هل نحن مقبلون على حرب «الإمارات» في سورية ؟/ حسن بن سالم
لم تكد تمض فترة وجيزة على إعلان أبي بكر البغدادي دولة الخلافة الإسلامية حتى أعلن زعيم فرع تنظيم القاعدة أبو محمد الجولاني، في تسجيل سرب قصداً وسط حشد من مؤيديه وأنصاره، تأسيس «إمارة الشام الإسلامية»، أو نية إعلانها لاحقاً كما ورد في البيان التوضيحي الصادر من المنارة البيضاء الناطقة باسم «جبهة النصرة»، الذي كرر عبارات الجولاني التي وردت في التسجيل، باستثناء إعلان الإمارة.
إعلان يجعلنا أمام تحول جديد ومنعطف خطر تمر به الثورة السورية، من شأنه أن ينقل الأزمة إلى مستوى جديد من الاقتتال الدموي والتصعيد والتصادم العنيف بين التنظيمات الجهادية المسلحة، وهو ما يتعلق بتشكيل وصراع نفوذ الإمارات، بحيث يفرض فصيل ما أو مجموعة من الفصائل الحكم بالقوة في منطقة أو مساحة، وهو أمر ربما يتجاوز التنظيمات الجهادية ليشمل الفصائل المسلحة كافة التي ربما تكون مجبرة على المواجهة والقتال أو الانحياز إلى فصيل دون آخر، صراع من المتوقع أن ينجم عنه مزيد من التشرذم والتفرق والاقتتال في المناطق المتنازع بغية الهيمنة عليها وضمها إلى حدود الإمارة، وأن يفتح الباب للفصائل، كل بحسب وزنه وقوته، في السعي لفرض سيطرتهم على مناطق وجودهم وحكمها والتصرف بها بصفتها إمارة خاصة، وإن لم يتم إعلان ذلك بصراحة ووضوح، وأكبر مستفيد من كل ذلك الانقسام والتمزق الذي ربما نكون بصدده هو نظام الأسد الوحشي.
«جبهة النصرة» بإعلانها تأسيس الإمارة الإسلامية في الشام، وفي ظل المتغيرات التي تمر بها، تكون أسست لمرحلة جديدة وتكتيك وأسلوب مختلف في التعاطي مع تطورات المشهد السوري، فهي أفصحت بكل وضوح ومن دون سياسة التمويه أو المداراة التي كانت تنتهجها، ومن دون رسائل التطمين التي كانت ترسلها، منذ تأسيسها، إلى بقية الفصائل في تأكيدها ضرورة الالتزام بمبادئ الشورى وعدم الاستفراد بالقرار، وإقامة العلاقة معها على رغم الاختلاف في المنطلقات، على مبدأ التعاون والتنسيق وتشاطر الانتصارات والهزائم، فالجولاني في حواره عبر قناة الجزيرة قال إن جماعته «لا تسعى إلى الحكم في سورية والنصرة لن تتفرد في قيادة المجتمع حتى إن تم الوصول إلى مرحلة متقدمة…
لا بد من أن تعقد مجالس للشورى ومجالس لأهل الحل والعقد، ثم توضع خطة مناسبة لإدارة هذا البلد» ولكن الجولاني نفسه اليوم يقول، حينما خاطب أنصاره ومؤيديه في التسجيل الذي تم تسريبه قصداً: «آن الأوان لأن نقيم إمارة إسلامية على أرض الشام، تطبق حدود الله عز وجل، وتطبق شرعه بكل ما ترتضيه الكلمة من معنى، من دون تهاون أو استهانة أو مواربة أو مداراة، وبعد كل التضحيات التي قدمتموها في سبيل الله لتحكيم شرعه ونشر نهجه، حان الوقت أيها الأحبة لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات في بلاد الشام وأكثر من أربعين سنة من جهاد تنظيم القاعدة».
إن جبهة النصرة، حينما كان مشروع دولة البغدادي يزايد بالدعاية الجهادية على حساب القاعدة وفرعها، وتزايدت الخلافات والفجوة بينهما، وفشلت سياستها ومحاولاتها في احتواء الخلاف معها عبر رأب الصدع وتحكيم العقل والعودة إلى رموز المدرسة الجهادية للحكم والفصل بينهما، وتحول الاختلاف إلى حال من التصادم المحدود من طرفها خلافاً لبقية الفصائل، وعادت من جديد بإعطاء داعش مهلة لقبول وساطة للصلح بعد عام من الاقتتال، ومع توسع نفوذ دولة البغدادي بشكل أصبح يهدد كيانها وتماسكها، بحيث أدى إعلان دولة الخلافة الإسلامية إلى حدوث حالات من الانشقاق والتصدع في صفوف النصرة، ومبايعة عدد من قياداتها دولة البغدادي بالقوة أو الاختيار، وخسارتها عدداً من المدن والمناطق الاستراتيجية في شرق سورية، وتزايد أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف دولة البغدادي، ومن أجل إنقاذ نفسها من حال التشتت والتشرذم والتصدع في صفوفها، وضعت شعارات التطمين والتنسيق والشورى مع بقية الفصائل جانباً، وبدأت باتخاذ خطوات عملية في رفع معنويات أنصارها، والإيحاء بقدرتها على مواجهة مشروع دولة البغدادي، وقدرتها على اجتذاب أعداد من المقاتلين المتدفقين إلى سورية، فهاجمت مشروع «ميثاق الشرف الثوري» الذي وقعت عليه كبرى الكتائب الإسلامية، وأوضحت بشدة رفضها أية دولة لا تقوم على حاكمية الشريعة، وأن الموقّعين يقفون في وجه دولة الخلافة الراشدة، وأعلنت منذ أيام انسحابها من الهيئة الشرعية في حلب وريفها، وهي الجسم القضائي الأقوى في المناطق المحررة، احتجاجاً على تعاملها مع مجلس المحافظة التابع للائتلاف الوطني الذي تكفّره النصرة، في خطوات تمهيدية لتأسيس مشروع إمارتها الإسلامية، والنصرة وإن أرجأت في بيانها الإلحاقي إعلان الإمارة والمضي في مشروع إقامة المحاكم والأمن البديل عن الهيئات الشرعية في غضون 10 أيام، فهي بما لا يدع مجالاً للشك، تسعى بشكل جاد لفرض سيطرتها على أراض ومساحات تكون لها وحدها كلمة الفصل فيها، وهذا الإعلان بحد ذاته مؤشر مستقبلي خطر ينبئ عن حال من الاختلاف بين النصرة والفصائل الأخرى غير الشريكة والخاضعة لها في مشروع إمارتها، والتي ترى في هذه الخطوة استفراداً وتنافساً على السلطة والنفوذ في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد ودولة داعش، اختلافاً ربما يصل إلى حال من العنف والاقتتال في حال سعي النصرة لبسط إمارتها وسيطرتها بالقوة، في إعادة لسيناريو تصادم دولة البغدادي التي فرضت نفسها ومحاكمها بالقوة، ومنذ أيام أعلنت جبهة ثوار سورية التابعة للجيش الحر في بيان لها أن بوادر إعلان إمارة النصرة بدت قبل أيام، بسيطرتها على المناطق التي حررتها سابقاً في ريف إدلب وقتلها نحو 100 مقاتل، والسيطرة على مقارّها، إنها حرب الإمارات التي ربما تقضي على أرواح العشرات من أبنائنا وغيرهم في سبيل الهيمنة والسلطة والنفوذ.
* كاتب سعودي.
الحياة