هل سوريا على طريق ليبيا؟
محمد الرميحي
بازدراء وحشي للحياة، استل أحد الجنود مسدسه، ثم أفرغ عددا من الرصاصات في شبه جثة تلفظ أنفاسها، فأحالها إلى جثة هامدة، هكذا شاهد العالم مقتل واحد فقط من الآلاف من المواطنين العزل الذين قضوا في سوريا حتى الآن، القتل هو سيد الموقف.
الثورة الليبية انتهت إلى مشهد هروب القذافي، والثورة اليمنية في طريقها إلى النهاية، بعد قبول علي صالح التنحي وترك الشعب اليمني يقرر مصيره. ما نتابعه الآن في صنعاء وطرابلس الغرب هو التفاصيل التي يبدو أن سيناريو الرحيل الأخير للنظامين قد أزف.
تبقى سوريا من جملة ما بقي من «ربيع العرب» وهي للعجب مختلفة ومتشابهة مع صنعاء وطرابلس. التشابه واضح في كل عواصم ربيع العرب (العامل المشترك) هو التوريث للبلاد والعباد، والفشل في إقامة مجتمع عادل، قبله حالة من الإنكار المرضي بأن كل شيء على ما يرام!
التفاصيل مختلفة ولكنها تتقارب. في الموضوع الليبي هناك عوامل التوريث، وجنون العظمة عند الرجل الذي فقد عقله، وأيضا القمع. ما فك الشفرة الليبية هو ثورة الناس البسطاء على القمع، وموقف حازم نسبيا من الجامعة العربية، اتكأت عليه القوى الدولية في مجلس الأمن، فكان التدخل الأطلسي، الذي ساعد كثيرا في حسم الأمر وحقن بعض الدماء؟
في الحالة السورية المعادلة واضحة، شعب يطلب الحرية ويقدم قوافل الشهداء في كل طلعة مظاهرة وغروب شمس، وهي ثمرة لحركة داخلية في مجتمع تجاهلت مطالبه لنصف قرن، إلا أن مخرز القوة القمعية السورية أقوى بكثير من عين الجماهير السورية، وإن تُركت الأمور كما هي، لن تنتصر العين على المخرز، هذا واقع الأمر.
هنا تأتي جهود الجامعة العربية المترددة، التي تقدم قدما وتؤخر أخرى. قيل إن الأمين العام للجامعة العربية سوف يذهب إلى سوريا حاملا اقتراحات، ما ظهر منها لا يشفي غليل المطالب الشعبية السورية، وحتى تلك الاقتراحات لا يبدو أن دمشق تقبلها أو حتى تصغي إليها، فالمخرز – لدى البعض في دمشق – قد يعمل عمله في النهاية ويفقأ جميع العيون. أمامنا إذن مراهنة صفرية تقريبا، لا تنفع فيها الكلمات الدبلوماسية للجامعة العربية. من جهة أخرى، تطوعت بعض المؤسسات الدولية لتقول رأيها فيما يحدث، بصوت أعلى من صوت الجامعة، حتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قال رأيا أوضح وأجلى من رأي الجامعة، وكذلك فعل وزير الخارجية الفرنسي، الذي وصف المشهد بأنه جرائم ضد الإنسانية.
إن لم يكن هناك موقف واضح من الجامعة العربية، سيظل الموقف الدولي متفرجا مع بعض الشجب الإعلامي، لذا فالمطلوب من الجامعة العربية موقف تاريخي وعليها أن تتبع خطوات السيناريو الليبي؛ موقف عربي واضح، ثم طلب دولي لحماية المدنيين، حتى لو سارت الأمور مسارا آخر، غير المسار الليبي بحذافيره.
لقد أصبح الأمر في سوريا معقدا إلى درجة، إما التدخل النشط وإما سلسلة طويلة من القتلى كل صباح ومساء لا يعرف أحد كم من القتلى سوف يصل إليه العد، ويرفع السوريون شعارات بدأت تظهر علنا تقول: «ألسنا عربا أيضا»!
بلاد مثل الصين أو روسيا تقف مترددة وغير فاعلة، أمرها مفهوم، فهي ذات مصالح اقتصادية وسياسية. بلاد أخرى تنشط في المجال الدبلوماسي والإعلامي، إلا أن تردد الجامعة العربية وتقديمها بعض الاقتراحات الخجلة التي قد فات زمانها، هو المعضلة وبيت القصيد اللذان يواجهان المتابعين، ويبحثون لهما عن تفسير يشرح هذا التردد.
في القاع سلوك النظام الليبي قريب من سلوك النظام السوري، في الداخل والخارج؛ ففي الداخل، قمع مستمر أسكت الأغلبية الشعبية، وارتضت البقية الباقية الصمت أو الهجرة، عشرات الآلاف من المسجونين السياسيين كثير منهم لأسباب تافهة مثل التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة أو قول رأي علني في موضوع لا يستسيغه النظام، وما الاعتداء على الفنانين والمثقفين إلا الإشارة الأبرز. وفي الخارج تحالفات غامضة وتشجيع على التصفيات الشخصية، كما حدث في لبنان سابقا ولاحقا، وفي فترات إيواء إرهابيين والتعامل معهم، إما بتسهيل مهماتهم شرقا أو غربا، وانتهاء طبعا بتسلط على الاقتصاد من فئة صغيرة جعلت الفساد المالي لها عنوانا، على حساب شعب يحرم من أبسط الحقوق السياسية والاقتصادية. هذا التشابه يجعل الجامعة العربية تأخذ نفس الموقف الذي أخذته من النظام الأول، ليبيا، لتكرره في سوريا، ولكنها حتى الآن لم تفعل. زيارة نبيل العربي، إن تمت اليوم أو لم تتم، هي في الوقت الضائع، ويعرف السيد نبيل كما يعرف غيره، أن تلك الاقتراحات التي يحملها غير مجدية. يبقى أمل واحد فقط هو إبراء الذمة، ومن ثم مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل الإنساني حقنا للدماء السورية، وهو افتراض قد يحدث وقد لا يحدث ليستمر النزيف الدموي في مدن وقرى سوريا أشهرا أخرى.
آخر الكلام:
كتب أحد الصحافيين الغربيين، تعليقا ظريفا على أحداث ليبيا أنقله للفائدة. يقول الصحافي، سألت أحد أصدقائي الليبيين، ما هو أهم شيء أسعدك بعد انتصار الثورة الليبية، وكنت أتوقع – يقول الصحافي – أن يرد صديقي بأن الحريات الجديدة هي أكثر ما أسعدني، ولكن المفاجأة قال: أهم ما أسعدني أني لن أرى صور القذافي في الشوارع بعد اليوم، ولن أسمع خطبه. إنها لفتة على الآخرين أن يتذكروها، فكثرة الصور استفزازية، قللوها يرحمكم الله.
الشرق الأوسط