هل ثمة في سوريا من يستحق أن يكون “بديلاً” ؟!
عريب الرنتاوي
يستطيع أيٌ منا أن “يشيطن” المعارضة السورية، بكل اتجاهاتها وفروعها وارتباطاتها ومناطق توزعها…يستطيع أن يفعل ذلك كيفما شاء وبالقدر الذي يشاء، وثمة ما يكفي من “الثقوب والبقع السوداء” في رداء المعارضة وعليه، لتجريمها وإخراجها من “الملّة” وحيز التداول، والنطق عليها بحكم الإفلاس والعجز والفشل.
يستطيع من أراد ذلك أن يفعل، وكثيرون خاضوا هذه الغمار من قبل على أية حال، وما كانوا بحاجة لإجازة أو “فتوى” تتيح لهم ذلك وتبرره…بيد أن المتصفح لما يكتب في نقد المعارضة/المعارضات السورية، يتبدّى له أن ثمة صنفين رئيسين من المقاربات: الأول وينطلق من موقع الحرص على النهوض بأداء المعارضة ودورها في حفظ وحدة سوريا وسيادتها وضمان تحوّلها الآمن للحرية والكرامة والديمقراطية…والثاني، يعبر عن محاولة يائسة للبرهنة على أن لا أحد في سوريا مؤهل أو يستحق أن يكون بديلاً لنظام الأسد، فالجميع من بعثيين وناصريين وشيوعيين ويساريين وليبراليين وإسلاميين ومستقلين، إما جواسيس وعملاء للأمريكان وقطر والسعودية، أو مشاريع عملاء ينتظرون في “الطابور” وما بدّلوا تبديلا.
الصنف الثاني من الانتقادات، يصدر عن النظام والناطقين بإسمه وأعوانه، ويردد صداه مؤيدون للنظام في عدد من العواصم العربية، ومن بينها عمّان…هؤلاء لا يعترفون بوجود معارضة وطنية في سوريا، وهم لا “يخونون” المجلس الوطني السوري باعتباره “مجلس اسطنبول” أو حكومة المنفى الدواليبية باعتبارها الابن غير شرعي للمخابرات السعودية/الفرنسية فحسب، بل ويكفرون هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة فضلا عن المنبر الديمقراطي وعشرات الشخصيات المستقلة التي قضت زهرة عمرها في السجون والمعتقلات السورية، وهي تناضل اليوم في سبيل تحوّل ديمقراطي سلمي للبلاد، وتعارض العسكرة والتسلح والتدخل العسكري الأجنبي، وتدعو لحراك شعبي / سلمي، بعيداً عن الطائفية ومناهضاً لها.
لا أدري، ربما يكون قدري جميل في نظر هؤلاء هو الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية، كونه “المعارضة” الوحيدة التي ارتضت المشاركة في انتخابات مجلس الشعب في السابع من أيار الجاري…وربما لا يرونه كذلك، وقد يدرجونه في آخر لحظة، في “طابور الجواسيس والعملاء”….لم يدلنا هؤلاء على تيار واحد في المعارضة السورية يمكن أن نرى فيه بارقة الأمل أو أن نعدّه طريقاً ثالثاً بين نظام ديكتاتوري آيل للسقوط، و”معارضة عميلة” ستضع البلاد لقمة صائغة في الفم الأمريكي – الإسرائيلي الشره.
نحن لا نخفي شكوكنا حيال ارتباطات بعض المعارضة(ونشدد على بعض) بجهات خارجية، خليجية كانت أم غربية، ولا ننفي ميل بعض “المعارضات” – ونشدد على بعض – على تفضيل الحلول الانتحارية / الأطلسية على الخيار الشعبي/السلمي للتغير، ولا ننزع عن بعض المعارضة صفتها الطائفية والمذهبية (التي سبقها النظام إليها بالمناسبة)، ونوافق على أن طيفاً من المعارضة، لم يتردد ولن يتردد في تقديم أوراق إعتماد لواشنطن ممهورة بخاتم إسرائيلي…لكننا في المقابل، لن نسقط سهواً تيارات رئيسة في المعارضة، في الداخل والخارج، من حسابات العمل الوطني الديمقراطي والإنتماء القومي، وبخلاف ذلك، نكون قارفنا جريمة بحق عقولنا ومعرفتنا وتاريخ علاقتنا بسوريا ومعارضاتها، قبل أن نقارفها بحق سوريا وشعبها ومعارضتها.
والحقيقة أن كل ما تُتهم به المعارضة اليوم، سبق للنظام أن أتهم به، بل وقارفه…فالنظام وليس المعارضة، هو من أقام أوثق الروابط والتحالفات مع دول الخليج إياها، المتهمة اليوم بالتآمر على سوريا (ألا تذكرون القمم الثلاثية مع مبارك وملوك السعودية، ألا تذكرون الصداقة الحميمة مع أمير قطر)…والنظام وليس المعارضة، هو الذي أرسل جيشه إلى “حفر الباطن”…والنظام وليس المعارضة هو من فاوض إسرائيل واعترف بها، وهو (الشرع) صاحب نظرية “كل مين يقلع شوكو بإيدو” في مدريد، وقبل أوسلو ووادي عربة بسنوات…والنظام قبل المعارضة، هو من ربط أمن إسرائيل بمستقبل النظام في سوريا (رامي مخلوف)…والنظام وليس المعارضة، هو الذي اشتبك مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بالسلاح الثقيل والخفيف على حد سواء (من التدخل العسكري – 1976- مروراً بتل الزعتر والحرب على المخيمات – 85 – 87 – مروراً بتقسيم المنظمة 83).
كل هذا التاريخ، قديمه وجديده، يجهد الثرثارون في محاولة إخفائه….ويجهدون في إعادة كتابة تاريخ المنطقة الحديث لخدمة ولاءاتهم وارتباطاتهم ودفاعهم المستميت عن النظام….مثلما يجهدون في “شيطنة” كل المعارضات و”تعهيرها”…إنهم يتخذون من مواقف النظام في السنوات الأخيرة: دعم حماس وحزب الله، عملاً يَجِبُّ ما قبله، كما الإسلام تماماً…نحن ثمّنا ونثمن هذا الموقف، ولكن من دون أن نخرجه عن سياقه التاريخي والتكتيكي، وبالأخص في خدمة النظام وهدف بقائه واستمراره…والأهم، من دون أن نتخذ منه وسيلة لتبرير القتل الذي أودى بحياة أكثر من 11 ألف مواطن سوري، وأضعافهم من الجرحى وعشرات أضعافهم من المشردين والمعتقلين…ولا أدري أي رقم ينبغي أن يصله عدد الضحايا السوريين حتى يستشعر هؤلاء الحاجة لوقفة مراجعة مع النفس والعقل والضمير.
مركز القدس للدراسات