هل تخسر سورية غطاءها العربي؟
حسين عبدالعزيز *
ليس مهماً إذا كان قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سورية في مداولات الجامعة قراراً قانونياً أم لا، أو يتفق مع ميثاق الجامعة أو لا يتفق، كما أنه ليس مهماً ما هي الأسباب التي كانت وراء القرار، هل هي مؤامرة أميركية ـ صهيونية بأدوات عربية كما تقول الحكومة السورية وما أكده وليد المعلم في مؤتمره الصحافي، أم هي حرص عربي على سورية وشعبها وإبقاء الأزمة على الطاولة العربية كما قال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم.
بكل الأحوال ليست مهمة السياسة والعمل السياسي البحث في النيات والرغبات، بل هي تتعامل مع الوقائع والمعطيات، واليوم ثمة معطى عربي جديد في التعاطي مع سورية، لا يستقيم التعامل معه بلغة أيديولوجية تزيد الطين بلة وتمنع من رؤية الواقع وتداعياته.
قرار الجامعة العربية يؤكد اليوم أنه لا توجد تابوهات ثابتة لا تتغير، وأن ما جرى في ليبيا يمكن نقله إلى سورية وإن بأدوات وأساليب مختلفة، كما يؤكد القرار مع كافة بنوده أن الجامعة العربية قد خطت خطوة غير معتادة في ممارسة العمل السياسي العربي، وبدأت مرحلة جديدة قد تكون نهايتها إزالة الغطاء العربي كاملاً عن سورية، والتفكير جدياً بسيناريو ما بعد الأسد، فالدعوة إلى سحب السفراء العرب من دمشق مع اعتبار القرار شأناً سيادياً لكل دولة، ودعوة الجيش السوري إلى عدم إطلاق النار على المدنيين، والتهديد بفرض عقوبات سياسية واقتصادية، ودعوة المعارضة بكل أطيافها الداخلية والخارجية إلى اجتماع مع وزراء خارجية اللجنة العربية، هي لا شك مقدمات خطيرة تقود بالضرورة إلى نتائج خطيرة على سورية، ذلك أن هذه الدعوات تؤكد أن المنظومة العربية في معظمها رفضت الرواية السورية الرسمية لما يجري داخل البلاد من جهة، وتتجه الى الاعتراف بالمعارضة من جهة ثانية.
على أن أكثر الخطوات خطورة هو البند الثاني من الخطوات التصاعدية التي قد تستخدمها الجامعة العربية في حال عدم التزام الحكومة السورية بقرارات الجامعة: «يتولى الأمين العام للجامعة العربية الاتصال الفوري بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والأمم المتحدة بالتنسيق مع المعارضة لوضع تصور بالإجراءات المناسبة».
ومع أن نبيل العربي رفض تدويل الأزمة السورية بالتأكيد على الحل العربي على عكس ما جرى في ليبيا، لكن الصحيح أيضا ما قاله بعد يومين في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل في طرابلس، من أن مهمة الجامعة الآن تأمين الحماية للمدنيين في الدول العربية التي تشهد اضطرابات، ومع أنه لم يفصل في كيفية تأمين هذه الحماية، إلا أن قوله بأن نقل الجامعة العربية الملف الليبي إلى مجلس الأمن الدولي جاء بسبب عدم امتلاك الجامعة الإمكانات للتدخل لحماية المدنيين، مؤشر على أن الجامعة قد تلجأ إلى مجلس الأمن في حال فشلت في تأمين الحماية للمدنيين السوريين، وهذه رسالة من المفترض أن يتلقفها صنّاع القرار في دمشق.
على مدار العقود الماضية كانت دمشق تلعب على عاملين أساسيين للهروب من الضغوط الدولية والعربية: عامل الوقت الذي كانت سورية ماهرة فيه، فتمرير المراحل يؤدي إلى قيام وقائع جديدة من شأنها أن تعيد ترتيب قواعد اللعبة بما يخدم السياسة السورية، وهذا ما عملت عليه في العراق ولبنان، وعامل الجغرافيا، حيث عملت سورية دائماً على نسج تحالفات جانبية تكون بديلا عن تحالفاتها القديمة (قطر بديلا عن السعودية وتركيا بديلا عن مصر).
لكن لعبة الوقت والجغرافيا غير نافعة اليوم مع الحكومة السورية، بل يمكن القول إنهما يشكلان عبئاً كبيراً عليها، فالأزمة الخارجية شيء والأزمة الداخلية شيء آخر، ولكل منهما أدواته.
فكل يوم يمر من دون إيجاد مخارج سياسية للأزمة يؤدي إلى تفاقم السخط الشعبي، مترافقاً مع تدهور في الاقتصاد السوري سينعكس أولاً على رجال الأعمال وثانياً على الدخول المتوسطة ثم الدخول المحدودة، ناهيك عن تآكل مؤسسات الدولة، وأما الجغرافيا فلم يعد بمقدور دمشق المناورة وإجراء تحالفات هنا وهناك، ولم يبقَ لها سوى إيران ولبنان وموسكو والصين، وهذه الدول يمكن أن تشكل غطاء موقتا لسورية، وتصريحات المسؤولين فيها تبين أن هذا الغطاء لا يمكن أن يكون أبدياً، وربما يكون سقوط الحكومة في لبنان المؤشر الحقيقي على انتهاء دور الجغرافيا في خدمة السياسة السورية.
هذه المعطيات يجب أن تدفع النظام السوري إلى تقديم خطوات سياسية بالغة الأهمية وضمن إطار عربي لا سوري فقط، منعاً لنزع الغطاء العربي وتدويل الأزمة. والقول إن الأزمة داخلية فقط وحلها داخلي، لا يستقيم مع الدعوة الى عقد قمة عربية طارئة لأجل مناقشة الأزمة السورية وتداعياتها السلبية على الوضع العربي.
* إعلامي وكاتب سوري