صفحات العالم

هل “حزب الله” معني بجولة أخرى؟/ أوري هيلر

لا شيء في روتين الجيش السوري وحربه ضد المتمردين صباح يوم الأربعاء ذكر بالدراما الحقيقية التي وقعت فجرا عندما للمرة الأولى منذ نشوب الحرب الأهلية أغارت الطائرات الإسرائيلية على أربعة أهداف عسكرية سورية. وخلافا لما كان ينشر في الصحافة الأجنبية طوال عام ونصف الأخيرة عن سلسلة غارات على شحنات أسلحة، نشر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي وكذا وزير الدفاع بلاغات فورية.

صحيح أن المفاوضات بين إسرائيل وسوريا انهارت منذ زمن. لكن الاتصالات استمرت هذا الأسبوع. ليس في أحاديث في كامب ديفيد وإنما في حوار مدفعي على الحدود. هذا الأسبوع التقى أمن ما بين الحربين بالأمن الجاري. فالحرب الدائرة سرا بشكل يومي، غدت هذا الأسبوع سلسلة أحداث أمنية جارية وأعادت الحدود الشمالية سنوات إلى الوراء. وعاد ضباط إسرائيليون هذا الأسبوع بذاكرتهم لسنوات التواجد في الحزام الأمني في لبنان، قبيل الانسحاب عام 2000. وهناك من عاد أبعد إلى سلسلة الأحداث الحدودية مع السوريين في ستينيات القرن الماضي.

وظاهريا تشكل غارات الطيران الإسرائيلي تصعيدا جوهريا إزاء سوريا: لأول مرة يقصف سلاح الجو علنا مواقع اللواءين 90 و68 السوريين، يقتل جنديا ويصيب سبعة. وكانت الغارة محدودة، دقيقة برسائلها وحذرة جدا، خصوصا لحقيقة أن عملا كهذا ينطوي على مجازفة، وقد يقود إلى اندلاع نيران كبير.

ولكل رئيس أركان ملفه. هناك من سمي رئيس أركان لبنان، رئيس أركان الانتفاضة ورئيس أركان يوم الغفران. هناك من أرادوا أن يعرفوا كمرممين للجيش ومن يذكرهم الناس بسبب فضائح عادت إلى العناوين هذا الأسبوع. الجنرال بني غانتس، في عامه الرابع في المنصب، يحظى حتى الآن بلقب رئيس أركان ما بين الحربين.

ولا زال غير واضح سبب اندفاع رئيس الأركان للحديث هذا الأسبوع بحرية استثنائية مع تلاميذ ثانوية والكشف أمامهم أن إسرائيل تعمل “في مدايات قريبة وبعيدة، مثل إيران. فهذه ليست عندنا مناطق خارج دائرة فعل الجيش”. وقد تحدث غانتس أمام تلاميذ الثانوية المتفاجئين عن “عشرات العمليات السرية التي جرى بعضها أيضا في الأسبوع الأخير، فعلا ونحن نتحدث”.

وشرح مساعدو رئيس الأركان أنه أراد بالعموم أن يشرح للتلاميذ هموم الجيش هذه الأيام. إلا أن الإمعان في كلامه يثير سؤالا: هل ان قادة المستوى السياسي والعسكري أغرموا بمعركة ما بين الحربين، والتي في ظروف معينة قد تقرب أو تبعد الحرب المقبلة؟ والخشية في عمليات كهذه هو أن يشعل حساب غير دقيق لرد فعل الطرف الآخر كل الوضع.

في هذه الأثناء يبدو أن قادة الدولة يستمتعون بما بين الحربين. في زيارة يعلون لمراسم انتهاء دورة للكوماندو البحري في عتليت، تفاخر وزير الدفاع بأن “مقاتلي الجيش الإسرائيلي يصلون إلى أهداف قريبة وبعيدة ويتركون أعداءنا فاغري الأفواه”.

وعودة للحدود السورية. كلما تقدم التحقيق في العبوة التي فجرت هذا الأسبوع في دورية المظليين يتعزز اصبع اتهام الاستخبارات الإسرائيلية لحزب الله. والأمر يبدأ بالأسلوب: جذب الانتباه للسياج عبر راع، بعدها نوعية العبوة التي تذكرنا بعبوات حزب الله سيئة الذكر، والتي تحوي متفجرات C4 والكثير من الشظايا لزيادة الضرر.

غير أن اصبع الاتهام هذا ظل في تصريحات التلفزيون، وليس في الاستخبارات. وبعد أن وقعت في الأسابيع الأخيرة ثلاثة أحداث، شملت إطلاق صواريخ وزرع عبوات، ينبغي للاستخبارات أن توفر أجوبة سريعة للقيادة: هل أقام حزب الله موقعا شمال هضبة الجولان؟ هل يعمل بواسطة وكلاء أو تنظيم وهمي له؟ وأيضا: كيف يتعاون الجيش السوري مع حزب الله في العمليات، فيما هو غارق حتى الرقبة في حربه ضد المتمردين؟

الأسئلة متوفرة. الأجوبة الواضحة ليست كذلك. منذ حرب لبنان الثانية افترضت الاستخبارات الإسرائيلية أن حزب الله غير معني بجولة ثالثة. وكان الافتراض هو أن الفرقة الإيرانية تتسلح من جديد لجولة أصعب وأعنف، لكن الراعي الإيراني أوضح لحزب الله أنه لا يقبل بحرق استثماراته. بالتأكيد ليس في جولة عابثة كما صيف 2006، التي بدأت بحادث حدودي تافه من ناحية الإيرانيين: خطف جثتي الجنديين إيهود غولدفيسر وألداد ريغف.

وبسبب هذا الافتراض عملت إسرائيل بشكل حر جدا. ونسب الإعلام الأجنبي لها اغتيال رئيس أركان حزب الله، عماد مغنية، واغتيال حسن اللقيس وسلسلة عمليات. وكان الافتراض أنه إذا رد حزب الله فسيرد بعيدا عن الحدود. في بورغاس في بلغاريا، مثلا، أو في محاولات ضرب السفارات في بانكوك، باكو ونيودلهي وسواها. لكن هذا الأسبوع فرض على المؤسسة الأمنية مراجعة فرضية المنطلق هذه.

وجولة التصعيد الحالية في الشمال بدأت نهاية الشهر الفائت، بغارة منسوبة لسلاح الجو على قافلة سلاح سورية حملت صواريخ ثقيلة لحزب الله. وخلافا لسابقاتها وقعت هذه الغارة على أرض لبنان. ويبدو أنه لعبت في ذلك اعتبارات عملية وفنية في رصد القافلة والعثور على التوقيت الأنسب لتوجيه صواريخ الهجوم. وخلافا للسوريين، أعلن نصر الله وتعهد بالرد.

وليس صدفة أن حزب الله رد ثلاث مرات في الأسبوعين الأخيرين، في مناطق تبعد ظاهريا بصماته. مزارع شبعا حيث انفجرت عبوة الأسبوع الفائت، وهي منطقة موضع نزاع. وكذلك العبوات والصواريخ في الجولان التي يمكن لحزب الله أن يزعم أنها في دولة سيادية أخرى.

وحادث هذا الأسبوع على حدود سوريا كان الاختبار الأهم الأول للفرقة 210 بقيادة العميد أوفق بوخريس، وهي الفرقة التي أعيد أنشاؤها في الشهر الأخير إثر قرار رئيس الأركان تعزيز الحدود، جراء تسيب الحدود في سيناء وغزة ولبنان وسوريا.

وطفت هذا الأسبوع على السطح الخلافات بين شعبة الاستخبارات وقيادة المنطقة الشمالية بشأن منظومة العمليات في الجانب السوري من هضبة الجولان. وفيما توجه قيادة الشمال اصبع الاتهام لحزب الله، لا يتحمس رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال أفيف كوخافي للتوصل إلى استخلاصات قاطعة ويرى أن الصورة أشد تعقيدا.

الآن ثمة توافق على أمر واحد في القيادة الشمالية وشعبة الاستخبارات: كل جنوب هضبة الجولان السورية يقع تحت سيطرة مطلقة للمعارضة. هذه منطقة بأغلبها من دون حكم مركزي، بحيث أن منظمات الجهاد العالمي والقاعدة تنجذب إليها بسهولة. في شمال هضبة الجولان المعارك في ذروتها، ولكن حوالي 80 في المئة من الحدود تحت سيطرة المتمردين. والآن يتراكض القادة في هضبة الجولان من حادث إلى حادث. 40 عاما من الهدوء في الهضبة، منذ اتفاقية وقف النار مع السوريين بعد حرب يوم الغفران، انتهت أثناء نوبتهم. ولذلك فإن قائد الجبهة الشمالية، يائير جولان حذر من أن “الوضع على الحدود الشمالية متفجر جدا ويمكن لشرارة أن تعجل بالصدام، حتى إذا لم يكن بالضرورة مرغوبا به من الجانبين”.

ذي بوست 21-3-2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى