هل كانت ألف ليلة وليلة كتاباً أم لا؟/ شادي روحانا
دار حوار على صفحة فيسبوك الخاصة بالشاعر أمجد ناصر ونقاشات انطلقت من مقال له في “العربي الجديد” حول الجنس الأدبي لألف ليلة وليلة: هل كانت “ألف ليلة وليلة” رواية أم مجرد حكايات متناسلة لا يربطها إطار روائي، كما نعرفه الآن، وأدلى كثير من الكتاب والنقاد والقراء بآرائهم في هذا الخصوص.
ولكن يبدو أن هذا السؤال ولَّد سؤالاً أساسياً أكثر يتعلق بـ “تأليف” أو جمع “الليالي العربية”.
هذا ما يتناوله هنا الأكاديمي والمترجم الفلسطيني المقيم في المكسيك شادي روحانا:
كتاب أم لا؟
السؤال، برأيي، هو ليس إذا كانت ألف ليلة وليلة رواية أم لا، بل، قبل ذلك، هل كانت كتابًا أصلًا؟
لنبدأ من البداية، وهي صدور أول كتاب مطبوع يحتوي على عنوان “ألف ليلة وليلة”، ولندع خورخي لويس بورخيس يحكي لنا بعض الحقائق التاريخية.
في مقالته “مترجمو ألف ليلة وليلة”، والتي نُشرت بالإسبانية في كتابه “تاريخ الأبدية” في بوينس آيريس عام 1936، يسرد بورخيس بعض الوقائع المحيرة:
- صدرت أول طبعة لألف ليلة وليلة، بصيغة كتاب، في القرن الثامن عشر باللغة الفرنسية، بعد أن “ترجمها” و”جمعها” أنطوان غالان من مصادر عربية.
- صدرت أول طبعة عربية لألف ليلة وليلة، بصيغة كتاب، في كلكتا بالهند، في القرن التاسع عشر.
بعبارة أخرى، إن الترجمة صدرت قبل الأصل. وأكثر من ذلك، يذهب بورخيس ويقول إن حكايات ألف ليلة وليلة الأكثر شهرةً في الغرب، أي حكايات علاء الدين وعلي بابا والسندباد ـ والتي اشتهرت عربيا أيضًا وأصبحت مرجعًا أدبيًا وثقافيًا ـ لا يوجد لها أي مصدر عربي، وأنما ظهرت، لأول مرة، في “ترجمة” غالان الفرنسية، على الأرجح.
لكن الموضوع، ليس بهذه البساطة طبعًا. ففي مقاله “مَن كتبَ حكاية علاء الدين؟”، الذي نُشر في موقع “عجم” (ajammc.com) بالإنكليزية في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول عام 2017، يتكلم الباحث عرفة رزّاق، من جامعة هارفرد، عن المصادر العربية التي استند إليها أنطوان غالان أثناء تحقيق “ترجمته”. فبالإضافة إلى مخطوطة شامية تعود إلى القرن الخامس عشر تحمل عنوان “ألف ليلة وليلة” وعدد لياليها لا يتعدى الـ282 ليلة والـ35 حكاية (والتي بدأ يُشار إليها، في ما بعد، بالاسم الاستشراقي “مخطوطة غالان”)، كان هناك أيضًا مصدر شفوي يروي عنه غالان في مذكراته، هو: أنطون يوسف حنا دياب، ابن لعائلة مارونية من حلب، عمل مرافقًا للرحّالة وجامع الآثار الفرنسي بول لوكاس (والذي كان، بدوره، يعمل بوصاية الملك الفرنسي لويس الرابع عشر). ساقت الأقدار حنا دياب إلى أن يسكن باريس، سعياً وراء لقمة العيش، والتي سرعان ما هجرها ليعود إلى حلب ويعمل فيها تاجراً في السوق.
لكن كان للفترة القصيرة التي قضاها حنا دياب في فرنسا عواقب كبرى على المشهد الأدبي العالمي. فيقول غالان، في مذكراته، إنه سمع ما يسمّيها بـ”حكاية المصباح السحري” من حنا دياب يوم الخامس من مايو/أيار عام 1709 في باريس؛ ويبدو أن الـ “شهرزاد” حنا دياب لم يتوقف عند قصة علاء الدين، بل هو الذي روى قصة علي بابا لغالان في باريس أيضًا.
فمن هو أنطون يوسف حنا دياب هذا؟
في عام 1993 تم العثور، في مكتبة الفاتيكان، على مخطوطة عربية تعود إلى حنا دياب، يروي فيها حكاية لقائه بأنطوان غالان خلال إقامته القصيرة في فرنسا. أنقل هنا ما ورد بالمخطوطة عن ذلك اللقاء (المخطوطة متوفرة على الإنترنت على صفحة أرشيف مكتبة الفاتيكان: https://digi.vatlib.it/view/MSS_Sbath.254/0129):
“كان يزورنا كثير اوقات رجل ختيار […] وكان يقرأ مليح بالعربي، وينقل كتب عربي الي الفرنساوي […] كان الحين ينقل كتاب عربي الي الفرنساوي وهو كتاب حكاية الف ليلة وليلة. فهذا الرجل كان يستعين فيّ لاجل بعض قضايا ما كان يفهمهم فكنت افهمهم اياهم. وكان الكتاب ناقص كام ليلة فاحكيت له حكايا الذي كنت بعرفهم فتمم كتابه من تلك الحكايا فانبسط مني قوي كثير”.
فمن أين أتى حنّا دياب بهذه القصص؟ ومن أين للطبعات العربية، من القرن التاسع عشر وصاعداً، القصص “اليتيمة”، ذاتها، التي لم يظهر لها، حتى الآن، أي أصل عربي مكتوب؟ هل تُرجمت إلى العربية عن “الترجمة” الفرنسية، التي بدورها تَرجمت إلى الفرنسية ما جاء على لسان أنطون يوسف حنا دياب العربي؟ أم كانت تُروى، شفويًا، بعد أن ورثها الحكواتيون والناس أبا عن جد (أو، بالأحرى، أمًا عن جدة)؟ وماذا عن المخطوطات التي تحمل عنوان “ألف ليلة وليلة” والعائدة إلى العصور الغابرة والمُبعثرة في المكتبات والأراشيف (والتي عدد لياليها لا يتعدى الـ300 أصلًا، كما وثّقها العراقي محسن مهدي في طبعته لألف ليلة وليلة الصادرة في ليدن عام 1984)؟ كيف كانت تتداول في الماضي، وما كان الهدف منها، وهل من الممكن اعتبارها “كتابًا”؟
هل من مجيب؟
*أكاديمي ومترجم فلسطيني يقيم في المكسيك
ضفة ثالثة