صفحات سوريةفايز ساره

هل نشهد تغيراً في الموقف الروسي حيال سورية؟


فايز سارة *

تحمل الأسابيع القليلة القادمة مؤشرات تغيير كبير في الموقف الروسي حيال الوضع في سورية، والتعبيرات الأولية لتغييرات الموقف الروسي تبدو واضحة في أمرين اثنين: أولهما حركة ديبلوماسية يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف تتضمن مباحثات حول الوضع السوري وسبل معالجته، حيث يزور الأول تركيا في الأسبوع المقبل، فيما يزور الثاني كل من مصر والسعودية بداية الشهر المقبل، ويلتقي أقرانه وزراء مجلس التعاون الخليجي في إطار اجتماعات الدورة الثانية للحوار الإستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي في الرياض.

أما الأمر الثاني في مؤشر تغييرات الموقف الروسي، فيكمن في خطوات عملية، لعل أهمها فتح أبواب موسكو لاستقبال مختلف فصائل المعارضة السورية واستقبال المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي من أجل إجراء مشاورات حول الوضع في سورية واحتمالاته وسبل معالجته، إضافة إلى توجه موسكو نحو إعطاء بيان جنيف حول سورية قيمةً إجرائية وتطبيقية، من خلال «جعل بيان جنيف أشبه بقرار منفصل لمجلس الأمن الدولي، يكون ملزماً لكل الأطراف المعنية» من اجل وقف اطلاق النار في سورية على طريق معالجة الأزمة، كما قال نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف.

والسر في تحول الموقف الروسي يرتبط بقرب اجتياز الولايات المتحدة بوابة الانتخابات الرئاسية، بما يعنيه من تحرر واشنطن من هذه العقدة وبالتالي قدرتها على اتخاذ قرار أكثر جرأة في الموضوع السوري، وهو تطور مقترن بجملة من التغييرات الدولية والسورية التي تواصلت في الأسبوعين الأخيرين، ومنها التصعيد الأميركي-الإسرائيلي ضد إيران، والذي يميل المراقبون إلى تأكيد انه سيتمخض عن هجوم على إيران في أعقاب الانتخابات الأميركية، وبينها ما شهدته إيران أخيراً من انهيار في قيمة عملتها بالتزامن مع حراك شعبي وسياسي ضد سياسات حكومة أحمدي نجاد، وكلها سوف تؤثر على انخفاض، إن لم يكن توقف الدعم الإيراني المقدم إلى سورية، الأمر الذي سيلقي عبئاً جديداً على موسكو إزاء حليفها السوري.

كما أن بين العوامل الضاغطة على الموقف الروسي، معاناة دول الجوار السوري وسيرها نحو مشاكل جديدة ناتجة عن تداعيات الوضع السوري، وأبرزها ضغوطات دخول مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى هذه البلدان، وقد قارب عددهم نصف مليون نسمة بينهم أكثر من ثلاثمئة ألف لاجئ مسجل. والأمر الثاني الأشد خطورة، هو تدهور الأوضاع الأمنية على حدود سورية مع دول الجوار، من خلال سقوط القذائف في الجوار، كما حدث في لبنان والأردن وتركيا وإسرائيل، أو عبور القوات السورية الحدود المشتركة، على نحو ما حدث في خرق طائرات سورية الحدود مع العراق وقوات سورية الحدود مع لبنان، وكان التطور الأهم في هذا الجانب، ما حدث على الحدود السورية التركية من قصف متبادل، الأمر الذي هدد -ولا يزال- باندلاع حرب سورية تركية إذا تكرر القصف السوري للأراضي التركية.

ورغم أهمية العوامل السابقة في ضغطها على الموقف الروسي، فإن العوامل السورية الضاغطة على موسكو ليست أقل وزناً وتأثيراً في هذا الاتجاه، حيث لا يمكن الموقف الروسي أن يستمر في معاندته الضغوطات عليه من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية وكذلك العربية ودول اخرى في مجلس الأمن وأماكن أخرى، من أجل الاستجابة لموقف قوي وضاغط على السلطات السورية للانخراط في حل سياسي للوضع السوري، خاصة وأن نهج المعالجة العسكرية الأمنية الذي تتابعه السلطات لم يؤدِّ إلى نتيجة، رغم اعتمادها مبدأ الحرب الشاملة ضد المعارضة والتجمعات السكنية، وإيقاع أفدح الخسائر البشرية والمادية، وخاصة لجهة وصول عدد الضحايا في اليوم إلى مئتي شخص، باستثناء الجرحى والمعتقلين.

ويتزامن مع التدهور الأمني واتساع حدود المعاناة الإنسانية لملايين السوريين، نتيجةَ تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعاشية لأغلبية السكان، انسدادٌ في الأفق السياسي للأزمة في الداخل، حيث لا فرصة لحراك أو لحوار في المجتمع وكتله المختلفة أو داخل النظام، بل إن ما يجري تأكيده هو مزيد من التشديد خوفاً من انفلات الوضع الأمني من جهة، وكي لا يلتقط الحراك الشعبي أنفاسه ويعاود توسيع حراكه السلمي والجماهيري، وكان من نتيجة التشديد تبدل في حساسيات الصراع، وانتقاله إلى أوساط وحلقات كانت اعتُبرت هادئة في الفترة الماضية وتمثل قوة صلبة في تركيبة النظام الحاكم، ومنها مناطق في محافظتي طرطوس واللاذقية، وتعبيرها الأبرز أحداث مدينة القرداحة الأخيرة.

وسط تلك المتغيرات، لا يحتاج إلى برهانٍ قولُ إن الموقف الروسي لا يمكنه أن يستمر على الخط ذاته من الوضع السوري، داعماً ومسانداً ومتحملاً كل الشروط السياسية والمادية المحيطة في مستوياتها الدولية والإقليمية والسورية الداخلية، الأمر الذي يؤشر إلى ضرورة التغيير. غير أنه من الصعب الحسم في موضوع مستوى التغيير بالقول إنه سيكون تغييراً كلياً يشبه الانقلاب، أو تغييراً جزئياً يسمح للسلطات السورية بالمناورة خلال مرحلة معينة، على أمل قيامها بإعادة ضبط المجتمع السوري والمعارضة وإعادتهما إلى حظيرة النظام، وهو أمر بعيد الاحتمال.

إن النتيجة التي سيؤول إليها الموقف الروسي من الوضع السوري مرهونة بالنتائج التي ستتمخض عنها الحركة الديبلوماسية الروسية من جهة، والخطوات الإجرائية التي ستتابعها في الأسابيع القليلة القادمة، والتفاعلات الإقليمية والدولية والداخلية السورية في تأثيرها على موقف موسكو، وكلما كانت الضغوط أكبر، فإن التغييرات في الموقف الروسي ستكون أكبر وأكثر جذرية.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى