هل تشعل ايران جنوب لبنان لتخفيف الضغط عن سوريا؟
سليم نصار
ينتظر نجيب ميقاتي لعل الأسد يسعفه في اقناع حلفائه بتسهيل مهمته السياسية. وترى جماعة 14 آذار ان قادة “حزب الله” والعماد ميشال عون ينتظرون حالياً الكلمة الفصل من طهران التي تتجه بدورها نحو الجنوب اللبناني كنقطة تفجير بديلة من غزة
عندما قررت اسرائيل معاقبة الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بسبب قرار حظر بيع السلاح لها، جندت لمهمة المعارضة والشغب طالباً فرنسياً يهودياً يدعى كوهين بنديت.
ونجحت حركة الطالب كوهين سنة 1968 في تأليب الرأي العام الفرنسي، ضد بطل مقاومة الاحتلال الالماني، الامر الذي دفع الجنرال للاحتكام الى استفتاء شعبي خسره أمام خصومه.
ولما غادر الاليزيه وصف حركة الطلاب بعبارة ذات دلالات بالغة، فقال: “انهم يعرفون ما لا يريدون… ولكنهم يجهلون ما يريدون!”.
ومن المؤكد أن التعليق الذي وصف به ديغول تلك الظاهرة السياسية ينطبق على دعاة المسيرات التي اجتاحت الدول العربية، بدءاً بتونس ومصر… مروراً باليمن وليبيا… وانتهاء بالبحرين وسوريا. وقد نجح هذا التسونامي الشعبي خلال اربعة اشهر تقريباً، في تغيير صورة العالم العربي، الامر الذي فشل الرئيس السابق جورج بوش في تحقيقه من وراء غزو العراق.
وعلى عكس الانقلابات الحزبية والعسكرية السابقة التي شجعتها الولايات المتحدة في سوريا (حسني الزعيم) ومصر (جمال عبد الناصر) وليبيا (معمر القذافي) والسودان (جعفر النميري) وتونس (زين العابدين بن علي)… فإن التغيير هذه المرة جاء بواسطة مواطنين عاديين استخدموا الهواتف الجوالة و”يوتيوب” و”فيسبوك” لتفجير احتجاتهم في الشارع، وارغام الحكام على الانصياع لمطالبهم. وبخلاف الانقلابات السابقة التي امتطت صهوة احزاب القومية العربية والاشتراكية والشيوعية والقومية السورية والبعثية، فإن الدعوة الوحيدة المشتركة بين المتظاهرين في المدن العربية، هي دعوة تغيير الانظمة وحكامها.
أي انها استبدلت دعوات الاصلاح التي اسكتتها غالبية الحكام العرب لأكثر من أربعين سنة، بمطلب مركزي يتمحور حول ضرورة اسقاط هؤلاء الحكام، واستبدال أنظمتهم القمعية المجمدة بأنظمة حرة ليبرالية، عادلة، وقادرة على اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية. وقد ساعدتها التنازلات السريعة التي قدمها زين العابدين بن علي وحسني مبارك، على محو الصورة النمطية للقائد المنقذ التي طبعت في أذهان شعوب المنطقة. أي القائد الذي لا يخضع للمساءلة والمحاسبة، كما يحدث لحكام الدول المتقدمة.
لهذه الاسباب وسواها، يرى المراقبون أن أهم ما فعلته القوى المعارضة في الشارع العربي، انها حطمت الايقونة الصنمية لقادة الانظمة السياسية القائمة. وهذا يعني أن عامل التخويف الذي استغله الحاكم لاخضاع الرعايا، قد مورس على الحكام بحيث بات كل واحد منهم مطيعاً للشارع خوفاً من العقاب.
الاسئلة المنبثقة عن اهتمام الدول الاوروبية بتغيير أنظمة الشرق الاوسط، تنبع من حاجة دول الاتحاد الى منطقة مستقرة وموالية للغرب. صحيح ان انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي قد محت من الوجود “بعبع” الشيوعية… ولكن الصحيح ايضاً ان ايران و”القاعدة” جاهزتان لملء الفراغ السياسي في منطقة لم تستقر بعد. من هنا قول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن أمن أوروبا الحيوي لا ينفصل عن أمن دول الشرق الاوسط. ومثل هذا الاعتراف يذكر بالاتفاقات المتبادلة التي وقعت بين الاتحاد الاوروبي ودول البحر الابيض المتوسط. أي الدول التي شاركت في “مسيرة برشلونة”، مثل اسبانيا وفرنسا وايطاليا. واتفق في حينه على اجراء اصلاحات بنيوية غايتها خلق فرص عمل لآلاف المهاجرين، وايجاد استقرار سياسي وازدهار اقتصادي يسمحان بالتحول الديموقراطي. وتقرر السنة الماضية، اقامة منطقة تجارية حرة للبضائع والخدمات يفترض ان تشدد التعاون والتكامل بين الاتحاد الاوروبي وجيرانه الجنوبيين.
في اعقاب الاحداث التي اسقطت زعيمي تونس ومصر، بادر الاتحاد الاوروبي الى اجراء مراجعة شاملة لسياسة الجيرة الاوروبية. وتبين لأعضائه ان الحدث الكبير يأتي من ليبيا، حيث تشير المعارك بين قوات معمر القذافي وقوات “المجلس الوطني الانتقالي” الى استمرار الحرب الاهلية على نحو يصعب تقدير نتائجه. وتوقع المجتمعون في “مؤتمر الدوحة” هذا الاسبوع، ان يطلب القذافي من صديقه رئيس الجزائر عبد العزيز بو تفليقة او من لجنة الاتحاد الافريقي، تسهيل خروجه مع افراد عائلته، في حال اشتدت وطأة القصف الجوي ضد ترسانته، او نضبت مصادره المالية. وهو يرى في صديقيه موغابي وتشافيز، حصانة الملجأ الاخير الذي يعفيه من المحاكمات والسجن. وكان “المجلس الانتقالي الوطني” قد اصدر وثيقة مؤلفة من ثمانية مبادىء تتحدث عن رؤية ليبيا الديموقراطية، وعن الحفاظ على حقوق الانسان وتثبيت مبدأ فصل السلطات. هذا طبعا، الى جانب الدعوة الى اسقاط القذافي وانهاء حكم استمر 42 سنة.
تحت عنوان: “اذا سقط الاسد، سنشهد تفكك تحالفات المنطقة”، كتب باتريك سيل في جريدة “الغارديان” الانكليزية مقالة مزدوجة الهدف. ففي جزء منها طلب الكاتب من بشار الاسد اجراء اصلاحات واسعة، مثلما نصحه اردوغان. وفي جزء آخر لمح الى خطورة تدمير الصيغة التي وضعها الرئيس حافظ الاسد لأنها ستشهد تفكك الوحدات القائمة، لما لسوريا من تداخل سياسي في شتى دول المنطقة.
ويبدو ان الرئيس الاسد مستعد لهذه الخطوات الايجابية، بدليل أنه سارع الى تكليف عادل سفر بتشكيل حكومة تتولى هي تنفيذ هذه المهمات الملحة. واللافت ان تشبث الاسد بالتصريح الذي شدد فيه على خصوصية الوضع السوري – رافضا المقارنة مع تونس ومصر – قد أوقع جهاز الامن في مطبات عدة. ذلك أنها وجدت نفسها مضطرة الى اختلاق روايات خيالية بطلها ارهابي واحد من لبنان، يعمل على تحريض الجماهير وارسال الاسلحة الى المحتجين في عشر مدن وثلاث جامعات. ومع ان المستشارة بثينة شعبان، انتقدت الشيخ يوسف القرضاوي، على خطبة قال فيها: “ان نظاما يقتل مواطنيه لا يستحق الحكم”، في حين تغاضت عن اداء قناة “الجزيرة” التي تصور في نشراتها باللغة الانكليزية، سوريا ساحة مشتعلة بالحرائق. علماً بأن صداقة الرئيس بشار مع الامير حمد بن خليفة آل ثاني، من المتانة بحيث انهما يتناوبان الزيارات الودية العائلية كل “ويك اند” ويشاهدان مع قرينتيهما في دمشق او الدوحة.
في ضوء هذه التغييرات الدراماتيكية على امتداد الوطن العربي، ينتظر رئيس وزراء لبنان المكلف نجيب ميقاتي دوره لعل الاسد يسعفه في اقناع حلفائه بتسهيل مهمته السياسية. وترى جماعة 14 آذار ان قادة “حزب الله” والعماد ميشال عون، قد تلقوا رسائل الدعم من الاسد، ولكنهم ينتظرون حاليا كلمة الفصل من طهران.
المراقبون في دول مجلس التعاون الخليجي، لا يتوقعون مشاركة ايران في حل ازمات حلفائها، ان كان في البحرين او في سوريا. والسبب انها لا تريد التورط في نزاعات عربية – عربية، خوفا من ان يؤدي تدخلها الى اذكاء الفتنة المذهبية. لذلك اكتفت بالاحتجاج لدى المنظمات الدولية اثناء وصول قوات الردع العربية الى البحرين، ووصفت وجودها بأنه “احتلال اجنبي”.
ولكن تمنّعها المحاذر في صد قوات الردع العربية في البحرين، لم يمنعها من تسخين الجبهة الفلسطينية بواسطة “حماس” وكان الهدف من وراء عمليات اطلاق الصواريخ على الاراضي الاسرائيلية، اختبار صاروخ بعيد المدى كان المهندس الفلسطيني ابو سيسي، يعمل على تطويره في اوكرانيا. وقد نجح بادىء الامر، بمعاونة البروفسور الاوكراني قسطنطين بتروفيتش، في صنع صاروخ يبلغ مداه عشرة كيلومترات. ثم طالبته “حماس” بصنع صاروخ لا يقل مداه عن اربعين كيلومتراً بحيث يبلغ الاماكن الآهلة في اسرائيل. وفي آخر رحلة قام بها لأوكرانيا، اعتقل ابو سيسي بواسطة عناصر من “الموساد” وهو حالياً ينتظر المحاكمة في احد المعتقلات الاسرائيلية.
في ضوء هذه الحادثة، خسرت ايران خطة التخفيف من ضغوط الشارع السوري. وهي حالياً تتجه نحو الجنوب اللبناني كنقطة تفجير بديلة يمكن ان تحقق الهدف المطلوب. ويرى نواب من 14 آذار ان هذا السبب يقف عائقا في طريق تسهيل مهمة الرئيس المكلف، على اعتبار ان ايران تملك اوفر الاوراق حظاً لدى فريق 8 آذار. وتقول مصادر قريبة من دمشق ان سوريا تتردد في الموافقة على اشعال جبهة الجنوب، لأنها مضطرة الى ارسال قواتها لمساندة “حزب الله” وهذا ما كادت ان تقدم عليه صيف 2006 يوم اعلنت حال الاستنفار بعد نزول فرقة جوية اسرائيلية قرب بعلبك. واضطر ايهود اولمرت الى الاعلان عن نيته قطع خطوط نقل الصواريخ الى الجنوب، وليس منازلة الجيش السوري.
بقي السؤال عن الحكومة التي طالب لها الرئيس نبيه بري بصلاة الاستسقاء لعل السماء تستجيب لصلاة نجيب!
السفير الفرنسي لدى لبنان دوني بييتون، قال بعد زيارته ميقاتي ان التأخير مرده الى رغبة الرئيس المكلف في تشكيل حكومة متوازنة وواسعة التمثيل.
والمؤكد ان هذه الرغبة بدأت فور اعلان التكليف، ولكن الاضواء الخضراء المفروض ان تضاء من سوريا بقيت حمراء.
ومن اجل رفع العتب قد يضطر نجيب ميقاتي الى تشكيل حكومة تكنوقراط يصار الى اختيار اعضائها بالتعاون مع رئيس الجمهورية وحده. ومع ادراكه المسبق بأنها سترفض من قبل الجميع، فان الاعتذار في ظرف بالغ الخطورة والسلبية، يبقى هو الحل الامثل للحفاظ على سمعة الرئيس الذي حقق انتخابات 2005.
(كاتب وصحافي لبناني – لندن)