صفحات العالم

هل من ترابط بين معركتي الرقة وعرسال

 

 

رفّعت الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام وتظهر فيها قافلة لاجئين بصدد مغادرة الحدود اللبنانية متجهة إلى سوريا، من حدة التوتر والقلق بشأن ما يجري في عرسال وتداعياته على الوضع اللبناني عموما. ويعد السوريون الذين غادروا عرسال ثاني مجموعة تعود بموجب اتفاق رتب في محادثات غير مباشرة مع جماعة سرايا أهل الشام السورية المعارضة وسط حديث عن معركة وشيكة قد تندلع في المنطقة بالتزامن مع التصعيد في سوريا، وتحديدا في الرقة. وبينما ستكون معركة الرقة مصيرية لتنظيم الدولة الإسلامية ستكون معركة عرسال مصيرية لحزب الله، الذي يسعى لخوضها تحت مظلة الجيش اللبناني المدعوم من الولايات المتحدة لتكون وفق قراءات المتابعين معركة تجمع حزب الله والجيش السوري والجيش اللبناني وسط مخاوف من تداعيات الأعمال العسكرية على مصير عرسال كما على مصير نازحين سوريين يتوزعون على أكثر من مئة مخيم في المنطقة.

توريط الجيش والبلد لفائدة حسابات حزب الله

أوحى الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بأن معركة عرسال الموعودة في الشمال الشرقي للبنان باتت قريبة جدا.

وتفيد بعض المعلومات أن العملية العسكرية لتحرير الجرود الحدودية بين لبنان وسوريا من فصائل ينتمي معظمها إلى تنظيم النصرة، قد تنطلق خلال أيام وسط تخوّف من تبعات ذلك على حال مخيمات اللاجئين السوريين والسكان اللبنانيين في تلك المنطقة.

وتعتبر أوساط مطلعة أن تلك المعركة باتت ضرورية بالنسبة لحزب الله للسيطرة على آخر الثغرات الكبرى التي ما زالت تمسك بالحدود السورية اللبنانية في تلك المنطقة، كما أنها باتت مطلوبة ضمن مخطط يربط لبنان، لا سيما المناطق والخطوط التي تخضع للحزب بـ “سوريا المفيدة” التي يخطط لها ضمن مشروع مناطق “خفض التوتر” الجاري تثبيتها وفق مقاربة أستانة.

وتقول بعض التحليلات إن إيران التي أقصاها الاتفاق الروسي الأميركي، الذي أعلن عقب لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير في هامبورغ في ألمانيا على هامش قمة العشرين الأسبوع الماضي، بخصوص إقامة منطقة آمنة في جنوب سوريا، تعجّل باتجاه تثبيت مواقعها في سوريا ولبنان وعدم الاستكانة إلى صفقة بين واشنطن وموسكو تأتي على حساب مصالحها السورية.

وتتضارب المعلومات عن سيناريوهات معركة عرسال وهوية المشاركين بها. فإذا ما كان حزب الله والجيش السوري التابع لدمشق يستعدان لخوض تلك المعركة من داخل سوريا وداخل لبنان للإطباق على تلك المناطق، فإن دور الجيش اللبناني ما زال غامضا في هذا الصدد، خصوصا بعد اللغط الذي دار حول عملياته في عرسال مؤخرا، والتي أثارت، إثر مقتل معتقلين سوريين، حملة ضد أجندات الجيش وارتباطه بأجندات حزب الله.

كما لحزب الله مصلحة في السيطرة على الحدود الشرقية الشمالية اللبنانية مع سوريا فإن داعش والنصرة يعتبران هذه المنطقة أساسية في مواجهة آلة الحرب الدولية ضدهما

ورطة الجيش

تؤكد بعض الأوساط أن حزب الله يسعى لجر الجيش اللبناني إلى هذه المعركة لتغطية خطط الحزب العسكرية بسقف رسمي، فيما تتساءل أوساط مراقبة عن هامش تحرك الجيش في هذا الإطار، وهو الذي يحظى بعلاقة مميزة مع الولايات المتحدة التي تعمل على تزويده بالسلاح والمعدات العسكرية على نحو لافت إلى درجة هبوط طائرات عسكرية أميركية في مطار رياق، أي ضمن المنطقة القريبة من مسرح العمليات في عرسال وضمن المنطقة التي ينتشر داخلها وجود عسكري مكثف لحزب الله في البقاع.

وتلفت مصادر دبلوماسية غربية إلى أن علاقات واشنطن مع الجيش اللبناني لم تتأثر على الرغم من تقارير إسرائيلية تحدثت عن اختراق حزب الله للمؤسسة العسكرية اللبنانية وعلى الرغم من مخاوف أثيرت من أن تقع الأسلحة والتجهيزات والمعدات الأميركية المقدمة للجيش في يد حزب الله.

ورأت هذه المصادر أن واشنطن قد لا يضيرها تعاون حزب الله مع الجيش في أي عملية تهدف إلى القضاء على الجماعات الإرهابية والذي تعتبره الإدارة الأميركية أولوية بالنسبة لها.

وتضيف هذه المصادر أن واشنطن غضّت الطرف عن مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق في المعارك للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية هناك على الرغم من توتر العلاقات الأميركية الإيرانية، وأن حالة معركة عرسال العتيدة في شراكة تتم بين حزب الله والجيش السوري والجيش اللبناني قد تتطابق مع الحالة العراقية التي قبلت أميركيا. غير أن بيروت تتخوف من تداعيات الأعمال العسكرية على مصير عرسال كما على مصير أكثر النازحين السوريين الذين يتوزعون على 110 مخيمات في هذه المنطقة، بما يرفع عدد القاطنين بالقرب من مسرح العمليات إلى 140 ألف شخص، خصوصا إذا حملت المعركة مفاجآت تطيل أمد الحرب وتجعل من الصعب السيطرة على الكثافة الديمغرافية في المنطقة.

وتفيد تقارير في تلك المنطقة بأن بلدية عرسال والمنظمات الموكلة بشؤون اللاجئين تسعى لوضع خطط لاستيعاب ردود الفعل التي ستنتج عن الأعمال الحربية على يوميات اللاجئين.

بيد أن المعلومات ترجح أن لا تكون تلك المعركة سهلة، ذلك أنه، وكما لحزب الله مصلحة في السيطرة على الحدود الشرقية الشمالية اللبنانية مع سوريا، فإن تنظيمي داعش والنصرة يعتبران هذه المنطقة التي تمتد بطول 55 كيلومترا أساسية في مواجهة آلة الحرب الدولية ضدهما، كما أنهما لا يمتلكان إلا الصمود طالما أن الكماشة التي يعدها حزب الله ودمشق بتعاون متوقع من الجيش اللبناني لا تعطيهما أي خيار آخر.

أوساط عرسالية تخشى من انتقال المعارك من جرود عرسال إلى المدينة نفسها ما يثير كارثة إنسانية ومذهبية تتعلق بتماس قوات حزب الله مع كتلة ديمغرافية عرسالية سنية

سيطرة حزب الله

تخشى أوساط عرسالية من انتقال المعارك من جرود عرسال إلى المدينة نفسها ما يثير كارثة إنسانية ومذهبية تتعلق بتماس قوات حزب الله مع كتلة ديمغرافية عرسالية سنية لطالما قيل إن الحزب يسعى لإزالتها في سياق تطهير يضمن له الهيمنة الكاملة على كل البقاع الشرقي والشمالي.

غير أن مراقبين لبنانيين يقللون من هذا الاحتمال ويعتبرون أن عرسال التي لطالما كانت ملاذا داعما للمعارضة السورية، باتت تعاني من كثافة اللجوء السوري ومن وجود مجموعات إرهابية وباتت معبرا مفترضا لانتقال داعش إلى لبنان.

ويضيف هؤلاء أن التخلص من الحالة الشاذة في الجرود بات مطلب العرساليين أنفسهم، وأن حزب الله المدرك للتحولات الجارية بعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يعد من مصلحته فتح معركة مذهبية ضد عرسال السنية، فيما نفوذ إيران برمته في العراق وسوريا ولبنان بات مستهدفا من قبل واشنطن وحلفائها.

ورأت مصادر سياسية لبنانية مطلعة أن موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الداعم للجيش اللبناني يمنح المؤسسة العسكرية غطاء سنيا كافيا لخوض معركة عرسال دون أي حرج. فقد عمد إلى استيعاب ارتدادات الحملة التي أثيرت حول مقتل أربعة سوريين داخل معتقلات الجيش اللبناني من خلال اجتماعه مع قائد الجيش جوزيف عون، بما أوحى بأنه “استدعاء” يقوم به الممثل الأول للسنة في السلطة لقائد الجيش، على الرغم من نفي الحريري نفسه لصفة الاستدعاء هذه عن هذا الاجتماع.

غير أن قريبين من تيار المستقبل يميزون ما بين دعم الجيش اللبناني بالمطلق بصفته المؤسسة العسكرية الواجب أن تحتكر السلاح والدفاع عن لبنان وبين دعم مشاركة هذا الجيش في عمليات يطلقها حزب الله لحسابات إيرانية.

ويضيف هؤلاء أن التيار سيبقى معارضا لأي عمليات عسكرية للحزب ويرفض تغطيتها عبر الجيش اللبناني.

لكن بعض المراقبين يعتبرون أن الجيش اللبناني قد يطلق هذه العملية بتنسيق كامل مع قيادة التحالف الدولي ضد الإرهاب في توقيت يتواكب مع إعلان واشنطن أن قواتها الخاصة تنفذ عمليات داخل الرقة.

ويضيف هؤلاء أن حزب الله سوف يتحرك متظللا بعمليات الجيش لفرض أجندته وأن ما لمح إليه نصرالله يوحي بأن القرار بات متخذا وأن بدء العمليات قد ينطلق في أي وقت يجري فيه تقاطع محلي إقليمي دولي يتيح ذلك.

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى