هل ثمة فرصة إقليمية لتسوية سورية؟/ أكرم البني
والقصد ما قد يبنى سورياً، على احتمال حصول تقارب بين دول الخليج العربي وفي مقدمها السعودية وبين إيران ربطاً بالزيارة التي قام بها أخيراً أمير الكويت إلى طهران، والتراجع الملحوظ في حملات العداء، ثم الزيارة المرتقبة لوزير خارجية إيران إلى الرياض.
هناك معطيات ودوافع جديدة تمهد لهذه الفرصة، منها فشل مؤتمر جنيف 2 وانهيار التوافق الأميركي- الروسي لوضع الصراع السوري على السكة السياسية، زاد الأمر وضوحاً انشغال موسكو بتداعيات الأزمة الأوكرانية وثبات سياسة واشنطن السلبية تجاه الحدث السوري، أكدتها نتائج زيارة الرئيس أوباما للسعودية وإصراره على الاكتفاء بدعم حل سياسي وعدم التورط في المستنقع السوري، وإذا اضفنا تبلور قناعة وإن تفاوتت شدتها لدى هذه الجهات الاقليمية، بعدم قدرة أي طرف سوري على الحسم، وبأن بقاء الجرح مفتوحاً سيزيد من حدة الاحتقانات والانقسامات المذهبية، وأضفنا تالياً تنامي المخاوف المشتركة من التقدم المريع والخطير للقوى الاسلاموية الجهادية على اختلاف مسمياتها في المشهد السوري، ثم التحسب من الأعباء التي تتحملها دول الجوار جراء تواتر حالات اللجوء إلى أراضيها وتنامي مخاطر امتداد الصراع المذهبي اليها ما يهدد أمن المشرق العربي واستقراره، وأضفنا أيضاً اتساع حالة الاستياء والرفض في أوساط الرأي العام من هذا الاستهتار العربي والدولي المخزي، بشدة ما يعانيه السوريون وما يكابدونه، يمكن أن نقف عند أهم الأسباب الموضوعية التي تحض إقليمياً على تقديم التنازلات وعلى العمل لمحاصرة تداعيات البؤرة السورية.
في حين تتفاوت الأسباب الذاتية، بين حاجة خليجية تبدو أكثر تبلوراً وإلحاحاً اليوم لتعزيز الدور الاقليمي متوسلة تحالفاً مرتقباً مع السلطة الجديدة في مصر، إن لملء الفراغ الذي خلفه انحسار الدور العالمي وإن لمواجهة تحديات ومخاطر بدأت تهدد أسوارها ودواخلها، وبين حاجة إيرانية لفك الحصار الاقتصادي ولوقف رحلة الاستنزاف الطويلة لقواها جراء ما تتكبده مع حلفائها من أعباء مادية وبشرية للمحافظة على الحلقة السورية، والدليل المرونة اللافتة لسلطة الرئيس حسن روحاني في التعاطي مع أهم الملفات الشائكة، كحرصها على حماية المفاوضات مع الغرب حول الملف النووي، وتجاوبها مع حلول وسطية في لبنان وفلسطين أفضت على التوالي إلى تشكيل حكومتي وفاق في البلدين، ولا يغير هذه الحقيقة تردد طهران في تقديم تنازلات لا بد منها لتمرير مشروع تسوية للصراع السوري، مستقوية مرة بتحسن أوضاع حليفها بعد التقدم العسكري الذي أحرز في حمص وريف دمشق، ومرة بضعف المعارضة وتراجع فاعليتها.
وطبعاً، ما يعطي هذه الفرصة دفعة قوية إلى الأمام حين تحظى برعاية واشنطن وموسكو وبدعم المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية، والأهم حين تتزامن مع نجاح المفاوضات حول الملف النووي ومع تخفيف حدة التوتر في ملفات مشتركة، في العراق ولبنان واليمن وغيرها، الأمر الذي يقوي وزن النخبة الايرانية الداعية لوقف سياسة «تصدير الثورة» والالتفات إلى أزماتها الداخلية، ويهيئ مناخاً مناسباً لمحاصرة القوى السورية المتحاربة وفرض المسار السياسي عليها.
وفي المقابل يرى آخرون أن فرصة تقدم دور إقليمي في الشأن السوري ما كان لها أن تتوافر لولا استمرار عجز المجتمع الدولي وسلبيته، وهي في حساباتهم لن تكون أكثر من مشروع هدنة، قد تنفس بعض الاحتقانات الطائفية والمذهبية وتمنح فترة من الاستقرار النسبي، لكن بانتظار جولات اخرى من الصراع قد تأتي أكثر حدة، ربطاً بضعف الثقة بين هذه الأطراف الاقليمية ووجود تباينات كبيرة في المصالح والغايات يصعب تجاوزها، كالصعوبة في بناء توافقات حول خطة طريق انتقالية في سورية.
هذا ناهيكم عن حضور عوامل يمكن أن تلعب دوراً معاكساً وتساهم في إجهاض هذه الفرصة، تبدأ من المشهد السوري بالرفض المزمن للنخبة الحاكمة تقديم التنازلات، ثم تبلور قوى من داخل النظام ومن جماعات المعارضة، لا مصلحة لها في التوصل إلى أية حلول سياسية بل يعنيها استمرار الصراع وتسعيره لتعزيز تسلطها ومكاسبها، مروراً بوجود كتلة متشددة تتغلغل في مختلف مؤسسات الدولة الايرانية، حازت وزناً كبيراً خلال سنوات الصراع على النفوذ الاقليمي، وترفض أيضاً تقديم التنازلات والحلول الوسط، وهمها الرئيس الحفاظ على مواقعها وامتيازاتها الخاصة من دون اعتبار للعقابيل الخطيرة الناجمة عن استمرار استنزاف المجتمع الايراني وتشديد الحصار عليه، إنتهاء بوجود أطراف عربية وإقليمية لن تقف مكتوفة في حال تبلور مشروع تسوية للصراع السوري لا يأخذ في الاعتبار مصالحها، ونسأل، هل يمكن أن تصمت إسرائيل عن حل سياسي قد يربكها ويشغلها فكيف إن هدد أمنها الاستراتيجي؟! ثم أي حظ لخطة تهدئة لا تحترم مصالح تركيا وحصتها من المستقبل السوري بما في ذلك نفوذ حاسم على الشريط الحدودي يؤهلها لمحاصرة الوجود الكردي ورد أذاه، ما يفسر دعمها اللافت للهجمة العسكرية في منطقة كسب قرب مدينة اللاذقية وإصرارها على حماية وجود مسلحي المعارضة هناك؟! وأيضاً ماذا عن دولة قطر، هل يمكنها تمرير حل سياسي يتجاوزها ويهمل دورها، وهي التي تمتلك تأثيراً في بعض قوى المعارضة السياسية والمسلحة، وتراهن عليها لتحصيل بعض النفوذ في المشرق العربي، بعد أن انحسر وزنها في مصر وتراجع دورها في فلسطين وتونس وليبيا؟!.
والحال، ما يدعو الى الأسى والحزن أن تصل سورية الى ما وصلت اليه من خراب وتفكك، وأن تتعزز لدى أطراف الصراع تلك الحماسة المشينة للاستمرار بخيار العنف والحرب والتدمير تحدوهم أوهاماً بتحقيق حسم عسكري أو تبديل توازنات القوى، بل وما يدعو الى الأسى والحزن أكثر أن تغدو سورية ومعاناة أهلها وتضحياتهم رهينة لتوافقات اقليمية، أو لحسابات ومصالح خارجية، صار لها اليوم، الكلمة الأولى، في تقرير مصير هذا البلد المنكوب.
* كاتب سوري
الحياة