صفحات سورية

هل ما يزال يوجد أحد يريد مساعدة الشعب السوري؟/ بشار عمر الجوباسي

 

لا أفشي سراً إذا قلت إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لا يريدون إسقاط نظام الأسد؛ وهذه حقيقة، احتاج كثير من السوريين إلى فاجعة بحجم مجزرة الغوطة الكيماوية ليقتنعوا بها، فقد ظلت أوضاعهم المأساوية، التي ما زالوا يقاسونها تفرض عليهم استجداء الخلاص، ولو من الأمريكيين، غير أن الواقع لا مهرب منه؛ فلن يأتي الحل إلا عبرهم ولن يكون إلا برضاهم، يتشدقون بدعمهم للشعب السوري ولا يملون بين الفينة والأخرى تكرار تأكيدهم على فقدان رأس النظام شرعيته وضرورة رحيله؛ ولكنهم يشددون في الوقت نفسه على حتمية الحل السياسي للأزمة السورية، الذي لا يرون عنه بديلاً، وطبعاً من دون تحديد موعد له، قبل أن يغير صعود «داعش» شيئاً في أولوياتهم، فقد أصبح القضاء عليه هدفهم الأول. وصف وزير الدفاع المقال هيغل الحرب عليه بطويلة الأمد، فلينتظر السوريون ما بعد انتهاء هذا الأمد البعيد، لكي يبدأوا التفكير بأزمتهم ثم معالجتها سياسياً.

على كل حال يجب عدم الإفراط في التفاؤل، فالحل السياسي المنتظر يقتضي جلوس النظام والمعارضة إلى طاولة المفاوضات، قبل الخروج باتفاقية يرضاها النظام، باعتباره أحد أطرفها؛ فأي حل ذاك الذي سيقبل به نظام كهذا؟ من دون أن يفوتنا هنا ذكر أن الأساس في المسار السياسي المنشود هو مؤتمر «جنيف-1»، الذي كان من أهم بنوده تشكيل هيئة حكم انتقالية تضم أطرافا من المعارضة والنظام، فهل دفع السوريون ويدفعون كل تلك التضحيات من أجل عدة مقاعد وزارية!

إيران وروسيا يدعمان نظام الأسد فتأتيه الأموال والأسلحة والذخائر ويقاتل معه عناصر وخبراء إيرانيون، فضلاً عن تسخير إيران مليشيات حلفائها في لبنان والعراق للقتال معه؛ في حين يُقابل ذلك بموقف غربي أمريكي متفرج، ليمزق ما يسمى مجموعة أصدقاء سورية، ويضيف المزيد من التناقضات إلى دولها التي يتخبط ويتصارع بعضها، حتى على التراب السوري، وقد شرذم المال الخليجي المقاتلين وأبعد سياسيي الإئتلاف إلى كوكب آخر غير الذي يموت فيه السوريون. أما من ما يزال يحتفظ بموقف يظهر وكأنه يزداد صلابة يوماً بعد آخر فهم الأتراك؛ فالرئيس أردوغان لا يفوّت أي مناسبة من دون أن يحمل نظام الأسد مسؤولية ما حدث في سورية، ويشدد على حتمية رحليه أو إسقاطه قبل الالتفات لباقي مشاكل المنطقة.

كما لا يزال يعارض المشاركة بفاعلية أكثر في التحالف الدولي ضد «داعش» ويمنع الأمريكيين من استخدام أراضيه وقواعده العسكرية لضربها، ويضع شروطاً لذلك، من شأنها زيادة الضغط على نظام الأسد والعمل على إسقاطه؛ لكن وعلى النقيض تماماً من موقفه ذاك يفعل الجانب التركي أشياء تزيد في عمر نظام الأسد بطريقة غير مباشرة، فتركيا ليست صديقة أصدقاء سورية فقط، بل هي أيضاً من أوفى الأصدقاء لأعداء الشعب السوري، فعلى صعيد العلاقات الاقتصادية التركية ـ الإيرانية نرى أن تركيا تعمل على مداواة جراح إيران، من جراء العقوبات الغربية المفروضة عليها، فتعزز علاقاتها الاقتصادية معها بغض النظر عن القضايا الخلافية بينهما، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما من 10.7 مليار دولار عام 2010 ليصل إلى 22 مليار دولار عام 2012، في ظل الأزمة السورية واحتدام الخلافات بينهما حولها، لكنه انخفض بسبب العقوبات العام الماضي قبل أن يعود ويرتفع هذا العام، كما أبرمت عدة اتفاقيات لتعزيزه وإيصاله إلى 30 مليار دولار العام المقبل.

وكذلك تلعب تركيا الآن دور الطبيب المداوي لجراح الدب الروسي الأوكرانية، فبعدما رفضت مفوضية الاتحاد الأوروبي إتمام مشروع خط الغاز الروسي المسمى «ساوث ستريم»، متذرعة بأنه ينتهك قوانينها الخاصة بالمنافسة التجارية، أعلن بوتين من أنقرة إيقاف العمل بذلك الخط وتعويضه بإقامة مجمع للغاز قرب الحدود التركية اليونانية، ليسارع أردوغان ويبدي رغبته بشراء الغاز الروسي من هذا المجمع، كما وقع الجانبان ثماني اتفاقيات اقتصادية، وأكدا على رفع قيمة التبادل التجاري بينهما من 33 مليار دولار حالياً إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2023، تبحث روسيا شرقاً وغرباً عن مصادر جديدة للعملة الصعبة بعد تراجع احتياطياتها ما يقارب 100 مليار دولار نتيجة العقوبات الغربية، واستمرار انخفاض أسعار النفط، وهذا ما ساعدها فيه أردوغان، مقابل اعتراف روسي باللغة التركية لغة رسمية في شبه جزيرة القرم، التي كان من المفترض أن تشكل قضية خلافية أخرى بينهما، لم ينس أردوغان التأكيد على اتفاقه مع بوتين حول ضرورة حل الأزمة السورية، ولكنهما مختلفان بشأن كيفية ذلك الحل؛ فهل يدل تصريح كهذا على حدوث أي تقارب بين وجهتي نظرهما، في ما يتعلق بالملف السوري، هذا إن بحثاه أصلاً في اجتماعهما.

من حق تركيا السعي وراء مصالحها ولكن في مسألة إستراتيجية مثل القضية السورية لا بد من تقديم بعض التضحيا. إذا كان الجميع يعول على العقوبات الغربية على كل من روسيا وإيران المتزامنه مع انخفاض أسعار النفط للضغط عليهما واستنزافهما فتُرغمان على تقديم تنازلات في القضايا الخلافية معهما، ومنها الأزمة السورية، لكن ما يفعله أردوغان يعقد الأمور أكثر، ولعله كان من أضعف الإيمان أن يستغل حاجة إيران وروسيا إليه ويطلب ولو القليل منهما في الملف السوري، ولو بتخفيف قصف نظام الأسد على المدنيين، أو فتح ممرات لمناطق فات على حصار النظام لبعضها سنوات. على الرغم من المسألة الكردية ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لتركيا، إضافة لقضايا اللاجئين والخوف من امتداد «داعش» إلى الداخل التركي، حيث تشكل السياحة أبرز دعائم الاقتصاد فيها؛ يبدو أنه لا توجد لسوريا أهمية لدى الأتراك كتلك التي تمثلها للإيرانيين، ولا يزال الاقتصاد الشغل الشاغل لأردوغان، الذي لا يقدم عليه أي مصالح أخرى. ي

يُركز في بعض وسائل الإعلام على الصمود الأسطوري للشعب السوري ويحمل وحده مسؤولية العمل على إسقاط نظام يدعمه العالم، فهل هذا من المنطق بشيء؟ اكتملت المصائب على رأس السوريين بتوقيف برنامج الأغذية العالمي مساعداته لنحو مليوني سوري في بلدان اللجوء، في وقت كان من المفترض فيه العمل على زيادة تلك المساعدات، فالشتاء واستمرار الحرب يرغم المزيد من اللاجئين على طرق باب تلك المنظمة كل يوم، فهل ما يزال يوجد أحد يريد مساعدة الشعب السوري؟

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى