هل كلنا سوريون؟/ غسان المفلح
السؤال يستدعي تعريف السورية؟ السورية عند التحالفات الاسدية الطائفية والطبقية غيرها عند بقية الشعب السوري. السورية عند بعض التيارات الاسلامية جزء من خلافة اسلامية. السورية عند التيار القومي العربي جزء من الدولة العربية المرجوة. السورية عند التيار القومي الكردي تحوي جزء من دولة كوردستان الكبرى المرجوة.
أما عند التحالفات الاسدية فهي معرفة بالاسد. وهذا ما تقبله جزء من معارضة تدعي أنها علمانية ومنها قومجية!! خمسة عقود من القمع البعثي الاسدي، كانت كفيلة بضياع المعنى. أي معنى خارج سورية الاسد. التيار الديمقراطي حتى اللحظة لم ينتج تعريفا لسورية. هل نستطيع أن نقول أن هنالك تيارا ديمقراطيا؟ النظام ترك العلمانيين لحرياتهم الفردية دون ان يقتربوا من الحريات العامة أي دون أن يكون لهم صوتا سياسيا ولا مدنيا بالمعنى
السوري الجمعي!! قسم منهم رضي بهذه القسمة وبات يدافع عن النظام تحت هذا المسمى.
حاول بعض الاخوان المسلمين في سورية، أن يكونوا حملة راية النضال من أجل الحريات العامة، لكن حركية التنظيم بقيت تنفر من الحريات الفردية، بما فيها حرية المأكل والمشرب والملبس والمعتقد والتفكير. مما خلق نفورا أحيانا صاخبا وأحيانا صامتا بين النخب المعارضة، بما فيها التي رفضت تلك القسمة واعتبرت الديمقراطية، والنظام الديمقراطي ودولة القانون وحقوق الانسان، غايتها وتعريفها لسورية التي ينشدونها. غياب السياسة عن المجتمع السوري لخمسة عقود خلقت مجتمعا مريضا، هذا طبيعي وأكثر من طبيعي.
لكن هذا لا يعني أن المجتمعات التي ازمنت حياة القمع والخوف لا تقوم بثورة.
السورية هي الملاط الذي من المفترض أن يشد الكل إليه. هذا الملاط الذي يجد أو من
المفترض أن يجد فيه أي مواطن، مايشده إليه بغض النظر عن انتماء هذا المواطن وأراءه السياسية. حاول نظام الاسد، أن يكون بديلا عن هذا الملاط، حاول أن يكون المرجع في كل شيئ بديلا عن الدولة. النظام الدولي منذ أن تشكلت سورية، كل حساباته كانت منتج لما يدور فيه من صراعات على النفوذ. لكن في فترة الستينيات والسبعينيات، لم يعد هذا النظام الدولي معنيا بدعم الدول، بقدر ما كان معنيا بتثبيت مناطق نفوذه، لهذا نجد أن قوى المعسكرين آنذاك كانت تدعم سلطات من ابشع أنواع السلطات ديكتاتورية وفاشية.
كان همهم القبض بالقمع على مناطق نفوذ كل طرف على حدا. نظام الاسد نموذجا اشكاليا على هذا الصعيد. إشكاليا بحكم إسرائيليته، فكان مدعوما من المعسكر الشرقي ومرضي عنه من المعسكر الغربي. فأسس سلطة بقوة القمع والقتل منذ اليوم الأول لتوليه السلطة1970. بدأت صياغة سورية وفقا لهذه المعطيات الدولية، فكلما حضر نظام الاسد سيطرة داخل سورية، كلما تراجع دور الدولة السورية، دورها في تشكيل هذا الملاط الوطني.
اصبحت سورية وبرعاية دولية مرتبطة بسلطة آل الاسد لمدة اربعة عقود ونصف تقريبا. اربعة عقود ونصف تغير فيها العالم عدة مرات، إلا سلطة الاسد لم تتغير. هل عدم التغير هذا بفعل قواها الذاتية، او تحالفاتها الطبقية الداخلية مع تجار دمشق وحلب، أو ولاءاتها المنضدة طائفيا؟ أبدا وإن كانت تلعب دورا، لكنه دورا ثانويا بالقياس لهذه المباركة الدولية لهذه السلطة. ساضرب مثالا فاقعا، عندما مات باسل الاسد وبدأ الاسد الاب يعد بشار بعده وريثا، استقبله الرئيس الفرنسي جاك شيراك على باب قصر الاليزيه، وهذه البادرة لاتحدث لملوك ورؤساء الغرب، ودون ان يكون له أي منصب سياسي مجرد ضابط صغير بالجيش السوري. بمعزل عما حدث لاحقا. ثم جاءت مادلين اولبرايت بجناز الاب لكي تبارك الوريث.
طبعا الروس والصينيين كانوا موافقين سلفا، وتغير الدستور بظرف دقيقتين وتسلم سورية كلها وهو لا يتجاوز ال34 عاما. برضا كل القوى الدولية. فأين سورية الدولة في هذه الخارطة؟ كنا كأقلية معارضة ننبه لهذا وناضل ضده، لكننا كنا معزولين دوليا.
لم تعط المعارضة فرصة ليس لتحكم سورية بل حتى لتكون شريكا بالحكم. ليس لأن هذه المعارضة كما يدعون بأنها غير قادرة على حكم سورية. من دعم بشار الاسد في ذلك العمر كان قادرا على دعم غيره. بل السبب سورية الاسرائيلية هكذا يجب أن تكون، وهذا ما كشفت عنه الثورة السورية18 آذار 2011. إذا اصبحت سورية كلها مرتبط وجودها بعاملين العامل الأول النظام الدولي وفقا لتراتبية قواه وتشابكات مصالحه، والثاني استمرار آل الاسد تقتيلا ونهبا وتدميرا لكل مقدرات شعب سورية. نحن لم نكن شعبا بنظرهم نحن مجرد، اطراف في حرب أهلية. فأين هي الآن الدولة السورية؟ من أوصل هذه الدولة ليدخلها أكثر من ستين ألف إيراني حالشي ويدخلها جهاديين من كل حدب وصوب؟ من المسؤول عن ذلك؟ نستطيع القول بكل بساطة الآن، ان سورية منذ تولى آل الاسد السلطة فيها لم تعد للسوريين، لكنها بعد الثورة، ومدى لا اخلاقية وفساد النظام الدولي، اصبحت سوريات.
كما اقول دائما، هل يعقل وعلى افتراض ان الثورة عليها ما عليها أن يقبل سوري فيه ذرة ضمير بحكم هذه العائلة؟ لأنها هي ومواليها المسؤول الأول والأخير عما جرى ويجري. لهذا هم ليسوا سوريين هم أسديين. وهنالك فارق كبير، بين السوري وبين الاسدي، تفصله الآن شلالات الدم التي اهدرتها هذه السلطة، وبلد مدمرة أكثرية مدنه وقراه. ركام كما قال اوباما متفاخرا. لا يمكن أن نجد سورية باستمرار آل الاسد.
واوباما يريدها وارادها ركاما بشريا. ما حدث في الثورة السورية من اخطاء للمعارضة، أقل بكثير مما كانت عليه حال المعارضة العراقية!! وحتى أن ليبيا القذافي لم يكن هنالك اطارا معارضا بل تم خلقه بساعات، لاسقاط القذافي بالتدخل الدولي. فكيف يمكن أن يكون مجرم حرب ملاطا لشعب بكل ملايينه؟ لكن بالمقابل لو نظرنا للوضع الاقليمي لوجدنا أن هذا الاقليم المبتلى بالنفط وإسرائيل، يجب أن يحكم بالقتل والفساد. لا يسمح بوجود دول طبيعية، يسمح بوجود سلطات قاتلة قوية على شعوبها.
أمريكا في الثورة السورية ظهرت قوتها الحقيقية، للذي لم يكن يريد أن يرى هذه القوة على حقيقتها. أمريكا تحكم العالم، وجزء من ادوات حكمها لهذا العالم استمرار بعض الانظمة القاتلة والفاسدة فيه. أين هي سوريتنا؟ لا اريد سوريتي إذا بقي آل الاسد فيها.. سابقى مشتتا حتى أموت..لكن هذا ما استطيعه هو رفضي لسورية يحكمها آل الاسد.