صفحات العالم

هل تبرير المجازر جزء من مهمة أنان؟


 خيرالله خيرالله

مع استمرار المجازر التي يتعرّض لها السوريون وآخرها مجزرة التريمسة، القرية القريبة من حماة، يتأكد ان اسوأ ما في مهمة المبعوث الدولي والعربي الى سورية انها طالت اكثر مما يجب. فالواضح ان كوفي أنان غير قادر على اتخاذ موقف من الفظاعات التي يتعرّض لها الشعب السوري يوميا. انه يضع القاتل والضحية على قدم المساواة ويذهب حتّى الى تبرير المجازر التي يرتكبها النظام والتي جعلت شخصا مثل العميد مناف طلاس أو السفير في بغداد نوّاف الفارس يتخلّيان عن بشّار الأسد.

هل يشكّل اضاعة الوقت وتبرير المجازر جزءاً من مهمة كوفي أنان؟ ذلك ليس مستبعدا نظرا الى ان طبيعة الرجل الذي شغل في الماضي موقع الامين العام للامم المتحدة تؤهله للعب مثل هذا الدور. لو لم يكن الامر كذلك، لما زار المبعوث العربي والدولي طهران سعيا الى «تسوية سياسية» في سورية، علما ان إيران متورطة الى ما فوق اذنيها في الصراع الداخلي السوري ان بشكل مباشر أو عبر اداتها اللبنانية المسمّاة «حزب الله». إيران لا يمكن ان تكون جزءاً من اي تسوية نظرا الى ان مستقبل وجودها الطاغي في سورية مرتبط ببقاء النظام أو رحيله.

مع رحيل النظام، لا يمكن لإيران ان تكون موجودة في سورية. ولانّها باتت مقتنعة في ذلك، لم يعد امامها سوى دعم النظام السوري الى النهاية. انه الخيار الوحيد الباقي امام النظام الإيراني الذي يسعى في الوقت ذاته الى اغراء روسيا باتخاذ مواقف متصلبة حيال كلّ ما من شأنه اطالة عمر النظام واغراق الشعب السوري في مزيد من الدم. ليس سرّا ايضا ان إيران تلعب دورا محوريا في جعل العراق، المنقسم على نفسه، ممرّا لجزء من المساعدات التي تصل الى النظام السوري من منطلق طائفي ومذهبي ليس إلاّ…

ماذا ذهب أنان يفعل في طهران؟ هل يستطيع اقناع المسؤولين الإيرانيين ان لا مصلحة لهم في زيادة التورط في الصراع القائم في سورية، وهو صراع بين شعب يريد استعادة حريته وكرامته من جهة ونظام يعتبر البلد مزرعة والسوريين عبيدا لديه لا اكثر من جهة أخرى؟

لا مخرج في سورية ولسورية في غياب موقف واضح يأخذه المجتمع الدولي كلّه انطلاقا من الواقع المتمثل في ان النظام انتهى وان على الرئيس بشّار الأسد وافراد عائلته والقريبين منه ترك السلطة. لا مفرّ من مرحلة انتقالية تتولاها قيادة أو حكومة وحدة وطنية لا علاقة للنظام القائم بها من قريب أو بعيد. كلّ ما عدا ذلك مجرد اضاعة للوقت وزيادة لعذابات الشعب السوري الذي اثبت انه لا يمكن ان يخرج من الشارع قبل سقوط النظام.

المؤسف، في ضوء تصرّفات أنان، اقلّه الى الآن، انه يبدو وكأنّه لم يستوعب تماما ما يجري على الارض السورية. الاهمّ من ذلك، انّه لم يقرأ في كتاب ما بعد الثورات العربية التي اطاحت زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذافي. لم ينجو منها الاّ علي عبدالله صالح الذي عرف كيف يساوم من اجل البقاء في صنعاء ولكن خارج دار الرئاسة… أي السلطة.

يفترض في الامين العام السابق للامم المتحدة ادراك ان ما يدور في سورية هو امّ الثورات العربية. لا عودة عن الثورة في سورية الا باسقاط النظام. هناك شعب يقدم يوميا عشرات الشهداء من اجل استعادة حرّيته. وهناك حاكم يرفض اخذ العلم بذلك ويتصوّر ان الشعب لا يزال معه. اذا لم يكن في استطاعة كوفي أنان عمل شيء من اجل وقف العنف ليعلن صراحة ان المجتمع الدولي مقصّر وليسمّ الاشياء باسمائها، بما في ذلك الاعتراف بانّه كلّما طالت الازمة السورية، زادت مخاطر تفتيت البلد. هل هذا ما يسعي اليه الذين اختاروا كوفي أنان مبعوثا دوليا- عربيا الى سورية؟ هل المطلوب اضاعة الوقت ولا شيء غير ذلك من اجل الوصول الى انهيار داخلي في هذا البلد العربي المهم؟

كلّما مرّ يوم يقترب موعد معركة دمشق. ستكلّف تلك المعركة الكثير من الضحايا. ستزداد درجة العنف. كلّ ما يفترض بأنان عمله هو التخلي عن دور الموظف الاداري الذي يتقنه والانتقال الى السياسة.

في السياسة، لم يكن انتقال مناف مصطفى طلاس الى الخارج حدثا عابرا. الرجل نفسه ليس مهمّا. لكن انتقاله يعني اوّل ما يعني ان النظام القائم لم يعد يمتلك سوى فرق «الشبيحة» تدافع عنه. شئنا ام ابينا، كانت عائلة طلاس التي ارتبطت بعلاقة تاريخية مع آل الأسد، بصفة كونها عائلة سنّية من خارج المدن الكبرى، جزءا من النظام. كانت تشكّل بالنسبة اليه آخر غطاء سنّي…

يفترض بشخص مثل كوفي أنان ادراك هذا الواقع وابلاغ كلّ من يعنيه الامر ان العنف في سورية لن يتوقف ما دام بشّار الأسد في السلطة وان البحث يجب ان يتركز على كيفية خروجه. الحلّ اليمني فات اوانه الاّ اذا كان واردا انشاء دولة علويّة يلجأ اليها بشّار ومن معه.

ولكن مرّة اخرى، هل يبحث كوفي أنان عن مخرج في سورية ولسورية ام ان مهمّته تتلخّص بالرغبة في اضاعة الوقت؟ مثل هذا السيناريو ليس جديدا. حدث قبل ذلك في العراق. كان في استطاعة التحالف الدولي الذي حرّر الكويت في بداية العام 1991 استكمال مسيرته الى بغداد. فضّل التوقف عند نقطة معيّنة. انتظر ثلاث عشرة سنة، على المغامرة الكويتية لصدّام حسين، قبل الاقدام على خطوة اسقاط النظام العراقي بالقوة. كان مطلوبا حصول تآكل للعراق من داخل كي لا تقوم للبلد قيامة يوما. هل هذا الهدف من مهمّة أنان بغض النظر عن نيات الرجل… التي قد تكون طيبة وقد لا تكون كذلك؟

الرأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى