هل تقع في سوريا “حرب إلغاء” تمهيداً لصفقة أميركية – روسية – إيرانية؟
اميل خوري
قرأ سياسي مخضرم حديثاً صحافياً للنائب وليد جنبلاط جاء فيه: “أريد أن ألفت عناية الجميع الى تصريح لرئيس أركان الجيوش الأميركية يقول فيه إن وضع سوريا مستمر على ما هو لعشر سنوات” مما يعني ان عشر سنوات أمام الدول الكبرى روسيا وأميركا وإيران لكي تجتمع على مصير سوريا ويعني من جهة أخرى أن أمامنا عشر سنوات حرباً في سوريا حتى لو حقق النظام بعض المكاسب وبعض النقاط على الأرض. فالمسألة في النهاية هي في يد الدول الكبرى التي تتبادل رسائل عبر سوريا وعلى جثة الشعب السوري ودمار سوريا تراثاً واقتصاداً وكل شيء. فهل نستطيع نحن في لبنان أن نفهم تلك الرسالة؟ إنها رسالة موجهة الى الطرفين في لبنان. الى المقاومة وقد طالبتها باعادة تصويب وجهة البندقية لانها قد تضيع في سوريا بكل تراثها ونضالاتها، والى الطرف الآخر في 14 آذار الذي بنى أحلامه ومراهنته على أن النظام السوري سيسقط بعد أسبوعين”.
هذا الحديث للنائب جنبلاط ذكّر السياسي المخضرم بكلام قاله السفير الاميركي السابق في لبنان جون غنتردين في عشاء جمع رجال مال وأعمال في مستهل عهد الرئيس الراحل الياس سركيس، وفيه: “إن اغتيال طوني فرنجيه لا يعني نهاية الدنيا ولن تتوقف الأرض عن الدوران… فالحرب في لبنان سوف تستمر عشر سنوات أخرى”… وقد دهش الحاضرون عند سماعهم ذلك الكلام وكانوا يتوقعون أن يكون انتخاب الياس سركيس رئيساً للجمهورية نهاية حرب وبداية سلام وإلا لما كان الرئيس فرنجيه قبل بإنهاء ولايته قبل ستة أشهر من موعدها. وصح ما توقعه السفير الأميركي وليس ما توقعه اللبنانيون واستمرت الحرب في لبنان أكثر من عشر سنوات لأن المحادثات التي كانت جارية من أجل التوصل الى وقف الاقتتال في لبنان لم تكن قد اكتملت ولا توصلت الى صفقة تعقدها الولايات المتحدة الاميركية مع سوريا حافظ الأسد بموافقة عربية وأوروبية، ومن دون ممانعة اسرائيلية إنما بمعارضة سوفياتية فقط لأن الصفقة تعني صداماً مسلحاً في لبنان عبر قوى من الجيش السوري ستدخل اليه وتنظيمات فلسطينية وقوى اشتراكية وشيوعية حليفة للسوفيات، وهو ما حصل فعلاً.
أما لماذا توقع السفير الاميركي استمرار الحرب في لبنان عشر سنوات، فلأن التوصل الى عقد تلك الصفقة كان يتطلب هذا الوقت. فالمقاتلون المسيحيون هم على تضامنهم في مواجهة المقاتلين الفلسطينيين والمسلمين وسيرفضون حتماً دخول خصمهم السوري الى لبنان، فكان لا بد من ضرب هذا التضامن لاضعافهم. وكانت البداية الصدام بين “نمور الأحرار” وميليشيا حزب الكتائب في منطقة الصفرا وغيرها مما ادى الى أكثر من 300 قتيل بينهم مدنيون كانوا في احواض سباحة. وتوقع المخططون لهذا الصدام ان يعلن الرئيس الراحل كميل شمعون انفصاله عن “الجبهة اللبنانية” وانتقاله الى الضفة الأخرى اي ضفة الموالين لسوريا. لكن الرئيس شمعون المعروف بدهائه فضل استيعاب الصدمة على الانتقال من موقعه الى موقع آخر حرصاً منه على استمرار التضامن المسيحي في مواجهة الآخرين وصار الشيخ بشير الجميل يكتفي بأن يراه المسيحيون في صورة مع الرئيس شمعون لتأكيد تضامنهما.
لكن المخططين لضرب التضامن المسيحي لم يتوقفوا عند هذه التجربة الأولى إنما خططوا لضربة أشد وأقوى وهي الحرب بين عون وجعجع والتي عرفت بـ”حرب الالغاء”. وقد تشجع العماد عون على خوضها ولم تنفع معه الوساطات والمساعي الكثيرة لتجنبها باعتبار أن الرابح فيها سيجعل كل المسيحيين خاسرين. وفهم في ما بعد ان العماد عون لم يستجب تلك المساعي والوساطات لأن سوريا استطاعت عبر اصدقاء مشتركين اقناعه بالقول له: اذا استطعت وأنت رئيس للحكومة ان “تبسط سيطرة الدولة على المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات فأنك تستحق بعد ذلك أن تكون رئيساً مقبلاً للجمهورية… فكان هذا الكلام كافياً لخوض حرب شرسة ضد “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع. وقبل ذلك، عام 1976 اخذ المقاتلون المسيحيون يتراجعون على الجبهات امام المقاتلين الفلسطينيين والمسلحين المدعومين من سوريا بحيث باتت جبهة بكفيا مهددة بالسقوط عسكرياً، وعند ذلك وجدت الولايات المتحدة الاميركية الداعية الى عقد صفقة مع سوريا الفرصة سانحة لتخيير الزعماء الموارنة في اجتماع الكسليك الشهير مع الموفد الاميركي بين مواجهة هزيمة عسكرية او القبول بنجدة الجيش السوري لهم وانقاذهم… فكان لا بدّ لهم من القبول واستقبال ذلك الجيش بالارز… وعندما سأل صحافي الرئيس أمين الجميل كيف قبلتم بدخول الجيش السوري الى لبنان ومن سيخرجه منه؟ أجاب “اذا كانت السكين على رقبتك هل تسأل يد من ترفعها عنها”. ثم كان اتفاق الطائف، الذي قلص صلاحيات رئيس الجمهورية، وشرع وجود الجيش السوري في لبنان لمدة سنتين، لكنها اصبحت 30 سنة…
هل يتكرر في سوريا ما حصل في لبنان توصلاً الى عقد صفقة اميركية – روسية – ايرانية مما يتطلب سقوط مزيد من الضحايا في سوريا ومزيد من الانقسام والتشرذم؟
النهار