردوغان التي اضطرت إلى إخراج الزعيم الكردي المسجون في أحد السجون التركية المنعزلة عبدالله أوجلان (والبعض يكتبها «عبداله جلان»)، إلى الضوء من جديد وإعلانه عن وقف إطلاق النار مع القوات التركية والبدء بمسار تفاوضي يمكن أن يفضي إلى حل حزب العمال الكردستاني بعد منح أكراد تركيا نوعاً من الحكم الذاتي.
ويبدو أن الرئيس بشار الأسد قد تنبه لهذه الناحية، فبعد اندلاع الثورة في سورية بوقت قصير، التقى بوفد كردي كبير، وقرر منح أكثر من مئتي ألف كردي من الذين يقيمون على الأراضي السورية الجنسية السورية.
وفي العودة إلى بعض أوراق الأزمة الناشبة منذ بروز عدد من معارضي نظام بشار الأسد، حاول رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إثارة المشاكل بوجه نظام بشار الأسد فأوفد وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو إلى دمشق والتقى الرئيس الأسد في اجتماع ماراثوني تواصل على مدى ست ساعات ونصف الساعة، قال خلال الاجتماع الوزير أوغلو: «الرئيس أردوغان يرى أن سورية مقبلة على التقسيم، وتركيا لا تريد لسورية هذا التقسيم؟». رد الأسد قائلاً لأردوغان إن التقسيم الذي يتحدث عنه إذا ما حدث لن يقتصر على سورية فحسب بل على تركيا وسائر دول المنطقة!.
ومنذ يومين أدلى الرئيس الأسد بحديث إلى بعض أجهزة الإعلام التركية المعارضة قال فيه: «إن أردوغان لم يتكلم كلمة واحدة صحيحة منذ بداية الأحداث»، ومعلوم تنامي المعارضة الشعبية والبرلمانية لسياسات ومواقف أردوغان في الداخل التركي منذ اندلاع الشرارة السورية.
أما العامل الثاني والهام في مسار الأزمة في سورية فهو تزايد القناعة لدى دول الغرب أو بعضهم على الأقل أن المقارنة باتت مطروحة على الشكل التالي: حكم الرئيس بشار الأسد، أو الإقرار بقوة وسيطرة العناصر الإسلامية المتطرفة من «جبهة النصرة» وغيرها، وهذا ما جعل العديد من الأصوات الغربية يتوافق عند هذا التطور الهام ولعل مثل هذا الأمر، جعل العديد من الدول الغربية تتوقف عن إمداد المعارضة السورية الممثلة بـ «الجيش الحر» بالأسلحة، آملاً بالانقضاض على حكم الأسد بشكل حاسم وبالتالي فان هذا التطور هو الذي أحدث تبدلاً واضحاً في ميزان القوى العسكرية، وأدى برئيس الحكومة السورية الجديد في المنفى (غسان هيتو) لأن يوجه الانتقادات القاسية إلى الدول الغربية واتهامها بـ «التخاذل» والتراجع عن دعمها للثوار.
كذلك شن رئيس التحالف السوري معاذ الخطيب هجوماً عنيفاً على هذه الدول وخاطبها بأقذع العبارات. ومن شأن هذا العامل إذا ما استمر على حاله أن يحدث تغييراً جذرياً في ميزان القوى بين القوات النظامية التي لا تزال موالية للنظام ولبشار الأسد، وباقي الأطراف التي تقاتل النظام بما تيسر من أسلحة وذخائر مصادره، أو بعض السلاح الذي يجري تهريبه من الحدود التركية إلى الجغرافيا السورية. أما ما جرى في مؤتمر القمة العربية في الدوحة من حيث منح المقعد السوري للمعارضة، فمع تأييد فريق لهذه الخطوة عارضها فريق آخر واعتبرها سابقة خطرة لكن معركة الثوار لاحتلال مقعد سورية في الجمعية العامة للأمم المتحدة تبدو بالغة الصعوبة إن لم تكن بعيدة المنال.
وبالعودة إلى لبنان والذي ارتبط مصيره بشكل عضوي وعملي مع تطورات الوضع السوري، فما زال الآف السوريين يتدافعون إلى الأراضي اللبنانية من عدة مخارج، ويقدر رئيس الجمهورية الرئيس ميشال سليمان بأن عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان تجاوز المليون شخص أي ربع عدد سكان لبنان الأصليين، وهذا مصدر قلق كبير للسلطات اللبنانية لجهة الأمن وتأمين الاحتياجات الإنسانية والضرورية لجموع النازحين، في حين يقيم السوريون منهم في بعض المنازل سواء بيروت أو بعض المناطق المجاورة.
وتتعاظم مخاطر مشكلة توقف الحشود السورية على لبنان يوماً بعد يوم بخاصة من الناحية الأمنية حيث سجل ارتفاع كبير في عدد الجرائم والسرقات.
وفي لبنان تطور آخر يشي بتطورات آتية، ومن ذلك قيام وفد أمني أميركي مع وفد أمني لبناني بزيارة منطقة الضيعة (ضواحي بيروت) حيث تمت دراسة بعض الخطوات التي يمكن اللجوء إليها على الصعيد اللوجستي – الميداني ويتمثل ذلك باضطرار السلطات الأميركية للتحذير بنقل الرعايا الأميركيين على عجل من لبنان، بخاصة بعد النصائح التي وجهتها الدوائر الأميركية في الآونة الأخيرة بعدم زيارة لبنان «أياً كانت الاعتبارات»، كما ورد في التحذير الأميركي. وأوردت «النصيحة» بعض التفاصيل التي تتحدث عن عدم قدرة لبنان على ضبط الأمن في ربوعه «وأن الوضع مرشح لأن يتغير ويتبدل بين لحظة وأخرى».
وإذا كان من واجب الولايات المتحدة حماية رعاياها في مناطق التوتر، والحديث هنا عن لبنان تحديداً، لا يمكن فصل هذه «النصيحة» عن معلومات تملكها بعض الدوائر الأميركية حول «تطورات آتية» على المنطقة بدءاً بلبنان، وهذا يجب أخذه في الاعتبار، والظن (وبعض الظن إثم) أن تكون «الدوائر الأميركية» منخرطة فعلياً في الآتي من تطورات الأسابيع والشهور، وحتى الأيام.
…وبعد.
أولاً: إن ما كان يحكى همساً حول مشاريع التقسيم في المنطقة، أصبح متداولاً بالوضوح وبالعلن. ولا يكفي إعراب البعض عن التمنيات بعدم حدوث التقسيم كي لا يحدث فعلاً.
قلنا ونردد: «إن الحرب تنتهي في سورية، عندما تبدأ الحرب في لبنان وبعض دول الجوار («الحياة» السبت 23 آذار/مارس 2013). وهذا النوع من الأخطار بات ماثلاً أمام الجميع ومن شأن هذا الطرح أن يحفز اللبنانيين على التعاطي مع الشأن العام المخيم عليه بكثير من الجدية والمسؤولية لأن أزمة الانتخابات البرلمانية والخلاف على أفضل القوانين المتعلقة بها، ليس سوى وجه من أوجه أزمة النظام الذي أصيب بالترهل والصدأ، حيث تدعو الحاجة الملحة إلى التصدي للأخطار الكامنة تحت عنوان قانون الانتخابات الجديد وتصويب صحة التمثيل في المجلس النيابي العتيد.
ثانياً: إن الأزمة الناشئة حول أي قانون سيعتمد لإجراء الانتخابات المقبلة، ولا تبدو في الأفق حلول يتوافق عليها معظم اللبنانيين، الأمر الذي يؤكد اتجاه الوضع الداخلي في لبنان إلى مزيد من التأزيم وما يخشى من تداعيات مادية لهذا التأزيم.
ثالثاً: على الصعيد السوري توقع أكثر من مصدر متابع عن قرب لمسار التطورات أن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد المزيد من التصعيد في المواجهات العسكرية في سعي لإخراج الوضع من دوامة الدوران حول العنف والعنف المضاد فحسب ومزيد من الضحايا والدمار.
رابعاً: النظام العربي أو ما تبقى منه ضرب من جديد من بيت أبيه. فما حدث في قمة الدوحة الأخيرة بمنح مقعد سورية للمعارضة، سابقة تحدث لأول مرة. وبقطع النظر عن أهمية الدور الذي تضطلع به المعارضة فان دور الجامعة العربية في الأساس هو أن يجمع ولا يفرق وأن يقرب ولا يباعد.
فأين هي المؤسسة التي سترعى ما تبقى من «التضامن العربي المشترك»؟
وإلا… سلام يا عرب.
* إعلامي لبناني