هل تتجه واشنطن لتوجيه ضربة جديدة لنظام الأسد؟
محمد النجار-الجزيرة نت
تثير التهديدات الأميركية للنظام السوري -بعد اتهامه باستخدام الأسلحة الكيميائية في هجوم جديد على الغوطة الشرقية- أسئلة عن مالاتها، وهل تخطط واشنطن لتوجيه ضربة جديدة لنظام بشار الأسد؟
فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أمس الجمعة أن البنتاغون يحقق فيما إذا كان النظام السوري قد استخدم غاز السارين في هجوم شنه على الغوطة الشرقية الأسبوع الماضي، مؤكدا أن قوات النظام استخدمت غاز الكلور مرارا في هجماتها ضد المدنيين.
وبينما تحدث ماتيس عن أن واشنطن لا تمتلك حتى اللحظة أدلة على استخدام نظام الأسد غاز السارين، وأنها تفحص تقارير ميدانية وحقوقية بهذا الشأن، فإن مسؤولين أميركيين تحدثوا أول أمس الخميس عن إن الهجمات الكيميائية الأخيرة في سوريا تشير إلى أن قوات النظام ربما توصلت لطرق جديدة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
عمل عسكري
وهدد هؤلاء المسؤولون بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب مستعدة لتنفيذ عمل عسكري آخر ضد قوات النظام إذا اقتضت الضرورة.
وفي إفادة، ذكر المسؤولون أن قوات النظام واصلت بين الحين والآخر استخدام أسلحة كيميائية بكميات أصغر منذ أبريل/نيسان الماضي، بعد هجوم تعرضت له بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب شمالي سوريا، وقامت الولايات المتحدة على إثره بشن هجوم صاروخي على مطار الشعيرات في حمص الشهر نفسه.
والمثير في الاتهامات الأميركية الجديدة لنظام الأسد أنها اقترنت هذه المرة بتحذير مسؤولين في إدارة ترمب من وصول الأسلحة التي يطورها نظام الأسد لشواطئ الولايات المتحدة.
وفي سيناريو بات متكررا، دافعت روسيا عن الرئيس السوري ونظامه، ورفضت الاتهامات الأميركية المتجددة له.
شيطنة الأسد
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن مصدر بالخارجية قوله إن اتهامات واشنطن للنظام السوري بتطوير أنواع جديدة من الأسلحة الكيميائية لا أساس لها من الصحة، وتهدف لـ “شيطنة” الرئيس السوري.
واتهم المصدر واشنطن باستغلال موضوع الكيميائي السوري لزرع لغم مدمر في عملية التسوية السياسية في سوريا.
وبينما تستعد التجاذبات الغربية بين واشنطن -التي حظيت اتهاماتها بتأييد من حليفتيها بريطانيا وفرنسا- من جهة، وروسيا من جهة أخرى للانتقال مجددا إلى مجلس الأمن الدولي، يبدو السؤال وجيها عن الجديد في الاتهامات والتهديدات من جهة، ودفاع موسكو المتكرر عن نظام الأسد من جهة أخرى.
والسؤال عن الجديد يدفع للعودة لتقارير حقوقية وثقت استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي ضد المدنيين أكثر من مئتي مرة منذ عام 2012، منها مرات عديدة بعد الضربة الأميركية لمطار الشعيرات بعد مجزرة خان شيخون العام الماضي.
هجمات الكيميائي
وطبقا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أغسطس/آب الماضي، فإن النظام السوري استخدم السلاح الكيميائي 207 مرات منذ استخدامه أول مرة يوم 23/12/2012.
وأدت هذه الهجمات لمقتل 1420 شخصا، من بينهم 1356 مدنيا، منهم 186 طفلا، و244 سيدة، بالإضافة إلى إصابة 6672 شخصا.
وتختصر كبيرة المستشارين لمواجهة الأزمات في منظمة العفو الدولية راوية راجح -في حديث للجزيرة- المشهد الدولي إزاء المحاسبة على الهجمات الكيميائية في سوريا، بالقول إنها “أصبحت مسيسة في مجلس الأمن الدولي، هذا ليس محبطا فقط بل هو ضوء أخضر لمواصلة جرائم الحرب” في سوريا.
ولا يرى باحثون ومراقبون جديدا في تهديدات واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، والإشارة هنا للإستراتيجية الأميركية بهذا البلد التي مرت بسلسلة من الخطوط الحمراء التي تجاوزها نظام الأسد كل مرة.
أهمية سوريا
وفي تقرير له نشره مركز الجزيرة للدراسات الشهر الماضي، تحدث الباحث سنان حتاحت عن تراجع أهمية سوريا في الأجندة الأميركية بشكل كبير بعد القضاء على تنظيم الدولة في الرقة.
ويلفت إلى أن محددات هذه الإستراتيجية تقوم عسكريا على صيانة مكتسبات قوات سوريا الديمقراطية بمنطقة الجزيرة، ومنع إيران من بسط سيطرتها على كامل البلاد، ودعم المعارضة في درعا والقنيطرة لتحقيق شريط عازل مع إسرائيل.
أما سياسيا، فإن ديفد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية الأميركي أكد التزام واشنطن بمقاطعة الأسد دون وجود إستراتيجية سياسية أو أمنية للإطاحة به، ودعم المعارضة السورية لتحقيق انتقال سياسي على طاولة المفاوضات.
وأمام هذه الإستراتيجية، يبدو أن كل ما يحدث للمدنيين أقرب للتفاصيل، لاسيما وأن الرسائل من رفض واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية لا تشمل بقية السوريين حيث قتلت نحو نصف مليون منذ سبعة أعوام، كما هجرت نحو ثلث الشعب عبر استخدام مختلف أنواع القصف.
البراميل المتفجرة
فبعد أيام من هجوم خان شيخون في أبريل/نيسان الماضي، كتب الباحث في المركز العربي بواشنطن د. رضوان زيادة -في صحيفة الحياة اللندنية- مقالا أشار فيه إلى الخطر الأكبر من الأسلحة الكيمائية على المدنيين السوريين.
واعتبر أن حماية المدنيين تتطلب فرض حظر جوي في سوريا لمنع النظام من إلقاء البراميل المتفجرة، وقصف طيرانه الذي يهدف لجعل الحياة في المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام مستحيلة.
وبين احتمالات الضربة الجوية الأميركية من عدمها، يستمر عداد الموت الذي يلاحق السوريين بالتصاعد، بعد أن تعددت طرق موتهم، تارة بصمت ودون دماء عبر الأسلحة الكيميائية، وأخرى عبر البراميل والصواريخ التي وزع النظام من خلالها الموت “بعدالة” على كل منطقة خرجت عن سيطرته على امتداد وطن تحول لساحة صراع إقليمي ودولي.
المصدر : الجزيرة + وكالات,مركز الجزيرة للدراسات