صفحات العالم

هل من الممكن تعديل الوضع العسكري في سورية؟/ عبدالرحمن الوابلي

 صمود النظام الوحشي السوري في وجه الحراك المسلح الداخلي؛ شجع القوى الإقليمية والدولية الحليفة للنظام بالتدخل ورمي ثقلها الدبلوماسي والسياسي والعسكري والاقتصادي؛ لجانبه؛ مما ساعده على البقاء واستعادة روح المبادرة والسيطرة على الوضع الاستراتيجي الداخلي

قبل سنتين ونصف، كتبت مقالين عن الوضع العسكري في سورية، وذلك بتاريخ 7/8/2012، بعنوان “الحرب في سورية.. استراتيجية تجفيف خزان الدم المقابل”. شرحت فيها، الوضع العسكري الجاري على الأرض آنذاك في سورية، من النواحي الاستراتيجية والتكتيكية والعملياتية وحتى المعنوية؛ لكل من الجيش السوري وقوى المعارضة السورية المسلحة. خلصت فيها إلى أن مسألة حسم الصراع عسكرياً بين الطرفين صعب للغاية. وبأن الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية، هو الحل السياسي. والبديل عن ذلك سيكون سفك المزيد من الدم السوري وتدمير البنية التحتية للمناطق العمرانية في سورية، مع تهشيم ثقافة الإنسان السوري وتحطيم نفسيته وهذا لا يقل خطورة عن القتل وتدمير البنية التحتية.

إذاً وبعد سنتين ونصف من تحليلي للوضع العسكري المدمر في سورية؛ ما زالت توقعاتي للوضع هنالك قائمة وصحيحة؛ مع ميل الكفة بشكل واضح لصالح جيش النظام السوري. وهذا ما ألمحت له في مقالي ولم أذكره مباشرة؛ خشية اعتبار ما وددت إيصاله من معلومة، يصب في صالح النظام في سورية، والذي أثبت بأنه أدرى بشعابه من غيره. بغض النظر عن هوية النظام في سورية وتوجهاته أو هوية المعارضة السورية المسلحة وتوجهاتها؛ فما يجري على الأرض، بالنسبة للمحلل المختص هي الهدف والخروج برؤية قريبة من الواقع هي الغاية.

السؤال هو لماذا تورطت دول عظمى وإقليمية كبيرة وصغيرة في حرب تدل طلائعها بأنها حرب خاسرة؛ واستمرت في خوضها؟ الجواب هو بأن بداية الأحداث في سورية كانت مغرية للتدخل وقطف ثمارها سريعاً، قبل الغير؛ حيث ما حدث في ليبيا واليمن وقبلها في تونس ومصر من التهاوي السريع لأنظمتها، أسال لعاب من لا لعاب له. مع كون النظام في سورية يختلف عما تهاوى من أنظمة عربية؛ من ناحية تماسك الجيش والحكومة مع الحزب والقيادة السورية بعكس ما حدث في حالة الأنظمة الأخرى. ففي تونس ومصر الجيش وقف محايدا؛ بمعنى ترك النظام عاري الصدر ومكشوف الظهر؛ وفي اليمن انشق الجيش على نفسه والحكومة كذلك.

أما في سورية فقد وقف الجيش سداً منيعاً لحماية الحكومة، والتي تناغمت معه في الثبات تحت قيادة البلاد وحزبها الحاكم؛ وذلك لسببين رئيسيين. وهما أولاً تجربة تفكيك الجيش العراقي وقوى أمنه ومطاردة مسؤوليه من البعثيين؛ بعد سقوط النظام العراقي تحت مجنزرات الدبابات الأميركية والغربية. ومن هذه التجربة غير البعيدة زمنياً ولا جغرافياً من سورية؛ جعلت جميع مؤسسات الدولة السورية العسكرية منها والمدنية تربط وجودها وبقاءها بوجود وبقاء قيادتها السياسية. ثانياً التدخل السريع في الحدث السوري من قبل القوى الخارجية الإقليمية والدولية لمساعدة ومساندة الثورة السورية المسلحة، قبل أن تنضج وتشكل قياداتها الشعبية الداخلية الخاصة بها؛ أفقدها وهجها الشعبي؛ وحولها لوسيلة تدخل خارجية للوثوب على الحكومة السورية. خاصة في ظل تنصيب قيادات غير شعبية، مفروضة من الخارج، ليس لها تاريخ نضالي معروف؛ مما شكك في شعبية الحراك الداخلي السوري.

صمود النظام الوحشي السوري في وجه الحراك المسلح الداخلي والتدخل الخارجي؛ شجع القوى الإقليمية والدولية الحليفة للنظام بالتدخل ورمي ثقلها الدبلوماسي والسياسي والعسكري والاقتصادي؛ لجانبه؛ مما ساعده على الصمود واستعادة روح المبادرة والسيطرة على الوضع الاستراتيجي الداخلي. والذي زاد الطينة بلة، بالنسبة لإخفاق المعارضة المسلحة معنوياً وأخلاقياً؛ هو دخول التنظيمات الإرهابية الخارجية للقتال بجانبها أو باسمها ضد النظام. مما أفقد الحراك المسلح الداخلي التعاطف الشعبي الداخلي والخارجي؛ لكون المآخذ التي أخذت على النظام؛ لا تمثل شيئا يذكر بالنسبة للمآخذ التي بدأت تؤخذ على الحراك المسلح.

إن التدخل الخارجي العنيف والسريع وغير المدروس؛ جعل قوى التدخل تغامر في رمي كل ثقلها مادياً وتسليحاً وتجييشاً وإمداداً بالمسلحين من الخارج؛ مما أحرق جميع أوراقها مع النظام السوري؛ ولم يترك بيدها أي ورقة تستحق بأن تكون خط رجعة وتفاهم معه. مما جعلها توغل وتستميت في لعب الورق المحروق حتى في الوقت المسروق.

وفي مقاليَّ المذكورين أعلاه؛ أوضحت بأن من راهن على بؤر وقيادات الحراك المسلح في سورية، قد راهنوا على خيول عرجاء، لا تستحق تشجيعها ناهيك عن الرهان عليها. من المعلوم بأن القوى الثورية الشعبية الحقة هي قوى خلاقة مبدعة بذاتها ومن ذاتها؛ وعندما تثبت وجودها وتقبض على المبادرة، هنا يتم الوثوق بها ومساندتها ودعمها. القوى الثورية الشعبية من دواعي ثوريتها؛ خوضها حروبا ثورية حقة؛ سواء عن طريق حرب العصابات أو حرب المدن. الثوري الحق يعي بحق استراتيجيات وتكتيكات الحروب الثورية؛ لا بل ويترك بصمته الثورية الخاصة به عليها.

ألف باء، حرب العصابات الثورية؛ هي عدم مسك الأرض ناهيك عن الدفاع عنها في بداية الحرب. بل تتوزع القوى على فصائل صغيرة تتحرك وتشاغل قوى العدو عن طريق تكتيك “اضرب واهرب”. حتى تنهك النظام، وتكسب شعبية عارمة؛ ببسالتها القتالية وأخلاقها النضالية. حتى تخلخل قوى النظام وتحطم معنوياته وتمسك بروح المبادرة جيداً ولا تفلتها. أما في حربها في المدن؛ فهي تستخدم تكتيك “اضرب واختف”؛ حيث زحمة المدن تساعد على الاختفاء السريع. وتكون العمليات العسكرية في المدن عمليات جراحية جداً دقيقة، لمفاصل مؤسسات النظام الأمنية، من دون أن تؤثر على السكان.

والثوري إن لم تكن لديه القدرة على تموين وتمويل حاله ذاتياً؛ لا يستحق التموين والتمويل من الخارج. حتى لو أتاه تمويل أو تموين من الخارج؛ وانقطع بسبب أو آخر، لا يؤثر ذلك دراماتيكياً على عملياته النضالية. القوى الثورية الحقة لا تحبذ التدخل الخارجي أي كان مصدره؛ خاصة كون التدخلات الخارجية عادة ما تأتي لصالح الأنظمة المتهاوية لا الثورية. ولا تستعجل القوى الثورية المسلحة بمسك الأرض والاحتفاظ بها؛ إلا بعد أن يظهر جلياً تفكك النظام وتشرذم قواه العسكرية والأمنية. وفوق كل هذا؛ تتميز القوى الثورية بقيادة ثورية موحدة ذات شعبية ومصداقية ثورية لا شك ولا ريب فيها.

وأي من هذا لا ينطبق على المعارضة المسلحة السورية لا من قريب ولا من بعيد؛ ولذلك فدعمها من البداية يعد تكتيكا خاطئا واستمرار الرهان عليها يدخل ضمن الاستراتيجيات المهلكة. جيش النظام الوحشي السوري الذي يقاتل تكتيكياً واستراتيجياً ثوري أكثر من الثوريين أنفسهم. صحيح بأن عقيدته العسكرية بنيت على القتال على الجبهات المفتوحة والحرب التقليدية؛ إلا أن انغماسه في الحرب الأهلية اللبنانية ولمدة أكثر من عشرين سنة؛ أكسبه الحرفية في حرب المدن والعصابات. كما أنه من شكل ودرب بعض قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ودعمها وساعدها في التخطيط؛ حتى تم طرد الجيش الإسرائيلي من لبنان؛ وأعاد الاستقرار إليه. الجيش السوري يراهن في حربه على عامل الوقت؛ وقوى المعارضة المسلحة في سورية تستعجل السيطرة على نقاط استراتيجية، ستنهكها أكثر من أن تضيف لها قوة تستحق التضحيات. إذاً فالرهان على أن تعدل قوى المعارضة المسلحة السورية الوضع على الأرض لصالحها؛ هو رهان على سفك المزيد من دم الإنسان السوري وإطالة عبثية لمعاناته.

الوطن السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى