هل نشر باتريوت يقرب خيار الحرب؟
خورشيد دلي
أخيرا وافق الحلف الأطلسي من حيث المبدأ على نشر صواريخ باتريوت على الأراضي التركية وتحديدا في المنطقة المحاذية للحدود السورية. الحجة التركية – الاطلسية هي الدفاع عن الأراضي التركية باعتبار تركيا عضوا في الحلف، ويبرر قادة الجانبين قرارهم بأن طبيعة منظومة باتريوت هي دفاعية وليست هجومية، والمقصود بالطبع هنا، احتمال هجوم صاروخي من قبل القوات السورية المنهكمة في العمليات العسكرية ضد الجيش والمجموعات المسلحة التي تقاتل لإسقاط النظام السوري. يعرف الجميع أن نشر صواريخ باتريوت تم مرتين فقط في التاريخ، الأولى خلال حرب الخليج عام 1991 عقب غزو القوات العراقية لدولة الكويت. والثانية كانت خلال عملية غزو العراق عام 2003 بحجة امتلاك نظام صدام حسين أسلحة نووية، أي ان في الحالتين كانت النتيجة حرب ضخمة شبه عالمية غيرت ملامح المنطقة. وعليه يمكن القول إنه من السذاجة النظر إلى قضية نشر صواريخ باتريوت على الأراضي التركية على أنها مجرد خطوة دفاعية، الا إذا كان المقصود بهذا الدفاع هو في إطار الاستعداد لحرب ما، أو من أجل تدخل عسكري لتحقيق أهداف محددة ، ومثل هذا الاعتقاد يتعزز في ظل السياسة التركية تجاه هذه الأزمة التركية، وهي سياسة باتت لها عنوان واحد، هو إسقاط النظام السوري، وعليه يمكن القول إن خطوة نشر باتريوت تحمل معها مرحلة جديدة، لعل أهم ملامحها خيار المواجهة العسكرية. في ظل القرار المتخذ، يبدو أن الجدل الجاري في كواليس الحلف الأطلسي ينصب على قضية حساسة جدا، وهي هل سيكون نشر هذه الصواريخ تحت البند الرابع أم الخامس لميثاق الحلف ؟ فإذا كان تحت البند الخامس فهذا يعني ان الهدف من النشر سيكون بحجة دعم تركيا لحماية أراضيها ونفسها ضد أي تهديد خارجي بمعنى انه ليس من الضروري ان ينخرط الحلف في الاجراءات التنفيذية، أم إذا كان تحت البند الرابع فهذا يعني انه سيكون تحت عنوان تهديد الحلف وبالتالي على الأخير ان يتخذ الاجراءات اللازمة للدفاع عن نفسه، أي الانخراط في الحرب المحتملة. القضية الأخرى التي تثير الجدل بخصوص هذه المسألة، تتعلق بالجهة أي الدولة التي سترسل هذه الصواريخ لنشرها على الأراضي التركية، ويبدو حتى الآن ان كلا من ألمانيا وهولندا تتصدران المشهد، مع الإشارة إلى ان ألمانيا اشترطت موافقتها بإرسال 170 جندي ألماني لقيادة وإدارة العمل بهذه الصواريخ. في الواقع، بغض النظر عن هذا الجدل الجاري والتفاصيل التقنية، الا انه من الواضح أن قضية نشر صواريخ باتريوت على الأراضي التركية تأتي لتحقيق جملة من الأهداف والتي هي معظمها تركية، ولعل أهمها : 1- إيجاد مدخل لإنخراط الحلف الاطلسي في الأزمة السورية بعد ان أكد الحلف مرارا انه ليس بصدد التدخل العسكري في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا. 2- سعي اردوغان إلى جر الإدارة الأمريكية خلال الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما من أجل التدخل بقوة في الأزمة السورية، بعد الخيبة التركية من موقف إدارة باراك أوباما خلال الولاية الأولى. 3- ان خطوة نشر صواريخ الباتريوت تأتي لتحقيق خطوة عملية في الاستراتيجية التركية، إي إقامة منطقة أمنية عازلة وحظر جوي فوق الأراضي السورية بعد ان فشلت تركيا في تحقيق هذا المشروع من خلال مجلس الأمن خلال الفترة الماضية. 4- ان نشر مثل هذه الصواريخ يعد بمثابة ضوء أخضر للجيش الحر وباقي المجموعات المسلحة لتصعيد العمليات العسكرية وإعلان السيطرة النهائية على المناطق الحدودية الشمالية – الشرقية من سوريا في إطار السعي إلى إقامة منطقة عازلة تكون بمثابة بنغازي ليبيا. 5– ان نشر هذه الصواريخ يشكل رسالة للداخل التركي، مفادها أنه بات في آمان حتى لو نشبت حرب بين تركيا وسوريا، على اعتبار ان هذه المنظومة / باتريوت / تشكل أفضل منظومة دفاعية في العالم،وقد اثبتت نجاعتها كما قلنا خلال حربي الخليج عام 1991 ومن ثم العراق عام 2003 . لكن السؤال هنا، هل سيكتفي حلفاء دمشق، وتحديدا روسيا وإيران وعراق المالكي بإعلان رفض هذه الخطوة ؟ في الواقع، إذا كان مفهوما التنديد السوري بالخطوة كون النظام السوري يعرف أنه المعني أولا وأخيرا، فان الموقف الروسي الرافض لهذه الخطوة وكذلك الإيراني يحمل معه احتمالات الصدام، فسورية بالنسبة لروسيا ليست ليبيا، وضرب سورية يعني ضرب الأمن القومي الروسي، وبالنسبة لإيران فان الأمر أكبر، إذ تعد طهران ان أمن دمشق هي أمنها الخاص، وانتقال التداعيات إلى الخرائط الجيوسياسية إلى داخل البلدين. ولعل الموقف الروسي هنا يذكرنا بما جرى لمنظومة الدروع الصاروخية الأمريكية التي قرر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش نشرها في أوروبا الشرقية قبل نحو عقد، وقتها أمر بوتين بتوجيه الصواريخ الباليستية الروسية صوب المدن الأوروبية، فجمد بوش المشروع ومن ثم تراجع باراك أوباما عنه، والسؤال هل سيتكرر المشهد مع قضية نشر صواريخ باتريوت في تركيا أم ان خيار المواجهة بات أمرا لا مفر منه بعد أن بلغت الأزمة السورية أشدها ؟
ايلاف