هل هناك “حلّ سياسي للازمة السورية” –مقالات مختارة-
البناء الروسي في سوريا: هل ينهار على رأس البنّاء؟/ صبحي حديدي
في السردية الراهنة لما بات يُسمى بـ«الحلّ السياسي للازمة السورية»، ثمة عنصر أوّل يحظى بإجماع مضطرد، من كارهيه والراغبين فيه على حدّ سواء: أنّ موسكو صارت المتعهد الأكبر لذلك «الحلّ»، حتى إذا كانت هي القوة العسكرية الأبرز التي تساند نظام بشار الأسد على الأرض.
العناصر الصانعة لهذا الإجماع يمكن أن تبدأ من تفاهمات الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة دانانغ، وتمرّ باستدعاء بشار الأسد إلى سوتشي للقاء بوتين، والقمة الثلاثية التي دعا إليها بوتين وضمّت الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني، فاجتماع أطراف «المعارضة» السورية في الرياض ـ 2، والجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، قبيل اجتماع أستانة 8، وصولاً إلى ما يُسمّى «مؤتمر الشعوب السورية» المرتقب في سوتشي أيضاً.
بيد أنّ هذه هي، على وجه التحديد، العناصر التي يمكن أن تنقلب إلى ضدّها في حسابات السردية الراهنة حول تقليد روسيا مفاتيح الحلّ السياسي في سوريا؛ ليس لأيّ سبب آخر أكثر جوهرية من ذلك الاعتبار الأبرز: أنّ جميع هذه العناصر مفخخة، سواء أُخذت مجتمعة متكاملة أم منفردة متعارضة، وهي أقرب إلى المزيج الانفجاري منها إلى السلّة المتناسقة. ورغم أنها تبدو، من جانب آخر، بمثابة تتويج سياسي لسنتين ونيف من التدخل العسكري والدبلوماسي الروسي غير المسبوق إلى جانب النظام؛ فإنّ معطياتها، العسكرية تحديداً، هي التي تلوّح بأولى نذر انهيار البناء على رأس البنّاء.
ولعلّ من الخير أن يبدأ المرء من التفاهمات الأمريكية ـ الروسية، ومن زاوية تنطلق من طبيعة التواجد الأمريكي العسكري على الأرض السورية، وما إذا كان يسمح حقاً بدرجات متقدمة من التفاهم، فما بالك بالتفاهمات، مع روسيا حول ترتيبات المستقبل القريب. ولقد سبق لجنرال أمريكي واحد، على الأقلّ، هو جيمس جارارد، أن زلّ لسانه فصرّح بأنّ عدد الجنود الأمريكيين في سوريا «أكثر بقليل من أربعة آلاف جندي». فإذا قال المنطق إنّ الجنرال لا يمكن أن يخلط بين 4000 و503، الرقم الرسمي الذي يعلنه البنتاغون؛ فإنّ نصف الرقم «الخطأ» يكفي للسجال بأنّ الوجود العسكري الأمريكي ليس رمزياً البتة، وأنه استطراداً مرشح لمهامّ مستقبلية أكثر تعقيداً، بافتراض أنّ ذلك الوجود لن يتضاعف عدداً وعدّة.
جغرافية الانتشار الأمريكي، على امتداد محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، تؤشر ابتداءً على اختيار مناطق سوريا الغنية بالنفط، شاء المرء أن يجاري ما يُقال عادة عن سيلان اللعاب الأمريكي إزاء منابع النفط ومكامنه، أم أبى المرء ذلك واعتبر الأمر على صلة أكثر بقطع الطريق على أيّ قوس إيراني يمرّ من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط عبر البادية السورية. فإذا أُضيف تطورّان شهدتهما الساعات الأخيرة، أي انتشار وحدات عسكرية أمريكية في كركوك، وتصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي اعتبر جنيف «القاعدة الوحيدة الممكنة لإعادة إعمار البلاد، وتطبيق حل سياسي لا يترك أي دور لنظام الأسد أو لعائلته»؛ فإنّ بشائر التشويش الأمريكي على الحلّ الروسي قد تكون بدأت بالفعل.
وأما نتائج استدعاء الأسد إلى سوتشي، وإبلاغه بمسودة ما تعتزم موسكو القيام به سياسياً، الآن وقد أوشكت مهمتها العسكرية على الاكتمال كما صرّح بوتين؛ فإنّ الواقع السوري على الأرض كفيل بتهديد سلاسة ما تراه موسكو قابلاً للتطبيق، بل لعله قمين باستدراج تورّط روسي عسكري أوسع نطاقاً، وأعلى كلفة كذلك. فمن جهة أولى، لم يهدف التدخل الروسي إلى محاربة «تنظيم الدولة» (داعش)، لكي يُقال بأنّ دحر التنظيم يمكن أن يختم مهمة الجيش الروسي في سوريا؛ وما دام انتشال النظام من السقوط كان هو الهدف الفعلي، فإنّ الأخطار لا تزال محدقة بالنظام، وبالتالي يظلّ المطلوب من موسكو في هذا الصدد متعدد الأبعاد ومعقد المهامّ.
وأما من جهة ثانية، فإنّ الاستخبارات الروسية هي خير من يقدّر مقدار ما يملك الأسد شخصياً من سيطرة فعلية على أجهزته وما تبقى من جيشه، خاصة في الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، فضلاً عن ميليشيات عابرة للسلطة ومستقلة عنها. وكانت سبع سنوات من الاستنفار والقتال الميداني والخسائر الجسيمة قد أناخت بثقلها على وحدات نظامية لم تتعود إلا على الاسترخاء والكسل والفساد، كما خضعت لاختراقات جوهرية من جانب «الحرس الثوري» الإيراني و»حزب الله» والميليشيات المذهبية، شملت العقيدة العسكرية والإيديولوجية، وأسفرت عن انزياحات عميقة بعيداً عن الولاء التقليدي للبيت الأسدي. وحين يملك محمد وإبراهيم جابر، قائدا ميليشيات «صقور الصحراء» و«مغاوير البحر»، دبابات ت ـ 72 روسية الصنع، ويتنقلان في حوامات روسية على طول الساحل السوري؛ فإنّ أعنّة السلطة ليست كاملة في قبضة الأسد، والاختراقات المضادة ممكنة دائماً، ومنطقية أيضاً.
القمة الثلاثية، من جانبها، لا تحتاج إلى تمحيص متأنّ قبل أن تتكشف تناقضاتها الموروثة، بين روسيا وتركيا من جهة (حول الموقف من مستقبل الأسد في التسوية، وملفّ إدلب الشائك، وعلاقة موسكو مع الكرد في سوريا…)؛ وبين روسيا وإيران من جهة ثانية (ملفات إقليمية شتى لا تبدأ من صراع الهيمنة على سوريا، وما يُسمى بـ«سوريا المفيدة» تحديداً، ولا تنتهي عند الملفات الدولية وفي طليعتها الاتفاق النووي مع الغرب)؛ وبين إيران وتركيا (والمرء هنا يمكن أن يحدّث ولا حرج، بصدد المخفيّ المتشعب من عناصر التنافس والنزاع). وبذلك فإنّ ما اتفق عليه بوتين مع أردوغان وروحاني في سوتشي، يمكن أن ينقلب رأساً على عقب، معظمه أو كلّه، عند كل تطوّر طارئ، ضارّ بمصالح أنقرة أو طهران.
في الرياض ـ 2 كانت اللعبة السعودية في تدجين أطراف «المعارضة» السورية أقلّ حتى من مستوى التمرين الناجح على عرض مسرحي يُنتظر أن يديره الموفد الأممي ستافان ديمستورا في جنيف ـ 8. ومنذ آب (أغسطس) الماضي، كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد طوى، تحت لسانه الذرب عادة، كلّ ما اعتاد تكراره حول رحيل الأسد؛ فأبلغ رياض حجاب، منسّق الهيئة العليا للمفاوضات، أنّ العكس هو خيار المملكة الراهن.
ومن مفارقات الأقدار أنّ حجاب، المنشق عن النظام السوري بصفة رئيس وزراء، هو الذي أُلصقت به صفة «التشدد» وتوجّب أن يستقيل ليفسح المجال أمام استيلاد هيئة تفاوض شائهة التكوين، كسيحة بالولادة، ضالة ومضلِّلة، لا حول لها ولا طول حتى في البصم على أبخس التنازلات!
وتبقى جولة جنيف الثامنة، الضائعة بين القرار الأممي 2254، والبندين العزيزين على قلب ديمستورا (دستور معلّق في الغيب، لا يُعرف له مستنبت سوري أم روسي أم أممي؛ وانتخابات رئاسية، ترعاها الأمم المتحدة «حسب ما هو ممكن»، ولا يُمنع من الترشح فيها المواطن السوري بشار حافظ الأسد!)؛ وبين جولات جنيف الأولى (التي ابتدأت باشتراط أنّ «أي تسوية سياسية» يجب أن تقدّم للشعب السوري «عملية انتقالية تتيح منظوراً مستقبلياً يمكن أن يتشاطره الجميع»). وهكذا فإنّ الإحالة إلى «جنيف»، هكذا دون أرقام أو جولات، يمكن أن تمنح صاحب الإحالة، أياً كان، وكانت مقاصده، تفويضاَ ــ منطقياً وقانونياً، بالمناسبة ــ لتفخيخ أي جولة لاحقة، على قاعدة تلك المرجعية المبهمة الغائمة، دون سواها!
هذه خمسة عناصر راهنة، بين أخرى آتية، قد تتسبب في انهيار سردية الحلّ السياسي الروسي؛ ليس على رأس البنّاء بوتين وحده، غنيّ عن القول.
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
شاة دي ميستورا التي تُسلخ/ صبحي حديدي
الناظر إلى وثيقة المبادئ الإثني عشر، التي عرضها الموفد الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا على وفدي المعارضة والنظام، في الجولة الثامنة من مباحثات جنيف؛ يخال للوهلة الأولى أنها تخصّ بلداً آمناً مطمئناً مستقراً، وسيداً حرّاً مستقلاً؛ يحتاج، مع ذلك كله، إلى حفنة إصلاحات، وتأكيدات على ثوابت كبرى، تحفظ الحاضر والمستقبل…
لكنّ الناظر إياه، إذا استذكر أنّ مبادئ دي ميستورا تتعلق ببلد فعلي اسمه سوريا، سوف يرى ما هو أبعد من ذرّ الرماد في العيون؛ إذْ ستكون مسميات مثل التضليل والسفسطة، أو حتى الهرطقة عن سابق قصد وتصميم، هي الجديرة بتوصيف تلك المذكرة. ليس ثمة مفردة واحدة حول الحاضر السوري (مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمفقودين، دمار شامل لم يُبق حجراً على حجر في ثلاثة أرباع البلد، وملايين من النازحين والمهجرين داخل سوريا وخارجها، واحتلالات شتى لحكومات وقوى وتنظيمات وميليشيات…)؛ أو الماضي (الذي صنع مأساة الحاضر، جراء نظام استبداد وفساد عائلي وراثي تأنف منه المافيا، يحكم سوريا بالحديد والنار والسلاح الكيميائي والتجييش الطائفي والتمييز والنهب… منذ 47 سنة)؛ أو المستقبل (ما إذا كانت تلك العائلة ستنزاح حقاً عن صدور السوريين، أم أنّ إعادة إنتاجها أو تدويرها شرط مسبق أعلى، إذا وضع المرء جانباً انتفاء مبدأ المحاسبة والعدالة الانتقالية…).
وما دامت المبادئ الـ12 تصف بلداً استيهامياً، أقرب إلى سوريا مشتهاة منها إلى سوريا إراقة الدماء والخراب والاحتلالات، وبالتالي فإنّ ما يُشتهى للبلد هو نقيض ما مارسه آل الأسد منذ سنة 1970؛ فقد كان من الطبيعي أن يصدر أوّل هجوم ضدّ مذكرة دي ميستورا عن رئيس وفد النظام، بشار الجعفري. «لقد تجاوز صلاحياته كوسيط بين الأطراف»، حين قدّم ورقة المبادئ دون التشاور المسبق مع وفد النظام، قال الجعفري؛ بعد أن هدد بمقاطعة الجولة المقبلة، التي ستنعقد خلال أسبوع.
أما وفد «المعارضة» السورية، ورغم أنه لا جديد حقاً في مذكرة المبادئ التي عرضها دي ميستورا وأعادت تكرار بنود قديمة طُرحت في جولات جنيف السابقة، فإنّ روحية لقاء الرياض ـ 2، لجهة الانحناء أمام المتغيرات السعودية ودفن الخطاب الذي يرطن حول المرحلة الانتقالية ومصير بشار الأسد؛ فإنّ موافقتها على سوريا مشتهاة، بنت الاستيهام والأوهام، ليست إلا تحصيل الحاصل وتثبيت الخيار صفر. فما ضرّ شاة «معارضةٍ» مثل هذه، أن تُسلخ بعد ذبح؟
طريف، إلى هذا، أن يحار دي ميستورا بين اسم «سوريا» أو «الجمهورية العربية السورية»، دون أن يقترن الخيار الأول بالصفة الجمهورية؛ وبين عدم تثبيت الصفة العلمانية للدولة المستقبلية، أو الإبقاء على صيغة «دولة غير طائفية»، وكأنّ هذا التوصيف الأخير قابل للترجمة إلى ركائز قانونية وحقوقية ملموسة. وأما الأطرف، والأشدّ مزجاً بين المأساة والمهزلة، فإنه البند 7، الذي يشير إلى «بناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان»… في إطار النظام ذاته الذي يُراد إعادة إنتاجه، والذي سلّط الأجهزة الأمنية على المجتمع، واعتقل وعذّب وصفّى مئات الآلاف من أبناء سوريا، وداس على الدستور والقانون والقضاء، ولم يترك للمواطن من حقوق إنسان سوى الركوع أمام رموز السلطة…
وهكذا، بين هرطقة لا تنتهي إلا إلى لعب مضيّع في وقت ضائع، لكنه مضرّج بدماء السوريين وعذاباتهم، وبين مشاريع حلول «سياسية» تتعهدها قوى الاحتلالات أو تنضجها على غرار طبخة الحصى، وحلول عسكرية لا تفرغ من ارتكاب مجزرة بشعة حتى تشرع في أخرى أشدّ بشاعة؛ ثمة جولات آتية، في جنيف وأستانة وسوتشي، وثمة المزيد من ألعاب السلخ!
القدس العربي
وثيقة دي ميستورا تقترح «جيشاً دستورياً»… والمعارضة تحذف كلمة «العربية» من اسم سوريا
«الشرق الأوسط» تنشر ورقتي المبعوث الدولي و«الهيئة التفاوضية العليا»
لندن: إبراهيم حميدي
أجرى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أمس جلسة متزامنة من المفاوضات غير المباشرة بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة في جنيف، لبحث ورقة المبادئ الـ12 للحل السياسي التي سلمها إلى الوفدين وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها وعلى رد المعارضة على الوثيقة.
وتضمنت ورقة «المبادئ الـ12 للحل السوري» تصور دي ميستورا لمستقبل سوريا بموجب القرار 2254، إذ أنها تضمنت التأكيد على الوصول إلى «دولة لا طائفية» وضرورة وجود ممثلين للمجالس المحلية، إضافة إلى عمل «الجيش الوطني» وأجهزة الأمن «بموجب الدستور».
في المقابل، طرحت وثيقة «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة، التي تعكس أيضا مجموعتي القاهرة وموسكو، 12 بندا تضمنت إسقاط كلمة «العربية» من اسم «الجمهورية العربية السورية» لتصبح «سوريا»، إضافة إلى إقرار مبدأ اللامركزية وحقوق الأكراد. كما تضمنت الوثيقة التأكيد على «إصلاح الجيش الوطني» و«إعادة هيكلة أجهزة الأمن».
وكان دي ميستورا أراد مفاوضات مباشرة بين الوفدين، لكن رئيس الوفد الحكومي رفض ذلك، مشيرا إلى أنه سيغادر إلى دمشق غدا، ما سيعطي مجالاً للطرفين لدرس وثيقة مبادئ الحل وتقديم ردود خطية عليها.
ولدى تعثر إجراء مفاوضات مباشرة، دعا دي ميستورا الوفدين إلى الأمم المتحدة في التوقيت ذاته، على أن يتواجدا في قاعتين متقابلتين ويتنقل دي ميستورا بينهما. واعتبر في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي، أن «الوقت حان للتركيز على تحقيق تقدم حقيقي في العملية السياسية من أجل الشعب السوري». ودعا الوفدين إلى «المشاركة بجدية في المباحثات من دون أي شروط مسبقة»، مناشداً إياهم الامتناع عن «الإدلاء بأي تصريحات تهدف إلى الطعن في شرعية أي من المدعوين الآخرين». وهنا نصا الوثيقتين:
12 مبدأ للحوار السوري
1- احترام، والتزام كامل لسيادة، واستقلال، وسلامة ووحدة أراضي [الجمهورية العربية السورية – الدولة السورية(1)] من حيث الأرض والشعب. وفي هذا الصدد، لا يمكن التنازل عن أي جزء من أجزاء الأراضي الوطنية. ويلتزم الشعب السوري بصفة كاملة باستعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة باستخدام الأساليب القانونية ووفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
2- احترام، والتزام كامل للسيادة الوطنية السورية ذات الصلة بالمساواة والحقوق فيما يتعلق بعدم التدخل. ومن شأن سوريا الاضطلاع بدورها الكامل في المجتمع الدولي والمنطقة، بما في ذلك اعتبارها جزءا من العالم العربي، وبما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة، وأغراضه، ومبادئه.
3- يملك الشعب السوري وحده حق تقرير مستقبل بلاده بالوسائل الديمقراطية، ومن خلال صناديق الاقتراع، ويملك الشعب السوري الحق الحصري في اختيار النظام السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي الخاص به ومن دون الضغوط أو التدخلات الخارجية، وفيما يتسق مع الحقوق والالتزامات الدولية لسوريا.
4- تكون [الجمهورية العربية السورية – الدولة السورية(2)] دولة ديمقراطية وغير طائفية(3) تقوم على التعددية السياسية والمساواة في المواطنة بصرف النظر تماما عن الدين، أو الانتماء العرقي، أو النوع، مع الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون، وفصل السلطات، والاستقلال القضائي، والمساواة الكاملة لكافة المواطنين، مع التنوع الثقافي للمجتمع السوري، والحريات العامة، بما في ذلك حرية الاعتقاد، والاتسام بالحوكمة الشفافة، والشاملة والمضطلعة بمسؤولياتها، والخاضعة للمساءلة، وفقا للقانون الوطني، مع اتخاذ التدابير الفعالة واللازمة لمكافحة الجريمة، والفساد، وسوء الإدارة.
5- التزام الدولة بالوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والتنمية الشاملة والمتوازنة وفق التمثيل العادل في الإدارة المحلية.
6- مواصلة وتحسين أداء الدولة والمؤسسات الحكومية، مع إجراء الإصلاحات عندما يلزم الأمر، بما في ذلك حماية البنية التحتية الأساسية، وحقوق الملكية، وتوفير الخدمات العامة لكافة المواطنين من دون تمييز، ووفق أعلى المعايير الممكنة من الحكم الرشيد والمساواة بين الجنسين. ومن شأن المواطنين الاستفادة من الآليات الفعالة في علاقاتهم مع جميع السلطات وبطريقة تكفل الامتثال التام لسيادة القانون وحقوق الإنسان، وحقوق الملكية الخاصة والعامة.
7- إقامة جيش وطني قوي، وموحد، ومتسم بالكفاءة يضطلع بواجباته بموجب الدستور ووفقا لأعلى المعايير. وتتمثل مهام الجيش في حماية الحدود الوطنية، وحماية الشعب من التهديدات الخارجية والإرهاب، في ظل وجود أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية للمحافظة على الأمن القومي وفق سيادة القانون، والعمل بموجب الدستور، والقانون، واحترام حقوق الإنسان. ويكون استخدام القوة حقا حصريا للمؤسسات الحكومية المعنية والمختصة.
8- الرفض المطلق والتام – مع الالتزام الفعال لمكافحة – الإرهاب، والتعصب، والتطرف، والطائفية بجميع أشكالها، والتصدي للأوضاع والظروف المؤدية إلى انتشارها.
9- احترام وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة، ولا سيما في أوقات الأزمات، بما في ذلك عدم التمييز، والمساواة في الحقوق والفرص للجميع من دون اعتبار للعرق، أو الدين، أو الانتماء العرقي، أو الهوية الثقافية، أو اللغوية، أو النوع، أو أي تمييز آخر، مع الآليات الفعالة الرامية إلى حمايتها، والتي تولي الاعتبار الواجب للحقوق السياسية والحقوق المتساوية والفرص بالنسبة للنساء، بما في ذلك اتخاذ التدابير الفعالة لضمان التمثيل والمشاركة في المؤسسات وهياكل صنع القرار، مع الآليات الهادفة إلى تحقيق مستوى تمثيل لا يقل عن 30 في المائة للنساء، مع تحقيق هدف التكافؤ.
10- احترام القيمة العالية للمجتمع السوري والهوية الوطنية، وتاريخ التنوع والمساهمات والقيم التي جلبتها كافة الأديان، والحضارات، والتقاليد إلى سوريا، بما في ذلك التعايش بين مختلف مكونات المجتمع، إلى جانب حماية الثقافة الوطنية، وتراث الأمة، وثقافتها المتنوعة.
11- مكافحة الفقر والقضاء عليه، وتوفير الدعم لكبار السن، وغيرهم من الفئات الضعيفة، بما في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة، والأيتام، وضحايا الحرب، بما في ذلك ضمان السلامة والملجأ الآمن لكافة الأشخاص النازحين والمشردين واللاجئين، فضلا عن حماية حقوقهم في العودة الطوعية والآمنة إلى ديارهم وأراضيهم.
12- المحافظة على وحماية التراث الوطني والبيئة الطبيعية للأجيال القادمة وفقا للمعاهدات البيئية وإعلان منظمة اليونيسكو بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي
.هوامش
(1) يشير مكتب المبعوث الخاص إلى أن الجمهورية العربية السورية هي من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وتشير منظمة الأمم المتحدة إلى الجمهورية العربية السورية في كافة المداولات والمعاملات. وتعكس هذه المصطلحات الخيارات التي رُفعت إلى المبعوث الخاص بواسطة الوفود فيما يخص سياق عملية الوساطة.
(2) راجع الهامش رقم (1).
(3) لم يستخدم مكتب المبعوث الخاص مصطلح «العلمانية». ويشير إلى أن مصطلح «غير الطائفي» منصوص عليه في قرار مجلس الأمن 2254 وأن مصطلح «علماني» غير منصوص عليه في الدستور السوري، والذي يحمل السمات العلمانية والدينية سواء بسواء. وهذه مسألة يرجع الأمر في تحديدها إلى الجانب السوري وحده.
وثيقة المعارضة: إصلاح الجيش وهيكلة الأمن
1 – التزام كامل بسيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضاً وشعباً. وفي هذا الصدد لا تنازل عن أي جزء من الأرض الوطنية، ويظل الشعب السوري ملتزماً باستعادة الجولان السوري المحتل بكافة الوسائل المشروعة حسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية من طريق صندوق الاقتراع، ويكون له الحق في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي من دون أي ضغط أو تدخل خارجي طبقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
2 – سوريا ديمقراطية غير طائفية، دولة تقوم على المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق، كما تقوم على التعددية السياسية وسيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء والمساواة الكاملة بين جميع المواطنين والتنوع الثقافي للمجتمع السوري وحماية الحريات العامة وحرية المعتقدات وتنعم بحكم قوامه الشفافية وشمول الجميع والخضوع للمساءلة والمحاسبة، علاوة على اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة الفساد وسوء الإدارة، بما في ذلك المساواة أمام القانون الوطني. وهي جزء من العالم العربي ترسم سياستها بما يحقق المصالح العليا للشعب السوري ويصون وحدته وأمنه.
3 – تلتزم الدولة السورية بالوحدة الوطنية، واللامركزية الإدارية على أساس التنمية الشاملة والمتوازنة.
4 – استمرارية المؤسسات العامة للدولة وتحسين أدائها وحماية البنى التحتية والممتلكات الخاصة والعامة وفق ما نص عليه بيان جنيف، والقراران 2118، و2254 والقرارات ذات الصلة، وتوفير الخدمات العامة لجميع المواطنين من دون تمييز وفقاً لأعلى معايير الحكم الرشيد والمساواة بين الجنسين. وتقام – لصالح المواطنين في مجال علاقاتهم مع جميع السلطات العامة – آليات فعالة على نحو يكفل الامتثال الكامل لسيادة القانون وحقوق الإنسان وحقوق الملكية الخاصة والعامة.
5 – يكفل الدستور السوري إصلاح الجيش السوري ليكون جيشاً وطنياً واحداً مبنياً على أسس وطنية ملتزما الحياد السياسي. تكون مهمته حماية الحدود الوطنية وحفظ الشعب السوري من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب. كما يكفل الدستور إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات الأمنية بحيث تكون مهمتها الحصرية صيانة الأمن الوطني وأمن المواطن، وتخضع للقانون وفق معايير احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وعدم تدخلها في حياة المواطنات والمواطنين اليومية، وحصر حق حيازة السلاح بأيدي مؤسسات الدولة المختصة.
6 – الرفض المطلق لجميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية، والالتزام الفعلي بمكافحتها والعمل على إزالة مسبباتها، وخلق السبل على كافة الصعد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لمنع ظهورها.
7 – التزام حقوق الإنسان والحريات بما في ذلك ضمان عدم التمييز والمساواة في الحقوق والفرص للجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو الإثنية أو الهوية الثقافية أو اللغوية أو الجنس أو أي عامل تمييز آخر. وإيجاد آليات لحماية تلك الحقوق وضمان الحقوق السياسية والفرص للمرأة وفق الأصول، وعلى قدم المساواة مع الآخرين، بما في ذلك اتخاذ تدابير فعالة تضمن تمثيلها ومشاركتها في المؤسسات ودوائر صنع القرار مع كفالة مستوى تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30 في المائة وصولاً إلى المناصفة.
8– تعتز سوريا بتاريخها وتنوعها الثقافي بما تمثله جميع الأديان والتقاليد من إسهامات وقيم بالنسبة إلى المجتمع السوري. لن يسمح في الدستور بأي تمييز ضد أي مجموعة من المجموعات العرقية أو الدينية أو اللغوية أو الثقافية أو الإثنية. ويتمتع أفراد هذه المجموعات كافة نساء ورجالاً بتكافؤ الفرص في مجال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعامة.
وتلتزم أن يضمن الدستور الحقوق القومية للمكونات كافة من عرب وكرد وتركمان وسريان آشوريين وغيرهم بثقافاتهم ولغاتهم على أنها لغات وثقافات وطنية تمثل خلاصة تاريخ سوريا وحضارتها واعتبار القضية الكردية جزءاً من القضية السورية. إلغاء جميع السياسات التمييزية والاستثنائية التي مورست بحق الأكراد وغيرهم من السوريين وإعادة الجنسية للمجردين ومكتومي القيد من أبنائهم.
9– توفير الدعم للكبار بالسن والفئات الضعيفة الأخرى وذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وضحايا الحرب. محاربة الفقر وإنهاؤه وتمكين كل النازحين واللاجئين والمهجرين من العودة الطوعية الآمنة إلى بيوتهم ومساكنهم وأراضيهم التي هجروا منها مع تأمين حاجاتهم جميعها.
10 – صون وحماية التراث الوطني والبيئة الطبيعية لصالح الأجيال القادمة طبقاً للمعاهدات المتعلقة بالبيئة، وبما يتسق مع إعلان اليونيسكو بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي.
11 – التأكيد على مبدأ المساءلة والمحاسبة على ما ارتكب ويرتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السوريين بموجب القانون الجنائي الدولي.
12 – تعتبر القوانين والمراسيم الصادرة بعد مارس (آذار) (آذار) 2011 خاضعة للمراجعة من لجان قانونية خاصة لإقرارها أو إلغائها.
الشرق الأوسط
سورية.. نهاية مسار جنيف/ بشير البكر
يعرف المندوب الأممي المكلف بالمسألة السورية، ستيفان دي ميستورا، أن أربعة أيام لا تكفي من أجل جولة جديدة في جنيف، بعد انقطاع طويل منذ الجولة السابقة التي انتهت في منتصف يوليو/ تموز الماضي، ولم تتوصل، في حينه، إلى نتائج ملموسة، مثل سابقاتها. ويدرك الرجل الذي بات خبيرا بتفاصيل الملف السوري أن التطورات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة على مسار القضية في أستانة تفرض نفسها على جدول أعمال جنيف، ولا يمكن لهذا الاجتماع أن يتقدّم، من دون أن يأخذ بالنتائج التي تحققت على صعيد تفاهمات الدول الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، بوصفها الضامنة للحل في سورية.
أربعة أيام، ضاع اليوم الأول منها في المجاملات الدبلوماسية، وتخلف وفد النظام عن الحضور، متذرعا بأن بيان مؤتمر المعارضة السورية “الرياض 2 ” لم يكن وديا تجاه الرئيس بشار الأسد، حينما نص على مغادرته “عند بدء المرحلة الانتقالية”. وعلى الرغم من أن دي ميستورا أحد مهندسي البيان، وراسمي علامات القراءة بين السطور، فإنه لم يوفر جهدا من أجل إمالة الكفة لصالح النظام، ويعتبر أن هذه الفقرة الخاصة بالأسد لم يكن لها ما يبرّرها طالما أن البيان يتحدّث عن مرجعية قرار مجلس الأمن 2254 الذي وضعته روسيا في نهاية 2015، وهو لا ينص على رحيل الأسد، ويسقط من حسابه هيئة الحكم الانتقالية، ويستبدلها بحكومة وحدةٍ وطنيةٍ بين النظام والمعارضة.
لا القرار المذكور ينص على رحيل الأسد، ولا غالبية هيئة التفاوض الجديدة تطالب بذلك، بل إن منصتي القاهرة وموسكو تعتبران رحيل الأسد غير مطروح للتفاوض، وهما تلتقيان مع وفد النظام على هذه النقطة، ولو أن موضوع رحيل الأسد سوف يطرح على طاولة البحث لَما قبلا الانضمام إلى الهيئة العليا، ويمكن تفسير انخراطهما في اجتماع “الرياض 2” وتزكية بيانه الختامي بأنه جاء بناء على رغبة العرّاب الروسي، وقد كان دور المندوب الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتتيف، أساسيا في بيان “الرياض 2″، حيث حضر كل الاجتماعات، وأشرف، بمعية الطرف السعودي، على وضع البيان الختامي وتشكيلة الوفد، وكشفت شخصياتٌ شاركت في الاجتماعات، وانسحبت لاحقا لأن الأعضاء الذين شاركوا في الاجتماع وجدوا أنفسهم أمام ترتيبات أمرٍ واقع سعودية، ولم يتمكّنوا من التدخل لتغيير جملة في البيان.
يؤكد أكثر من متابع لكواليس المسألة السورية أن جولة جنيف الراهنة ستكون ما قبل الأخيرة، وإذا سارت السفن بما تشتهي الرياح الروسية، ستليها جولة ختامية في الربيع المقبل، تعقب انعقاد المؤتمر الذي باشرت روسيا الاستعدادات لعقده في سوتشي في فبراير/ شباط المقبل، تحت عنوان “مؤتمر السلام السوري”، بعد أن كان اسمه “مؤتمر الشعوب السورية”. وعلى غرار ما حصل على مسار أستانة، سوف يضع الروس في سوتشي قاطرة الحل السوري على الطريق، بعد أن تفاهموا على العملية مع الدول الضامنة، وحصلوا على تأييدٍ من السعودية ومصر وإسرائيل.
لن ينعقد “سوتشي” قبل أن يتم ترتيب الوضع على الأرض، لجهة إنهاء الوجود المسلح المعارض، سواء بالقوة المسلحة أو حسب تفاهمات التهدئة، وهذا ما يفسر أمرين: استمرار المجازر التي ترتكبها القوات الروسية وقوات النظام والمليشيات الإيرانية. وبموازاة ذلك التسويات التي تجريها روسيا مع بعض الفصائل في محيط دمشق، مثل فيلق الرحمن وجيش الإسلام، كي تنخرط في التهدئة.
قد تكون جولة جنيف الأخيرة في الربيع المقبل مكرّسة من أجل وضع أختام الأمم المتحدة على وثائق الحل الروسي الإيراني التركي، كي تتحول إلى وثائق دولية. وكل من ينتظر أكثر من ذلك لا يأخذ في حسابه موازين القوى.
العربي الجديد
المفاوضات أدوات للصراع على مستقبل سورية/ سميرة المسالمة
جدّد المجتمع الدولي دعمه مفاوضات جنيف، وتأكيد شرعيتها «الوحيدة» لحل للصراع السوري، بعد محاولات روسيا انتزاع هذه الشرعية وتبديدها، مرة في مجموع الهدنات المحلية، وثانية عبر مسار آستانة، وثالثة عبر مؤتمر «للحوار الوطني». وفي الإطار ذاته تتكرّر التصريحات الدولية، مع تنامي الحديث عن مفاوضات سوتشي، أن المفاوضات، التي تجرى برعاية أممية، هي طريق الحل السياسي، ما يتيح للمعارضة أن تعيد بناء استراتيجيتها التفاوضية على أسس جديدة، تنطلق منها مما حدث في مؤتمر الرياض-2 من دون أن تستسلم إلى أن تجميع الوفود الثلاثة (الهيئة العليا للمفاوضات ومنصتي القاهرة وموسكو)، في وفد واحد لا يزال في طور العمل الورقي، ولم يختبر في ميادين التفاوض الحقيقية على مستوى القضايا المصيرية.
وإذا كان من المفيد ضمن معطيات ووقائع المتغيرات الدولية التعامل مع مسار التفاوض على أنه أحد الأدوات التي قد تكسب طرفاً معيناً أمام طرف آخر بعض التعديلات في الدستور السوري، وشكل النظام السياسي، وماهية التغييرات على صعيد الابتعاد عن مركزية الحكم الرئاسي، وإلى أي درجة يمكن استثمار ذلك في صياغة عقد اجتماعي جديد بين السوريين، إلا أنه في الوقت ذاته يجب أن نتعامل مع مسارات وتطورات العملية التفاوضية، سواء كانت تحت مظلة جنيف أو آستانة أو حتى في سوتشي المقبلة، على أنها أيضاً أدوات للصراع على سورية، بقدر كونها أدوات لإدارة الصراع.
على ذلك فإن ما ينتظرنا خلال جولات التفاوض المقبلة، في مسارات جنيف وآستانة وسوتشي، ليس صياغة الطريق إلى الحل السوري، وإنما تمهيد الطريق لحل الصراع على سورية بين الدول المنخرطة فيه والراعية له. ولهذا فإن الإسراع إلى عقد لقاءات ثنائية وثلاثية وأممية تزداد وتيرته مع انتهاء الحرب المعلنة على «داعش»، وانتصار الحلفاء وتقسيم غنائم «الخلافة» المهزومة بينهم، ومع انقسام الفريقين بين روسيا الدولة المهيمنة على سماء سورية، والولايات المتحدة صاحبة القرار النهائي في التوقيع على خريطة التفاهمات والغنائم الختامية، الأمر الذي يتوقع أن تنتج منه تحالفات سوتشي (روسيا وإيران وتركيا)، كما نتج في المقابل الوفد التفاوضي الموحد برعاية السعودية وروسيا وأميركا ودول غربية.
وضمن المسارات التي تتزاحم تحت شعار دعم مفاوضات جنيف، برز الموقف الأميركي، «الصامت» لزمن طويل، في جانبين، أولهما، إعلان هادئ مفاده بأن مسار مفاوضات جنيف هو المسار الوحيد للحل السوري، على ما جاء في تصريح لوزير الدفاع الأميركي أخيراً. وثانيهما، تصريح أميركي بإرسال إرسال ألفي جندي أميركي إلى الشمال السوري. والغرض من هذين الإعلانين اللافتين هو تذكير الأطراف المعنية (لا سيما روسيا وإيران)، بأن القوة الأميركية هي التي ترسم الحدود الفاصلة بين القوى النافذة في الصراع على سورية، وأنها هي التي تلزم الأطراف المعنية تغيير مواقع وجبهات حربها بعيداً من عفرين في الشمال الغربي تارة، وعن حقول الغاز والنفط شرقاً وشمالاً، كما هي الحال في جنوب سورية أيضاً، حيث المنطقة «المنخفضة التصعيد» بين روسيا والولايات المتحدة (وإسرائيل ضمنها)، وتلك هي الملاحظة الأولى التي يجدر الانتباه إليها جيداً.
الملاحظة الثانية تفيد بأن ثمة قطبة مخفية لا تزال تعرقل الوصول النهائي إلى تصور حل شامل، حتى في ما يتعلق بجزئية شكل الحكم في سورية، ونوع اللامركزية التي ينادي بها وفد المعارضة إلى المفاوضات، بأنها لا مركزية إدارية، في حين يعلو الصوت الكردي مطالباً بما هو أبعد من ذلك، أي بحكم ذاتي، وهو الأمر الذي لم تسانده التصريحات الأميركية حتى اللحظة ولم تجزم في الآن نفسه نفيه بالمطلق. لذا تقودنا هذه المسألة إلى التساؤل عن الحكمة في البقاء شبه مغمضي العيون، وصامتين، عما يحدث في مساحة تصل نسبتها إلى نحو ربع مساحة سورية، حيث تسيطر «قسد» بحماية ورعاية أميركية، وعدم الحديث عن مصيرها ضمن إطار مناقشة واقعية، وغير مرتهنة لأي جهة، وضمن الحل السوري الشامل، الذي يقبل التفاوض مع نظام الأسد، بل وشراكته في الحكم الانتقالي، في حين يستبعد أن يجري تفاوضاً أو تفاهماً مع قوى موجودة على مساحة تختزن ثروات سورية الباطنية والزراعية، وهي مدعومة من القوة الأميركية التي تختبئ خلفها أيضاً بعض فصائل المعارضة السياسية والمسلحة.
يستنتج من ذلك أن التعاطي مع العملية التفاوضية هو فقط بين المعارضة (وفد التفاوض) والنظام السوري، من دون الالتفات إلى مصير ما تبقى من مساحة سورية، وهو ما يؤجج المخاوف من النزعات الانفصالية، ولا يبدّد الصمت من جهة المعارضة أو النظام هذه المخاوف، بل على العكس يحولها إلى مركز اهتمام شعبي يمكن أن ينتج منه ما هو في خطورة الانفصال الجغرافي، وهو تمزيق الخريطة السورية على أساس قومي.
القصد أن الخوض في مناقشة هذا الملف ضمن العملية التفاوضية، هو أكثر تحصيناً لوحدة سورية شعباً وأرضاً، التي يتم تداولها في البيانات التفاوضية، من دون إيلاء الاهتمام اللازم إلى أن الوقائع على الأرض قد تبدد هذه البديهيات الشعاراتية، إذا لم تعمل المعارضة على تطويقها بالحوار والتفاوض والتفاهم مع القوى الكردية المعنية، على مشتركات تنتج النظام السياسي الآمن للسوريين ولسورية.
ملاحظة أخيرة، هي أن الاصطفافات الدولية التي تنتجها السياسة غير المستقرة في المنطقة، وتدفع باتجاه تغيير تموضع أطراف الصراع الدولية والإقليمية، من أعداء إلى أصدقاء وحلفاء وبالعكس، كما حدث للعلاقات التركية- الإيرانية في الآونة الأخيرة، في محاولة للاختباء بالعباءة الروسية من التقلبات الأميركية، تشير إلى أن الحل المنشود في المنطقة لا يزال على صفيح بارد، حيث لا يمكن لروسيا أن تنتج حلاً واقعياً من دون المباركة الأميركية، كما لا يمكن للأخيرة أن تسمح لإيران بتبييض أعمالها العدوانية في سورية والمنطقة عبر تحالفها مع روسيا، وتوافقاتها مع تركيا، في ما يخص الملف الكردي في المنطقة عموماً، وسورية بخاصة.
كل ما تقدم يفيد بأن مسار المفاوضات، في كل المسارات، وعلى رغم التصريحات الروسية التي تتحدث عن انتخابات برلمانية ورئاسية، لا يزال طويلاً ومعقداً، وهو سيعبر إلى الأمور التقنية في أنفاق مظلمة، لأن روسيا لا تزال تتحدث عن المفاوضات على أنها مجرد مصالحات بين مختلفين على السلطة، ومن أجلها، وليس على انتقال سياسي ينهي حقبة ديكتاتورية، ويؤسس لنظام جديد بلبوس جديد، لا يمكن للنظام القديم ارتداؤه، أو التلاعب بقياساته لمصلحة تحجيمه، وانتزاع روحه، من خلال إعادة طرح النظام نفسه من باب الانتخابات المراقبة أممياً، بعد تعديلات أو إصلاحات دستورية، لن تطاول جوهر القضية السورية، وهو إبعاد شبح إنتاج النظام مجدداً من باب المفاوضات والمؤتمرات الدولية.
* إعلامية وكاتبة سورية
الحياة
عن الجيش العربي السوري/ سلامة كيلة
الجولة الثامنة للمفاوضات السورية جارية في جنيف، وقد أخذت رقم جنيف 8، لربما نصل إلى جنيف 35، لأن المفاوضات “تسليك وقت”، حيث لا أحد من طرفيها يمتلك القرار، وبالتالي، يعتمد نجاحها على قرار القوى المقرّرة، أي روسيا التي تحتل سورية، وأميركا التي تسيطر على جزء منها ورقة مساومة.
وعلى الرغم من أن روسيا قد “رتبت” الأوراق مع تركيا التي باتت متسقة مع التكتيك الروسي، بما في ذلك قبول بشار الأسد (ولو مرحلياً). ومع السعودية التي باتت توافق على المنظور الروسي، وهي أصلاً لم تختلف مع بشار الأسد سوى أنه “خذلها” واعتمد على إيران، الدولة التي باتت منذ نهاية سنة 2013 تسيطر على القرار العسكري/ السياسي السوري، وهو ما كان لا يروق للسعودية. ويبدو أن روسيا متوافقة مع إيران، على الرغم تضارب مصالح البلدين. وكذلك أصبح الموقف الأوروبي أكثر “طراوة”. على الرغم من ذلك كله، هناك “عقدة” لم تحلّ، تتعلق بالتوافق الأميركي الروسي، حيث تبدو أميركا ما زالت تناور، على الرغم من إيحائها، في وقت سابق، أنها توافقت مع روسيا، كما ظهر في بيان ترامب/ بوتين في فيتنام. لهذا أوضحت هي وفرنسا أن مسار جنيف هو المسار الشرعي الوحيد للحل في سورية، بمعنى أنها تقطع الطريق على المسار الذي يتقدّم به الروس في سوتشي.
يصرّ الإعلام العربي الذي بات يتوافق مع روسيا على إظهار “انتصار” الأسد، من خلال الحديث عن توسّع سيطرته على الأراضي السورية، وربما سيكرّر أنه بات يسيطر على 98% من الأرض. وكل الحديث يجري عن “تقدّم” “الجيش العربي السوري” في البادية السورية ودير الزور والبوكمال. وبالتالي، يجري إظهار الانتصار الكبير الذي تحقق. لكن كل الإشارات هنا توضّح أن داعش إيران تسيطر على مناطق داعش روسيا. حيث كانت هذه المنطقة بالذات تقع تحت سيطرة داعش الروسية، ويتحكّم بها شيشان بلباس داعش، ولقد أشير إلى عودتهم إلى الشيشان، وعودة انخراطهم في الفصيل الذي شكله بوتين من الشيشان، بعد السيطرة عليها وتدمير غروزني بزعامة قاديروف، الرئيس الذي أعلن أن روسيا أرسلت مجموعات دربت الوهابيين، وهي موجودة في سورية. بمعنى أن هؤلاء “الدواعش” أنجزوا المهمة، وعادوا إلى بلادهم، ليحل محلهم دواعش جدد، من حزب الله والمليشيا الطائفية العراقية والحرس الثوري الإيراني.
لقد تقاسمت كل من أميركا وروسيا الوضع في شرق سورية، حيث كان شرق نهر الفرات لداعش التي ترعاها أميركا، وغربه لداعش الروسية، ولقد التزم كل منهما بعدم قصف مناطق الآخر. لهذا، لم نلحظ قصفاً أميركياً للبادية السورية، وجرى بعض القصف في منطقة دير الزور التي توجد فيها داعش الأميركية، ولم يقصف الروس شرق الفرات إلا لماماً (ضد الرقة). وبالتالي، “استعاد” كل منهما “مناطقه”، بقوى كردية، فيما يتعلق بأميركا، وإيرانية فيما يتعلق بروسيا.
بالتالي، لم تختلف السيطرة على الأرض كثيراً، حيث ما زال الجنوب بيد الجبهة الجنوبية، والغوطة وجوبر وعربين بيد جيش الإسلام وفيلق الرحمن (مع وجود صغير لجبهة النصرة). وما زال الجيش الحر في ريف حمص الشمالي، وريف حلب الجنوبي وجرابلس والباب وإدلب وريفها (بدعم تركي). وتسيطر قوات سورية الديمقراطية، بالدعم الأميركي، على الجزيرة السورية، وصولاً إلى البوكمال. في ذلك كله، يغيب “الجيش العربي السوري”، ويبدو النظام ألعوبة بيد روسيا التي لا يبدو أنها اقتنعت بأن أي حل سيكون مستحيلاً، في حال التمسك ببقاء بشار الأسد. حيث سيبقى الصراع المسلح، وتبقى التدخلات الدولية. .. لهذا أشرت إلى أننا في سلسلة جنيفات لم تصل إلى نهايتها.
العربي الجديد
من سوتشي إلى الرياض إلى جنيف: ماذا عن العروسين؟/ بكر صدقي
بدأت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، الثلاثاء، في غياب وفد النظام الكيماوي الذي وافق، لاحقاً، على الحضور المشروط يوم الأربعاء. وكان هذا الوفد قد أرجأ السفر إلى جنيف «احتجاجاً على الشروط المبطنة الواردة في بيان الرياض، والكلمات النابية بحق الحكومة والقيادة السورية، والقراءة الاستنسابية لقرار مجلس الأمن رقم 2254، إضافة إلى عدم تمثيل كل المعارضات في الوفد الموحد» حسبما نقلت صحيفة الوطن لصاحبها رامي مخلوف، ابن خال بشار الكيماوي وأمين بيت مال عائلة الأسد المالكة لسوريا.
والحال أن النقلة التي شكلها مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية، بالقياس إلى مؤتمرها الأول ـ الرياض 1، هي في استدخال منصة قدري جميل الروسية ـ الأسدية داخل جسم المعارضة، مقابل استبعاد من وصفهم لافروف بـ«المتشددين»، والتفاوض بدون شروط مسبقة، مع محاولة التغطية على هذا الانحدار بتكرار عبارة «ضرورة مغادرة الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية» كلازمة لا بد منها للإيحاء بأن الجسم الجديد لـ«المعارضة» ما زال متمسكاً بثوابت الثورة السورية.
وأضافت «الوطن» إن الاتصالات بين مكتب دي مستورا ودمشق وموسكو نجحت في إقناع دمشق بالمشاركة، بعد حصولها على ضمانات بألا يتم التطرق إلى بيان الرياض2 ومضمونه، وألا تكون المفاوضات مباشرة، وأن تتمحور حول سلتي ديمستورا بصدد الدستور والانتخابات.
إذا صح ما نقلته هذه الصحيفة، فنحن أمام مفاوضات بدون شروط مسبقة من طرف المعارضة فقط، مقابل «سلة» متكاملة من الشروط المسبقة من طرف النظام، تبدأ باستبعاد أي مفاوضات مباشرة مع المعارضة، كما يأمل المبعوث الأممي، من شأن حصولها أن تنطوي ضمناً على اعتراف النظام الكيماوي بها، ولا تنتهي عند التدخل في تشكيلة الوفد المعارض.
الواقع أن مسيرة الانحدار قد بدأت منذ أواخر العام الماضي، مع تسليم حلب للنظام، بعد حصار قاس استمر طوال شهور، مترافقاً مع قصف متواصل بالبراميل الأسدية، بنتيجة توافقات روسية ـ تركية واستسلام «المجتمع الدولي» أمام البلطجة الروسية. وقد بدأت روسيا، منذ ذلك الوقت، بتركيز دبلوماسيتها الحربية على مسار جديد للمفاوضات في استانة، أثمر «مناطق خفض التصعيد» الأربع، من غير أن يعني ذلك وقف قصف النظام (وروسيا) لتلك المناطق. وها هي اليوم مفاوضات جنيف الثامنة تنطلق في الوقت الذي يستمر حصار الغوطة الشرقية وقصفها بالبراميل والصواريخ، مع حديث عن هدنة مؤقتة قد تبدأ اليوم. نعم، فقط هدنة مؤقتة في منطقة اتفق على خفض التصعيد فيها! و«الراعي» الروسي للتسوية المزعومة يبرر قصف الغوطة وحصارها بوجود عناصر لـ «تنظيم الدولة» (داعش)، يعرف العالم كله أنه غير موجود فيها.
هناك من يبررون التنازلات المطردة التي تقدمها المعارضة، تحت ضغط القوى الإقليمية والدولية، بذريعة الواقعية السياسية. أي بضرورة الاعتراف بانتصار النظام وحلفائه في الصراع العسكري، وعدم وجود خيارات بديلة. وضمناً بالقول إن المسألة السورية قد خرجت من يد السوريين، وباتت رهن تفاهم دول منخرطة في الصراع. على صحة كل ذلك، لماذا إذن تمارس تلك الدول كل هذه الضغوط على المعارضة لتستسلم للحل الروسي؟ لماذا لا تكتفي بالاتفاق فيما بينها لوضع حل يناسبها تفرضه على السوريين من غير حاجة إلى أخذ موافقتهم؟
يشبه الأمر، إلى حد كبير، عقد زواج بين شاب وفتاة، بناءً على توافق مصالح أهلي العروسين، من غير اهتمام برأي هذين الأخيرين اللذين قد لا يطيقان العيش معاً. فعلى رغم عدم اكتراث الأهل برأيي ابنهما وابنتهما، يحتاج عقد الزواج إلى موافقتهما حتماً. ولا يمكن أن يتم بغير هذه الموافقة. كذلك هي الحال بالنسبة لـ»الحل الروسي» الذي يريد من المفاوضات أن تعيد إنتاج نظام السلالة الأسدية الذي ثار عليه الشعب السوري منذ سبع سنوات، بعدما بات تحت الوصاية الاستعمارية الروسية ـ الإيرانية.
يمكن للمعارضة، إذن، أن ترفض التوقيع على عقد الإذعان، وتترك الحل للدول: تفضلوا تزوجوا أنتم.
ومن المحتمل أن المعارضة، برغم تطعيمها بمنصات تابعة للمخابرات الأسدية، لن تحتاج أصلاً إلى قلب الطاولة، ما دامت «نشوة النصر» كفيلة بأن يفعلها النظام الكيماوي نفسه، كما حدث بعد عودة بشار من سوتشي ليتحدث نظامه عن موافقته على «انتخابات تشريعية» فقط، وكما حدث حين رفض ـ في البداية ـ المشاركة في جولة جنيف، بسبب ذكر مغادرة الأسد في بداية المرحلة الانتقالية في بيان الرياض 2. وكما يواظب على رفض أي مفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة، سواء في هذه الجولة أو الجولات المقبلة التي يبدو أنها ستتوالى إلى ما شاء الله.
الواقع أن النظام ليس وحده، أو مع إيران، من يراهن على مواصلة الحرب المفتوحة حتى الحصول على استسلام كامل ممن تبقى من السوريين. بل حتى روسيا التي تظهر استعجالها للحل السياسي، لكنها تواصل الحرب لكسر إرادة العدو.
وإذا عدنا إلى شهر أيلول/سبتمبر عام 2016، سنتذكر كلام وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري أمام معارضين سوريين التقى بهم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد قال لهم بدون أن يرف له جفن إنه سيتم تدمير المعارضة العسكرية خلال بضعة أشهر ما لم توافقوا على الانخراط في العملية السياسية. وكان، في كلامه هذا، يضرب بسيف روسيا التي «انتصرت» مع تابعها الكيماوي، بعد شهرين، على حلب، وأطلقت بعد ذلك مسار آستانة، وتعد العدة، الآن، لمسار ثالث في سوتشي، بمباركة إيران وتركيا، في الوقت الذي يتكفل فيه بشار الجعفري بإفشال جولات جنيف، وصولاً إلى «ليلة الزفاف» الأسدية.
هل سيكون لروسيا وإيران ما يريدان من عقد زواج إذعان بين السوريين وجزارهم، في غياب أي دور أمريكي وأوروبي وعربي؟
حتى لو حصل ذلك بيد معارضة مفبركة، سيبقى هناك سوريون يصرخون: «زواج عتريس من فؤادة باطل» كما في فيلم «شيء من الخوف» للمخرج المصري حسين كمال.
٭ كاتب سوري
القدس العربي
مؤتمر سوتشي السوري من مؤامرة إلى حل/ سميرة المسالمة
يعلن النظام السوري، عبر نائب وزير خارجيته، فيصل المقداد، مسبقاً وبكل صراحة، إجهاض كل جهود المعارضة التي تخوض حاليا الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، التي ترعاها الأمم المتحدة، في تصريح له من طهران، نافياً فيه وجود مرحلة انتقالية في سورية، ما يعني أنه يرد على بيان مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية، قبل أن يجفّ الحبر الذي كتب به، بل طالب مقداد المعارضة بالتوقف عن ذكر ذلك، والإقلاع عن ما اعتبره “توهمات” لديها، وذلك وسط صمت دولي عن هذه التصريحات التي تتحدى المجتمع الدولي وقراراته، أيضاً، مثل بيان جنيف 1، وقرارات مجلس الأمن الدولي، لاسيما 2118 و2254.
يضع هذا الأمر المعارضة أمام مواجهة جملة من التساؤلات، قبيل دخولها مسرحية التفاوض المملة، والطويلة، التي تدور حتى اليوم في فلك أوهام من يسعى إلى المشاركة فيها، مثلاً: هل تعرف المعارضة أنها تشارك في لعبة مكشوفة لتمرير الوقت في نقاشاتٍ لا تؤدي إلى نتائج ملموسة في القضية الأساسية للثورة السورية، وهي الانتقال السياسي؟ أو هل تملك المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، خياراتٍ بديلة عن مسار جنيف، كحال النظام الذي يقدم له داعموه خياراتٍ تفاوضيةً متفاوتة، عسكرية في أستانة، وهدنا محلية، ومؤتمرات جانبية، وما يحضر له اليوم في سوتشي ليكون مختبراً جديداً في شقّ طريق حوارٍ تسميه روسيا “وطنيا”؟ أيضاً، هل لدى المعارضة خيار الموافقة على المشاركة في مؤتمر سوتشي أو رفضه، فيما إذا توافقت الدول الصديقة أو بعضها “للشعب السوري”، أي للمعارضة على مخرجات هذا المؤتمر وحصصها فيه؟ وتعزّز مشاركة منصة موسكو في مؤتمر الرياض 2، هذا السؤال، وكذا الوساطة التي لعبها المندوب الروسي في إعادة وفد المنصة للمشاركة في الوفد التفاوضي الذي نتج عن اجتماع المعارضة الثاني، بعد إعلان ممثل المنصّة انسحابه من المؤتمر.
على ذلك، هل تنتظر موسكو ثمناً لما اعتبره بعضهم تسليفا مسبقا، ربما تكون مشاركة
“تركيا ترى في مؤتمر سوتشي المقبل مخرجاً للقضية السورية”
المعارضة في سوتشي ذلك الثمن المنشود لإضفاء شرعية عليه، واعتباره أحد مسارات الحل السياسي “اللايت” الذي تعمل عليه روسيا، وتدجن المعارضة لقبوله لاحقاً، من خلال جلوسها في صف واحد مع منصة موسكو التي كانت المعارضة نفسها (“الائتلاف” خصوصا) اعتبرتها، لزمن طويل، أقرب إلى النظام منها إلى المعارضة، والتي اعتبرها كثيرون من أعضاء “الهيئة العليا للتفاوض” السابقة بأنهم يريدون الدفاع عن بقاء الأسد؟
في السياق نفسه، نلاحظ أن تركيا، أي الصديق الأقرب إلى المعارضة، ترى في مؤتمر سوتشي المقبل مخرجاً للقضية السورية، إذ عبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن ذلك بتفاؤل كبير، إلى حد قوله، في اجتماع لحزبه (العدالة والتنمية): “العالم كله رأى الأمل والاستقرار والسلام والمستقبل في قمة سوتشي، كما رأى إخواننا السوريون في القمة إمكانية العودة إلى وطنهم”. وذلك يعني أن المعارضة وأشخاصها التي كانت رفضت مؤتمر سوتشي، واعتبرته محاولة لإعادة إنتاج النظام في سورية، وأنه مؤامرة روسية على مفاوضات جنيف الأممية، يضعها أمام فرصة لاختبار قدرتها على المناورة أمام مضيفها الأهم، تركيا من جهة، وأمام حاضنتها الشعبية التي عبرت عن موقفها الرافض “سوتشي” بمظاهرات يوم غضب سوري في كل عواصم وجودهم ومدنه، وفي الداخل السوري وأيضاً في إسطنبول.
على ذلك، هل ستكون المعارضة التي تقيم معظمها، ونحو ثلاثة ملايين من السوريين، في
“هل تعرف المعارضة أنها تشارك في لعبة مكشوفة لتمرير الوقت في نقاشاتٍ لا تؤدي إلى نتائج ملموسة؟”
تركيا، على ضفة أخرى من القرار المتعلق بحضور “سوتشي”، أم إنها ستجد المبرّرات اللازمة لحضورها، وتلافي الصدام مع الرغبة التركية في إنهاء ملف الصراع السوري، خصوصا أن أردوغان بشّر بوجود مقترح بدستور جاهز، وموافق عليه من تركيا؟
ربما ستتعلّم المعارضة، هذه المرة، وهي تتراجع عن قراراتها ولاءاتها الكثيرة، أن التروّي في دراسة ما تقدمه موسكو لها قبل إطلاق صرخاتها، يجنّبها حرجا كثيرا كيانات وشخصيات، ويجنب السوريين مزيدا من التعلق بأوهام الشعارات التي ترفعها، وسرعان ما تتنازل عنها، بسبب اضطرارها إلى مسايرة قرارات الدول الداعمة لها، والتي شهدنا خلال السنوات الماضية تغيراتٍ في موقعها مع القضية السورية، ومنها.
تفاؤل تركيا وإصرارها على المضي في إنجاح مؤتمر سوتشي، والوصول من خلاله إلى “حل سياسي” ربما يمكن ربطه مباشرة بتصريحات أميركية، ربطت خروج القوات الأميركية من سورية بالوصول إلى حل سياسي، وليس فقط بانتهاء المعركة ضد “داعش”، أي أن هذا التسريع، هو، ربما، لإنهاء المساندة التي تتلقاها القوات الكردية، قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وبالتالي، يمكن تصوّر أن الدستور المقترح في موسكو ينهي طموحات الأكراد في حكم ذاتي لهم على حدود متاخمة لتركيا.
صحيح أن السياسة مفتوحة الأبواب دائماً، وهو تعبير للرئيس أردوغان، لكنها بالنسبة إلى المعارضة السورية ما تزال أبوابها موصدة، وفي أحسن الأحوال مواربة، يحتاج دخولها أوراقا كثيرة من القوة التي تبدّدت خلال سبع سنوات من نفاق العالم، وصمته على مأساة السوريين، وابتعاد المعارضة عن قاعدتها الشعبية.
العربي الجديد
لعبة بوتين في سورية/ غازي دحمان
لكل مرحلة أدواتها وتكتيكاتها، وبوتين الذي تفرّغ للأزمة السورية منذ أكثر من سنتين، عبر متابعته تقويم المواقف التي تصدرها مؤسساته البحثية والأمنية ورصد مواقف الدول وتحليلها، وحتى إقامة ورش عصف ذهني، بات محترفاً بكل تفاصيلها ودقائقها ومعرفة كيف يتصرف إزاء كل نقلة وأين يضع قدمه، في الوقت الذي ينهمك الآخرون بالإنشغال بأكثر من قضية وصراع.
لم يكن عناد بوتين من فراغ بل كان عناد العارف أكثر من الجميع. مئات المصالحات التي أجرتها استخباراته في أرجاء سورية أعطته صورة واضحة عن كل شيء في البلد، ممّ يخاف الناس وماذا يطمحون، آلاف طلعات الرصد والمراقبة التي قامت بها طائراته، قدمت له صورة مفصّلة شملت حتى ينابيع المياه التي يردها مربو الماشية في البادية، ومن تلك التفاصيل صنع بوتين أسس قوته في سورية، فيما كان الآخرون يأنفون إلا الاضطلاع بالقضايا الإستراتيجية الكبيرة.
يلعب بوتين على نقاط ضعف جميع الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين، يعرف أن اللاعبين السوريين (نظاماً ومعارضة) مستنزفون إلى أبعد الحدود، وأن ايران وجماعاتها لو كانت لديهم قوّة كافية لإنجاز مشروعهم لما جلبوا الدب الروسي الى كرمهم، وأن تركيا بعد الانقلاب وانكفاء «الناتو» أصبحت دولة هشة وضعيفة، وأن إسرائيل مكبلة بمخاوفها وحساباتها التي اصبحت أكبر رادع لها، وأن دول الخليج خفّضت سقف حماستها رؤيتها إدارات أميركية غير ملتزمة أمن الخليج، لذا صارت تطرق أبواب موسكو للبحث عن مقاربات جديدة تحفظ أمنها.
وللمفارقة، هذا ما يطلق عليه البعض، تلطفاً ومحاولة لتخفيف وقع الرضوخ للمقاربة الروسية، وجود قاعدة دعم دولي للجهود الروسية في سورية وتفويضها إخراج الحل، وفي الواقع لا يعدو الأمر استسلام جميع اللاعبين أمام القوّة الروسية الجبارة.
ومن يسمون شركاء روسيا في الحل، هم قوى جرى ترويضها وتشذيب سلوكها، وإيصالها إلى هذا المكان، فإيران لم تكن تريد مفاوضات مع أي طرف سوري يعارض النظام بل كانت ترى ان لا حلول إلا في سحق المعارضة واستسلامها، وتركيا كانت لها رؤية مختلفة تتمثل بسقوط الأسد ووضع سورية كلها تحت جناحها، لكن ما حصل ان بوتين، وبهدوء، تلاعب بمقادير المعطيات فتغيرت اتجاهات الحدث كلية.
كثيراً ما نظرت الأطراف الإقليمية والدولية الى التدخل الروسي في سورية من زاوية حسابات كمية، مرّة عبر حساب الطائرات المشاركة في الحملة الروسية، ومرّة حساب المصاريف اليومية التي تستهلكها روسيا في الحرب، وبنت رهاناتها على أن موسكو لن تنجح في السيطرة على الواقع السوري الملتهب ولن تثبت تالياً أنها قوة جديرة بالاحترام وتستحق ان تكون طرفاً دولياً مقرراً.
لكن روسيا كانت لها رؤية مختلفة، اعتمدت على هندسة شاملة للوضع السوري تشتغل فيه بكامل طاقتها لتؤسس عليه بناء صعودها الدولي الجديد. استعمل بوتين إستراتيجية التركيز الأقصى على الدور الروسي في سورية واعتبره فرصة يجب استغلالها إلى أبعد الحدود. ونتيجة ذلك راكمت روسيا في الحيز السوري تأثيراً وسيطرة ومعرفة بالواقع المحيط بالحدث السوري بكل تفاصيله، ومواقع وأوضاع اللاعبين فيه.
اليوم، ونتيجة هذا الجهد غير المنقطع والمكثّف، أصبح بوتين قادراً على الانتقال الى الخطوة الثانية بثقة واقتدار، وأما المطالب والاعتراضات من هنا وهناك للاعبين المحليين والإقليمين والدوليين، فبوتين قادر أيضاً على تفنيدها عبر تكتيكات ثلاثة باتت ملامحها واضحة في تعاطيه مع الأطراف المذكورة:
الواقعية: التي تقوم على ضرورة الاعتراف بتغير موازين القوى واستحالة تغييرها لأن ذلك يستدعي إعلان الحرب على روسيا، من مستعد لهذه المهمة؟ لذلك على جميع اللاعبين التعامل بمرونة إن أرادوا الخروج بأقل الخسائر من سورية.
مفاضلة الأولويات: حيث تصبح قضية بقاء الأسد ورحيله تفصيلاً صغيراً مقابل التحدي الذي يفرضه النفوذ الإيراني، وروسيا لا يمكن ان تضمن لأي طرف اقليمي او دولي الحد من النفوذ الإيراني ما لم تكن هناك دولة مستقرة ونظام قوي.
تأجيل الملفات الإشكالية: استطاع بوتين تحويل كل ما يتعلق ببقاء الأسد ووجود إيران ومصير المهجرين والمعتقلين ومصير مناطق خفض التصعيد، إلى قضايا إشكالية لا يفيد طرحها الأن، وما يستحق العمل والاهتمام فقط هو أجندة مواعيد المؤتمرات الروسية حول سورية لأن فيها يكمن الحل.
غير أن جزءاً من الحقيقة مغيب تماماً، أو لم يستطع الكثيرون رؤيته، وهو أن بوتين يريد التصرف بسرعة لاستغلال انتصار قواته على الأرض ووضع الآخرين أمام الأمر الواقع، أي تهميش الدور الغربي واستغلال ضعف المعارضة السورية، وأن الرجل يخفي من الخوف والقلق أكثر بكثير مما يعتقد خصومه، فهو الأدرى والأعلم بإمكانات دولته وظروفها وكيف وصلت الأمور الى هذا الحد.
هل نتوقع جولة مفاوضات ترد الروح وتقوي العزائم؟ إن لم يكن هناك تفاوض يفصّل كل بند بأبعاده وتأويلاته واحتمالاته، وإن لم تكن هناك متابعة خطوة بخطوة لتفكيك إستراتيجية بوتين العميقة، فلا شيء يعول عليه، ومن ليس لديه ترف الوقت والجهد لمتابعة ذلك فليتوج بوتين ملكاً على سورية.
* كاتب سوري
الحياة
أهمية الجولة الحالية في مسار مفاوضات جنيف/ حسين عبد العزيز
لا شك في أن جولة مفاوضات جنيف-8 تختلف عن غيرها من الجولات التفاوضية السابقة، ولا يتعلق الأمر بحصول اختراقات سياسية أو عدم حصولها، فهذا أمر من المبكر الحديث عنه، وإنما يتعلق الأمر بالظروف والشروط التي تميز هذه الجولة.
ثمة خمسة تطورات سبقت الجولة الحالية سيكون لها تأثير كبير على مجرى العملية التفاوضية وإن لن تظهر جدواها في المدى القريب:
1- إنهاء الوجود الاستراتيجي لـتنظيم «داعش» في سورية، مع ما يعنيه ذلك من تهيئة الأجواء لعودة ثنائية النظام والمعارضة للمشهد السياسي، وهي الثنائية الضرورية لحل الأزمة السورية.
2- انتهاء مؤتمر آستانة من مهمته الاستراتيجية المتمثلة بتثبيت وقف إطلاق النار في المناطق الأربع المحددة لخفض التوتر.
3- بيان ترامب- بوتين الذي تحدث صراحة عن إصلاح سياسي وليس انتقال سياسي، وشرعن وجود الأسد أثناء عملية الإصلاح حين لفت إلى إعلان الأسد التزامه بعملية جنيف والتغيير الدستوري والانتخابات وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
4- مؤتمر «الرياض-2» الذي شكل انتقالاً في الخطاب السياسي باستخدام الصفة المعيارية بدلاً من الصفة التقريرية التي هيمنت على البيان الختامي لمؤتمر «الرياض-1»، وإدخال فرقاء جدد في «الهيئة العليا للمفاوضات» بما يستجيب للقرار الدولي 2254 ولمطالب المجتمع الدولي، والذهاب إلى جنيف في وفد موحد ذي مرجعية موحدة من الناحية النظرية لا العملية.
5ـ- لقاء بوتين- الأسد، وما أعلنه بوتين من أن العملية السياسية تتطلب تسويات وتنازلات من جميع المشاركين بما في ذلك النظام السوري.
أهمية هذه التطورات تكمن في أنها حددت المفاوضات السياسية كعملية وحيدة للوصول إلى حل للأزمة السورية، وبالتالي لم يعد هناك فائض من المناورة للنظام للهروب إلى ساحة الميدان كلما فشلت المفاوضات. وهذا ما يفسر محاولات النظام عرقلة الجولة الحالية عندما قرر تأجيل سفر وفده المفاوض إلى جنيف، في رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأنه قادر على عرقلة المفاوضات.
المسألة هنا تتعلق برؤيتين متباينتين: المعارضة تنطلق من الوثائق والتفاهمات الدولية الخاصة بسورية، في حين يعتمد النظام أسلوب المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، أي إبعاد الشرعية الدولية وقراراتها، وترك المفاوضات لموازين القوى.
مع ذلك، فإن الجولة الحالية تعتبر مهمة كونها ستركز على مسألتي الدستور والانتخابات من دون إغفال ورقة المبادئ العامة التي تحكم مستقبل سورية، وهذه المبادئ ستتم مناقشتها بالتفصيل داخل سلتي الدستور والانتخابات، بمعنى أن الاتفاق على كل سلة يعني بالضرورة الاتفاق على جزء من المبادئ العامة، وهذه خطوة تكتيكية مهمة تساعد وتسرع الوصول إلى تفاهمات.
فعلى سبيل المثال، سيتضمن الدستور الجديد بطبيعة الحال المبادئ العامة لشكل نظام الحكم وآلية الإصلاح السياسي والإداري، ومن هنا سيكون الصراع المقبل حول أي دستور سيعتمد، ففي حين تصر المعارضة على اعتماد دستور الخمسينات، لا يزال النظام متمسكاً بدستور 2012، وآخر تأكيد له على ذلك جاء في بيان لوزارة الخارجية السورية الذي رحب بانعقاد مؤتمر «الحوار الوطني السوري» في سوتشي ورحب بمناقشة مواد الدستور الحالي.
هذا الخلاف يمتد ليشمل أيضاً سلة الانتخابات، هل ستكون الانتخابات برلمانية فقط، أم برلمانية ورئاسية؟ وما هو الجدول الزمني لهذه الانتخابات؟
لكن الخلاف بين الطرفين أعمق مما يبدو في الظاهر، إذ لا يقتصر الخلاف على شكل وطبيعة الانتخابات، وهل ستكون مرجعيتها ضمن فقرة خاصة بها في الدستور، أم تعتمد على المبادئ الأساسية الواردة في الدستور؟
الخلاف المضمر يكمن في البيئة والمناخ الذي يسبق الانتخابات، ذلك أن انتخابات ديموقراطية من دون مناخ ديموقراطي، قد تعيد إنتاج الاستبداد عبر صندوق الاقتراع، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في العالم.
إن أية انتخابات مهما كانت شفافة وتحت إشراف دولي ستنتهي لمصلحة النظام ما لم يتم تغيير المنظومة الأمنية والسياسية الحاكمة، فالمواطن داخل الجغرافية السورية سيصوت بقرارة نفسه لمصلحة النظام نتيجة الخوف الشديد، ومن دون تهيئة المناخ الديموقراطي لا معنى لأي انتخابات مهما كان نوعها.
ومن هنا كانت أهمية فكرة الانتقال السياسي التي تطالب بها المعارضة، لأنها تحدد مرحلتين زمنيتين متباينتين، يتم عبرهما الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر مختلف تماماً، أما في ضوء الإصلاحات السياسية، فيبدو من الصعب تلمس حقيقة المناخ السائد.
إن تعامل المجتمع الدولي مع الدستور والانتخابات بصفتهما آليتين للإصلاح السياسي غير كاف ما لم يترافق مع رؤية شاملة لطبيعة المناخ السياسي القائم في البلاد، وهذه أحد أهم مهام وفد المعارضة، فإذا كان غير قادر على فرض رؤيته الكاملة للحل السياسي، فلا بد له أن يتمسك بروح التحول السياسي وغايته الكبرى، وإن كان ذلك على المدى البعيد.
ومع أنه لا يتوقع حدوث اختراقات تفاوضية ذات قيمة، إلا أن الاهتمام الدولي بهذه الجولة قد يجعلها بمثابة نقطة تحول، فبخلاف الجولات السابقة من المفاوضات، أرسلت الولايات المتحدة ديفيد ساترفيلد مساعد وزير الخارجية إلى جنيف، في مؤشر على اهتمام أميركي بأن لا تكون الجولة الحالية مشابهة للجولات السابقة.
* كاتب وإعلامي سوري
الحياة
ماذا يخبئ بوتين للسوريين؟/ رياض نعسان آغا
لا يمكن أن تضحي المملكة العربية السعودية بحق من حقوق الشعب السوري، وهي التي دعمت قضيته بقوة، منذ أن بدأت وساطاتها مع الأسد في بداية الاحتجاجات، وحاولت أن تقدم النصح والمعونة للنظام، كما فعلت دولة الإمارات لإيقاف العنف الذي تصدى به للتظاهرات السلمية حين قابلها بالقتل المبرمج، وحين لم يصغ النظام لكل من نصحوه، وقفت المملكة ودولة الإمارات وعدد كبير من أصدقاء سوريا إلى جانب الشعب الذي كان يشيع الضحايا بالعشرات ثم المئات، وبدأت بتقديم العون والإغاثة وتضميد الجراح.
ولم تتوقف المملكة العربية السعودية عن تقديم الدعم اللوجستي والسياسي في كل المحافل الدولية، وقد تجلى دعم المملكة ودولة الإمارات فيما وجدناه من رعاية مشتركة لمؤتمر الرياض الأول، وحين قدمت الهيئة العليا اقتراحها للمملكة بتوسعة الهيئة العليا وضم شخصيات وطنية سورية إليها، مع موافقة الهيئة على تمثيل منصتي موسكو والقاهرة، استجابت المملكة، وكانت هيئة المفاوضات تريد من هذا الاقتراح سد الذرائع، حيث بدأت دول صديقة فضلاً عن دول أخرى تدعم النظام، تتهم الهيئة العليا ووفدها المفاوض بأنه لا يمثل كل قوى المعارضة، وأن عليه أن ينفذ القرار 2254 الذي يذكر منصتي موسكو والقاهرة، وكنا في الهيئة قد دعونا المنصتين للمشاركة، لكنهما رفضتا، ولا ننكر أن دعوتنا للمنصتين كانت على أساس بيان الرياض 1 الذي تم رفضه من منصة موسكو، التي رأت في الحديث عن رحيل الأسد شرطاً مسبقاً، وهذا كان رأي روسيا وليس رأي المعارضة الوطنية التي تفهم أن الانتقال السياسي المنشود يعني إنهاء عهد الديكتاتورية وبدء عهد الديمقراطية، وهذا لا يمكن أن يتحقق بوجود نظام الأسد.
ومع بدء مؤتمر الرياض 2 ظن بعض المعارضين أن المملكة العربية السعودية تخلت عن مطلب الشعب السوري برحيل الأسد على رغم إعلانها أنها تدعم خيارات السوريين، وهذا ليس صحيحاً، فالمملكة لم تطلب من مؤتمر الرياض 2 أن يحذف إشارته الواضحة إلى ضرورة رحيل الأسد، وقد بقي رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات ذاته رئيساً للوفد الجديد. وبقي في الهيئة عدد كبير ممن حضروا المؤتمر الأول، وهم اليوم المعنيون بالتمسك بمبادئ الثورة وأهدافها، ولا يملك أحد أن يضغط عليهم للقبول بما لا يرضي الشعب، ولكن السؤال الأهم: هل بوسع وفد الهيئة العليا السابق أو الراهن أن يفرض مطالبه على مجلس الأمن؟ الجواب الواقعي «لا» فالقرار 2254 يحمل في بنيته منافذ يستخدمها النظام و«دي مستورا» معاً فيما سمي الغموض البناء الذي صار معطلاً لإحراز أي تقدم في المفاوضات، فلا بد من أن يوافق الطرفان، ومحال أن يوافق فريق النظام على رحيل الأسد أو على الانتقال السياسي، وهذا يعني أنه لا بد من إرادة دولية تنشئ رؤية جديدة، وكنا قدمنا في الهيئة العليا السابقة رؤية عملية، تم إطلاقها في لندن ثم في الجمعية العامة، تقوم على القبول بالتشاركية مع من لم تتلوث أيديهم بدم من فريق النظام، ورسمنا سيناريوهات واقعية بالتفاصيل لهيئة الحكم المنشود، وللمجالس التي ينبغي أن تؤسس للبدء بتنفيذ القرار 2254، ودعونا منصتي موسكو والقاهرة للمشاركة بممثل أو ممثلين عن كل منهما، ولم نلقَ استجابة من المجتمع الدولي الذي اكتفى بالثناء على رؤية الهيئة، ولكنه كان يصغي لرؤية موسكو التي تصر على بقاء الأسد.
ولكن ما سمي بالمتغيرات الدولية التي تمت الاستجابة لها، هو من وجهة نظري سر لم يعلن بعد، وربما يكون هذا السر سبب قبول دول صديقة بتلبية الرؤية الروسية، ومن المؤكد أن اتفاقات مستقبلية مهمة قد تمت في لقاء بوتين مع الأسد في سوتشي، ثم في لقاء بوتين وأردوغان وروحاني في سوتشي أيضاً، وقد سبقت هذه اللقاءات مباحثات مهمة بين موسكو والرياض، وواكب ذلك لقاء بوتين وترامب في فيتنام والبيان المقتضب الذي أعلناه، فضلاً عن تصريحات تيلرسون المتكررة التي تصر على رحيل الأسد وعائلته.
ندرك أن بوتين دافع عن النظام بقوة غير مسبوقة، ولكنه يبدو مضطراً للانسحاب سريعاً من سوريا خلال شهور قليلة قادمة، فأمامه انتخابات في روسيا، ولا بد أنه يخشى صداماً مع الموقف الأميركي من إيران رغم التحالف، وليس بوسع بوتين أن يتحمل وزر إيران وطموحاتها التوسعية، ولا بد أن لديه سراً يخبئه نحو الحل الذي يريده في سوريا وانتصاراً آخر يعزز شعوره بنشوة النصر على «داعش» وقضائه على الإرهاب ليبرر أمام شعبه تدخله الأعنف في القضية السورية، ولن يتركه الأميركان القائد المتفرد في العالم، وهذا كله يعزز عندي وجود سر همس به بوتين لبعض القادة المعنيين مما دعاهم للتجاوب، وهم جميعاً يدركون أن بقاء الأسد يعني بقاء إيران و«حزب الله» وكل الميليشيات الطائفية وتصاعد الصراع، وبقاء المنطقة كلها في مهب الريح.
الاتحاد
جنيف 8: تغيرت سوريا والعالم.. وخطاب النظام لا يتغير!/ وليد بركسية
رغم أجواء التفاؤل الحالية بمؤتمري “جنيف 8″ و”سوتشي 2” حول الحل السياسي المرتقب في سوريا، في الأوساط الدبلوماسية والتصريحات الرسمية من الأطراف المعنية، إلا أن الاختلاف الشاسع بين خطابي النظام والمعارضة بهذا الصدد، يقدم نظرة مؤلمة لحال البلاد الممزقة والشرخ السوري السوري الذي لا يمكن ترميمه بسهولة في الوضع الراهن.
وفيما روج إعلام النظام وماكينته الدعائية للترويج إلى مؤتمر “سوتشي 2” الذي أعلن تأجيله إلى وقت غير محدد من شهر شباط/فبراير المقبل، على حساب “جنيف 8” بوصفه عملية سلام بائدة غير ملزمة، كانت مواقع التواصل تضج بحملات سورية معارضة لمسار الحل الروسي مع دعمها لمؤتمر “جنيف 8” وفق مقررات “مؤتمر الرياض2” والتي كانت السبب أصلاً في تأجيل النظام إرسال وفده إلى جنيف لحضور المؤتمر المقرر انطلاقه غداً، ما يهدد بإمكانية فشل المؤتمر قبل بدايته.
هذا التباين في وجهات النظر ليس جديداً بل بات أمراً متكرراً في كل حدث سياسي او عسكري في البلاد، وحقيقة أن كل طرف يسعى إلى فرض حل سياسي يمثل وجهة نظره الخاصة مع حيز ضيق للتنازلات الممكن تقديمها، يجعل مستقبل البلاد مظلماً على عدة مستويات، لأن أي حل من الحلين المطروحين لن يكون كافياً لضمان بقاء سوريا دولة موحدة، وسياسياً وإدارياً، لأن الفجوة الاجتماعية الحالية تبدو مستمرة في التوسع مع كل ثانية تمر من دون طرح حل سياسي جدي، يأخذ بعين الاعتبار ضرورة إنهاء الصراع من جذوره الأصلية، من دون إرضاء طرف على حساب آخر.
والحال أن المفاجآت غابت عن تغطية الإعلام الرسمي السوري لتطورات الحل السياسي في البلاد ليس لأن الصحف الرسمية والقنوات التلفزيونية في البلاد قررت تجاهل الحديث عن “جنيف 8” لصالح “سوتشي2” فقط، بل لأن حرف أي حدث سياسي وعسكري يحدث في البلاد عن سرديته الأصلية نحو سردية بديلة تضع خيارات “الدولة السورية” كقوة مقاومة لـ”الهيمنة الأميركية”، بات أمراً مكرراً ومملاً وغير قادر على صنع تأثير، سواء بإقناع الموالين أو إضحاك المعارضين.
ويجب القول أن خطاب النظام الدبلوماسي والإعلامي يقلل من أهمية “جنيف 8” بوصفه استكمالاً لعملية السلام السابقة البائدة التي لا يشكل “مؤتمر سوتشي” جزءاً منها بقدر ما هو بداية لعملية سلام منفصلة. وهو ما يعبر ناشطون معارضون عن رفضه بالمطلق عبر إطلاقهم حملة #سوريون ضد_سوتشي، التي تختصر الموقف العام في الأوساط المعارضة الرافضة لرؤية موسكو لمستقبل البلاد بوصفها قوة دولية منحازة لطرف على حساب آخر وليست وسيطاً محادياً مثل الأمم المتحدة الراعية لمؤتمر “جنيف 8”.
وتؤكد الحملة على ثوابت الثورة السورية الخمسة المتمثلة بإسقاط بشار الأسد وتقديمه ومساعديه إلى المحاكمة العادلة، إضافة إلى تفكيك أجهزة القمع الاستخباراتية والعسكرية مع المحافظة على مؤسسات الدولة الأخرى، وخروج كافة القوى الأجنبية، والحفاظ على وحدة سوريا ورفض المحاصصة السياسية والطائفية. ومن نافل القول هنا أن هذه الرؤية المستمدة بشكل أو بآخر إلى نتائج مؤتمر المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي، تعاكس بشكل كلي وجهة نظر النظام، من دون وجود أي نقطة مشتركة بين وجهتي النظر يمكن البناء عليها في أي عملية سياسية جدية مستقبلية.
وفيما تنطلق المعارضة من الجانب الإنساني للصراع مع استذكار القتلى والمعتقلين والدمار الذي حصل في البلاد بسبب سياسة الأرض المحروقة والتجويع التي اعتمدها النظام السوري من أجل قمع الثورة السورية السلمية، كدليل على امتلاكها للحق في عدم تقديم تنازلات، يركز خطاب النظام على قوته العسكرية وحلفائه الروس والإيرانيين ومسار المعارك الميدانية بعد “الانتصارات” المتتالية من حلب إلى البوكمال، والتي يتم وصفها في الصحف الرسمية بأنها ورقة ضغط لا تمتلكها المعارضة “الإرهابية” بعكس مؤتمرات جنيف الأولى التي يجب تجاوزها، عندما كان الوضع العسكري مختلفاً قبل التدخل العسكري الروسي الذي حول ميزان الحرب لصالح النظام.
وكان التركيز على “سوتشي 2” في خطابي النظام والمعارضة واضحاً رغم أن موعده لم يحدد بعد، بسبب موقف النظام منه بوصفه القوة المبادرة على الساحة السورية اليوم، ومع الإقرار بفشل “جنيف 8” قبل انطلاقه لعدم جدية النظام في التعاطي مع طلبات المعارضة، يتم وصف “سوتشي 2” بأنه “الجولة الأولى من المسار السياسي” (الإخبارية) بموازاة تأجيل الحديث عن كافة النقاط الشائكة مثل تغيير الدستور والانتخابات والاتفاق على ماهية سوريا الجديدة، لتشكل كل نقطة من نقاط الحوار “معركة لا تقل أهمية عن معارك الجيش السوري العسكرية” من أجل فرض وجهة نظر النظام بطبيعة الحال، مع تكرار تصريحات مستشارة الأسد للشؤون الإعلامية بثينة شعبان بهذا الصدد من الصين.
والحال أن إعلام النظام قدم نفس الخطاب تجاه “جنيف 8” منذ الإعلان عنه أواخر الشهر الماضي، وهددت العديد من المقالات في صحف “الثورة” و”البعث” بانسحاب وفد النظام من المفاوضات وعدم المشاركة فيها أصلاً، بشرط إعلان الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية أولاً، بموازاة تصاعد الحديث في ألأوساط الدبلوماسية والإعلامية الأميركية عن اقتراب الكشف ع استراتيجية أميركية جديدة في البلاد، ما يعني أن “جنيف 8” لم يكن سوى ورقة يحاول بها النظام الضغط على المجتمع الدولي، وتقديم نفسه على المستوى المحلي كقوة مسيطرة ذات شأن.
هذا المد العروبي – الشعبوي – الممانع هو أساس خطاب النظام الدعائي والدبلوماسي على حد سواء، ويتم عبره تفريغ كل ما جرى في البلاد من معناه الحقيقي، بما يتناقض مع خطاب النظام نفسه في أعوام الثورة السورية الأولى، والتي كان فيها النظام يتحدث عن الإصلاح والتفاوض مع الشعب السوري ومطالبه مع رفض فكرة التغيير، وانعكس كل ذلك في وقت لاحق نحو تصوير الثورة السورية بأنها عمل إرهابي مأجور من “الولايات المتحدة الشريرة”، وزاد ذلك العداء الأسدي – الأميركي بعد التدخل العسكري الروسي في البلاد العام 2015، وما تبعه من تبعية للكرملين في شكل الخطابات السياسية وطريقة تقديمها للصراع في المنطقة.
يشكل كل ما سبق جزءاً من الحالة السورية الراهنة المحزنة، حيث تبدي القوى الدولية حماساً ملحوظاً لإنهاء حالة الحرب في البلاد بصورتها العسكرية، مع الإبقاء على هامش زمني مفتوح من المفاوضات المقبلة، تضمن فيه الدول الراعية للنظام أو الراعية للمعارضة، توسيع نفوذها على سوريا التي توقفت بالفعل عن الوجود مثلما يعرفها أو يتذكرها السوريون أنفسهم كدولة موحدة، علماً أنه من دون حل سياسي حقيقي في البلاد لن يتحقق استقرار البلاد على المدى الطويل مع إمكانية توفير بيئة خصبة للتيارات الجهادية كـ “داعش” و”القاعدة” للانبثاق من جديد.
المدن
نص وثيقة «المبادئ الإثني عشر الأساسية والحية للأطراف السورية»
قدم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، وثيقة «المبادئ الـ12 الأساسية والحية للأطراف السورية»، إلى وفدي النظام والمعارضة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم (أمس الخميس)، ضمن القسم الأول من مؤتمر «جنيف8» الذي انطلق الثلاثاء الماضي. وفيما يلي نص الوثيقة:
المبادئ الإثني عشر الأساسية والحية للأطراف السورية
(نسخة بتاريخ 30 نوفمبر قابلة للتطوير والتحديث من طرف المبعوث الأممي على ضوء أعمال المشاورات السورية المسهلة من طرف الأمم المتحدة).
1 ـ الاحترام والالتزام الكامل بسيادة سوريا/ الجمهورية العربية السورية (1) واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضا وشعباً، وفي هذا الصدد لا يجوز التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية ويظل الشعب السوري ملتزما باستعادة الجولان المحتل بكافة الوسائل المشروعة والقانونية وفقا لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي.
2 ـ الالتزام الكامل بالسيادة الوطنية لسوريا على قدم المساواة مع غيرها وبما لها من حقوق في عدم التدخل في شؤونها. تمارس سوريا دورها كاملاً في إطار المجتمع الدولي، بما في ذلك دورها كجزء من العالم العربي، وذلك وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وأهدافه ومبادئه.
3- يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي ضغط أو تدخل خارجي ووفقاً لواجبات سوريا وحقوقها الدولية.
4 ـ تكون سوريا /الجمهورية العربية السورية (2) دولة ديمقراطية (3) غير طائفية تقوم على التعددية السياسية والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق، مع الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء والمساواة الكاملة بين جميع المواطنين والتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وصيانة الحريات العامة بما في ذلك حرية المعتقدات.
وكل ذلك في إطار من الشفافية وشمول الجميع والخضوع للمساءلة والمحاسبة علاوة على اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة الجريمة والفساد وسوء الإدارة.
5 ـ تلتزم الدولة بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية الشاملة والمتوازنة مع التمثيل العادل على مستوى الإدارة المحلية.
6 ـ استمرارية الدولة والمرافق العمومية الأخرى وتحسين أدائها، مع إصلاحها عند الاقتضاء، بما في ذلك حماية البنى التحتية وحق الملكية وتوفير الخدمات لكافة المواطنين دون تمييز، وذلك وفقا لأعلى معايير الحكم الرشيد والمساواة بين الجنسين.
ويتمتع المواطنون، في مجال علاقاتهم مع جميع السلطات العامة، بآليات فعالة تضمن الامتثال الكامل لسيادة القانون وحقوق الإنسان وحقوق الملكية العامة والخاصة.
7 ـ بناء جيش قوي وموحد يقوم على الكفاءة ويمارس واجباته وفقاً للدستور ولأعلى المعايير.
وتتمثل مهامه في حماية الحدود الوطنية والسكان من الت هديدات الخارجية ومن الإرهاب. وبناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان. وتكون ممارسة القوة احتكاراً حصرياً لمؤسسات الدولة ذات الاختصاص.
8 ـ الرفض القاطع لجميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها ومعالجة أسباب انتشارها.
9 ـ حماية حقوق الإنسان والحريات العامة ولاسيما أوقات الأزمات بما في ذلك ضمان عدم التمييز، ومساواة الجميع في الحقوق والفرص بغض النظر عن العرق أو الدين أو الإثنية أو الهوية الثقافية أو اللغة أو الجنس أو أي أساس آخر للتمييز.
وإيجاد آليات فعالة لضمان تلك الحقوق تأخذ بعين الاعتبار الحقوق السياسية والحق في المساواة والفرص للمرأة بما في ذلك اتخاذ تدابير فعالة لضمان مشاركتها في المؤسسات ودوائر صنع القرار، مع اعتماد آليات تهدف لضمان مستوى تمثيل للمرأة لا يقل عن 30 في المئة وصولاً للمناصفة.
10 ـ تعتز سوريا بمجتمعها وهويتها الوطنية وبتنوعها الثقافي التاريخي، وبالإسهامات والقيم التي جلبتها كل الأديان والحضارات والتقاليد إلى سوريا بما في ذلك التعايش بين مختلف المكونات إلى جانب حماية التراث الثقافي للشعب السوري وثقافاته المتنوعة.
11 ـ محاربة الفقر والقضاء عليه وتوفير الدعم للمسنين والفئات الضعيفة الأخرى والتي تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وضحايا الحرب بما يشمل ضمان أمن وسكن كافة النازحين واللاجئين وكذا ضمان حقهم في الرجوع الآمن والاختياري لمساكنهم وأراضيهم.
12 ـ صيانة وحماية التراث الوطني والبيئة الطبيعية لصالح الأجيال القادمة طبقاً للمعاهدات المتعلقة بالبيئة وبما يتماشى مع إعلان اليونسكو بشأن التدمير المتعمد للتراث.
هوامش
- يسجل مكتب المبعوث الأممي أن الجمهورية العربية السورية دولة عضو بالأمم المتحدة، وأن هذه الأخيرة تشير إلى «الجمهورية العربية السورية» في كافة معاملاتها. والمصطلحات الواردة هنا تمثل خيارات قدمتها الأطراف للمبعوث.
- أنظر الهامش 1 أعلاه.
- لم يستخدم مكتب المبعوث عبارة علمانية، ويسجل أن غير طائفية، وردت في قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأن عبارة علمانية، غير واردة في الدستور السوري والذي يشمل عناصر علمانية وأخرى دينية. وهذه مسألة يقررها السوريون وحدهم».
«الواقعية السياسية» حجة المعارضة للانخراط في المسار الروسي/ منهل باريش
قدم المبعوث الأممي الى سوريا، ستيفان دي ميستورا ورقة المبادئ الـ 12 للحل السوري، وهي ورقة مطورة ومعدلة لـ«اللاورقة» التي قدمها ثاني أيام المفاوضات في جنيف 7، في شهر شباط (فبراير) الماضي، ورفضت الهيئة العليا للمفاوضات الرد عليها رسمياً حينها حتى نهاية نيسان (أبريل) بعد الضغط الروسي الذي أسفر عن إجبار رئيس الهيئة العليا على الرد. وحصلت «القدس العربي» على النسخة العربية المعدلة من «اللاورقة» التي اعتبرها المبعوث الدولي «ورقة المبادئ» التي يرغب من خلالها في تأطير «العملية السياسية» وفرضها كمرجعية نهائية للحل السياسي. وهذه محاولة جديدة لنسف بيان جنيف لعام 2014، والالتفاف على تشكيل «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة»، بعد أن قام سابقاً بتشجيع من روسيا بفرض السلال الأربع (الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب، الحكم)، والذي ترافق مع بدء اتفاق أستانة.
الصدمة كانت في رد وفد الهيئة السورية للتفاوض (غيرت اسمها بعد مؤتمر الرياض 2) إذ ردت على «ورقة المبادئ الخاصة بالمبعوث الأممي للملف السوري»، واعتبر وفد التفاوض أنها تشكل رؤية للشكل النهائي للدولة السورية، وهي «ورقة حية قابلة دوما للتجديد والتطوير» حسب الرد الذي حصلت «القدس العربي» على نسخة منه. وأقرت الوثيقة بالتزام الدولة «بالوحدة واللامركزية الإدارية على أساس التنمية الشاملة والمتوازنة»، وقبلت أن «يكفل الدستور إصلاح الجيش السوري ليكون جيشا وطنياً واحداً مبنياً على أسس وطنية ملتزماً الحياد السياسي، مهمته حماية الحدود الوطنية وحفظ الشعب السوري من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب». وأكد وفد المعارضة على «استمرارية المؤسسات العامة للدولة وتحسين أدائها وحماية البنى التحتية والممتلكات وفق ما نص عليه بيان جنيف والقراران 2118 و2254»، و«وضع آليات لتحقيق مستوى تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30 في المئة وصولاً إلى المناصفة».
وغاب ذكر هيئة الحكم الانتقالية عن رد وفد المعارضة بشكل نهائي، ولم يتم التأكيد عليه، ما خلا الإشارة إليه عرضا في ما يخص استمرارية مؤسسات الدولة.
وفسر الوفد رده بأنه «رؤية للشكل النهائي للدولة»، فيما وصفته ورقة دي ميستورا بأنه ورقة مبادئ الحل السياسي وليس شكل الدولة كما أرادت العليا للتفاوض تفسيره.
وعلمت «القدس العربي» أن وفد الهيئة العليا أجرى مشاورات مع أحد مستشاري «منصة موسكو» من دمشق، والذي قدم رؤيته للحل السياسي وأجرى بعض التعديلات على الرد الرسمي لـ«هيئة التفاوض».
وكانت الهيئة العليا السابقة ردت على «لا ورقة» دي ميستورا نهاية آذار (مارس) الماضي، وطلبت منه تصحيح بعض بنودها، وخصوصاً الفقرة المتعلقة بمسألة الجيش، وطلب إعادة بناء الجيش الوطني على أسس وطنية ومهنية، بحيث تكون مهمته حماية الحدود الوطنية وحفظ الشعب السوري من التهديدات الخارجية وفق الدستور، وإعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات العسكرية والأمنية بحيث تكون مهمتها الحصرية صيانة الأمن الوطني تحت قيادة تخضع للقانون وفق معايير احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان. وشددت على «إخراج كافة المقاتلين غير السوريين من ميليشيات طائفية وجماعات مرتزقة وقوات تابعة لدول خارجية من الأراضي السورية وحصر حق حيازة السلاح بيد مؤسسات الدولة المختصة». وفي رد الوفد الحالي غابت مسألة الميليشيات الإيرانية رغم التأكيد عليها في بيان الرياض 2، ومن المرجح أن إغفال العبارة جاء برغبة من منصة موسكو التي تحفظت على هذه الفقرة في بيان الرياض، إضافة إلى مسألة «مغادرة بشار الأسد».
واقترح رد وفد التفاوض السابق والذي وقع عليه الدكتور نصر الحريري نفسه إضافة فقرتين هما:
1- طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 (2015) فإن الانتقال السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية على أن لا يكون لبشار الأسد وأركان نظامه وجميع من تلطخت أيديهم بدماء السوريين دور فيها من بدء المرحلة الانتقالية وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ بدء العملية السياسية. كما يشمل جدولاً زمنياً وعملية لإعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة عملا بالدستور الجديد خلال 18 شهراً من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، يجري إدارتها تحت إشراف الأمم المتحدة على نحو يلبي متطلبات السوريين المؤهلين للتصويت في الشتات.
2- تتكفل هيئة الحكم الانتقالي بإيجاد البيئة الآمنة والمحايدة وتوطيد الأمن والاستقرار والهدوء للجميع بما يتيح نجاح عملية الانتقال السياسي خلال المهلة المنصوص عليها في القرار 2254 (2015).
وأرفق الرد القديم بمذكرة «تفسيرية/توضيحية» من تسعة بنود تخفف من قيمة ورقة دي ميستورا، طالبت بتوضيح الغرض الرسمي من الورقة غير الرسمية، حين اعتبر أنها عناصر استرشادية لنقاط التوافق الموجودة بين الطرفين المفاوضين، وليست وثيقة توافق عليها الطرفان، ولا تشكل الورقة بأي شكل من الأشكال وثيقة إطارية أو نصاً تم التفاوض عليه، ولن يتم تقديمها إلى مجلس الأمن ولا إلى الفريق الدولي لدعم سوريا إلا في حالة الحصول على موافقة الطرفين المفاوضين. وحزم وفد الهيئة العليا للمفاوضات موقفه من الورقة حين أشار إلى أنه «لتفادي أي شكوك، فإن الطرفين المفاوضين سيظلان يحافظان على مواقفهما التفاوضية فيما يتعلق بعملية الانتقال السياسي ورؤيتهما لمستقبل سوريا». وهو ما اعتبر قطعا للطريق على محاولة فرض إطار سياسي للمفاوضات.
ورفض رئيس وفد النظام السوري، بشار الجعفري ورقة المبادئ التي قدمها دي ميستورا بسبب «عدم الرجوع للدولة السورية»، وقال في حديث قبيل مغادرته جنيف ظهر الجمعة «أن هذه الورقة تجاوزتها الأحداث، ونحن في نهاية طريق الانتصارات على داعش في سوريا والعراق». وشدد على أنه «يجب أخذ الواقع السياسي والعسكري بعين الاعتبار».
المؤشرات الأولية، ومع الضغط الروسي الكبير، تتجه نحو توسيع مروحة المعارضات السورية، وهو ما يتطابق مع تصريح رئيس منصة موسكو قدري جميل عن ربط نجاح جنيف باشراك «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وتيار «بناء الدولة»، وتيار «قمح».
وأصبح جلياً أن السياق الروسي للحل هو من يتحكم بالأمور وهو ما تحدث به جميل من خلال الإشارة الى مسألتين: «كان لدينا ممثل واحد في مؤتمر الرياض وفرضنا استراتيجيتنا على 140 عضواً»، وتأكيده على دور مؤتمر سوتشي المقبل والذي «يتم بدعوة روسية تركية إيرانية»، مشدداً على أن «أكثرية الوفد الواحد ليست ضد سوتشي، وهذا التيار موجود منه ضمن وفد الائتلاف وسيقوى لأنه الحقيقة».
وبعيداً عن تفاصيل الأوراق المقدمة والردود عليها، يبدو أن المسار الروسي قد هيمن على المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً أمام الانسحاب الأمريكي الحالي وترك موسكو ترتب طريق الحل السياسي مبدئياً. وإضافة إلى الاستدارتين التركية والروسية، يساعد موسكو تيار كبير في الائتلاف الوطني السوري المعارض يريد حقن الدماء وإنهاء المأساة، بات يسمى بتيار «الواقعية السياسية»، يريد أن يبقى في الواجهة ويتحول إلى أداة في يد المسار الروسي.
القدس العربي
«نصر» روسيا ومهمة بوتين المستحيلة في سورية/ مصطفى كركوتي
ربما حقق فلاديمير بوتين انتصاراً عسكرياً وديبلوماسياً في حرب سورية المتوحشة، ولكن السؤال الأهم: هل هو قادر على كسب السلم وتحقيق تسوية قابلة للحياة؟ كيف يمكن موسكو تحقيق ذلك وهي تقدم للعالم بشار الأسد، المسؤول الأول عن الجرائم، كطرف رابح في الحرب؟
«انتصار» بوتين يضمن لنظام دمشق البقاء وإن كان يعزز أيضاً وجود موسكو العسكري، ولكن لهذا الانتصار تبعاته السياسية أيضاً.
روسـيا تقود الآن تحالفاً مهماً (على رغم التناقضات الحادة بين أطرافه) مع إيران وتركيا، في مسعى لرسم تشكيل جديــــد لسورية. السعودية، كلاعب رئيسي في الإقليم، وجدت فــــي التحالف الجديد ما يثير اهتماماً عبرت عنه جيداً من خلال زيــــارة الملك سلمان بن عبدالعزيز موسكو منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، وهي الأولى لعاهل سعودي إلى روسيا. آفاق التعاون بين البلدين واسعة النطاق باعتبارهما أكبر منتجـــين للطاقة في العالم، كما عكسها التوقيع على 15 اتفاقية بقيمة قدرت بثلاثة بلايين دولار بينها نظام دفاعي روسي إس-400. وزير الخارجية سيرغي لافروف وصف العلاقات بعد زيارة الملك سلمان بأنها «وصلت إلى مستوى نوعي جديد».
لا شك في أن لتدخل روسيا في سورية أسبابه وهي بطبيعة الحال مختلفة عن دوافع إيران وتركيا. وهنا تجد السعودية إمكاناً عملياً لمناقشة الملف السوري مع روسيا باعتبارها الطرف الأقوى في التحالف الثلاثي والجهة التي تمثل عملياً شريان الحياة لنظام الأسد. فاستقبال بوتين المفاجئ والسريع لهذا الأخير في سوتشي أكد على شكل العلاقة بين دمشق وموسكو.
فعدا أن أحد أهداف موسكو الرئيسية تأسيس موقع قدم لها في مياه المتوسط، وهو الوجود الوحيد لها خارج حدودها باستثناء شبه جزيرة القرم، يستهدف تدخلها منذ اليوم الأول حماية النظام والحيلولة دون تأثير «الربيع العربي» في شكل الحكم في المناطق القريبة من حدودها. وهذا ما حدث بالفعل إذ ساهم دخول موسكو بقوتها الجوية الضاربة منذ 2015 إلى جانب قوات «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني، في انتشال قوات النظام من هزيمة كادت تكون محدقة بفعل الثورة الشعبية التي كانت في معظمها عفوية في شمال البلاد وجنوبها وشرقها، وقبل زمن طويل من ظهور «داعش».
لولا هـــذا الدعم المباشر من موسكو وتزويدها قوات النظام بكـــل ما فقدته في المواجهة مع المعارضة الشعبية المتصاعدة وتوفير الغطاء الجوي وتقديم المساعدات اللوجيستـــية الأساسية لها، لَما تمكن نظام الأسد من البقاء طوال هذه المـــدة ومن لجم تقدم الانتفاضة الشعبية ضده. صحيح أنه لم يتـــم القضاء نهائياً على المعارضة، ولكن العملية الروسية ومعها تدخل إيران و «حزب الله» وخذلان العالم لها، أثّرت في معنويات الانتفاضة وأحبطت الكثير من آمالها.
طبعاً لا تزال ثمة قوى معارضة تنشط في بعض المناطق، لا سيما تلك الممتدة في الشمال على الحدود مع تركيا. ولا شك في أن هذه القوى ستستمر في المحافظة على مواقعها ولن يتمكن الأسد من دحرها ما دام دعم تركيا لها مستمراً. إلا أن هذا الدعم قد يتغير إذا ما دخل الرئيس الماكر رجب طيب اردوغان في صفقة شاملة مع إيران وروسيا والإدارة الأميركية لكبح جماح النشاط الكردي المعارض في سورية الذي تقوده «وحدات حماية الشعب الكردي»، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني. هذه الوحدات أكدت لنفسها ولمحيطها الإقليمي وجوداً عسكرياً مميزاً لها منتصف عام 2015، بانتصارها على ميليشيات «داعش» في بلدة عين العرب (كوباني) بدعم أميركي مباشر. في تشرين الأول (أكتوبر)، تم تشكيل تحالف قوات سورية الديموقراطية (قسد) من قوى مختلفة تشكل الوحدات الكردية عصبها الأساسي وبيدها وحدها مسؤولية وضع الخطط العسكرية.
بعد نجاحها في كوباني، استعدت الوحدات الكردية لخوض معركة تحرير بلدة عفرين الواقعة مباشرة عند الحدود التركية، التي يعتبرها أردوغان شأناً تركياً خالصاً لا يسمح لأي طرف آخر بالتدخل فيه. وكان الرئيس التركي قد رفض اقتراحاً بتوجيه الدعوة إلى «قسد» للانضمام إلى مفاوضات سوتشي المرتقبة، وأجرى اتصالاً مع الرئيس الأميركي في هذا الخصوص الذي لم يستجب لطلبه فحسب، بل أبلغه (وفق الرواية التركية) أنه قرر وقف الدعم العسكري وأمر بإيقاف توريد الأسلحة إلى «قسد» التي تقودها الوحدات الكردية. تركيا في النهاية حليف استراتيجي عضوي للولايات المتحدة وركن أساسي في منظومة الناتو، وباتت واشنطن تدرك جيداً أن لا شيء عنده أكبر من الهاجس الكردي الذي يدفعه لتغيير تحالفاته بسرعة ومن دون إنذار مسبق.
إذاً، الانتصار الروسي في سورية كما ترغب موسكو في أن تنظر إليه، هو بالنسبة لبوتين تمرين في الواقعية السياسية لا يأخذ في الاعتبار على الإطلاق انتقادات المجتمع الدولي لسلوك روسيا في سورية. فموسكو تقف إلى جانب نظام حكم لا يوجه أسلحته الفتاكة ضد شعبه فحسب، بل يرتكب جرائم حرب أيضاً. فهي حمت حكومة بشار الأسد أمام الضغط الدولي احتجاجاً على استخدامه غاز السارين وأسلحة كيماوية أخرى ضد أهداف مدنية عدة في السابق.
هذه من المسائل التي قد تعرض موسكو لمشاكل ديبلوماسية مقبلة. فالتحالف الذي يجمع موسكو مع دمشق وطهران وأنقرة راهناً قد لا يصمد نتيجة تغير أو اختلاف الأهداف الاستراتيجية لكل منها في المدى المتوسط. أضف إلى ذلك مسألة مهمة تتعلق برغبة إسرائيل في كبح النفوذ الإيراني في دمشق، وواضح أن موسكو تتفهم قلق إسرائيل الأمني، إذ بات هذا الأمر بنداً ثابتاً على جدول أعمال لقاءات بنيامين نتانياهو الثمانية التي أجراها مع بوتين في السنوات الخمس الماضية وكان آخرها في آب (أغسطس) الفائت. ففي الوقت الذي تتفهم فيه إسرائيل طبيعة تحالف موسكو مع دمشق، فهي تؤكد دائماً ضرورة أن تضع روسيا خطاً أحمر يجدر بالأسد ألا يتجاوزه في علاقاته مع طهران.
يبقى السؤال الأهم: في غياب واشنطن عن التفاصيل، هل تستطيع موسكو وحدها الجمع بين مصالحها الاستراتيجية وكبح جماح طهران وتهدئة نتانياهو وإرضاء أردوغان وتفهم مطالب قوى التحالف العربي في الإقليم وإقناع السوريين بجدوى الأسد؟
الحياة
لماذا يتنازل الأسد؟/ ميشيل كيلو
وصل الوفد “التفاوضي” لبشار الأسد إلى جنيف متأخرا أكثر من أربع وعشرين ساعة عن الموعد الذي حدّدته الأمم المتحدة لوصوله. واعتبرت هذه الخطوة نجاحا للمساعي الدولية التي أقنعته بالقدوم، على الرغم من أن رئيس الوفد المذكور، بشار الجعفري، رفض طلب المبعوث الأممي، استيفان دي ميستورا، بالانخراط في مفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة، ورفض البقاء في جنيف لإعطاء التفاوض مدى زمنيا كافيا، ورفض جدول الأعمال الذي قدّمته الأمم المتحدة، وذاك الذي اقترحته المعارضة. مع ذلك، احتفلت وسائل الإعلام الغربية بما سمته “بدء المفاوضات العملية في جنيف”، ولم تقل، هي أو أي أحد من الرسميين الدوليين، إن الوفد الأسدي عطل المفاوضات قبل قدومه إلى جنيف، وقدم إليها ليستمر في تعطيلها، وإن سلوك نظامه يلغي عمليا القرارات الدولية التي رسمت خريطة طريق واضحة للحل السياسي الدولي، بنصوصٍ لا تحتمل تفسيرات متعدّدة، أو مجافية لمعناها النصي، وللآليات التي تقترحها لبلوغ السلام.
لم يدن أحد إلى اليوم سلوك الأسد الذي يعطل مؤسسات النظام الدولي الشرعية، ويتعامل معها بقدر من الازدراء، يشبه الذي أبدته الهتلرية تجاه “عصبة الأمم”، قبل الحرب العالمية الثانية. وبدل أن يقابل الجعفري والعصابة التي ترافقه بالرفض والاستهجان، نرى دي ميستورا يرسم ابتسامةً سعادةٍ عريضةٍ على وجهه، ويمد يده إلى مسافة عشرة أمتار، ليتشرف بمصافحة الجعفري وعصابته الملطخة أيديها بدماء مئات آلاف السوريين. إذا كان قتلةٌ يُعاملون بهذا الحرص، بربكم لماذا يتنازلون، وينصاعون للقرارات الدولية، ويقلعون عن قتل السوريين، الذين لم يطبق أي قرار من سبعةٍ قيل إنها اتخذت لضمان حقهم في لقمة خبز، ومقعد دراسي، وحبة دواء، وسقف آمن، وحقهم في الحياة الذي يعتبره حتى دستور الولايات المتحدة الأميركية مقدّسا! أعلن الروس أن الاتفاقيات ستعيد، أخيرا، الأمن والسلام ورغيف الخبز والسقف الآمن إلى أهالي الغوطة الشرقية، وأن شرطتهم العسكرية ستضمن أن يوقف النظام قصفها ومهاجمتها، لكن الأسد الذي وقع الاتفاقية بأريحية كان على مذهب آخر، فلم يوقف القصف دقيقة، وبعد أن كان يهاجم الغوطة من محور واحد، بدأ يهاجمها بعد “التهدئة” من ثلاثة محاور، ويستخدم ضدها قنابل يكاد غبار انفجاراتها يصل إلى أنوف شاغلي مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
مع ذلك، لا ترى موسكو ما يجري، ونسيت أنها ضامن خفض التصعيد، ولم تخجل من تقديم اقتراحٍ بعقد هدنةٍ تدوم يومين، ولم يحمرّ وجهها وهي تشطب ضمانتها اتفاقية عقدت بمشاركتها، أعلنت مقدمتها انضواءها في إطار وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، وأنها بالتالي اتفاقية دولية ترعاها الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وتعتبر جزءا من عملية السلام. نسيت موسكو هذا، وها هو الكرملين يبدي امتنانه، لأن وفد النظام وصل إلى جنيف، لكي يعطل التفاوض، والأسد قبل هدنة في منطقة خفض تصعيد وتوتر، كان الرئيس فلاديمير بوتين قد دقّ على صدره، وتعهد أن يمنع القتال فيها. وغدا، ستنتهي الهدنة التي ألغت الاتفاقية، وستقصف الغوطة من جديد وسيقتل أطفالها الذين ارتفعت نسبة المهدّدين بالموت جوعا منهم إلى 12%، بعد أن كانت قرابة 2% قبل التهدئة.
إذا كانت موسكو قد اقترحت الهدنة، وهي تعلم أنها تلغي اتفاقية وقف التصعيد التي كانت عرّابها، لماذا يتقيّد النظام بهما: الهدنة اليوم والاتفاقية أبدا؟ ولماذا يتنازل الأسد عن حقه المضمون، روسيا ودوليا، بمواصلة حربه ضد السوريين، وبإفشال عملية تفاوض دولية من أجل السلام، واتفاقية دولية قالت موسكو إنها لخفض التصعيد، وها هي تقترح إلغاءها؟ وهل تناست أنها اتفاقيه دولية وتخدم السلام؟ ثم، ألا يلاحظ العالم التلازم بين النتائج التي ستترتب على هدنةٍ روسيةٍ تلغي اتفاقية روسية؟ ألا يلاحظ ما تفعله عصابة السياسيين الأسدية التي تعطل التفاوض على حل سياسي استجابة لقرارات دولية، واستقبلت، على الرغم من ذلك، بترحاب أممي، مكافأة لها على قبولها تحمل مشقات السفر بالطائرة إلى جنيف، في الوقت الذي قرّرته، وللفترة الضرورية للتعبير عن تأفّفها من العالم، واحتقارها مؤسساته وقراراته؟
قال بوتين قبل أسبوعين: جميع مستلزمات السلام صارت متوفرة.. والدليل ما يفعله النظام في جنيف والغوطة، بدعم روسي وصمت دولي.
العربي الجديد
سوريون ولسنا منصّات/ رضوان زيادة
كان وقع الصدمة على السوريين كبيراً عندما طلب منهم الحضور إلى مؤتمر الرياض 2 بوصفهم “منصاتٍ”، تتبع دولا إقليمية أو صديقة، فالهدف من المؤتمر توحيد المعارضة السورية، بهدف ضمان توحيد قوى الثورة السورية لتحقيق الانتقال السياسي، من نظام دكتاتوري عائلي أمعن في القتل إلى نظامٍ يعبر عن السوريين ويستحقهم، يؤمن بقوتهم وقدرتهم على تحقيق الاستقرار السياسي وبناء النظام الديمقراطي وتحقيق النمو الاقتصادي، لكن ما جرى هو العكس. خضع الذين قبلوا المشاركة في المؤتمر إلى مبدأ محاصصة “المنصّات”، بما تحمله من إهانة لوطنيتهم وقواهم وقدراتهم العقلية في إدارة الانتقال السياسي من دون وصي أو وكيل. وقد طوى المؤتمر صفحة مؤلمة في تاريخ المعارضة السورية، بنسبتها إلى منصّاتٍ، وليس إلى السوريين، بوصفهم رجالاً ونساء يؤمنون بالتغيير، ويسعون إلى خروج سورية من محنتها العظيمة اليوم، وبدل أن تكون الأولوية لمشاركة السوريين في الداخل، ممثلين عن المجالس المحلية، أو في الخارج ممثلين عن اللاجئين المنتشرين في العالم، مثّلت السوريين “منصاتٌ” تتبع لدول لم تكن يوماً داعمة للثورة السورية أو الانتقال السياسي، فما المعنى إذا من إدخالهم إلى صفوف الثورة وقواها.
عبّر مؤتمر الرياض عن أزمة عميقة في المعارضة السورية التي استمرأت تقديم التنازلات،
“عبّر مؤتمر الرياض عن أزمة عميقة في المعارضة السورية التي استمرأت تقديم التنازلات” بغرض تحقيق محاصصةٍ أبعد ما تكون عن تحقيق أهداف الثورة وتطلعاتها. وأدخلت منصات لم تحمل يوماً روح الثورة أو حلمها، بل كانت دوماً تحتفظ بعدائها للثورة وحلمها في بناء سورية ديمقراطية لكل السوريين، فلم يكن هناك أي مبرّر أو معنى لإدخال هذه الشخصيات إلى وفد يدّعي أنه يمثل الثورة، وجد السوريون في ذلك إمعاناً في إذلالهم، ومنعم من الحق في إدارة شؤونهم. ولذلك تبدو اليوم الحاجة ملحةً لتوحيد قوى الثورة السورية على أسس وطنية وديمقراطية جديدة تمنع الانتهازيين والوصوليين من الحديث باسم الثورة التي لم يؤمنوا يوماً بها أو سعوا إلى تحقيق أهدافها.
وعلى ذلك، سنقوم بالإعداد لمؤتمر وطني جامع، يهدف إلى توحيد قوى الثورة السورية مجتمعةً، لأن هذا العمل مستمر ودائم، تحتاجه سورية اليوم، وسوف تحتاجه أكثر وأكثر في المستقبل، لضمان الأجندة الوطنية، ولضمان تحقيق الانتقال السياسي لنظام ديمقراطي حقيقي، يعبر عن كل السوريين. وهنا أربع نقاط رئيسية تعد بمثابة الأجندة للمؤتمر المقبل:
أولا، الحديث عن الواقعية السياسية لا يعني بأي حال القبول ببشار الأسد، فالثورة السورية انطلقت على الرغم من إدراكها تاريخ النظام السوري الطويل في القتل والتهجير. ولذلك، يجب ألا يتم التنازل أبداً عن ضمان تحقيق الانتقال السياسي الكامل، والذي يجب أن يبدأ بحق السوريين في اختيار نظامهم السياسي الجديد، عبر الانتخابات الحرة والنزيهة، يشارك فيها كل اللاجئين السوريين أينما كانوا، وضمان دستور ديمقراطي. وكل السوريين مدركون أن العقبة الرئيسية أمام تحقيق ذلك وجود دكتاتور مريض، يضحّي بكل السوريين من أجل شخصه ورغباته، مهما كانت تكلفة ذلك على سورية وطنا، وعلى السوريين شعبا.
ثانيا، حتى لو افترضنا أن نظام الأسد ينتصر على الأرض عسكرياً، فالحاجة إلى قوة سياسية موحدة من المعارضة تبقى أولوية لمحاصرته دوليا بكل الوسائل، والعمل بكل الطرق القانونية والسياسية الدولية من أجل جلبه للعدالة الدولية، ومحاسبته على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري. وبالتالي، فالعمل على توحيد جهود المعارضة عمل نبيل ودائم، لأنه الطريق الوحيد لضمان تحقيق الثورة السورية أهدافها.
ثالثاً، بعد سبع سنوات من الثورة، تشكلت عدة مؤسسات للمعارضة السورية من المجلس
“تتحمل المعارضة السورية خطأ إغلاقها التمثيل الدينامي للسوريين” الوطني و”الائتلاف” وحتى الهيئة العليا للمفاوضات، ويعود جزء كبير من عدم قدرتها على التأثير والتمثيل إلى سياسة القتل الجماعي المستمر التي قتلت أكثر من نصف مليون سوري، وشرّدت أكثر من تسعة ملايين آخرين، ما يجعل مسألة إدارة الأزمة الإنسانية فوق قدرات أية مؤسسة، دولية كانت أم وطنية. ولكن، في الوقت نفسه، تتحمل المعارضة السورية خطأ إغلاقها التمثيل الدينامي للسوريين، ما أبعد الوطنيين شيئاً فشيئاً، وفتح الباب للوصوليين أكثر فأكثر لادّعاء تمثيل المعارضة والحديث باسمها. ولذلك تبدو اليوم الحاجة ملحةً لإعادة كل الأصوات التي آمنت يوماً بالثورة، وبحلمها في بناء نظام جديد للانخراط في جهد توحيد قوى الثورة على أسس جديدة ومختلفة، وبدون إملاءات إقليمية أو دولية، لكي تبقى صوتا للثورة.
أخيراً، ندرك تعددية الأصوات داخل قوى الثورة، وهو من مصادر قوتها، فقد كانت حرية التعبير دوما أحد أهداف الثورة. وبالتالي، يجب أن تفسح المبادرة الجديدة الرأي للتعددية. لكن مع الإيمان أن هناك حداً أدنى من المبادئ التي لا يمكن للثورة ولقواها التنازل عنها، وهو ما من شأنه أن ينعكس في طريقة تنظيم المؤتمر المقبل. وفي الوقت نفسه، تدرك قوى الثورة أن هناك قوى إقليمية ودولية كثيرة ساعدت الثورة وناصرتها في مرحلة من المراحل، لكن هذا لا يبرّر لقوى الثورة أن تخضع لأجندتها، أو سياستها، فالتحولات الإقليمية والدولية تتغير باستمرار. ولذلك، من مصلحة قوى الثورة أن تحافظ على استقلالها وسيادتها، نابعة من إيمانها بأهداف الثورة وبوصلتها.
العربي الجديد
النظام السوري ينسف مسار جنيف/ عدنان علي
لم تخرج الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف التي اختُتمت فعلياً أمس الجمعة، بأي نتائج تُذكر كما كان متوقعاً، حتى أن مسعى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للعودة إلى المفاوضات الأسبوع المقبل والاستمرار بهذه الجولة حتى 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي اصطدم بموقف وفد النظام، بأنه قد لا يعود إلى جنيف الأسبوع المقبل، فيما كان لافتاً تسليم المبعوث الأممي وثيقة مبادئ عامة حول مستقبل سورية لوفدي النظام والمعارضة، لاقت انتقاداً سريعاً من وفد النظام، فيما ردّ وفد المعارضة عليها بورقة من 12 بنداً، لاقت أيضاً انتقادات لاعتبارها حملت تنازلات في قضايا تمثّل جوهر رؤية المعارضة لتحقيق مطالب الثورة، مع تجاهلها موضوع الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي.
وبدأت هذه الجولة الثلاثاء الماضي، بغياب وفد النظام الذي وصل الأربعاء، وتخللتها مفاوضات غير مباشرة بين الوفدين عبر المبعوث الأممي ومساعديه، في ظل رفض وفد النظام إجراء مفاوضات مباشرة مع المعارضة. واجتمع دي ميستورا أمس الجمعة مجدداً مع وفدي النظام والمعارضة وفق مبدأ مفاوضات “الغرفتين”، وكل وفد يجلس في غرفة، على أن يتنقل المبعوث الأممي ونائبه رمزي رمزي بينهما.
وسلّم دي ميستورا وفدي النظام والمعارضة وثيقة مبادئ عامة حول مستقبل سورية، من دون التطرق إلى مسألة الانتقال السياسي التي تريد المعارضة أن تكون سابقة لنقاش قضيتي الدستور والانتخابات، اللتين كان مقرراً أن تتم مناقشتهما في هذه الجولة. وقال دي ميستورا إن قضية “الرئاسة” لم تُطرح خلال المفاوضات. وتُعتبر الوثيقة نسخة معدلة عن وثيقة سابقة كان دي ميستورا قد قدّمها للطرفين في مارس/آذار الماضي تتضمن بعض العناصر الجديدة مثل استخدامه مصطلح “الإدارات المحلية” بدلاً من اللامركزية، والعنصر الثاني هو إخراج مسمى الأقليات والإثنيات من الأكراد والتركمان، والسريان الآشوريين، إضافة إلى طرح إمكانية استخدام اسم سورية بدلاً من تسمية الجمهورية العربية السورية. وأكدت وثيقة دي ميستورا “احتراماً، والتزاماً كاملاً لسيادة، واستقلال، وسلامة ووحدة أراضي (الجمهورية العربية السورية) – الدولة السورية من حيث الأرض والشعب. وفي هذا الصدد، لا يمكن التنازل عن أي جزء من أجزاء الأراضي الوطنية. ويلتزم الشعب السوري بصفة كاملة باستعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة باستخدام الأساليب القانونية ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”. وتحدثت وثيقة دي ميستورا عن “التزام الدولة بالوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والتنمية الشاملة والمتوازنة وفق التمثيل العادل في الإدارة المحلية”، وتؤكد “إقامة جيش وطني قوي، وموحد، ومتسم بالكفاءة يضطلع بواجباته بموجب الدستور”. وتحدد مهام الجيش في “حماية الحدود الوطنية، وحماية الشعب من التهديدات الخارجية والإرهاب، في ظل وجود أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية للمحافظة على الأمن القومي وفق سيادة القانون، والعمل بموجب الدستور، واحترام حقوق الإنسان. ويكون استخدام القوة حقاً حصرياً للمؤسسات الحكومية المعنية والمختصة”.
واستمر وفد المعارضة في التعاطي بإيجابية مع المفاوضات، فسلّم المبعوث الأممي رداً على وثيقته من 12 بنداً، إلا أن هذا الرد بدا ضعيفاً مقارنة بالمبادئ التي تشدد عليها المعارضة دائماً، إذ تجاهل موضوع الانتقال السياسي والمرحلة الانتقالية وتحوّل من فكرة إعادة بناء الجيش والهيكلة للأجهزة الأمنية إلى مجرد “إصلاح”. ورأى المتحدث باسم وفد المعارضة، يحيى العريضي، أن وثيقة دي ميستورا تضمّنت بنوداً حول وحدة الأراضي والحق باستعادة المحتل منها والديمقراطية وشكل الدولة بالمجمل وليس شكل النظام، قائلاً إن مسار الانتقال السياسي مسألة أخرى. وأضاف العريضي في تصريحات صحافية أن رد المعارضة لا يُعتبر “نقاطاً معتمدة ولا تدخلاً في سياق الاتفاق، كما أنها ليست بنوداً للانتقال السياسي بل هي عامة”. وأكد أن “الحكم الانتقالي لا مكان فيه لمن تلوّثت أيديهم بالدماء ولا لبشار الأسد”، معتبراً أن “الأفكار التي توافق عليها وكانت لدى أطراف متعددة في السابق، قدمت اليوم بشكل مشترك وموحد ضمن وفد واحد”.
من جهته، أعلن رئيس وفد المعارضة المفاوض، نصر الحريري، أن المعارضة جاهزة بشكل كامل لخوض مفاوضات مباشرة مع نظام بشار الأسد. وطالب في تغريدة له على حسابه في “تويتر” الأمم المتحدة بالضغط على النظام للانخراط بتلك العملية بأقرب وقت. وقال “يجب على النظام السوري تطبيق القرارات الدولية للوصول إلى الانتقال السياسي”.
مقابل ذلك، كان وفد النظام يصعّد رافضاً أي مفاوضات مباشرة، ومهدداً بعدم العودة إلى المفاوضات الأسبوع المقبل. وقال رئيس الوفد بشار الجعفري، في مؤتمر صحافي في ختام مباحثات الوفد مع المبعوث الأممي، إن “اللغة التي استُخدمت في الرياض2، هي عبارة عن شروط مسبقة، والمبعوث الدولي قال لا شروط مسبقة، لكن لغة بيان الرياض2 بالنسبة لكثير من المحللين والعواصم هي عودة للوراء، ومن كتبه وضع ألغاماً في طريق المفاوضات”. وأضاف أن “بيان الرياض مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا سيما أن البيان لا يأخذ التطورات السياسية والعسكرية، التي حصلت منذ أيام (المبعوث الأممي السابق الأخضر) الإبراهيمي وحتى الآن، والعودة للوراء هي عودة يائسة للمربع صفر، وهي بالتالي محاولة جدية لتقويض مهمة دي ميستورا”.
وذهب إلى أن لغة بيان الرياض2، “تجاوزتها الأحداث، عسكرياً تم الانتصار على الإرهاب، ويجب أخذ الواقع السياسي والعسكري بواقع الأحداث، ومن يعود بطرح شروط مسبقة فهو غير واقعي، ما يحكونه لغة قديمة، الحكومة قوية على الأرض، ونذهب لأي مكان لتحقيق تقدم وجاهزون لذلك”. واتهم الجعفري المبعوث الأممي بأنه “تجاوز ولايته بطرح ورقته، ومن دون التشاور مع وفد النظام”، لافتاً إلى أن وفد النظام طرح في مارس/آذار الماضي خطة من 12 نقطة، مضيفاً أن دي ميستورا “أبقى عليها في جيبه”. واعتبر أن الجولة الحالية انتهت بالنسبة لهم، مضيفاً أن “دمشق هي من ستقرر” مشاركتهم في الجولة التالية الأسبوع المقبل.
ورد وفد المعارضة على تصريحات الجعفري، معتبراً أن حديثه عن احتمال عدم عودة وفده “دليل على وضعه شروطاً مسبقاً لدخول المفاوضات”. وقال العريضي، في تصريح إن “أحد الأسس التي عقدت عليها الجولة الحالية، ألا تكون هناك شروط مسبقة، وعندما تقول جهة معينة إنها لن تعود، فهذا يعطي دلالة قاطعة على أن هناك شروطاً، وعدم إحساس بالمسؤولية تجاه الذين يئنون خلال كل هذه السنوات”.
من جهته، لفت الناشط السياسي السوري، صالح عياش، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى تجاهل رد المعارضة على وثيقة المبعوث الأممي لبعض النقاط الهامة، مثل الجهة المخوّلة بوضع الدستور السوري والتي هي حصراً الشعب السوري عبر انتخاب لجنة دستورية من المختصين في المجالات القانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية، إضافة إلى ضرورة التأكيد على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في جهاز واحد على أسس وطنية وكفاءات عالية مع التشديد على منع أي نوع من التعذيب والاعتقال التعسفي بحق أي مواطن.
العربي الجديد
بوتين الذي يكره الأسد/ محمد قواص
يمثّل بشار الأسد “أيقونة” يسعى إلى الدفاع عنها عتاة الممانعين واليساريين والقوميين والعروبيين. وفود من تونس والأردن والمغرب والجزائر والقاهرة تحجّ إلى دمشق توقا للقاء “الزعيم” الذي يدافع عن نظام بلاده العلماني ضد الظلامية التي يحملها الإرهابيون الإسلاميون إلى بلاده.
فإذا كانت لتونس ومصر وليبيا واليمن وفلسطين وغيرها معضلة مع التيارات الجهادية، فإن التضامن الأعمى مع نظام دمشق يعود إلى ردّ فعل ضد خراب حمله الجهاديون إلى تلك الدول.
صحيح أن في أمر رد الفعل هذا تبسيطا يتجاوز السذاجة ويلامس التواطؤ، إلا أن الأسد وفق تلك المنظومة الجدلية يمثل نموذجا يقتدى، ويجوز اعتباره مرجعا يستحق لقب زعيم الأمة، على ما صرخ يوما أحد برلمانيي مجلس الشعب السوري ترحيبا بالرئيس المفدى.
وفيما يدور جدل إقليمي دولي حول وظيفة إيران في سوريا ودور ميليشياتها الرديفة على تخوم مدنها، ينفخ مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي فتاواه في مسألة دعم الأسد كثابتة من ثوابت الدفاع عن نظام الولي الفقيه.
ورغم أن امتعاضا من سلوك النظام السوري أفرجت عنه تصريحات نسبت للرئيس الإيراني الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني والرئيس الحالي حسن روحاني، إلا أن الخطاب الرسمي الإيراني بقي مقدِّسا لنظام الأسد معددا خصال ووطنية زعيمه.
فإذا ما كان الأسد يمثل رمزية تدافع عنها تيارات وعواصم، فلماذا تقصد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستخفاف بتلك الرمزية والتقليل من شأن الأسد والهالة التي تحيط بشخصه؟
استدعى بوتين الأسد بعد أشهر من تدخل روسيا العسكري في خريف عام 2015. لم يكن لقاء بين زعيمين، بل كاد يكون اجتماعا يعطي به السيد تعليماته، بحيث يكون هناك المتكلم وهناك بالمقابل المستمع.
لم يكن الأسد محاطا بوفد بلاده ولم يظهر علم سوريا إلى جانب العلم الروسي. كان الأسد مصغيا وكان بوتين محاضرا. وكانت لغة الجسد تفصح بسهولة عن حضور ثقيل مفرط لبوتين مقابل غياب مذهل للأسد الذي شكل شعار “الأسد أو لا أحد” دليلا على ثقل حضور الأسد، أبا وابنا، في تاريخ سوريا كما في راهنها.
لا تفسير دقيقا للسبيل الذي يتقصّده بوتين في إظهار الأسد بيدقا تابعا لموسكو وللكرملين بالذات. استدعاه مرة أخرى الأسبوع الماضي، لتبليغه، على ما بدا، بتعليمات تتعلق بخارطة الطريق التي رسمتها موسكو لإخراج سوريا من كارثتها.
لا وفد مرافقا للأسد ولا علم سوريا إلى جانب علم روسيا يزيّن اللقاء. يهرول الأسد محييا الزعيم الروسي بانبهار، وحين ينحني معانقا الرئيس الروسي يتضح مدى ضيق بوتين من واجبات التصافح وتبادل السلام ومسارعته لدفع ضيفه نحو قاعة يشبه الحضور فيها حضور المحاكمات العلنية.
لا يبدو أن بوتين يتصّنع دورا أمام كاميرات تصوّر المشهد لينتقل إلى دوره الأصيل بعد حجب العدسات. يقدم المشهد حقيقة العلاقة التي تربط روسيا بالنظام السوري. موسكو لا تعترف بدمشق حليفا بل تابعا يسير في فلكها.
وبوتين لا يمكنه القبول بالتعامل مع زعيم دمشق، ولو أمام الكاميرات، معاملة زعماء الدول. في ذلك ما يشي بأن موسكو هي أكثر الموقنين برحيل الأسد وهزال وظيفته على رأس نظام ستجري عليه جراحات كبرى.
ومع ذلك فلا شيء يمنع بوتين من الزعم بأنه في حضرة نظير له، كما هو حال رؤساء الدول التي تسير في فلك النفوذ الروسي في العالم. كما أن بوتين نفسه يحتاج ربما لتقديم الأسد بصفته زعيم سوريا المستقبل، وليس فقط سوريا اليوم لتسويق مقاربته الحادة في الدفاع عن نظام دمشق ومنع انهياره. ثم إن الأسد المتحالف مع إيران- خامنئي والذي تدافع عنه ميليشيات طهران يستحق من الرئيس الروسي رعاية خاصة ترفع من صورته داخل المشهد الروسي الرسمي.
نعم يستطيع بوتين ذلك لكنه لا يريد ذلك. لقيصر الكرملين طباع تجعله معتدا بنفسه وبدوره وبحضوره في تاريخ روسيا الحديثة. يقدم بوتين للعالم الصورة التي يريدها لنفسه. يشرف رجل الكرملين الأول شخصيا على تفاصيل المشهد وموقع الكاميرات وتوزيع الحضور على المقاعد. داخل ذاك المشهد يجب على واشنطن وباريس ولندن، كما بكين وطهران أن تدرك جميعا من هو عراب المسألة السورية دون منازع. لا يتكلم بوتين مع الأسد، فما قاله لزعيم دمشق لا يستحق استدعاء ونقاشا واجتماعا، ويكفي لدبلوماسي روسي أن يتولى ذلك. بوتين يخاطب العالم وما الأسد إلا واحد من أدوات المشهد ومستلزماته.
سبق لموسكو أن أرسلت وزير الدفاع سيرغي شويغو إلى سوريا في يونيو 2016. جلس الرجل في قواعد روسيا في حميميم لاستقبال ضيف قادم من دمشق. كان هذا الضيف هو الأسد نفسه الذي فوجئ بشخص المسؤول الروسي المهم الذي ينتظره.
في مشهدي حميميم وسوتشي رسالة واحدة. تشي الصورة التي أرادها بوتين من لقائه الأخير مع الأسد إبلاغ واشنطن أن الرعاية التي قدمتها الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما للمهمة الروسية في سوريا انتهت إلى تسليم العالم أجمع بحصرية إمساك موسكو بالحلّ السوري العتيد.
يبلغ بوتين دول الاتحاد الأوروبي المعوّل عليها كثيرا لإطلاق عجلة الإعمار في سوريا، أن التسوية التي تشترطها لضخّ التمويلات الضرورية لورشة الإعمار العملاقة باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن معضلة رأس السلطة في دمشق التي تقف حائلا دون تسوية جدية ناجعة للنزاع السوري، وفق ما تقوله عواصم الاتحاد، آيلة إلى حل توحي به صورة اللقاء الذي يجمع هذا الـ“بوتين” بذلك الأسد.
ويبلغ بوتين طهران بأن ما هو مقدّس محرّم لا يمس في خطاب المرشد والحرس الثوري والمتعلق بعدم المس بشخص الأسد وموقعه على رأس السلطة، لا يعدو كونه تفصيلا في أجندة روسيا الدولية ويتم التعامل معه وفق الشكل الذي أراده بوتين لإخراج استدعاء ذلك المقدّس وفق ما تستلزمه الصورة وتفاصيلها وتوقيت التقاطها.
رسائل بوتين جلية واضحة: سواء آثر العالم العبور نحو سوريا الجديدة من مداخل جنيف (العزيزة على واشنطن) أو مداخل سوتشي (العزيزة على موسكو) أو الاثنين معا، فإن مفتاح الحل الأساسي موجود في جيب سيد الكرملين. وإذا ما كانت أقصى مآلات التسوية تستدعي غياب رجل دمشق، فإن تغييبه يندرج على أجندة رجل موسكو فيكفي أن يستبقيه يوما بعد استدعاء فلا يعود أبدا إلى قصر المهاجرين.
الأسد نفسه العائد للتو من رحلته إلى سوتشي فهم ذلك جيدا. ألم تعترض دمشق على ديباجة بيان المعارضة في الرياض الذي تضمن رحيلا للأسد؟ ألم يقال إن تنسيقا عاليا جرى بين روسيا والسعودية لإعداد الوفد المعارض؟ فكيف لكل ذلك التنسيق أن ينتج تعويذة جديدة لسقوط الأسد؟
صحافي وكاتب سياسي لبناني
العرب
المعارضة اختارت إنجاح «الرياض 2» لا «حوار سوتشي»/ عبدالوهاب بدرخان
أظهر الإعلام الروسي – الإيراني حرصاً خاصّاً على الترويج لخبر إعلان الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي أن بيان قمة سوتشي الثلاثية سيُنشر كوثيقة رسمية للمجلس بطلب من الدول الثلاث. هذا لا يجعل منه قراراً دولياً ملزماً وإنما مجرّد إشعار للدول الأعضاء بما يرغب فيه الرئيس الروسي بالنسبة إلى سورية، وما وافقه عليه نظيراه الإيراني والتركي. وعلى رغم أن البيان يتضمّن مواقف مبدئية فقد ركّز ذلك الإعلام على «دعوة الحكومة والمعارضة في سورية إلى مؤتمر الحوار الوطني الواسع بمشاركة ممثلين عن جميع مكوّنات المجتمع السوري» الذي يُفترض أن ينعقد يوماً ما في سوتشي، وتريد موسكو أن تدعو إليه نحو ألف شخص متوقّعة أن يصدر عنهم بيان مشترك، معدّ مسبقاً، تستطيع أن تعتبره بمثابة «مصالحة» محقّقة بجهودها وحدها.
في الأثناء كانت دول عدّة، على رأسها السعودية، تجهد تحضيراً لمؤتمر يضم فئات المعارضة كافةً، بما فيها مجموعتا موسكو والقاهرة، بغية تأمين اتفاقها على بيان سياسي موحّد ووفد موحّد إلى مفاوضات جنيف. لذلك وجب الاستفهام عن الحكمة والهدف من «حوار سوتشي»، وكان جواب موسكو أنه فكرة ومبادرة لـ «مساعدة السوريين في إعادة وحدة البلاد وتحقيق التسوية السياسية للأزمة من خلال عملية شاملة وحرّة وعادلة وشفافة يقودها السوريون وينفذونها بأنفسهم» (بحسب بيان قمة الرؤساء). لكن هذا هو أيضاً هدف مفاوضات جنيف استناداً إلى بيان جنيف والقرار 2254 والقرارات ذات الصلة. هنا جاء التوضيح الروسي بأن القرار في شأن «حوار سوتشي» يتّخذ في ضوء مخرجات مؤتمر «الرياض 2».
وإذ أبدت موسكو تمسّكاً بمؤتمرها فقد عنى ذلك أولاً أنها غير راضية عن صيغة توحيد المعارضة كما أنجزت، وثانياً أنها تفتعل ازدواجية الحوارات للمساومة على مضمون الحل السياسي المنشود، مع أنها هي التي ألحّت على أن تعاود المعارضة الاجتماع لضمّ «منصة موسكو»، وهو ما حصل فعلاً، كما أنها نفت بصيغ رسمية وغير رسمية عزمها على جعل «حوار سوتشي» بديلاً من مفاوضات جنيف. غير أن بيان قمة بوتين- روحاني- أردوغان لم يشر إلى المرجعيات الدولية، بل استعار فقط بعضاً من عبارات القرار 2254 ليؤكّد ما نُقل مراراً عن موسكو بأن لديها تفسيرها الخاص لبنود عامة في القرار لا تحتّم، في نظرها، أن يتمّ التفاوض على النحو الذي تتّبعه الأمم المتحدة منذ البدء بجولات جنيف.
مَن سيُدعى إلى «حوار سوتشي»؟ يحدد بيان القمة الثلاثية «ممثلي حكومة الجمهورية العربية السورية والمعارضة، المتمسكين بسيادة الدولة السورية واستقلالها ووحدتها ووحدة أراضيها». ومن الداعي؟ إنها الدول الثلاث التي تتقاسم حالياً، بالاضافة الى الولايات المتحدة، «سيادة الدولة» وتستثمر في عدم «استقلالها» وتتهيّأ لمساومات على «وحدة أراضيها». بل إنهم أولئك الذين يتلاعبون بالألفاظ، من «حل سياسي» إلى «تسوية» إلى «عملية» سياسية، ويتفنّن «خبراؤهم» خصوصاً الروس والإيرانيين في استنباط أساليب التحايل على القرارات الدولية وهي كل ما استطاع الشعب السوري تحصيله بتضحيات هائلة. ثم يقولون إنهم يسعون إلى «عملية شاملة وحرّة وعادلة وشفّافة يقودها السوريون وينفّذونها بأنفسهم»، لكن أي سوريين؟ روسيا وإيران اختارتا «سورييهما» المناسبين للنظام الذي تريدانه أن يقود وينفّذ، وتوشك تركيا أن تنضمّ اليهما، وكأن هذه الدول تغلّب مكابرتها على الحقائق فلا تعرف ولا تعترف بأن لديها نظاماً متهالكاً ورهاناً خاسراً بالضرورة.
في العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) استبق بوتين القمة الثلاثية بلقاء مع بشار الأسد. كانت مناسبة لاحتفال ثنائي بـ «الانتصار على الإرهاب» بعدما بالغت طهران في ادّعاء أبوة هذا الانتصار، لكنها كانت أيضاً فرصة لبوتين كي يُسمِع الأسد مباشرة أن العملية السياسية «يجب أن تبدأ» تأسيساً على احتواء الصراع المسلّح بـ «مناطق خفض التصعيد» وانتهاء «الحرب على الإرهاب» أي على «داعش». وأبدى الأسد موافقته على مشاركة النظام في العملية السياسية، وإن لم يقتنع بأن «الإرهاب» انتهى. لكن الإيرانيين عالجوا احباطه سريعاً، إذ طمأنوه إلى أمرَين: الأول، أن الروس يوشكون أن يحققوا اختراقاً في «الرياض 2» بتغيير تركيبة المعارضة ووفدها التفاوضي، لتصبح متحكّمة بإطروحاتها في مسار جنيف من خلال ممثلي «منصّتَي» القاهرة وموسكو وعدد من «المستقلّين». والثاني، أن بوتين يعطي الأولوية لـ «حوار سوتشي» ويفاوض الأميركيين والأتراك كي يضغطوا على ائتلاف المعارضة وحلفائه من ممثلي الفصائل والمستقلّين للمشاركة فيه، وإذ ينصح الحليف الروسي بالمحافظة «موقّتاً» على مسار جنيف فإنه يعمل على قتله في الوقت المناسب.
جاء بيان القمة الثلاثية ليؤكّد ما قاله الإيرانيون، ولعل الأسد شعر بالظفر والارتياح إزاء تصريح أردوغان باحتمال معاودة التواصل معه، إلا أنه فوجئ بقول بوتين إن العملية السياسية تتطلّب «تنازلات من الجانبين»، فهذه عبارة تنقض نهجه منذ بداية الأزمة، لكن الأرجح أن بوتين كان يقول ما يرغب في إسماعه للأميركيين. وفي أي حال يعرف الأسد أن تغليب الارهاب على الصراع الداخلي انتهى أو يكاد، كذلك الرهان على استحالة/ أو عرقلة «توحيد المعارضة»، أي أن عليه أن يتهيّأ الآن لمقاومة استحقاقات الحل السياسي تأسيساً على أن الحليف الروسي مصرٌّ على «حوار سوتشي» لتكريس مكانة النظام وبقائه في أي حل، وعلى أن هذا الحليف عمل طويلاً مع المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا ونائبه رمزي رمزي لتمييع مسألة «الانتقال السياسي»، وقد نجحا حتى الآن في المهمة، لكن بقي أن تقنعهما موسكو بأن «التفاوض المباشر» بين النظام والمعارضة لا يخدم العملية السياسية.
بل بقي أن ينجح اختراق المعارضة في «الرياض 2». الواقع أن تغييراً حصل في بنية المعارضة، لكنه ليس على النحو الذي توخّته موسكو. فمهما كان «معارضوها» موالين لها أو للنظام فإن دخولهم اللعبة لنسف المعارضة قد يضرّ بها، لكنه يدمّر أي صدقية لهم، ما يعني انكشافهم سريعاً بأنهم يُستخدَمون لتخريب التفاوض لا للتوصّل إلى حلّ. ثم إن نقاشهم داخل الإطار الموسّع للمعارضة يختلف حُكماً عن أي حوار مع «الخبراء» الروس، ولا بدّ أن يستند إلى شيء من المنطق: فالحلّ السياسي يعني مرحلة انتقالية، وهذه تعني بالضرورة أن لا عودة لسورية الى ما كانت عليه، وأن تقبل بالتفاوض «من دون شروط مسبقة» لا يمكن أن يعني طمس الشروط الموجبة لحلّ حقيقي، وأن تقول أو لا تقول بـ «مغادرة الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد مع بدء المرحلة الانتقالية» يتوقّف على ما إذا كانت المعارضة تبحث عن حلٍّ يخرج سورية من محنتها أم أنها تسعى إلى حلٍّ تتواطأ فيه على نفسها وعلى الشعب السوري ومستقبله.
لا تجهل المعارضة بأطيافها كافةً أن القوى الدولية تتكاذب على بعضها بعضاً، وليس في مصلحتها مهما تكاثر انتهازيّوها أن تلعب لعبة تلك القوى التي تتصارع أو تتفق على حساب الدم السوري. كان «منطق المعارضة» هو ما فرض اعادة عبارة «مغادرة الأسد» إلى بيان «الرياض 2» بعدما حُذفت فعلاً من المسودّات الأولى، وقد دفع «الائتلاف» وحلفاؤه ثمنها بحصول «المنصّتَين» على الثلث المعطّل في تركيبة الهيئة العليا للمفاوضات، لكنهما أفشلا لاحقاً مطالبة «جماعة موسكو» بـ «مجلس رئاسي» لإدارة هذه «الهيئة» وزعزعة قيادتها للتفاوض. ولعل العبارة الشهيرة أعيدت لأنها تمنح أيضاً الدول الداعمة للمعارضة بعضاً من المرونة وورقةً لاختبار روسيا: فكلمة السرّ كانت أن نجاح مؤتمر المعارضة يعني المضي في مفاوضات جنيف وتمكين «الداعمين» من العمل، أما فشله فيعني الذهاب إلى «حوار سوتشي»، وفي هذه الحال ستضغط أنقرة على «الائتلاف» وحلفائه كي يشاركوا، وستترك واشنطن بوتين يعمل، كما أبلغته مسبقاً من دون أن تدعم أو تعرقل، لكن لتتفرّج بعدئذ على فشله. ولذلك فإن بوتين يعقد قمماً ويحرّك مبادرات للإنفراد بإدارة الأزمة، لكنه يجد دائماً صعوبة في تهميش الأميركيين أو تجاهلهم، كما في سعيه الدائب إلى إثبات أن ليس ثمة شعب في سورية.
* كاتب وصحافي لبناني.
الحياة
خريطة الطريق الروسيّة في سورية/ فلاديمير فرولوف
يبدو أنّ فلاديمير بوتين عازم على إنهاء العملية العسكرية الروسية في سورية قبل أن يتفرغ لتجديد ولايته الرئاسية في آذار (مارس) المقبل. وشاغل الكرملين وضع الحرب هذه وراءه. فهي تشتت القوة و «ملهاة» خلال الحملة الانتخابية. وتحتاج موسكو إلى تسوية سياسية تسمح لها بتعزيز وجودها العسكري في سورية، وترسخ دورها الجيوسياسي الجديد قوةً رئيسية في الشرق الأوسط على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. وهذا الشهر، من طريق مناورة ديبلوماسية سياسية سريعة وخاطفة، اقترح بوتين خطوة ديبلوماسية كبيرة لجمع لاعبين سوريين بارزين وفرض تسوية سياسية مرقعة جمعت بعناية لتراعي توازنات (سورية واقليمية).
وتوجه بوتين إلى إيران في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) لبحث هذا المسعى الديبلوماسي مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والمرشد الأعلى، علي خامنئي. والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثلاث مرات في تشرين الثاني (نوفمبر). وأقنع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإصدار بيان مشترك مع بلاده حول سورية على هامش قمة آبيك في فيتنام. ونقل الرئيس السوري، بشّار الأسد، في زيارة سرية إلى سوتشي ليعرض عليه تفاصيل التسوية. ثم استضاف قمة ثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران حول سورية في المدينة نفسها. وكان الاجتماع الأول من نوعه، ويذكرنا بـ»قمة الترويكا» عام 1945 في مؤتمر يالطا لتقسيم مناطق النفوذ في أوروبا ما بعد الحرب الثانية. وابلغ بوتين شخصياً في اتصالات هاتفية اللاعبين الخارجيين الرئيسيين كلهم، تفاصيل خططه ومساعيه: ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي ورؤساء دول عربية بارزة. كل هذا في يوم واحد. وهذا النشاط المحموم يُسلط، من جهة، الضوء على دور روسيا البارز في سورية والشرق الأوسط الكبير، وقدرتها على تحويل القوى الخارجية إلى أصحاب مصالح (أو أسهم) في الخطة الروسية. ويُظهر، من جهة أخرى، لعامة الروس عظمة بوتين لاعباً دولياً بارزاً. وبعد أن فازت موسكو إلى حد كبير، بالحرب الدائرة ورجحت كفة الأسد، تسعى الى كسب السلام والنأي بنفسها عن التكاليف الاقتصادية والسياسية والعسكرية الطويلة الامد المترتبة على الحفاظ على وحدة سورية. ويحتاج بوتين إلى «غطاء» أو مشروعية دولية لابرام تسوية سياسية تبقي الأسد في السلطة، على أقل تقدير، في المرحلة الانتقالية ومرحلة إعمار سورية. وهذا من ابرز الدواعي الرئيسية وراء جهود موسكو لحماية النظام من اتهامات استخدامه الأسلحة الكيماوية، وهي اتهامات موثوقة وموثقة.
ولكن روسيا لا تمسك بجميع الأوراق في سورية، ولا يمكنها فرض إرادتها وحدها من دون مشاركة اللاعبين الخارجيين. ولا يخفى ان أنقرة وطهران هما ابرز شركاء موسكو في عملية أستانة، ولكن أميركا هي «الفيل في غرفة» التفاوض (المشكلة أو في هذا السياق الدور المسكوت عنه)، حين يستضيف بوتين الزعيمين التركي والإيراني. ويبدو أن الرئيسين الاميركي والروسي توصلا إلى تفاهم حول ملامح التسوية «ما بعد داعش» في سورية. وفي مقابل تخفيف واشنطن نبرة دعواتها الى رحيل الأسد، وافقت موسكو على مرابطة عسكرية أميركية طويلة الأمد في شرق وجنوب سورية. ويدعو الاتفاق في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المبرم بين أميركا وروسيا والأردن حول منطقة خفض التصعيد في جنوب سورية، إلى الحفاظ على مجالس الحكم المحلية التي تسيطر عليها المعارضة في معزل عن النظام. وقد ينطبق الترتيب نفسه على جزء كبير من شمال شرق سورية، الذي يسيطر عليه اليوم «اتحاد القوى الديمقراطية» السورية والجيش الأميركي. وتشمل هذه المنطقة الرقة – عاصمة داعش السابقة – وهي في مثابة إقليم حكم ذاتي جديد للمعارضة. وتضمن موسكو بقاء هذه المنطقة خارج نفوذ إيران والأسد، وسيشارك هذا الاقليم في مشروع تقاسم السلطة بموجب الدستور السوري الجديد.
وهذا الاتفاق هو أقرب إلى ارساء حكم ذاتي كردي في سورية. فشطر راجح من «قوات سورية الديموقراطية» هم مقاتلون من وحدات «حماية الشعب الكردية»، على رغم المشاركة الشكلية العربية السنية. ويقضي التفاهم بين اميركا وروسيا كذلك بمناعة المناطق الخاضعة للحماية الأميركية في شمال الشرق والجنوب، وتحولها إلى حصن ضد التوسع الإيراني. وعلى رغم محدودية قدرتها على احتواء نفوذ طهران في سورية، وحاجتها الى قوات برية ايرانية الولاء للحؤول دون تمرد مرجح، وافقت موسكو على قيود محددة على انتشار القوات الشيعية المدعومة من إيران في جوار الحدود مع إسرائيل. وفي الواقع، على رغم ظهور واشنطن إثر القمة الروسية- التركية- الإيرانية على أنها طرف مهمش، إلا أنّ موسكو تنحو إلى المواءمة والتنسيق مع واشنطن في سورية. من جانبها، يبدو أن أميركا تسلم بقدرة روسيا على تحريك احجار عملية التسوية وترجيح كفة الأسد في «مؤتمر الشعوب السورية» الذي تروج له روسيا وتعتزم عقده في سوتشي في 2 كانون الأول (ديسمبر)، مع مشاركة 1300 مندوب من 33 مجموعة سياسية.
وستستخدم موسكو منتدى سوتشي الذي اتفق عليه قادة روسيا وتركيا وإيران لـ «ترويض» المعارضة السورية المسلحة وتمييع نفوذها وكبحه من طريق مشاركة جماعات موالية لموسكو والأسد- وهذه لن تصر على تنحي الأسد الفوري شرطاً مسبقاً للانتقال السياسي. ويبدو أن الدول العربية موافقة على هذه الاستراتيجية. فالرياض استقبلت جولة جديدة من المحادثات لتشكيل «وفد معارضة موحد» وجديد.
وفي لفتة إلى موسكو، أجيزت مشاركة بعثة مراقبة روسية رفيعة المستوى في المحادثات هذه بقيادة المبعوث الخاص لبوتين إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف. ويبدو أن الاتفاقات المبرمة في القمة الروسية الإيرانية-التركية متواضعة، إلى حد ما، ولم تكشف معالم واضحة للتسوية السياسية في سورية، ولم يعلن بعد عن تفاصيل مؤتمر سوتشي السوري، بما في ذلك من سيسمح لهم بالمشاركة (لا اتفاق على المشاركة الكردية). ولكن الثابت إلى اليوم هو أن مؤتمر سوتشي سينتهي إلى دستور سوري جديد وإطار زمني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديدة في سورية.
وعلى رغم تباينه من خارطة طريق السلام الاممية، إلا أن مؤتمر سوتشي يقوض إمساك الأسد بمقاليد الدستور، ومن المرجح أن يؤدي إلى تقليص السلطة الرئاسية. والأغلب على الظن أن الخطوة الروسية المقبلة هي تنصيب نائب الرئيس السوري السابق، ووزير الخارجية السابق، فاروق الشرع، وهو سنّي، رئيساً لمؤتمر سوتشي، وترجيح فرص أن يتولى قيادة سورية ما بعد الحرب. ولا شك في أن موسكو توازن بين كرات ديبلوماسية كثيرة، لكن إذا أخفقت جهودها في صنع السلام، لن ينجم إخفاقها عن عدم المحاولة والوقوف موقف المتفرج.
* محلل سياسي، عن موقع «موسكو تايمز» الروسي، 23/11/2017، إعداد علي شرف الدين.
الحياة
الأسد ضحية روسيا التالية؟/ بسام مقداد
وجدت موسكو ، أن الوقت الأنسب للإعلان عن الموعد المحتمل لعقد لقاء أستانة الثامن في 21 – 22 كانون الثاني/ديسمبر ، هو بالذات يوم افتتاح محادثات جنيف ـ 8 الثلاثاء. وليس في الأمر صدفة ، بل هو يأتي في سياق النهج الذي تتبعه موسكو منذ أسابيع لوضع اليد على العملية السلمية المحتملة في سوريا . وقد بدأ هذا النهج يتبلور مع التصريحات ، التي توالى على إطلاقها المسؤولون السياسيون والعسكريون الروس في الأسابيع الأخيرة ، عن قرب انتهاء المرحلة العسكرية من الصراع في سوريا وعزم روسيا على تخفيض حجم قواتها العاملة في سوريا، وتهيئة الأرض للإنتقال إلى العملية السلمية .
وليس في الحقيقة من جديد في سلوك موسكو الأخير هذا حيال المقتلة السورية . فقد جاءت روسيا إلى سوريا لتنقل إلى العالم ، والغرب بالدرجة الأولى ، خبرتها في محاربة الإرهاب “بفعالية” ، اكتسبتها من حربها على “الإرهاب” في الشيشان . وحين أنهت مهمتها هذه “بنجاح” في سوريا ، حان الوقت لتعلم العالم أبضاً كيفية “الإنتقال الناجح” إلى العملية السلمية . ولا تقف الوقائع على الأرض ومصالح اللاعبين الآخرين بوجه ” الفتوة الروسي” في مناوارته السياسية ، بل على هذا الواقع أن يتشكل وفق إرادة الفتوة، وعلى هؤلاء الآخرين أن يتأقلموا مع إرادته .
ولا تجد منابر الكرملين الإعلامية حرجاً في التبجح “بإنجازات” الكرملين خلال الفترة الأخيرة في سوريا والشرق الأوسط . فهذه الإنجازات ليست سوى “معجزة الشرق الأوسط” ، حسب الإزفستيا ، التي أوردتها على لسان سيدة مصرية من جامعة القاهرة تصفها بأنها بروفسور بوليتولوجيا ، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وخبيرة في منتدى “فالداي” الحواري . تقول هذه السيدة ، بأن جميع الأحداث الأخيرة في سوريا هي “معجزة حقاً” لم يكن لينتظرها أحد منذ سنتين ، حيث كان الإرهابيون يسيطرون على البلد ، وكان الخطر محدقاً بالشرق الأوسط ككل. وجاءت روسيا في أيلول/سبتمر 2015 لتعالج المشكلة ، وحررت سوريا من الإرهاب ، ويعيش الآن ملايين السوريين بسلام ، وأصبح بوسع روسيا تقليص وجودها العسكري في سوريا مع بروز ملامح التسوية السلمية . وهي ترى ، أن سوريا والعالم العربي أكثر أمناً مع روسيا ، ومستقبلهم أكثر استقراراً وازدهاراً بوجودها .
وترى صحيفة الكرملين ” vzgliad” أن “ترويكا عظمى” في المنطقة قد ولدت من القمة الثلاثية في سوتشي بين الرؤساء بوتين وإردوغان وروحاني ، وشكلت حدثاً تاريخياً ، لم تعرف هذه البلدان ما يشبهه خلال 500 عام من تاريخ العلاقات في ما بينها . وحين بدأت روسيا عمليتها العسكرية في سوريا منذ سنتين ، فسر أخصام روسيا الأمر بسعيها للحصول على أوراق رابحة في الصفقة مع أميركا حول أوكرانيا ، وتنبأوا لها بالهزيمة وتدهور علاقاتها بالعالمين العربي والسني . لكن نتيجة العملية، التي تقترب من نهايتها ، جاءت معاكسة تماماً ، ، حيث أعادت روسيا الجزء الأكبر من سوريا إلى سيطرة دمشق ، ووسعت روسيا من نفوذها في المنطقة والعالم ، والقمة خير دليل على ذلك .
لكن لم ترتضِ كل المواقع ، حتى غير البعيدة منها عن الكرملين ، الإنزلاق إلى هذا الإسفاف في القفز فوق الحقائق والواقع السياسي الفعلي في سوريا . فقد كتبت صحيفة “MK” تحت عنوان “معنى لعبة الكرملين الخفية في الشرق الأوسط” تقول ، بأن قمة سوتشي الثلاثية ، هي في جزء منها حلقة في حملة بوتين الإنتخابية. وترى الصحيفة ، أن البيان ، الذي صدر عن القمة ، هو ليس إعلاناً عن “النصر المشترك” فقط ، بل هو “تسييج للملكيات” ، إذ أعلن كل طرف “حدود منطقة مصالحه في سوريا واستعداده لمنع الغرباء من الدخول إليها” . وتنتهي هنا المرحلة الأولى من النزاع السوري ، وتبدأ المرحلة الثانية ، حيث ستتفجر “الصراعات الحتمية” ، سواء مع “الغرباء” ، أو بين أطراف “مثلث سوتشي ” أنفسهم .
وتقول صحيفة “nezavisimaya” ، أن من المستبعد أن تتمكن روسيا من تخفيض حجم قواتها في سوريا ، بل لا يزال عليها أن تحارب ولأمد لاحق. وتقول ، إذا رأت واشنطن أن ليس من مصلحتها أن تقلص موسكو وجودها العسكري في سوريا ، فهي سوف تستخدم من أجل ذلك كافة الوسائل المتوفرة لديها . ولهذا ، تقول الصحيفة ، يتعين على الرئيس الروسي ، وقبل أن يتحدث عن وقف الحرب في سوريا ، أن يتوصل إلى اتفاق مع واشنطن ، وليس مع طهران وأنقرة.
من جانب آخر، يحاول ديمتري ترينين ، رئيس مركز كارنيغي في موسكو ، تقديم تفسير واقعي لما تمكن بوتين من تحقيقه في الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين ، وذلك في كتابه الجديد “ماذا تخفي روسيا في الشرق الأوسط؟” . يصف ترينين ، حسب ما نقلت “الفايننشال تايمز” عن كتابه ، كيف تمكنت حكومة بوتين أن تلعب بحذاقة لعبة جيوبوليتيكية ، وكيف استخدم بوتين الشرق الأوسط منصة لعودة روسيا إلى المسرح العالمي كدولة عظمى . كثيرون يبتسمون حين يسمعون بلعبة موسكو هذه ، لأنهم يعرفون الوضع المحزن للإقتصاد الروسي ، والوضع الديموغرافي السيئ ، والدسائس داخل الكرملين . لكن مع ذلك ، تمكنت موسكو ، خلال سنتين من حملتها العسكرية في سوريا ، من إزاحة الولايات المتحدة إلى الصف الثاني ، واستعادة مكان لها في مصاف الدول العظمى في العالم . ويقول ترينين ان روسيا تعلمت من هزيمتها في أفعانستان ، أن ليس في هذه المنطقة من أصدقاء دائمين ولا من أعداء دائمين ، وأن التحالفات والأحلاف هي تكتيكية وسرعان ما تتبدل .
وفي حدث نادر ، بالنسبة للمعارضة الليبرالية الروسية ومقاربتها للمقتلة السورية ، كتب أحد أركان هذه المعارضة ، زعيم حزب “حرية الشعب” ميخائيل كاسيانوف ، معلقاً على “جنيف ـــ 8″ وقمة سوتشي الثلاثية مقالة تحت عنوان”الأسد هو العقبة ، أي سلام بحاجة إليه بوتين في سوريا” . يقول كاسيانوف ، بأن موسكو على استعداد لتقليد العملية الديموقراطية ، بالسماح للمعارضة بالدخول إلى البرلمان مع الإبقاء على كل أدوات السلطة بأيدي آل الأسد . وهي استخدمت مناطق خفض التوتر لتعزيز مواقع الأسد ، حيث يسيطر الآن على جزء واسع من البلاد ، في حين أن المعارضة الديموقراطية مقسمة وغير منظمة ، كما في السابق ، وأصبح يرتفع أكثر صوت ما يسمى “منصة موسكو” .
ويقول كاسيانوف ، أن بوتين متعجل للعب ورقته السلمية ، ويقنع الجميع ، أن قمة سوتشي ليست سوى إعداد لمفاوضات جنيف . إلا أن من الواضح أن بوتين يطمح إلى تحقيق عملية سلمية بديلة يتقاسمها مع “حلفائه”على مسرح الشرق الأوسط ، ويظهر بمظهر صانع السلام الرئيسي . وهو يرغب في الظهور ، بأنه هو بالذات من أنهى الحرب الأهلية في سوريا وحمل النصر الجاهز إلى جنيف ، التي فشلت في حل النزاع خلال ست سنوات .
إن رسم خريطة للتسوية في سوريا ، ينبغي أن يمر حصرياً عبر منصة جنيف تحت راية الأمم المتحدة ، حسب كاسيانوف. واذا كان الكرملين يرغب بالسلام فعلياً ، عليه أن يوقف دعمه للنظام المستبد ، وأن يكون على استعداد للتخلي كلياً عن الأسد . ومن المستبعد أن يكون لإيران وتركيا ، كطرفين في الصراع، الحق في إملاء إرادتهما على الشعب السوري.
أجل ليس لروسيا ، وكما في حال جميع الدول، من أصدقاء وأعداء دائمين ، وهي لا ترى في سوريا لا بشار الأسد ولا الشعب السوري ككل ، وتعتبر الشرق الأوسط برمته منصة لمحاورة الغرب ، وسوريا هي المكان الوحيد ، الذي ما زالت تتقاطع فيه روسيا مع الولايات المتحدة والغرب ، كما ذكر ديمتري ترينين . ولن تتوانى عن التخلي عن كل من وما يعرقل حوارها هذا مع الغرب . فقد عنونت صحيفة دانماركية ( Politiken في 27-11 – 2017 ) مقالة لها في التعليق على قمة سوتشي الثلاثية ” الأسد هو الضحية التالية في صراع روسيا من أجل السلطة” .
المدن
القضية السورية من أستانا إلى سوتشي مرورا بالرياض/ عمر كوش
قمة سوتشي الثلاثية
مؤتمر الرياض 2
مخرجات الرياض 2
محطات عديدة عرفتها القضية السورية بوصفها قضية عادلة بدأت حين انتفضت غالبية السوريين -منذ أكثر من ست سنوات- للخلاص من استبداد نظام آل الأسد؛ لكن تدخلات القوى الدولية والإقليمية حولتها إلى صراع مصالح وتقاسم نفوذ، وراحت تديرها وتدوّرها وفقاً لمشاريعها وأجنداتها المختلفة.
كما باتت تتعامل معها بوصفها أزمة صعبة ومعقدة، تطلّب الخوض في تسويتها عقد قمم ومؤتمرات واجتماعات عديدة ما بين جنيف وفيينا وأستانا، مروراً بالرياض ووصولاً إلى سوتشي، حيث عُقدت قمة ثلاثية بين رؤساء كل من روسيا وتركيا وإيران، بالتزامن مع اجتماع قوى وهيئات المعارضة في مؤتمر الرياض 2، الذي يراد منه تطويع قوى المعارضة وفق المتغيرات والمستجدات الدولية والإقليمية والميدانية.
قمة سوتشي الثلاثية
أراد الساسة الروس من قمة سوتشي الثلاثية وضع أسس تسوية سياسية على طريقتهم، تضمن في البداية مصالحهم ونفوهم في سوريا، لذلك جرى إحضار رئيس النظام السوري على عجل عشية انعقاد القمة، لضمان انخراطه في ترتيبات التسوية الروسية، وتأكيد استعداده الكامل للتعامل الإيجابي مع نتائجها، بغية توفير تأثير أوسع لهم على النظام الإيراني، بوصفه الطرف الأقدة على عرقلة ترتيباتهم.
وقد عكس ذلك استعجالَ الساسة الروس لاستثمار ما حققوه على الأرض سياسياً، بما يفضي إلى عقد صفقة تسوية سياسية للقضية السورية على حساب سوريا والشعب السوي، عبر اعتماد حلول ينحصر سقفها في كتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات بإشراف أممي، ومشاركة المعارضة في السلطة ضمن حكومة “وحدة وطنية”.
وكل ذلك تحت ظل بقاء بشار الأسد في السلطة (التي لم يعد يمتلكها)، مما يعني ضرب القرارات الأممية، وخاصة بيان جنيف 1 (يونيو/حزيران 2012) والقرارين الأممين 2118 و2254، وبالتالي إلغاء المرحلة الانتقالية على أساس بيان جنيف، الذي من المفترض أن تجري على أساسه مفاوضات جنيف.
وقد جاء ذكر مفاوضات جنيف على مضض في المؤتمر الصحفي الختامي لقمة سوتشي، مقابل تبني مؤتمر “الحوار السوري الشامل”، أو مؤتمر “الشعوب السوري” في سوتشي، لتُنقل بذلك القضية السورية من مسار أستانا الأمني إلى مسار سوتشي السياسي الجديد، على حساب تهميش مسار جنيف.
مؤتمر الرياض 2
ولم يكُ مصادفةً تزامنُ انعقاد مؤتمر الرياض 2 مع قمة سوتشي الثلاثية، فالساسة الروس أردوا أن تكتمل محاولاتهم في إيجاد تسوية سياسية للقضية السورية، عبر تشكيل هيئة تفاوضية جديدة للمعارضة السورية تنال رضاهم، وتضم أعضاء من منصتيْ موسكو والقاهرة، وتشكيل وفد تفاوضي جديد يقبل بمخرجات المتغيرات الدولية والإقليمية، السياسية والميدانية.
وهو أمر عكسته حيثيات عقد مؤتمر الرياض 2، حيث تمّت الدعوات إليه وفق التفسير الروسي للقرار 2245، الذي تمسك بأخذ القرار “علماً بالإجماعات التي جرت في موسكو والقاهرة”، وأدار ظهره للهيئة العليا للمفاوضات التي تمخض عنها اجتماع الرياض 1، بوصفها مرجعية للتفاوض مع النظام السوري، حسبما نص عليه القرار الأممي نفسه.
ولذلك ظلّ الساسة الروس يطعنون في شرعية الهيئة العليا للمفاوضات، ولم يكفوا عن محاولة خلق منصات معارضة جديدة في ظل تفاهمات أجروها مع الساسة الأميركيين والأتراك والسعوديين وسواهم.
وقد استُبِق مؤتمر الرياض 2 باستقالة المنسق العام للهيئة رياض حجاب وأعضاء آخرين فيها احتجاجاً على تجاوزها، رغم أنها سبق أن شكّلت لجنة تحضيرية لتوسعتها عبر ضم ممثلين جدد إليها، وفق أسس ومعايير الحفاظ على ثوابت الثورة السورية وطموحات غالبية السوريين، لكن لجنة تحضيرية جديدة تشكّلت قبيل انعقاد الرياض 2، وضمت أعضاء من منصتيْ موسكو والقاهرة.
ومع ذلك لم تشارك منصة موسكو في اجتماعات الرياض 2 إلا عبر ممثليْن اثنيْن، وأعلنت انسحابها بسبب تضمّن مسودة البيان الختامي التأكيد على رحيل النظام في بدء المرحلة الانتقالية، لكنها تذرعت بما زعمته عن “عدم التوصل إلى توافقٍ أثناء اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر حول الأسس والمبادئ، التي يجب أن يستند إليها الوفد التفاوضي الواحد الذي يجب أن يُشكَّل نتيجة اللقاء الموسَّع في الرياض”.
ورغم الاستقالات المتعددة لأعضاء الهيئة العليا للتفاوض، واستبعاد غالبية أعضائها؛ فإن ذلك لم يعق انعقاد المؤتمر، لكنه أثار شكوك الحاضنة الشعبية والنشطاء والمعارضين بشأن أهداف وحيثيات انعقاد الرياض 2.
فقد أصدرت شخصيات سياسية وعسكرية ونشطاء ورؤساء مجالس محافظات بياناً، طالبوا عبره المجتمعين في الرياض بضرورة الحفاظ على ثوابت الثورة وعدم التفريط فيها، والتي تتمثل في “رحيل بشار الأسد وزمرته المجرمة، والالتزام بعملية الانتقال السياسي المستندة إلى المرجعية الأممية، والمتمثلة بهيئةٍ حاكمةٍ انتقاليةٍ ذات صلاحيات كاملة”.
وقد عُقد مؤتمر الرياض 2 في ظل تخلي الولايات المتحدة وحلفائها، وأغلب دول مجموعة أصدقاء الشعب السوري عن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري.
والأدهى من ذلك هو قيام واشنطن وحلفاؤها الغربيون بتحجيم فصائل المعارضة في الجنوب السوري، وإبعاد فصائل البادية والفصائل الأخرى عن معارك الرقة ودير الزور والبوكمال، مقابل تقاسم معركة السيطرة على مناطق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بينها وبين مليشيات “وحدات الحماية” الكردية الحليفة لها، وبين روسيا ومليشيات النظام ومليشيات النظام الإيراني الطائفية التي تدعمها.
وهو الأمر الذي أسهم في تقوية طرف النظام والمليشيات الحليفة له، وجعل الروس يشعرون بأنهم الطرف الأقوى في سوريا، ويتحدثون عن انتصارات عسكرية حققوها وباتوا يبحثون عن استثمارها سياسياً، عبر التلاعب بالقضية السورية وجعلها لعبة يتناقلونها مع آخرين ما بين أستانا وجنيف والرياض وسوتشي.
مخرجات الرياض 2
ومع انعقاد مؤتمر الرياض 2 عّبر سوريون كثر عن خشيتهم من أن يُضيّع المجتمعون فيه ما بقي لهم من أمل، لأن اتساع وتنوع طيف المشاركين في هذا مؤتمر يعني أنهم سيتفقون على نقاط الحدّ الأدنى بغية تحقيق التوافق بينهم.
ذلك أن بعضهم لا يقبل إلا بحل سياسي يضمن عملية انتقال سياسي تنقل سوريا من عهد الاستبداد إلى عهد الحرية والخلاص، عبر تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية وفق القرارات الأممية ذات الصلة، وبعضهم الآخر جرى تصنيعه في موسكو أو سواها على أنه معارضة كي يعترض على إدراج مصير الأسد في أي مناقشات أو مخرجات المؤتمر.
ولذلك فإن اتساع طيف المشاركين يطرح مشكلة تنافر أطروحاتهم وخلافاتهم السياسية، الأمر الذي ولّد تخوفاً من أن تفضي مخرجات الرياض 2 إلى توافقات على حساب القضية السورية، حيث أقر المؤتمر بياناً ختامياً عاماً، تضمن كلاماً دبلوماسياً مثل أن “المشاركين ناقشوا الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، وتبنوا الآراء في أجواء يسودها الاحترام المتبادل، والشعور العميق بالمسؤولية التاريخية تجاه الشعب السوري الصامد، وخلصوا إلى التوافق حول القضايا المصيرية التي تواجه سوريا”.
ومثل هذا الكلام الإنشائي -وسواه مما ورد في البيان الختامي عن التوافق حول القضايا المصيرية- لا يخدم سوى تمييع المطالب العادلة للسوريين، ويفتح الباب للتأويل واختلاف الفهم، إذ المطلوب من البيان الختامي هو بنود واضحة غير قابلة للتأويل.
وذلك مثل أن يقوم الحل السياسي على الالتزام الكامل ببيان جنيف 1 والقرارات الأممية 2118 و2245 والمطالبة بتنفيذها، والبدء في تنفيذ الانتقال السياسي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وعدم القبول بأي دور لبشار الأسد وأركان نظامه منذ بدء العملية الانتقالية.
وقد ورد في البيان الختامي أن “هدف المؤتمر توحيد صفوف قوى الثورة والمعارضة، في رؤية مشتركة لحل سياسي بناء على جنيف 1 (2012)، وقراريْ مجلس الأمن (2118) و(2254)، والقرارات الدولية ذات الصلة، بما يؤسس لمرحلة انتقالية تقود البلاد إلى نظام سياسي ديمقراطي تعددي مدني، يحقق العدالة وينصف ضحايا الاستبداد، وجرائم الحرب”.
والسؤال المطروح هو: كيف سيتم التأسيس لمرحلة انتقالية تقود البلاد إلى نظام سياسي ديمقراطي من دون عملية انتقال سياسي أولاً، تنقل البلاد من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي. وحتى عندما ورد ذكر إقامة هيئة حكم انتقالية، جاء بوصفها قادرة على “أن تهيئ لبيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية”.
ثم أشار البيان إلى أن “المشاركين اتفقوا على أن هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، مما يمكّن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قادتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، يشارك فيها السوريون داخل وخارج سوريا، تحت إشراف الأمم المتحدة، ضمن آلية تصون حقهم في مساءلة تلك القيادات ومحاسبتها، وتحقيق عملية انتقال سياسي جذرية”.
ولكن من سيقوم بالانتخابات؟ وهل ما ورد من صياغة الدستور وإجراء الانتخابات هو إرضاء للطرف الروسي، الذي نقل القضية السورية من أستانا إلى سوتشي من أجل حوار حول كتابة الدستور وإجراء انتخابات مثلما حددها الرئيس فلاديمير بوتين في قمة سوتشي الثلاثية؟
اللافت هو أن حيثيات مؤتمر الرياض 2 تمت تحت عنوان توحيد المعارضة، وهو أمر اعتدنا عليه كلما زادت الضغوط الدولية والإقليمية في اتجاه تطويع المعارضة وتمييع مطالبها، وترافق ذلك مع غياب أي أفق حقيقي للحل السياسي المطلوب لخلاص سوريا والسوريين، وتكرر الأمر مع ظهور بوادر استحقاقات جولات التفاوض بجنيف ومسار أستانا وسواهما.
لكن الأمر نفسه يتكرر في أيامنا هذه بشكل فاقع مع التوافقات الروسية والأميركية الهشة، وبعد فشل مسار أستانا والتعويل الروسي على مؤتمر سوشي المقبل، ودعوة المبعوث الأممي إلى جولة ثامنة من مفاوضات جنيف.
ولعل البتّ فيما يُعرف بـ”عُقدة الأسد” هو أبرز ما يواجه المعارضة السورية، في ظل تغير مواقف القوى الدولية الداعمة للمعارضة، وإصرار روسيا وإيران على رفض حتى مجرد الحديث عن رحيل الأسد، سواء في المرحلة الانتقالية أو حتى ما بعدها.
كما أن بيان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترمب -في العاصمة الفيتنامية- حصر توافقاتهما بخصوص سوريا في التنسيق العسكري، ودحر تنظيم “داعش”، واعتماد صيغة “مناطق خفض التصعيد”، والتفاوض على إصلاحات دستورية وإجراء انتخابات على أساس القرار الأممي 2254. ومن هنا تأتي خطورة إعادة تشكيل أو تطويع وفد المعارضة التفاوضي وحصره في قبول مثل هذه التوافقات، التي تريد تحديد مصير بلادهم ومستقبلها.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2017
سوريا… صراع «سوتشي ـ جنيف»/ مصطفى فحص
على ما يبدو أن المؤشرات الإقليمية والدولية عن إمكانية التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، خصوصاً بعد قمة سوتشي الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا، واجتماع المعارضة السورية في عاصمة المملكة العربية السعودية، المعروف بمؤتمر «الرياض 2» الذي رحبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بمقرراته، بدأت تواجه مجموعة عراقيل جدّية قد تطيح بمسارات التسوية، وتؤدي إلى عودة المفاوضات بين النظام والمعارضة إلى نقطة البداية.
وكان من المفترض أن يلتزم النظام السوري والدول الداعمة له الموجودة ميدانياً في سوريا بالتعهدات السياسية والعسكرية التي توصلت إليها في اجتماعات آستانة، وخلال اللقاءات الثنائية، إضافة إلى ما تم الاتفاق عليه في قمة سوتشي الثلاثية؛ لكن على ما يبدو أن موسكو بصفتها عرّابة الحل السوري، غير معنية جدّياً بتنفيذ التزاماتها؛ ذلك من خلال قيام طائراتها إلى جانب طائرات النظام بضرب فصائل الجيش الحرّ في الغوطة الشرقية، في أوضح اختراق لاتفاقية خفض التوتر، الأمر الذي يمكن اعتباره محاولة روسية للتملص من جزء من تعهداتها، كما يمكن وضعها في خانة الرد على المعارضة وبعض الفاعلين الدوليين الذين من خلال مواقفهم الرافضة لجزء كبير من بنود مؤتمر سوتشي، أرغموها على تأجيله إلى شهر فبراير (شباط) عام 2018.
في المقابل لم تتأخر موسكو في الرد على ما يمكن وصفه بعرقلة مسار سوتشي، بعد أن أعلنت صحيفة «الوطن» السورية، التابعة لنظام الأسد، في عددها الصادر الاثنين الفائت، عن إرجاء وفد النظام السوري موعد سفره إلى مفاوضات جنيف إلى موعد يُحدد لاحقاً، دون إيضاح الأسباب (وفد النظام السوري يصل اليوم إلى جنيف – المحرر)، كما أن الصحيفة كشفت عمّا وصفته سخط نظام الأسد مما ورد في بيان المعارضة في مؤتمر «الرياض 2» الذي أكدت فيه أن «سقف المفاوضات رحيل النظام السوري».
في الشكل والمضمون، يبدو أن مسار جنيف ومسار سوتشي يسيران بشكل متواز، ما يجعل فكرة التقائهما مستبعدة، وهذا يدعو إلى استبعاد إمكانية الحل أو استعجاله، والسبب بات واضحاً، أن كل طرف يجد مصلحته في تغليب المسار الذي يرعى مصالحه، والذي يتطلب إفشال المسار الآخر أو تقويضه، وهذا ما حاول الرئيسان الأميركي دونالد ترمب، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تأكيده، خلال محادثة هاتفية جرت بينهما نهار الاثنين، أكدا خلالها أن محادثات جنيف هي المنتدى الشرعي الوحيد لحل النزاع السوري.
موقف الرئيسين الفرنسي والأميركي رسالة واضحة، ليس لموسكو فقط؛ بل لطهران وأنقرة، بأن مسار جنيف وحده يحظى بغطاء الشرعية الدولية والأمم المتحدة، وهو المخول اتخاذ القرارات والإجراءات من أجل إنهاء الصراع السوري، وفقاً لمقررات «جنيف 1»، والقرار الأممي 2254، اللذين أصبحت بنودهما تتضارب مع مصالح المحور الروسي، الذي يسعى من خلال مؤتمر سوتشي إلى فرض رؤيته للحل، المبنية على التمسك بإجراء إصلاح للدستور فقط، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية تحت سقف النظام، وهو ما يمكن اعتباره شروطاً مسبقة يحاول نظام الأسد فرضها، ليس فقط على جولة المفاوضات الجديدة في جنيف؛ بل في كافة المسارات التفاوضية، لذلك يجد النظام وداعموه أن خيار سوتشي هو المخرج الوحيد للالتفاف على مقررات الشرعية الدولية، وذلك من خلال ربط سوتشي بالقمة الثلاثية التي جمعت الرؤساء بوتين وروحاني وإردوغان، واعتبارها الغطاء الذي يُمَكن النظام من الاستمرار في تعنته.
حتى اللحظة، نجحت المعارضة السورية في إفراغ مؤتمر سوتشي – إذا عقد أصلاً – من محتواه، وحولته إلى حوار بين النظام والنظام، وتمكنت واشنطن مع من تبقى لها من حلفاء في المنطقة من اعتباره مساراً روسياً إيرانياً أضيفت له تركيا نتيجة سوء علاقتها مع واشنطن والدول الأوروبية، وفي المقابل تحاول موسكو من موقع الأقوى مؤقتاً في المعادلة السورية فرض شروطها على مسار جنيف؛ لكي تصبح بنوده تتطابق مع أهدافها الطويلة الأمد في سوريا، وهدفها انتزاع رعاية حصرية للحل السوري من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بالطرق السياسية أو العسكرية التي تستخدمها الآن ضد المدنيين في الغوطة، بهدف تعطيل لقاء «جنيف 8». ورغم سيادتها على الملف السوري، فإنها تواجه عجزاً في احتواء التمكن الإيراني في سوريا، وقلقاً دائماً من التقلبات التركية المرتبطة بتحولات الملف الكردي، لذلك تحاول استثمار فرصتها الاستثنائية التي مكنتها من وضع طهران وأنقرة في خندق واحد، ولكن لفترة محدودة لا يبدو أنها قابلة للتمديد، نتيجة تراكم الخلافات مع واشنطن التي بدأت تلمح إلى مسار آخر في العلاقة معها في سوريا، مبني على عدد من الشروط السورية الداخلية والإقليمية الكفيلة بإنهاء فكرة سوتشي، وإعادة جنيف إلى المربع الأول.
الاتحاد
جنيف أم سوتشي ترسم مستقبل سورية والمنطقة؟/ جورج سمعان
الجولة الثامنة من المفاوضات بين السوريين في جنيف تعقد هذا الأسبوع. وبعدها بأيام يفترض أن يبدأ «مؤتمر الحوار الوطني» أعماله في سوتشي. روسيا حاضرة في المسارين ولكن بأهداف ومرجعية مختلفة. بينما تمسك البيان الختامي لـ «قوى الثورة والمعارضة السورية» بعد اجتماعها الموسع في الرياض قبل أيام، بالمرجعية الدولية وما نصت عليه القرارات ذات الصلة. والترجمة الفعلية لهذا البيان تعني أن لا لزوم لما لا يلزم. وتعني منطقياً أن هذه القوى يجب ألا تكون ملزمة بالتوجه إلى المدينة الروسية، ما دام أن الحوار الذي يرعاه المبعوث الأممي في المدينة السويسرية يستهدف تطبيق ما نادت به الأمم المتحدة ومجلس الأمن. أي التفاوض لإقامة «هيئة حكم انتقالية» يمكنها أن تهيء بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. ولا يبقى معنى لتلويح موسكو وتهديدها بأن مؤتمر سوتشي سيعقد بمن حضر. وتالياً لا يبقى معنى لعقده ونتائجه أيضاً إذا التزمت كل قوى المعارضة بمنصاتها الثلاث والمستقلين وممثلين للفصائل العسكرية وشخصيات من المجتمع المدني والمجالس المحلية والمجتمعية من معظم مكونات الشعب السوري، منطوق بيانها الأخير في العاصمة السعودية.
لا جدال في أن هناك شبه إجماع على وجوب وقف الحرب في سورية. وأن هناك رغبة دولية في الانتقال نهائياً إلى المسار السياسي لإيجاد تسوية دائمة، بعدما انتهت الحرب على «داعش». وتسعى روسيا إلى استثمار هذه اللحظة انطلاقاً مما تعتقد بأن مسار آستانة «الثلاثي» الروسي- التركي- الإيراني أنجزه على الصعيد العسكري. وتحرص على تقديم مشروعها للحل السياسي تحت المظلة الثلاثية نفسها. أي أنها ترغب في ترسيخ مسار مختلف عن جنيف يعفيها من دور المجتمع الدولي وقوى إقليمية كثيرة لها رؤية مختلفة لهذا الحل. فهذه القوى لم تكن طرفاً في اللقاءات الثلاثية في العاصمة الكازاخية، وكذلك في القمة الأخيرة التي جمعت الرؤساء فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب أردوغان. وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الأكثر وضوحاً في شرح الهدف من مؤتمر الحوار. حدد موضوعين رئيسيين هما مناقشة الدستور والانتخابات. أي أن موسكو تسعى إلى سحب أهم ملفين من مفاوضات جنيف لإفراغها من مهمتها من دون أن تقطع شعرة معاوية مع الإرادة الدولية التي يمثلها هذا المسار.
تحدث الرئيس بوتين عن «مبادرة سلام» لإنهاء الأزمة، اتفق عليها مع شريكيه في قمتهم الأخيرة التي توجت الاجتماعات السبعة لآستانة. ومهد لها باتصال مع نظيره الأميركي دونالد ترامب وآخر مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. فهو يدرك جيداً محاذير الغياب الأميركي والعربي عن هذا المؤتمر. لذلك يحرص، أولاً، على توفير غطاء دولي لأي تسوية في سورية. ويحتاج أساساً إلى مباركة الولايات المتحدة التي لا يمكن تجاوز دورها. والمسؤولون الروس كثيراً ما رددوا أن الحل لا بد أن يكون نتيجة تفاهم بين الدولتين الكبريين. إذ لا شك في أن دخول واشنطن على خط التسوية سيغير المعادلة كلها، وإن لم يفعلوا ذلك حتى الآن. لذلك يبالغ الإيرانيون حين يعتقدون بأن قمة سوتشي الثلاثية لم ترسم خريطة طريق للتسوية في سورية فحسب، بل شكلت نقطة تحول نحو شرق أوسط جديد. هذا على الأقل ما عبر عنه رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني. كذلك يحرص سيد الكرملين على وجود غطاء عربي يمكن المملكة العربية السعودية توفيره بعدما نجحت أخيراً في توحيد صفوف المعارضة بمعظم أطيافها السياسية والعسكرية. وكان سقف المعارضة عالياً وواضحاً في بيان الرياض. رفضت عملياً أي مسار آخر بتشديدها على أن عملية الانتقال السياسي «مسؤولية السوريين والمجتمع الدولي»، ولا تفرضها موسكو بالتفاهم مع طهران وأنقرة. وأن مرجعية الوفد المفاوض هي مؤتمر الرياض، وليس مؤتمر سوتشي.
صحيح أن المعارضة ستذهب إلى جنيف بلا شروط مسبقة، لكنها في المقابل ذكرت بأن الحرص على تنفيذ العملية الانتقالية بما يكفل سلامة الجميع في جو من الأمن والاستقرار والهدوء لن يحدث من دون مغادرة الرئيس بشار الأسد و «منظومة القمع والاستبداد» عند بدء المرحلة الانتقالية. لا ترى في ذلك شرطاً ما دام أن هذا المطلب ينسجم مع ما نص عليه بيان جنيف الأول، أواخر حزيران (يونيو) 2012. لا تعني هذه المواقف أن المعارضة بشقيها السياسي والعسكري ستكون قادرة على صد مناورات موسكو التي ربما لوحت لها بالمرحلة الانتقالية للإشراف على مرحلة التفاوض التي قد تستمر من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات! قد يكون وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محقاً بقوله إن المسارات الثلاثة، آستانة وجنيف وسوتشي، يكمل بعضها الآخر، وأن بيان القمة الثلاثية يتقاطع مع الفقرات الرئيسية للبيان الرئاسي الأميركي- الروسي الثاني الذي أصدره ترامب وبوتين قبل بضعة أيام في فيتنام. لكن ما هو ثابت أن الرئيس بوتين يستهدف من سوتشي ترسيخ رؤيته للتسوية والذهاب بها إلى مجلس الأمن للحصول على شرعية دولية. لذلك لا يزال يأمل بتجاوب واضح من نظيره الأميركي. لكن هذا لا يزال يرفع حاجزين أمام التفاهم: القوات الأميركية باقية في سورية حتى قيام تسوية تحقق التغيير المنشود، ولا إعمار مع بقاء الرئيس الأسد في السلطة. وليست الولايات المتحدة أو المعارضة الموحدة العقبتين الوحيدتين. تركيا أيضاً لم تكن ولن تكون راضية عن مشاركة «قوات سورية الديموقراطية» في مؤتمر سوتشي. ولا يمكن موسكو أن تتجاهل هذا المكون الذي يسيطر على مساحة واسعة شرق سورية وشمالها، والأهم أنه يوفر قواعد للحضور الأميركي في هذا البلد.
المسار السياسي الذي يستأنف مبدئياً جولته الثامنة في جنيف لا يقفل المسار العسكري. بل يفتحه على مصراعيه. «مناطق خفض التوتر» لم تلزم النظام وحلفاءه بوقف إطلاق النار حتى الآن في جبهات كثيرة. ليس هذا فحسب، بل إن خروج كل القوات الأجنبية من سورية شرط أساس لحل دائم. فهل هناك مجال لأن يتوافق السوريون في جنيف أو غيرها على تحديد هذه القوات؟ يبدو الأمر شبه مستحيل. روسيا التي تراها أطياف المعارضة خصماً وحكماً في آن، تتوق إلى تفاهم مع الولايات المتحدة يتيح لها تخفيف عديدها في بلاد الشام ويجنبها الغرق في هذا المستنقع. وهي وإن بدأت تتحدث عن احتمال تقليص قواتها ستحتفظ بالقاعدتين في طرطوس وحميميم. وستكون حاضرة دوماً لنصرة النظام. وهي لا تكف عن إبداء تساؤلات عن هدف بقاء القوات الأميركية التي تصفها بأنها قوات احتلال. كأن البيان الأخير الذي أصدره الرئيسان بوتين وترامب في دانانغ لا يشي بتفاهم حقيقي بين الطرفين. علماً أن المسؤولين العسكريين الأميركيين تحدثوا من أشهر عن نيتهم الاحتفاظ بحضور عسكري شرق سورية في مناطق سيطرة الكرد. كذلك لا تزال طهران ودمشق تعترضان على تدخل القوات التركية في الشمال، على رغم تلميحات أنقرة إلى احتمال قبولها بدور للأسد في مستقبل بلاده.
في المقابل، تتمسك إيران ببقاء قواتها والميليشيات الموالية لها في بلاد الشام. وقد أكد قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري أن الحرس مستعد لأداء «دور فعال في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في سورية، وفي إعادة إعمار البلاد». ودعا السلطات في دمشق إلى الاعتراف قانونياً بشرعية «قوات الدفاع الوطني» التي تقاتل إلى جانب القوات النظامية. ومعلوم أن المعارضة تنادي بدور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الإشراف على وقف إطلاق النار وحفظ السلام ورعاية العملية السياسية. وتنظر إلى الجمهورية الإسلامية «العدو الأول»، ولا يمكن أن تقبل ببقاء أي قوات موالية لها، خصوصاً في ظل المواجهة المتصاعدة بين معظم الدول العربية، والخليجية خصوصاً، وهذه الجمهورية وميليشياتها المتعددة.
أياً كانت العقبات بوجه روسيا وسياستها في سورية والإقليم، فإن ما يقلقها أن إدارة ترامب لا تزال عازفة عن الانخراط جدياً في أداء دور أكثر فاعلية لتسوية الأزمة. وتدرك بالتأكيد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تجازف بالخروج من بلاد الشام والمنطقة العربية عموماً والتسليم لها ولشريكيها برسم صورة «الشرق الأوسط الجديد»، فيما هي تعلن «الحرب» على طهران ودورها في الإقليم. كما لا يمكن واشنطن التغاضي عن «بقاء الأسد إلى الأبد» على رأس النظام. ولا يصح أن تتوقع ويتوقع حلفاؤها موقفاً روسياً متشدداً حيال الوجود الإيراني في سورية. مثل هذا الاختبار لم تخضه موسكو حتى الآن، إما لأنها عاجزة فعلاً عن وقف سياسة طهران، وإما لأنها ترغب في ثمن أميركي كبير في مقابل خوض مواجهة غير مضمونة النتائج مع الجمهورية الإسلامية والرئيس الأسد أيضاً. لذلك لن تكون الطريق إلى جنيف أو سوتشي آمنة وسالكة كما يعتقد المتفائلون.
الحياة
“جنيف 8″ السوري: محاولة إنعاش لمسار يهمشه النظام وروسيا/ محمد أمين
تدخل القضية السورية منعطفاً سياسياً جديداً مع انطلاق جولة جديدة من مفاوضات جنيف بين المعارضة، المصرّة على تطبيق قرارات دولية تنص على انتقال سياسي في البلاد، والنظام الساعي دائماً إلى إفشال هذه المفاوضات، مستنداً على دعم روسي وإيراني لا محدود، وعدم اتخاذ الإدارة الأميركية موقفاً حازماً يدفع النظام للدخول في مفاوضات جادة.
وفيما تؤكد المعارضة السورية جهوزيتها للشروع في مفاوضات مباشرة مع النظام للتوصل إلى حل وفق قرارات الأمم المتحدة، لا يزال النظام يبتز المجتمع الدولي، محاولاً خلط أوراق التفاوض قبل انطلاقه في محاولة لتغيير معادلات دولية واضحة، إذ لا مناص من تغيير عميق وجذري في سورية. وربما كان النظام يعوّل على تغيير في خطاب المعارضة السورية، خصوصاً لجهة مصير بشار الأسد، لكن بيان المعارضة في الرياض منذ أيام أوضح أنه لا تنازل عن انتقال سياسي من دون وجود للأسد فيه، وهو ما أثار استياء لدى النظام، يحاول ترجمته من خلال إفشال مساعي الأمم المتحدة في تفاوض حقيقي في جنيف.
وعشية انعقاد مفاوضات “جنيف 8″، شدد المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، على ضرورة أن تجري الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة، من دون شروط مسبقة، موضحاً أن خطة العمل يمكن أن تبدأ بالتركيز على تنفيذ القرار 2254 الذي خلص لهدف نهائي هو تنظيم انتخابات عادلة بإشراف الأمم المتحدة، مؤكداً أنه يجب أن تجري المصادقة العامة على دستور جديد ويجب التوصل للدستور من خلال عملية جامعة. وأكد أن وفد النظام السوري لم يصل إلى جنيف أمس، لكنه أعرب عن أمله بأن يصل الوفد إلى جنيف في القريب العاجل للمشاركة في المفاوضات. وقال، خلال مؤتمر عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع مجلس الأمن الدولي، أمس الإثنين، إن “هدفنا النهائي هو تنظيم انتخابات عادلة يشارك فيها جميع السوريين”، مضيفاً أن “جميع السوريين، بمن فيهم اللاجئون، سيشاركون في الانتخابات المرتقبة بسورية”. وأعلن أن “إعادة إعمار سورية ستكلف نحو 250 مليار دولار على الأقل”. وأشار إلى مشاركة نحو 200 ممثل عن المجتمع المدني في مفاوضات جنيف. وسيشارك دي ميستورا، اليوم، في اجتماع للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي سيعقد في جنيف بمبادرة من فرنسا.
وفي الوقت الذي تمسك فيه رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم برحيل رئيس النظام بشار الأسد، مؤكداً أن السلام الدائم في سورية “احتمال غير واقعي” في ظل بقاء الأسد في السلطة، كشف مصدر دبلوماسي لوكالات إعلام روسية أن “المؤتمر السوري للحوار الوطني” في سوتشي تأجل حتى فبراير/ شباط المقبل. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن المؤتمر يراد منه أن يساهم في الإصلاح الدستوري بسورية والتحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ومن المنتظر أن تنطلق اليوم الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، في ظل مؤشرات على أن الجولة الجديدة ستكون كسابقاتها من جولات عقدت على مدى أعوام، ونجح النظام وحلفاؤه في تحويلها إلى لقاءات إعلامية لا أكثر، وذريعة لتعديل موازين القوة على الأرض، وحشر المعارضة في زوايا ضيقة عسكرياً وسياسياً. وبدأ النظام أولى محاولات إفشال مسار جنيف برمته من خلال إرجاء سفر وفده إلى جنيف، تحت مزاعم “الاستياء” من مخرجات مؤتمر المعارضة الموسع في العاصمة السعودية، الذي انتهى الجمعة الماضي. ونقلت صحيفة “الوطن”، الموالية للنظام، عن مصادر دبلوماسية إن دمشق “مستاءة بعد قراءة مجهرية لبيان الرياض 2، والتفسير الملتبس لقرار مجلس الأمن 2254 تجاه تمثيل المعارضات كافة”. كما نقلت الصحيفة عن المصدر نفسه “أن دمشق ترى في بيان الرياض 2 عودة إلى المربع الأول في المفاوضات، خصوصاً تجاه فرض شروط مسبقة، مثل عبارة سقف المفاوضات رحيل الرئيس بشار الأسد عند بدء المرحلة الانتقالية”. واعتبر النظام أن بيان الرياض تضمن ما يسميه بـ”الألفاظ النابية”، خصوصاً تلك المتعلقة بمصير الأسد، إذ أكد البيان أن المرحلة الانتقالية تبدأ مع رحيل بشار الأسد و “زمرته” عن السلطة. كما يرى النظام أن بيان الرياض 2 يتضمن “شروطاً مبطنة”، معتبراً ما جاء في البيان “تجاوزاً للقرار 2254 ولا يليق بمسار سياسي من شأنه التوصل إلى حل لحرب مستمرة منذ 7 سنوات، تم خلالها القضاء على آلاف الإرهابيين”، وفق المصدر الذي تناسى أن قوات النظام ومليشيات إيرانية، بدعم من الطيران الروسي، قتلت وشردت ملايين السوريين.
من جانبها، شكلت المعارضة السورية وفدها التفاوضي الجديد مع ممثلين أقل عن الفصائل المسلحة، ومندوبين أكثر عن المستقلين ومنصتي موسكو والقاهرة، مبدية رغبة في التفاوض المباشر مع وفد النظام وفق القرارات الدولية التي تنص صراحة على تحقيق انتقال سياسي في البلاد، لا يزال النظام يحاول التهرب منه تحت ذرائع مختلفة. وأفادت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أن وفد هيئة التفاوض إلى جنيف “مؤلف من 23 عضواً من مكونات الهيئة العليا للمفاوضات، بما فيها منصتا موسكو والقاهرة، يترأسهم نصر الحريري، ويضم أيضاً كلاً من خالد محاميد، وجمال سليمان، وهنادي أبو عرب، وهادي البحرة، وعبد الأحد اسطيفو، وحواس خليل، وصفوان عكاش، وأليس مفرج، وأحمد العسراوي، وفراس الخالدي، ومنير درويش، وقاسم الخطيب، وعمار النحاس، ومحمد الدهني، وأحمد العودة، وياسر عبد الرحيم، وبسمة قضماني، وطارق الكردي، ومهند ديقان، وسامي بيتنجانة، ويوسف سلمان، ويحيى العريضي وهو الناطق الرسمي للوفد”. وكانت جولة جنيف السابعة، منتصف يوليو/تموز الماضي، قد انتهت من دون تحقيق نتائج واضحة في التفاوض حول سلال المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا الأربع، بسبب رفض وفد النظام الدخول في مناقشة الانتقال السياسي الذي تعتبره المعارضة السورية “جوهر العملية التفاوضية”.
وحاول الروس والإيرانيون، حلفاء النظام، حرف الاهتمام السياسي والإعلامي عن مسار جنيف، من خلال عدم تحقيق أي تقدم في المفاوضات أولاً، وتركيز الاهتمام على مسار أستانة ثانياً لتمرير رؤيتي موسكو وطهران بما يتعلق بالحل النهائي، في ظل تراخٍ أميركي واضح، إذ لم تتضح بعد الرؤية الأميركية للحل في سورية، في ظل مؤشرات على إطلاق يد الروس في الملف السوري. ولم يتضح بعد جدول أعمال هذه الجولة، ولكن نائب المبعوث الأممي إلى سورية، رمزي رمزي، أكد الالتزام بالتعامل مع “السلال التفاوضية الأربع” (الحكم، والدستور، والانتخابات، ومحاربة الإرهاب) خلال الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، مع التركيز على سلتي الانتخابات والدستور، وفق المسؤول الأممي.
من جانبها، تبدو المعارضة متفائلة بعودة الزخم السياسي والإعلامي إلى مسار جنيف مرة أخرى، خصوصاً أنها سدت ذريعة الوفد الواحد التي كان دي ميستورا يتخذ منها شماعة يعلق عليها فشله في تحقيق تقدم في المفاوضات، متماهياً في ذلك إلى حد بعيد مع خطة روسية تستهدف خلط الأوراق، وتسعى وراء تشتيت تمثيل المعارضة من خلال منصة موسكو، التي ترى المعارضة أنها أقرب إلى النظام، وتنفذ أجندة روسية، لكنها اضطرت لضمها إلى الهيئة العليا للمفاوضات، وتالياً إلى الوفد المفاوض، تحت ضغوط إقليمية ودولية. وربما يدفع فشل المساعي الروسية في عقد مؤتمر “الحوار الوطني السوري” حتى اللحظة في سوتشي إلى “عودة الروح” إلى مسار جنيف، الذي لم يحقق عبر جولات متعددة أي تقدم يذكر على صعيد التأسيس لحل سياسي في سورية، إذ تبدو الأمم المتحدة مشلولة أمام مأساة لا تزال تتصاعد.
وأبدى نائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، جمال سليمان، تفاؤلاً حذراً في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. وقال، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إنه “لا يحق للسوريين، بعد سبع سنوات، إلا التفاؤل الحذر كحد أقصى”. وتذهب المعارضة السورية إلى جولة جديدة من المفاوضات متسلحة بقرارات دولية، تصر المعارضة على التمسك بها وتطبيقها، رغم أن هذه القرارات لا تحقق الحد الأدنى من مطالب الشارع المعارض السوري الذي يرى أن رحيل الأسد وأركان حكمه من السلطة من دون محاكمة أمام محاكم دولية، جراء ما ارتكبوه من جرائم طيلة سنوات، يعد بحد ذاته تنازلاً سياسياً كبيراً. وأشار الناطق الجديد باسم الهيئة العليا للمفاوضات والوفد المفاوض، يحيى العريضي، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إلى أن المعارضة تتجه هذه المرة إلى مفاوضات بوفد واحد وموحد، مقراً، في الوقت ذاته، بوجود تباين بالأفكار داخل الوفد، مضيفاً أنها “تباينات مقدور عليها”. وأكد أن المعارضة تركز خلال الجولة المقبلة على القرارات الدولية، خصوصاً بيان “جنيف 1” والقرار 2254، مضيفاً “يجب ألا يكون تطبيق القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية انتقائياً، أو كما تشتهي السياسة، والأغراض المخبأة”. وأعرب عن اعتقاده بأن الزخم الإعلامي والسياسي سيعود إلى مفاوضات جنيف “في حال ابتعاد الروس عنه، كي تكون هذه المفاوضات في جنيف مساراً سياسياً واضحاً يأخذ أبعاده للتأسيس لعملية انتقال سياسي في سورية”، وفق العريضي.
العربي الجديد
المفاوضات السورية: تضارب المسارات وكلمة السر الضائعة/ د. خطار أبودياب
وصلنا في 28 نوفمبر الماضي إلى الجولة الثامنة من مسار جنيف للمفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة في سوريا والذي انطلق عام 2014 تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تشهد عاصمة كازاخستان يومي 21 و22 ديسمبر الحالي، انعقاد الجولة الثامنة من مسار أستانة للمحادثات بين النظام والفصائل العسكرية المعارضة تحت إشراف روسي- إيراني- تركي، علما أن هذا الترتيب بدأ بعد منعطف حلب أوائل 2017، وتقرر إبان جولته الأخيرة إطلاق مسار جديد تحت مسمى “مؤتمر الحوار الوطني السوري” الذي أخذت موسكو توجه الدعوات إلى ممثلي “شعوب سوريا” (ربما بمعنى مكونات أو شرائح) لانعقاده في منتجع سوتشي في فبراير 2018، مع أمل وطيد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أن يحل هذا المسار مكان المسارات الأخرى ويعتمد “الحل السياسي” العتيد للمحرقة السورية.
يتضح من تضارب مسارات المفاوضات وكثرة المؤتمرات المتنقلة بين العواصم والمدن في عدة قارات، بالإضافة إلى عدد اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، أن المسألة السورية شهدت، كما لا يضاهى من المناورات الدبلوماسية والرهانات المتنـاقضة في موازاة ترجمة ذلك، تدميرا للبشر والحجر والدولة. وهكذا في أواخر 2017 على مشارف الذكرى السابعة لانطلاق الأحداث السورية، تسود موجة تفاؤل مصطنع ومبالغ به عن نهاية حقبة الإرهاب واستتباب الأمر للنظام وقرب إعادة الإعمار. لكن الواقع الفعلي هو على العكس من ذلك ويدلل على الحلقة المفرغة للفعل الدبلوماسي كما تؤشر جولات جنيف المتكررة من دون نتيجة، ومناطق خفض التصعيد وحصادها المتباين واستمرار عجز ما يسمى المجموعة الدولية وذلك في ظل سعي “القيصر الجديد” لتركيب حل تجميلي لبقاء النظام كي يكون “بطل السلام” كما كان “بطل الحرب”، أو في ظل استمرار غياب الدور السياسي الفعال لواشنطن والذي لا تستر عوراته بيانات ريكس تيلرسون عن “نهاية حكم عائلة الأسد” ويذكر ذلك تماما بمقولة الأيام المعدودة لحكم الأسد حسب باراك أوباما في أغسطس 2011.
وتتعامل الكثير من الأطراف وخاصة الأوروبية مع المسألة السورية على أنها مسألة إرهاب ولاجئين، وتنسى العمق والخلفية وسبب المأساة الحقيقية المتمثل بطبيعة النظام وجعل سوريا جسرا ونقطة ارتكاز للمشروع الإمبراطوري الإيراني، ومنصة لإعادة النفوذ الروسي إلى الشرق الأوسط والعالم. والأدهى في الأمر، التحول التركي وتركيز الرئيس رجب طيب أردوغان على الهاجس الكردي في المسألة السورية، وتعامل روسيا الحاذق في تنظيم التقاطع بين الحلف الاستراتيجي مع إيران في الميدان، والتنسيق المقنن مع تركيا، والعناية بالمطالب الأمنية لإسرائيل، وكل ذلك من دون الصدام مع الولايات المتحدة الأميركية كما تدلل حركة “قوات سوريا الديمقراطية” (نواتها الأساسية قوات الحماية الكردية) المدعومة من واشنطن والتي تسيطر حاليا على حوالي ربع مساحة الأراضي السورية بالإضافة إلى حقول الطاقة الأساسية ومواردها.
مع قرب انتهاء المعارك ضد المعاقل الأساسية لداعش في سوريا، نشهد قلة نوعية نحو بدء مرحلة “تصفيات الحروب السورية” ومن الواضح أن ما يجري على الساحة الدبلوماسية لا ينفصل عن النتائج الميدانية لأن النزاع في سوريا هو أول نزاع إقلیمي دولي متعدد الأقطاب في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرین حيث تزامنت عدة حروب في حرب:
◄ الحرب الأهلیة السوریة وأبرزها مواجهة النظام وقوى الحراك الثوري وتشعباتها المذهبية والإثنية.
◄ حرب الجهادیين في بلاد الشام التي تعكس حرب المحاور الإقليمية والنزاع السني الشيعي والوجود الأجنبي المناصر.
◄ الحرب ضد الإرهاب وداعش تحديدا إن من قبل التحالف الدولي بقیادة أمیركیة أو من المحور الروسي الإیراني.
◄البعد الكردي المتصل مع وجود الأكراد في الإقلیم والتجاذب الإقلیمي والدولي حیاله وحیال ما یسمى مكونات أقلیة.
◄ العامل الإسرائيلي من خلال غارات عسكرية وتدخلات دبلوماسية تحت عنوان البعد الأمني.
◄ البعد الدولي مع التدخل الروسي الواسع والوجود الأميركي على الأرض.
إنها سلسلة مترابطة من نزاعات وحروب محلیة وإقلیمیة ودولیة في إطار صراعات على النفوذ والهیمنة تتعدى الساحة السوریة. وكان واضحا منذ البداية أن تغيير وجه سوريا يعني تغيير وجه الإقليم. وصدرت الإشارة الأولى من مؤتمر جنيف 8 هذه الأيام، حيث أخذ يرد في الوثائق تعبير “سوريا” وليس “الجمهورية العربية السورية”، وما تعبير “شعوب سوريا” بالبريء لأن ذلك يعني أن الكيان السوري الحالي قيد الدرس وأن الهوية السورية الواحدة تتنازعها أبعاد وهويات.
إزاء تعقيدات الواقع وتضارب المسارات، تصدر إيحاءات طمأنة ميدانية مثل سحب 400 جندي أميركي من الرقة أو إعلان موسكو عن قرب بدء تخفيف الوجود العسكري الروسي في سوريا، لكن الحصار والموت الزؤام يضربان دوما الغوطة الشرقية (حيث يلفت النظر طلب النظام تدخل قوات صينية خاصة للتدخل هناك ضد جهاديين من تركستان الشرقية)، والأمور غير محسومة في إدلب وعفرين ناهيك عن ألغام منطقة خفض التصعيد في الجنوب وشبح التدخل الإسرائيلي.
وعلى الصعيد الدبلوماسي لا يبدو أن روسيا القادرة عسكريا تتمتع بنفس المهارة في إخراج الحلول الدبلوماسية ولا تمثل “الابتكارات” من أستانة إلى حميميم وسوتشي مخارج للحل السياسي الواقعي. وبالرغم من تعطيل روسيا العملي لبيان جنيف (يونيو 2012) وللقرار الدولي 2254 عبر استخدام سلاح “الغموض غير البناء” في ربط الانتقال السياسي بالإجماع (ما يعادل الفيتو المتكرر عشر مرات في مجلس الأمن الدولي) وإغراق المعارضة السورية بالمنصات لضرب التفاوض، تمكنت المعارضة بالرغم من ضعفها البنيوي وبمساعدة من تبقى من الداعمين من الوصول إلى جنيف 8 بوفد موحد وبسقف سياسي معقول. وأخذ ينكشف أمام العالم رفض النظام التفاوض المباشر وبروز المأزق كاملا لأنه “نظام الكل شيء ولا شيء” وهو ليس في وارد أي تنازل ولو شكلي.
على صعيد أكثر شمولية تخالف الوقائع التمنيات ومقابل اتهام موسكو لواشنطن بأن أداءها غير بناء على المسرح السوري، تتهم الأخيرة الجانب الروسي بأنه لم يف بوعده بإبعاد الميليشيات الإيرانية وحزب الله عن المنطقة الجنوبية في إطار اتفاق خفض التصعيد فيها، تعود الطابة إذن إلى مرمى الكبار وهناك توجد كلمة السر الضائعة أي التوافق الفعلي في الحد الأدنى بين موسكو وواشنطن. من دون ذلك سيستمر تمرير الوقت والرقص على الركام السوري بين مسار وآخر. لا بد من انتظار “غودو” إدارة ترامب كي يسعى لإقناع الجانب الروسي بآلية حل سياسي واقعي من خارج مسارات التمييع ومن خارج أطروحات تأهيل النظام أو تقاسم المغانم في مناطق نفوذ، وربما يكمن ذلك في تصور لدولة سورية فيدرالية موحدة يرأسها مجلس انتقالي من العناصر الجيدة عند كل الأطراف.
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس
العرب
مؤتمر جنيف: معارضة مهزومة ونظام لا يمكن إصلاحه/ سلام السعدي
عاد مؤتمر جنيف للانعقاد مجددا في نسخته الخامسة وهو ما يطرح سؤالا حول مدى اختلافه عن النسخ الأربع التي سبقته منذ انطلاق المفاوضات السياسية بين النظام السوري والمعارضة.
خلال أربع سنوات من جهود التسوية، لم يكن النظام السوري مستعدا لتقديم تنازلات تسمح بتوسيع المشاركة السياسية حتى ضمن حدودها الدنيا. وكان ذلك يتسبب في فشل المفاوضات في كل مرة حتى قبل أن تبدأ، وذلك عبر مماطلة النظام السوري ومطالبته بالتفاوض على جدول الأعمال بدلا من الانتقال السياسي، وذلك لتفريغه من محتواه عبر إدراج مسألة الحرب على الإرهاب كبند وحيد فيه. كما ركز نظام الأسد دوما على عدم شرعية وفد المعارضة، وأنه لا يمثل المعارضة الوطنية بل معارضة عميلة لدول خارجية تريد تدمير الدولة. وكانت المفاوضات تنتهي بتصاعد مثل تلك النقاشات الهادفة إلى التشويش، وبمناوشات إعلامية فارغة في ظل لا مبالاة دولية.
لا يمكن تفسير ما كان يحصل إلا بالعودة إلى طبيعة النظام السوري الطغيانية غير القابلة لأي نوع من أنواع المشاركة السياسية.
يختلف نظام الأسد في ذلك عن الكثير من النظم الدكتاتورية حيث تتركز القوة بين أيدي العائلة الحاكمة التي تخلق شبكة من الأذرع الأمنية والاقتصادية تشكل حولها ائتلافا حاكما. هذا النوع من الأنظمة، الذي يعتبر الدولة ومؤسساتها وجيشها وحتى الشعب ملكية خاصة، ليس نظاما دكتاتوريا فحسب، بل هو نظام طغياني غير قابل للإصلاح، مهما تدنت درجات الإصلاح المأمول.
لقد ثارت شرائح واسعة من السوريين على تلك الطبيعة المصمتة للنظام السوري، وبسبب تلك الطبيعة بالذات تحولت الثورة السلمية إلى حرب أهلية وجرى تدمير البلاد وقتل نصف مليون سوري وتهجير نحو ثمانية ملايين آخرين. هكذا، فمن المفهوم تماما أن تمنع بنية النظام السوري الطغيانية نقاش انتقال سياسي سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى تفكيكها.
ومع مرور سنوات الحرب وتحقيق التدخل الروسي الذي بدأ في العام 2015 لأهدافه بإعادة تثبيت النظام السوري الذي كان موشكا على السقوط، بدأت كفة الحرب وموازين القوى تميل لصالح نظام الأسد.
ومع هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق والانتهاء الفعلي للحرب بين النظام السوري والمعارضة عبر مناطق خفض التصعيد، يمكن القول إن النظام السوري قد تجاوز مرحلة التهديد الوجودي، وأنه سوف يستعيد سلطته على مناطق أوسع بمرور الأيام. هكذا، حافظ النظام السوري على بنيته المصممة، وهو ما يجعل مصير مؤتمر جنيف الحالي يبدو كمصير المؤتمرات التي سبقته.
ولكن، إذا كان النظام السوري لم يتغير إلى الدرجة التي تسمح بحدوث خرق في المفاوضات ونقلها من العبث المطلق إلى قدر معقول من الجدية، فإن وفد المعارضة والسياق الإقليمي والدولي قد تغيرا بصورة جوهرية خلال العامين الماضيين.
طرأت تغيرات هائلة على المعارضة السورية في تلك الفترة، ولتجنب الدخول في تفاصيل تلك التغيرات يمكننا الإشارة إلى مآلها والمتمثل بالهزيمة المدوية على المستوى العسكري والتي انعكست بصورة مباشرة على المستوى السياسي. تذهب تلك المعارضة اليوم إلى المفاوضات بعد أن أجبرت على تغيير تركيبتها وعلى إدخال عناصر ترتبط بصورة مباشرة بالاستخبارات السورية والروسية (منصة موسكو)، وذلك لكي تكون مستعدة لتقديم التنازلات السياسية وللتعايش مع حقيقة الطبيعة المصمتة للنظام السوري.
حصلت المعارضة، كما جرت العادة، على وعود إقليمية ودولية تفيد بأن ضغوطا جدية سوف تمارس على النظام السوري لتقديم حد أدنى من التنازلات.
وتتمثل تلك التنازلات المحتملة بحصول انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بمراقبة دولية، وبمشاركة المعارضة في العملية السياسية من دون قيود وبعودة اللاجئين السوريين.
والحال أن العارف بطبيعة النظام السوري يعلم تماما أنه غير قادر على تقديم أي قدر من التنازلات في مناطق سيطرته. لذلك فإن العرض الأكثر سخاء كان قد تقدم به لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، وعرض عليه الحصول على إدارة ذاتية في بعض المناطق مقابل الانسحاب من مناطق أخرى.
سلوك وفد النظام السوري إلى مؤتمر جنيف يعزز من فرضية أن طبيعته غير القابلة للإصلاح والتنازل لا تزال جوهرية وقائمة. إذ لا يزال هذا الوفد يمارس أسلوب المماطلة والتشويش، تارة برفض السفر إلى جنيف أو بتأخر وصوله، وأخرى برفض تمديد المفاوضات والمطالبة بالعودة إلى دمشق للتشاور. لذلك لا يوجد أي سبب يجعلنا نتوقع أن مماطلة النظام السوري وتشويشه على القضايا الجوهرية سوف يتوقفان.
بالطبع، يمكن ملاحظة أن الجهود الإقليمية والدولية الخاصة بحل النزاع السوري قد تصاعدت بصورة غير مسبوقة، وهو ما يثير التفاؤل لدى البعض بإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في وقت قريب.
على أن تلك الجهود، وإن كانت حقيقية، وتبتغي حدوث تغيير سياسي، مهما كان طفيفا، سوف تضطر إلى الصدام مع الطبيعة الطغيانية للنظام السوري.
ربما أحدثت الحرب الطويلة ومشاركة روسيا بصورة فاعلة وتغلغلها داخل بنية النظام السوري تصدعات محدودة في تلك البنية. ولكن دفع تلك التصدعات وتوسيعها هو عمل خطر للغاية. كما أن روسيا أثبتت مرارا أنها إما غير قادرة على، وإما غير راغبة، ممارسة ضغوط نوعية على النظام.
هنالك عدة احتمالات لما قد يؤول إليه مؤتمر جنيف 8: إما أن تتخذ روسيا قرارا بتوسيع تلك التصدعات ما يجبر النظام السوري على التسوية، وإما أن تسلم المعارضة بالهزيمة وتقبل ببنية النظام الطغيانية، وإما أن تفشل المفاوضات ويلقى باللوم في كل ذلك على المعارضة، قبل أن يجري حشرها في إحدى العواصم العربية لإعادة هيكلتها من جديد.
كاتب فلسطيني سوري
العرب
هل هناك حاجة لجنيف وقد حدد المنتصر شروط اللعبة؟/ إبراهيم درويش
انتهت الجولة الأولى من محادثات جنيف التي رعتها الأمم المتحدة في اليومين الأخيرين. لكن وفد الحكومة برئاسة السفير بشار الجعفري هو الذي غادر المفاوضات وقال إنه ربما لن يعود الأسبوع المقبل للمشاركة في الجولة الثانية. والسبب هو رفض الحكومة لما اتفق عليه المجتمعون في مؤتمر الرياض الأسبوع الماضي والذي طالب باستثناء الأسد من أي عملية انتقال سياسي في المستقبل. وهذه مشاهد مألوفة رأيناها منذ جنيف1 عام 2012 حيث تلتقي المعارضة وتتحدث مع بعضها عبر وسيط المؤسسة الدولية سواء كان الأخضر الإبراهيمي أو ستيفان دي ميستورا وتتبادل الإتهامات والشتائم ثم تغادر لتعود من جديد. وهناك أسئلة حول موقف المعارضة السورية المتشدد، وهي التي اجتمعت في الرياض برعاية سعودية، أجبرت على ما يبدو رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، رئيس الوزراء السابق والناقد الشديد للأسد على الاستقالة، وتبعت ذلك استقالات أخرى من أعضاء الهيئة. فهل كانت تريد السعودية تخريب المؤتمر بتوجيهها المؤتمرين لتبني قرار كهذا أم أن المعارضة لم يعد لديها الكثير لقوله في العملية السياسية التي انتقلت أوراقها للاعبين بيدهم القوة الحقيقية لفرض ما يرونه من حل؟ وهنا نتساءل إن كانت جنيف ضرورية فعلا؟ ربما، لو كان الصوت الأمريكي حاضرا فيها. فجولات جنيف السابقة كانت تتم برعاية روسية – أمريكية وفي الفترة الأخيرة لم نعد نرى أو نسمع صوتا أمريكيا.
أين أمريكا؟
وهذا نابع كما تقول مجلة «إيكونوميست» (2/12/2017) من غياب الإستراتيجية الأمريكية الواضحة في سوريا. ففي الوقت الذي التأمت فيه الوفود في جنيف أعلنت واشنطن عن سحب 400 من جنودها في سوريا ووعدت بوقف الدعم لقوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد في محاولة لترضية تركيا. مع أن المعركة في شرقي سوريا التي تحاول فيها القوى المؤيدة للنظام المدعوم من روسيا وإيران وتلك المدعومة من أمريكا السيطرة على مناطق تنظيم «الدولة» السابقة مستمرة. ما يعني استمرار السياسة الأمريكية المتخبطة في سوريا التي بدأت في عهد الرئيس باراك أوباما الذي وضع خطوطا حمراء لم يحترمها وطالب برحيل الأسد ولم يقدم الدعم للمعارضة السورية حتى تطيح به. وها هو الرئيس دونالد ترامب يسير على طريق سلفه، مع أنه وللحق، لم يدع لرحيل الأسد. وباستثناء الهبة العنترية التي أبداها بعد هجوم خان شيخون وضربه لقاعدة الشعيرات – وسط سوريا في نيسان (إبريل) لم يفعل الكثير، واعترف على ما يبدو بغياب الخيارات أمامه كما وضحها السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد في مقالة واسعة نشرتها دورية «فورين أفيرز» (نوفمبر/ديسمبر 2017) وقال إن خيارات أمريكا سيئة ولا يمكنها حرف ميزان المعركة على الأرض الذي خسرته، عندما قررت روسيا مساعدة الأسد ايلول (سبتمبر) 2015. والخيار الوحيد الذي يراه الكاتب هو مساعدة اللاجئين السوريين ومشردي الحرب في مصر ولبنان والأردن حيث تعاني هذه الدول وغيرها من متطلبات اللاجئين الذين لن يعودوا في المستقبل إلى بلادهم بعدما سيطر النظام على ممتلكاتهم. ومن هنا فمساعدتهم ستمنحهم نوعا من الكرامة والإنسانية وتقلل من جاذبية المتطرفين الذين يستغلون وضعهم. وعمل «صغير» كهذا هو «رد حزين» على انتفاضة بدأت بالمطالبة بالكرامة والإصلاح «وهو أحسن ما يمكن لأمريكا عمله». وفورد الذي استقال احتجاجا على مواقف إدارة أوباما من الأزمة السورية يلخص الوضع الراهن. ونقل مايكل كرولي عن مسؤول في الإدارة قوله إنه سمع الرئيس وهو يقول إن سوريا هي فشل ورثه من أوباما ولا يمكنه ان يفعل الكثير بشأنه. وبهذا اعتراف بانتصار بوتين في الحرب. ونقل كرولي بمقالته في «بوليتكو» (21/11/2017) عن المسؤول السابق في إدارة أوباما، إيلان غولدنبيرغ: «لقد ربح بوتين الحرب».
الرابح
ومن هنا تفسر الخطوات التي اتخذها من فرض واقع «خفض مناطق التوتر» ومحادثات أستانة وعناقه الحار للأسد في سوتشي وقمته الثلاثية مع رئيس تركيا وإيران والتي ذهب البعض بعيدا في تشبيهها بقمة يالطا التي جمعت ستالين وروزفلت وتشرتشل لترتيب العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الحقيقة هناك ثلاثي يملك القوة على الأرض في سوريا وهي روسيا التي أكدت حضورها وأمنت قواعدها العسكرية وتأكدت من بقاء الأسد في السلطة حتى تعثر على بديل مناسب له، وإيران التي استثمرت الكثير في الورقة السورية وتريد أن تحافظ على مكتسباتها هناك، وبالنسبة لتركيا فهي راغبة بمنع المشروع الكردي من التطور إلى شبه دولة «بي كا كا» على حدودها وهي لم تعد معنية بالأسد، بقي أم ذهب. ولكن التحالف الثلاثي وعلى خلاف يالطا، ينطلق من أهداف ذاتية قد تتلاقى في مرحلة ولكنها تختلف طوال الوقت. فقد تعلم بوتين من الدبلوماسي والجاسوس يفغيني بريماكوف كيف يلعب ورقة سوريا للضغط على الولايات المتحدة ويؤكد على اعتبار بلاده لاعبا مهما في الشرق الأوسط. وقد لعب بوتين الورقة جيدا، فهو الآن يقيم علاقات مع الأضداد في الشرق الأوسط من إسرائيل إلى السعودية ودول الخليج ومصر. أما إيران وتركيا فدائرة الأصدقاء محدودة، ومن هنا فإمكانية تمزق التحالف قائمة. فالموضوع الكردي لا يزال محل خلاف وقد استخدمته روسيا سابقا للضغط على تركيا.
الحرس الثوري
ولاحظ المتخصص في شؤون إيران أليكس فاتنكا، أن الحرس الثوري قد يكون الشعرة التي تنهي تحالف إيران – روسيا في سوريا. وكتب في دورية «فورين أفيرز» (29/11/2017) معلقا، أن مكاسب الحرس الثوري التي بناها في سنوات الحرب الماضية وخططه لتحويل الجماعات الوكيلة التي أنشأها في سوريا كقوى شبه دولة على شاكلة حزب الله اللبناني، قد تفجر نزاعا علنيا مع روسيا وحتى بين المعسكر الإيراني نفسه أي روحاني – الحرس الثوري. ويعتقد فاتنكا أن بقاء القوى المسلحة في سوريا ستظل عقبة أمام تحقق السلام. وبالمقابل فالحرس الثوري يرى ان أي تلاعب بالقوى التي رعاها وشكلها لحماية الأسد مهمة للحفاظ على الزخم ضد إسرائيل والسعودية. كما أن خوف إيران من محاولات روسيا تمرير حلول من وراء ظهرها وانفتاحها على معظم الأطراف بالمنطقة بما فيها إسرائيل يجعلها لا تثق بمشاريع الحل الروسي.
شرعنة
ويتفق الجميع أن فكرة «دستور» و «انتخابات حرة» التي أسفرت عنها القمة الثلاثية ما هي إلا عملية تجميل. فروسيا في النهاية تحتاج لشرعية دولية للخطوات التي تقوم بها، وهي لا تستطيع مواصلة الحرب للأبد، فلديها حساباتها الداخلية وانتخابات مقبلة يريد بوتين الفوز فيها. وقد نجح الرئيس الروسي في سوريا لأنه تعلم الحكمة من بريماكوف ولأنه استغل أخطاء الولايات المتحدة الكارثية وتردد الغرب لدعم الشعب السوري. وتجاهلت روسيا الأمم المتحدة طوال الفترة الماضية وعرقل «الفيتو» أي محاولة لمعاقبة الأسد أو تحقيق تسوية. ولكن بوتين الآن كما تقول «الغارديان» (28/11/2017) يريد الحصول على دعمها كي يقوي من مكاسبه. وروسيا في هذا السياق لديها مصالح خاصة من الحصول على مصادقة من الأمم المتحدة على خططها. فالحرب المستمرة تؤثر على المصادر وثروات الأمم كما أن إعمار سوريا بحاجة لتمويل لا تستطيع روسيا تحمله بنفسها ولا حتى تأمينه. وبوتين بحاجة في الوقت نفسه لان يظهر أن اتفاقيات أستانة تعمل وأن جهوده لجمع المعارضة التي أعاد تشكيلها تستطيع تمرير «الدستور» مع أنه اكتشف محدودية ما يمكنه عمله عندما أجل مؤتمرا لمناقشة مسودة الدستور لوقت لاحق من هذا الشهر. والمهم في الأمر ان تحركات بوتين ما هي إلا صورة عن منتصر يحاول تحديد شروط اللعبة، واللافت في الامر أن الرئيس الأمريكي قبل بها. وكما علقت صحيفة «واشنطن بوست» (29/11/2017) فقد حلت روسيا محل الولايات المتحدة كقوة مؤثرة في أهم نزاع بالمنطقة. وتعلق الصحيفة أن قبول ترامب بالتطورات هو مثال آخر عن تبعيته للكرملين. ويأتي هذا بعد السجل الكارثي لباراك أوباما والذي سرع بنهاية القيادة الأمريكية للعالم. ورغم صحة هذا الكلام نسبيا إلا أن الرئيس يقوم بتكرار أخطاء سلفه، فكما اهتم أوباما لحد الهوس بتحقيق الاتفاقية النووية مع إيران متناسيا الواجبات الأمريكية الأخرى، يقوم ترامب وبهووس بتفكيك الاتفاقية النووية بدون أن يؤكد أي استراتيجية واضحة في سوريا. فالرئيس الذي يريد ملاحقة التأثير الإيراني بالمنطقة بحاجة إلى مدخل صحيح في سوريا. وورد هذا في دراسة أعدتها مجموعة مهام مكونة من جنرالات ودبلوماسيين سابقين لصالح معهد يهودي أمريكي وعكست النتائج موقف إسرائيل التي تريد منع إيران من تحقيق نصر واضح في سوريا. وأشارت الدراسة إلى الدور البارز لطهران من الناحية الاقتصادية والعسكرية وإلى الممر البري الذي يبدأ من حدودها مرورا بالعراق وسوريا إلى لبنان. ولكي تظل أمريكا مهمة في سوريا، فقد دعت الدراسة إلى بقاء قواتها هناك، سواء على الأرض حيث يوجد الآن حوالي 2.000 جندي وفي السماء وذلك لتوفير الأمن أثناء عملية الإعمار ولمنع ظهور تنظيم «الدولة» من جديد أو سيطرة الأسد عليها. وطالب التقرير بدعم قوات سوريا الديمقراطية للحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها وذلك لمنع عودة التنظيم من جديد أو سيطرة نظام الأسد عليها، مما سيسهم في تشكيل سوريا ما بعد الحرب.
ويدعو التقرير إلى تعاون أمريكا مع الحلفاء (إسرائيل) لاعتراض الشحنات العسكرية القادمة من إيران إلى سوريا عبر البر العراقي مما سيسهم في إضعاف قدرة إيران على الاحتفاظ بوجود عسكري في سوريا ويؤثر على فاعلية الجماعات الوكيلة لها. ويدعو التقرير واشنطن العمل مع حلفائها لدمج أنظمة الدفاع الصاروخية بدرجة تمنع توسع العدوان الإيراني بالمنطقة ومحاولاتها المستمرة نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى حزب الله. ورغم اعتراف مؤلفي التقرير أنه لا يمكن تحقيق انتصار والإطاحة بالأسد بعد فشل الإدارتين الذريع، إلا أن الخطوات المقترحة تساعد على الأقل في بناء نوع من النفوذ ضد إيران. وبدون هذه الإجراءات فمخاطر مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحلفاء إيران (حزب الله والنظام السوري) تتزايد وهو نزاع قد يدخل المنطقة في جولة جديدة من الحرب. لكل هذا تبدو الصورة من جنيف قاتمة، ففرص نجاحها قليلة ولكن إطالة حرب لا منتصر فيها أو مهزوم يعني استمرار الدم والقتل. وليس غريبا أن يجري القتال على صوت الغارات الجوية ضد الغوطة التي كانت يوما ما سلة غذاء سوريا ولكنها اليوم محاصرة وجائعة وخائفة. فطالما لم تنته الحرب والحديث عن «مخرجات» (وهي كلمة مقيتة تدور في الخطاب السياسي اليوم) جنيف، الرياض، سوتشي وأستانة مجرد إطالة لمعاناة السوريين والإقتتال على ركام، وكما قال المؤرخ الروماني تاكيتوس «خلقت صحراء وسميتها سلاما» وليس مصادفة أن تجري الدفعة الدبلوماسية الأخيرة بعد عام من سقوط مدينة حلب في يد النظام بعد معركة شرسة. وحلب هي تذكير بحجم الدمار والحاجة لوقف الحرب.
القدس العربي
أهداف إيران وروسيا وتركيا من قمة سوتشي/ عماد آبشناس
استثمار حان حصاده
حتمية الحل السياسي
فرض مرجعية سوتشي
يمكن ألا يعلم البعض سبب تهنئة قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني لمرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي بـ”تحرير” مدينة البوكمال السورية، بالتزامن مع زيارة الرئيس بشار الأسد لسوتشي ولقائه الرئيس الروسي فلادمير بوتين.
استثمار حان حصاده
وقد يسأل البعض: لماذا قام الأسد بإرسال رسالة يبارك فيها الانتصارات الذي حققها جيش النظام السوري وحلفاؤه في حلب وجبهات أخرى منذ بضعة أشهر؟ ويجب على من يريد أن يحصل على جواب لمثل هذا السؤال أن يرجع إلى بداية اندلاع الأزمة السورية. ففي حينها كان الشارع السياسي الإيراني منقسما على اتجاهين:
الاتجاه الأول كان يرفض تدخل إيران في هذه الأزمة السورية، على أساس أنها فخ يُراد به جرّ رِجل إيران وحزب الله إلى حرب استنزاف، وبعد إضعافهم فإن الأميركان والإسرائيليين سينقضون على إيران وحزب الله، وعليه فيجب على إيران محاولة إيجاد صيغة لحل الأزمة بشكل سياسي، والحفاظ على قواتها العسكرية للدفاع عن بلادها.
وبالفعل إذا ما تابعنا مجريات الأحداث في سوريا فإننا نرى أن الخارجية الإيرانية اتخذت هذا الاتجاه، وبدأت محاولات للدخول في وساطات ومفاوضات مع المعارضة، والضغط على الحكومة السورية لإعطاء تنازلات كي يتم حل الخلافات عبر المفاوضات.
أما الاتجاه الثاني فكان يطالب بدخول إيران في المعركة بكل ثقلها، على أساس أن سقوط سوريا من شأنه كسر ارتباط إيران بحزب الله في لبنان مما سيفتح المجال أمام الهجوم على إيران. وفي حين كان الاتجاه الأول يحاول فض الأزمة بشكل سياسي؛ فإن الاتجاه الثاني كان عمليا قد دخل المعركة لمساندة جيش النظام سوري بشكل غير رسمي.
واحتاج الإيرانيون حوالي عام كي يقرروا الدخول في المعركة، وكان قرار مرشد الثورة حاسما بين الاتجاهين في البلاد؛ حيث قرر أن إيران يجب أن تدخل بكل ثقلها في المعركة دعما للأسد، وبالفعل فإن كل السياسة الإيرانية تمحورت -منذ ذلك الوقت- حول حفظ نظامه من الانهيار.
وبعد حوالي أربع سنوات من الحرب في سوريا؛ كانت دمشق على حافة السقوط ومعظم الأراضي السورية تحت سلطة المعارضة، وعزا الجميع في إيران السببَ إلى أن المعارضة تمتلك أسلحة نوعية وعددا هائلا من المقاتلين، في حين أن جيش النظام وحلفاءه يفتقرون إلى هذا العدد والعتاد النوعي.
وعليه فقد قام المرشد بأخذ قرار جديد يقضي بإرسال اللواء قاسم سليماني إلى روسيا وإقناع روسيا بدخول معركة سوريا، وبالفعل استطاعت إيران إقناع الروس بدخول المستنقع السوري بعد أن كانوا مترددين في ذلك، وقاموا بتأمين العتاد والغطاء الجوي الذي يحتاجه جيش النظام وحلفاؤه، بينما قامت إيران بتوفير وتدريب المقاتلين النوعيين، فجلبتهم من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق ولبنان إضافة إلى السوريين.
وقد أدى هذا التحالف إلى تغيير وضعية جبهات القتال، بحيث أصبح جيش النظام يستطيع اليوم أن يتباهى بأنه يسيطر على نحو 90% من المناطق الآهلة بالسكان في سوريا. وهكذا؛ فإن إصرار قاسم سليماني على أن يكون حاضرا في البوكمال ليقوم بـ”تهنئة” المرشد من داخلها؛ كان لتأكيد أن قرارات المرشد بشأن سوريا وتضحيات إيران وحلفائها على الأرض، كانت هي السبب في إنقاذ الأسد ونظامه.
حتمية الحل السياسي
ورغم أن جيش النظام يتباهى الآن بالسيطرة على معظم الأراضي السورية؛ فإن المعركة في سوريا لن تنتهي دون الوصول إلى صيغة حل سياسي للحرب مع المعارضة.
إن استمرار المفاوضات والحل السياسي على أساس مرجعية مؤتمر جنيف لن يؤمن أهداف إيران وروسيا بإبقاء بشار الأسد في السلطة، لأن أحد قرارات هذا المؤتمر قضى بتنحي بشار الأسد عن السلطة بالتزامن مع بدء الفترة الانتقالية للسلطة، وعليه فيجب العمل على إيجاد صيغة جديدة للحل السياسي في سوريا.
وفي حين كان الإيرانيون مصرّين على فرض الأمر الواقع على الأرض عسكريا، والاستمرار في مفاوضات أستانا لفرض صيغة حل سياسي؛ رأى الرئيس الروسي بوتين أنه آن الآوان لإيجاد صيغة جديدة للمفاوضات عبر مؤتمر وطني سوري شامل يُعقد في مدينة سوتشي، يخرج عنه قرار جديد للمرحلة المقبلة يغطي على قرار مؤتمر جنيف 1 ويكون أساسا جديدا للحوار بين السوريين.
وفي حين يرى الإيرانيون أنهم هم الذين أدّوْا الدور الأصلي على الأرض؛ فإن الروس يقولون إنه لولا دورهم العسكري والسياسي لما كانت هذه الإنجازات ممكنة، ولكي يُرضي الإيرانيين طرح الرئيس الروسي مشروعا لقمة سوتشي يتطابق مع المشروع الإيراني السابق الذي كان يتشكل من أربعة بنود، وهي:
1- وقف إطلاق النار في جميع الجبهات وبدء عودة المهجرين.
2- البدء في مفاوضات سورية/سورية لتشكيل حكومة ائتلافية.
3- يتسلم جيش النظام كل الأراضي السورية ويتم البدء في إعادة إعمار سوريا.
4- بعد انتهاء فترة رئاسة الأسد تقوم الحكومة الائتلافية بإجراء انتخابات تحت إشراف دولي، يحق فيها للجميع -بمن فيهم الأسد- الترشح للانتخابات، وكل من يتم انتخابه يتسلم زمام الأمور في البلاد.
وعمليا؛ فإن الهدف من المؤتمر العام للمصالحة السورية الشاملة في سوتشي هو الخروج بصيغة جديدة لهذه البنود الأربعة بشكل آخر، حيث يعتبر الروس أن الظروف الحالية مواتية لفرض هذه الصيغة.
ومما شجع موسكو وطهران على ذلك؛ أن الأتراك -الذين يُعتبرون الجار الأكبر الداعم للمعارضة السورية- الآن في حالة استياء من سياسات الولايات المتحدة، وهناك انشقاق في الجبهة المقابلة للمعارضة السورية بسبب الأزمة الخليجية الراهنة، التي أدت إلى دعم تركيا وإيران لموقف قطر.
وقد تولى الرئيس الروسي مهمة إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن يضغط على المعارضة السورية المدعومة من تركيا لدخول هذا المؤتمر، في مقابل تلبية قسم من مطالب تركيا والمعارضة رغم أن الأتراك ما زالوا مصّرين على رفض حضور الأكراد في هذا المؤتمر. كما استطاع بوتين إقناع أردوغان بالتخلي عن مطالبة أنقرة باستقالة الأسد، مقابل ضمان دور فاعل لها في المرحلة المقبلة بسوريا.
وطبعا لولا أن تركيا مرتابة من سياسات واشنطن الجديدة في المنطقة وتسليحها الأكراد، بعد أن تأكد لأردوغان أن أميركا والسعودية والإمارات وإسرائيل كانوا داعمين للانقلاب العسكري ضده، ولولا الخلافات الخليجية التي بدأت بضوء أخضر أميركي، حسب تغريدات ترامب؛ لما كان سهلا إقناع أردوغان بتغيير موقفه بشأن سوريا.
فرض مرجعية سوتشي
ورغم أن الأسد يدعم بالطبع الموقف الرامي إلى فرض الأمر الواقع على الأرض، وإجبار المعارضة على القبول بشروط “المنتصر”؛ فقد استطاع بوتين بدعوته الأسد إلى سوتشي إقناعه بأن عملية الحل السلمي لا يمكن أن تتم دون تقديم تنازلات، وأن الحل العسكري مكلف وصعب جدا، ولا يمكن أن تكون نتيجته دائمة أو حسب المرجو.
وعليه؛ فيجب أن يقبل بما سيتم تقريره في قمة سوتشي الثلاثية، وإذا كانت لديه ملاحظات فإن بوتين سيطرحها لأنه يجب ألا تفوت الفرصة السانحة في هذه اللحظة التي تتخبط فيها الولايات المتحدة في مشاريعها تجاه سوريا.
وفي النهاية؛ يمكن القول إن إيران وروسيا وتركيا تسعيان إلى إيجاد صيغة جديدة للحل السياسي في سوريا، في ظل غياب أي مشروع للحل السياسي من قبل الطرف المقابل ومشروعهم يتمحور على:
1- توسيع مناطق وقف الأعمال العدائية كي تشمل كل الأراضي السورية.
2- إجراء مفاوضات شاملة بين الحكومة السورية والمعارضة والمجموعات التي لا تُعتبر “إرهابية”، ويمكن أن يتم تغيير بعض بنود الدستور السوري لتأمين متطلبات المرحلة المقبلة في سوريا.
3- بدء عودة المهجرين وإعادة إعمار سوريا.
4- تشكيل حكومة ائتلافية جديدة تضم وزراء من المعارضة، ويقوم الأسد بتفويض بعض صلاحياته التنفيذية إلى الحكومة الجديدة.
5- يتم إصدار عفو شامل من قبل الأسد، ويقوم جيش النظام -تحت إشراف الحكومة الجديدة- بالانتشار في كل الأراضي السورية، وتنضوي جميع المجموعات المسلحة المعارضة تحت إمرة هذا الجيش أو يتم حلها.
6- تقوم الحكومة الجديدة بالتحضير لإجراء انتخابات جديدة في سوريا بعد انتهاء دورة رئاسة الأسد الفعلية، ويحق للجميع أن يترشحوا فيها بمن فيهم الأسد نفسه، وتكون هذه الانتخابات تحت إشراف دولي (ليست منفذة من قبل الأمم المتحدة).
7- يتسلم الرئيس المنتخَب الحكم في سوريا.
وحسب مشروع إيران وروسيا وتركيا؛ فإنه يمكن إضافة أو حذف أو تغيير بعض هذه البنود، وفق ما يُتفق عليه في مؤتمر سوتشي السوري، على أن تقوم البلدان الثلاثة بضمان تنفيذ الاتفاق. وأي مجموعة لا تشارك في هذا المشروع ستواجه إمكانية الضرب عسكريا من قِبل جيش النظام بدعم من الدول الثلاث.
وطبقا لمشروع خطة البلدان الثلاثة؛ فإن مؤتمر سوتشي سيُصبح هو محور المباحثات في مؤتمر جنيف بدل القرارات السابقة لمؤتمر جنيف، وخاصة تلك التي تقضي برحيل الأسد وإيجاد حكومة انتقالية، لأنهما نقتطان ترفضهما موسكو وطهران، وأي مشروع آخر يتم طرحه لحل الأزمة السورية يتم رفضه. وفي النهاية؛ يمكن القول إن مستقبل سوريا بات مرهوناً اليوم بشد الحبل بين سوتشي وجنيف.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2017
النظام السوري لن يقدم تنازلات مصيرية في جنيف: روسيا تقود الأسد سياسياً بعد دعمه عسكرياً/ حسام محمد
أعلن النظام السوري بشكل أو بآخر عن موقفه النهائي من محادثات جنيف 8 المستمرة مع المعارضة السورية حتى قبل انعقاد جلستها الأولى، إذ إن حكومة دمشق رفضت أي حديث حول المحور الأبرز للمحادثات، وهو بند «رحيل الأسد عن السلطة عبر عملية انتقالية» لتبقى المحادثات السياسية تحوم حول ملفات يعتبرها الكثير غير محورية رغم أهميتها، وهي «صياغة الدستور والانتخابات، والحكومة ومكافحة الإرهاب».
مراقبون للشأن السوري يعتقدون أن انتزاع أي ملف داخلي من قبضة النظام السوري، يعد انتصاراً لصالح المعارضة السورية، ولكن في الوقت ذاته، فإن أي انجاز تنتزعه المعارضة، سيبقى دون أي تأثير حقيقي مع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، ورفض نظامه الدخول في أي محادثات حول رحيله عبر عملية سياسية انتقالية، خاصة مع الرفض الروسي لرحيل الأسد، وإصرار إيران على شخص الأسد في قمة الحكم بالبلاد.
الأسد والرياض 2
واستقبل النظام السوري، توحد منصات المعارضة السياسية السورية ضمن وفد واحد خلال مؤتمر «الرياض 2» برفض مباشر لمخرجات المؤتمر، خاصة البند الذي تصر عليه المعارضة السورية برحيله عبر عملية انتقالية تجري في البلاد.
ونقلت صحيفة «الوطن» المقربة من النظام السوري عن مصدر دبلوماسي رفض النظام لمخرجات الرياض 2 وقال: «إن حكومة النظام السوري ترى في بيان الرياض 2 عودة إلى المربع الأول في المفاوضات، خاصة تجاه فرض شروط مسبقة مثل عبارة رحيل الرئيس بشار الأسد عند بدء المرحلة الانتقالية».
علماً أن النظام السوري، كان قد أفشل مباحثات جنيف «1، 2، 3» بعد تذرعه بتشتت المعارضة السورية، وعدم نجاحها بتأسيس كيان موحد، ولكن عندما توحدت المعارضة رغم اختلافاتها المحورية، عاد النظام للتلاعب على صعيد المقررات ومطالب المعارضة، بهدف التنصل من تقديم أي تنازلات محورية خلال مباحثات جنيف، التي تعقد بدعم أممي ودولي كبيرين.
الجولة الثامنة من محادثات جنيف حول سوريا، والتي انطلقت الثلاثاء 28 تشرين الثاني/نوفمبر، أعرب دي ميستورا عن تفاؤله إزاء هذه الجولة من المباحثات، معتقداً أنها ستكون مختلفة كثيرا عن سابقاتها وقال إن «الجولة الثامنة من محادثات جنيف هي الجولة الأولى من المباحثات الحقيقية حول السلام في سوريا».
وبدأت مباحثات الوساطة الأولى في «جنيف 8» بين وفدي النظام السوري والمعارضة الموحدة، وجلسا داخل غرفتين مختلفتين في مقر الأمم المتحدة، وجرى النقاش، بما فيه، وبخصوص وثيقة «لا ورقة».
ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف ألكسي بورودافكين، قال وفق ما نقلته مصادر إعلامية تابعة للنظام السوري، إن «دمشق لديها موقف مبدئي مع محادثات مباشرة مع المعارضة، لكن لا يمكن أن يكون مصير بشار الأسد مادة للنقاش».
إلا إن رئيس وفد المعارضة السورية الموحدة، الدكتور نصر الحريري، كان قد أكد عبر لقاء صحافي تزامناً مع انطلاق مباحثات جنيف 8 ان وجودهم في جنيف «بهدف رحيل الأسد عن السلطة، مع بدء تطبيق الانتقال السياسي».
وفي الوقت ذاته، وقع عشرات المعارضين السوريين على بيان رأوا فيه أن الهيئة العليا للمفاوضات التي أنتجها اجتماع الرياض 2 لا تمثل تطلعات السوريين.
وأكد الموقعون، ومن بينهم معارضون سوريون بارزون كجورج صبرة، ومحمد صبرا وسهير الأتاسي، أن مسألة رحيل بشار الأسد عن السلطة في سوريا ببداية المرحلة الانتقالية شرط غير قابل للتفاوض.
ومع وصول وفد النظام السوري إلى سويسرا لبدء مباحثات جنيف8 بدأ الإعلام الرسمي التابع للنظام والوسائل الإعلامية الرديفة بتجييش الشارع السوري ضد المباحثات، ومهاجمة المعارضة السورية.
فقال أحد الموالين للنظام السوري: «سنخوض السياسة في جنيف بقدر ما تصل إليه رشقات مدافعنا في الداخل، والجيش السوري حقق انتصارات واستعاد مدنا، وهذه الانتصارات لن يتم التنازل عنها للمعارضة مهما كانت النتائج، والأسد لن يرحل عن السلطة بعد انهزام المعارضة عسكرياً».
وعلى صعيد متصل، عادت وتيرة محور «الممانعة والمقاومة» إلى شاشات النظام السوري مع بدء المباحثات السياسية، عبر تسليط الضوء على التواجد التركي والأمريكي في سوريا، وأن النظام سيواجه تلك القوى لاستعادة المناطق، معتبراً تلك الدول محتلة للأرض السورية، وفي الوقت ذاته امتداح روسيا وإيران على ما قدموه للنظام السوري.
واعتبر نائب وزير الخارجية في حكومة الأسد فيصل المقداد ان زيارة بشار الأسد إلى سوتشي قبل أيام، ولقاءه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت رسالة هامة للغاية، وان الزيارة جاءت للتأكيد ان روسيا تقف إلى جانب النظام إلى أبعد الحدود كما كانت كذلك منذ أيام الاتحاد السوفييتي المنهار.
وأضاف مقداد، خلال حوار تلفزيوني مع قناة سورية ان «حلفاء سوريا لا يقبلون بأي مساس بسيادتها، وأن الحل السياسي الذي لا يقبله الشعب السوري ولا يعكس تضحيات الجيش السوري لا يمكن أن يكون مقبولاً، أن النظام السوري مع روسيا وإيران متفقون على الجوانب السياسية للعملية السياسية لحل الأزمة في سوريا».
جنيف وسوتشي
ووصف الكاتب والمحلل السياسي الموالي للنظام السوري بسام هاشم، محادثات جنيف 8 التي انطلقت قبل أيام، بـ «العرجاء والباهتة والمحاطة بالشكوك».
وأضاف أن «المنتصر وحده هو الذي يملك البدائل، فما على المنكسرين إلا محاولة اللحاق بما يتوفر. وهنا، لابد من الإقرار بأن ما تحقق، حتى الآن، في سوتشي القمة – بوتين والأسد، وبوتين وروحاني والبقية، قد تأسس على الوقائع الميدانية، وقد تجاوز نوعيا، وبأشواط واسعة، مسار جنيف الذي يراوح في مكانه» وفق ما نقلته صحيفة «البعث» الموالية.
فيما يرى مراقبون للشأن السوري ان روسيا أوجدت مؤتمر الشعوب في سوتشي، بهدف ايجاد نقيض سياسي على الساحة السورية لمواجهة مخرجات جنيف، وإحداث خلل سياسي بعد التغيرات العسكرية الكبيرة التي فرضتها موسكو على وقع المواجهات بين النظام السوري والمعارضة.
الخبير السياسي السوري محمد العطار قال لـ «القدس العربي»: «روسيا ترفض بالمطلق مخرجات جنيف منذ جولته الأولى في عام 2012 وحتى ما تم الاتفاق عليه في جنيف 8 أو لا يزال رهن المناقشة، لن يعطي النظام السوري أي إشارة قبول أو رفض له، ما لم يحصل على موافقة روسية تامة».
وأضاف، الجميع يدرك ان النظام السوري والإيرانيين والروس يرفضون قطعاً أي تنازلات حقيقية ضمن جنيف، وحضور النظام السوري لهذه الاجتماعات فقط لمجرد إثبات الحضور، وهذا ما تؤكده كافة الجولات السابقة من المباحثات الدولية حول الملف السوري.
وقال العطار: روسيا تعول كثيراً على مؤتمر سوتشي، لما يحمله من فوائد كبيرة لها في سوريا، وشرعنة للآلة العسكرية الروسية في سوريا، وتثبت القواعد الروسية في الساحل السوري والعديد من المحافظات السورية، وذات الأمر بالنسبة للسوريين، خاصة مع التراجع الدولي الكبير حيال المطالبة برحيل الأسد.
روسيا تتطلع إلى انطلاق العملية السياسية في سوريا وتخفيض حضورها العسكري هناك/ فالح الحمراني
يتمحور الموقف الروسي من مباحثات جنيف على ان تبدأ الجولة الثامنة من دون شروط مسبقة، وان تكون المعارضة موحدة بكل أطيافها للدخول في جبهة واحدة للتفاوض مع النظام حول إطلاق العملية السياسية، وان تسفر الاجتماعات عن الاتفاق على تشكيل لجنة لسن الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة. بيد ان غالبية القراءات الروسية غير الرسمية، لا تتوقع النجاح لمباحثات الجولة الثامنة في جنيف، انطلاقا من ان المواقف ما زالت متباعدة والأولويات متضاربة بشدة. وتتطلع روسيا إلى وضع العملية في نقطة الانطلاق لتحقيق أهدافها المعلنة بتخفيض حضورها العسكري في سوريا.
الأسد ودوره
وعلى عكس المعارضة ترى موسكو ان من الناجع ان يكون لبشار الأسد دور في العملية الانتقالية، إيمانا منها من ان رحيله غير المدروس والفوري سيخلق فراغا سياسيا، قد ينقلب إلى فوضى ونزاعات ومجابهات بين مختلف الفرقاء، وتستغله المنظمات المسلحة غير النظامية، للإجهاز بالكامل على ما تبقى من كيان الدولة السورية، كما حدث في العراق وليبيا واليمن وجزئيا في تونس. منطق موسكو يشير إلى ان يشارك الأسد وربما مع قوى المعارضة، التي سينضم ممثلوها في أجهزة السلطة والمراقبة، بإدارة العملية السياسية التي يتم خلالها وضع الدستور الذي يكون مقبولا من كافة الأطراف، وإجراء انتخابات نزيهة وحرة برعاية الأمم المتحدة، وان الناخب السوري هو الذي سيقرر من سيشارك فيها. وبخلاف إيران يرى بعض الخبراء ان موسكو لا تعتبر بقاء الأسد في السلطة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بالنسبة لها.
وكانت موسكو تخطط لعقد مؤتمر الحوار الوطني واسع التمثيل في مدينة سوتشي قبل الجولة الثامنة من مباحثات جنيف، إلا ان صعوبات حالت دون انعقاده، جعلتها تتحدث عن تأجيله لما بعد جنيف، ويدور الحديث في موسكو عن انعقاده في شباط /فبراير المقبل. وإذا كانت موسكو تتحدث عن مؤتمر الحوار الوطني ليكون ساحة لالتقاء طيف واسع من ممثلي كافة شرائح المجتمع السوري وأحزابه وقبائله وشخصياته النافذة وعدم عزل أي طرف لاسيما المكون الكردي، فهناك مخاوف لدى البعض من ان مؤتمر الحوار الوطني سيجعل المعارضة التي تتحرك تحت مظلة الرياض «أقلية» ويتبدد صوتها في ذلك التجمع الكبير، لذلك فان المعارضة تماطل في المشاركة فيه. وكان رؤساء روسيا وإيران وتركيا دعوا خلال قمتهم التي انعقدت في مدينة سوتشي 22 تشرين الثاني/نوفمبر، ممثلي الحكومة السورية والمعارضة الذين وصفوهم بالملتزمين بسيادة واستقلال سوريا ووحدة وسلامة أراضيه وليس على أساس طائفي، للمشاركة بشكل بناء ومثمر في المؤتمر. ويذكر ان روسيا رحبت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف بتوحيد المعارضة في اجتماعها في الرياض، بكافة فصائلها وتياراتها، على أساس بناء يستجيب تماما لأحكام قرار الأمم المتحدة 2254 وبيان جنيف لعام 2012.
وترى موسكو ان قرار وفد النظام السوري في الذهاب إلى جنيف للمشاركة في الجولة الثامنة من المباحثات مع المعارضة كان صحيحا ويبدو ان هذه المقاربة متأتية من القناعة ان جولة المباحثات الثامنة لن تسفر عن نتائج هامة. ولم يكن سهلا، كما قالت بعض المصادر الصحافية، على موسكو اقناع النظام السوري ارسال وفده إلى جنيف. ونقلت وكالة أنباء «تاس» شبه الرسمية عن ممثل روسيا الاتحادية في مقر منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية في جنيف قوله «لقد كان قرارا صحيحا. وحسنا للغاية توجه الوفد لجنيف، لأن هذا سيتيح لممثلي دمشق عرض وجهات نظرهم واعطاء تقييماتهم». وأضاف «انه قرار صحيح». وأُعلن سابقا انه وبسبب مطالبة المعارضة باستقالة بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية فان وفد النظام أرجأ سفره للمشاركة في المباحثات حتى 28 تشرين الثاني/نوفمبر.
وتدلل لهجة الخطاب الرسمي الروسي ان موسكو تدعم النظام السوري في طرحه ان تركز المباحثات مع المعارضة على مناقشة مكافحة الإرهاب ومن ثم مراحل العملية السياسية التي يفهمها كل طرف أي النظام والمعارضة على طريقته الخاصة، وكل يريد ان يكسب منها المنافع لتعزيز مواقعه في سوريا المستقبل. وكان ممثل روسيا في المقر الفرعي للأمم المتحدة أجرى في جنيف مباحثات مع وفد النظام برئاسة بشار الجعفري حال وصوله. وقال المسؤول الروسي: «لقد اقتنعنا كالعادة ان موقف دمشق ينطوي على طابع بناء». وعلى حد قوله «انها مفتوحة للحوار ومستعدة لمناقشة الوثيقة التي اُعدت سابقا في مكتب الممثل الخاص للأمم المتحدة بشأن سوريا ستيفان دي ميستورا بشأن مستقبل بناء الدولة السوية، والتي يطلق عليها الـ «12 نقطة». وأفاد ان ممثلي دمشق يريدون ان تنصب الأولوية على موضوع مكافحة الإرهاب. وفي رأي الجانب الروسي فعلى الرغم من تحرير 98 في المئة من أراضي سوريا من تنظيم «الدولة» الإسلامية، بيد ان بؤر الإرهاب المسلح ما زالت قائمة ومن الضروري تصفيتها. وتشير موسكو أيضا إلى عدم تجاهل التهديدات الإرهابية من جانب «جبهة النصرة» التي تكتسب وفقا للرؤية الروسية «راهنية خاصة».
روسيا تنسحب؟
وتجلى الموقف الروسي أيضا من خلال البيان الذي جاء بمبادرة من موسكو وتبنته قمة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي انعقدت في مينسك الخميس الماضي. واشير في البيان إلى ان دول المنظمة (روسيا وبيلاروسيا وطاجيكستان وأرمينيا وقرغيزستان) تدعم وحدة وسلامة الأراضي السورية وتدعو إلى تصفية التهديدات الإرهابية بأسرع وقت ووضع حد للنزاع العسكري الداخلي بالوسائل السياسية والدبلوماسية «عبر حوار سوري/ سوري واسع من دون شروط مسبقة». في إشارة إلى مطلب المعارضة برحيل الأسد قبل بدء العملية الانتقالية. كما دعا البيان كافة الأطراف المعنية استغلال الظروف الملائمة من أجل تفعيل المباحثات في إطار عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة. ووصفوا عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري، انه خطوة ملحة.
في غضون ذلك وتزامنا مع تفعيل روسيا حراكها الدبلوماسي الذي بات يقوده الرئيس فلاديمير بوتين بنفسه، ظهرت مؤشرات على ان روسيا تريد خفض وجودها العسكري وفعاليتها في سوريا. في هذا السياق نقلت صحيفة «ار بي كا» الصادرة في موسكو عن مصادر دبلوماسية وعسكرية إشارتها إلى ان روسيا تخطط لأنهاء العملية العسكرية في سوريا نهاية عام 2017. ولم تستبعد تلك المصادر، ان هذه التواريخ قد تتغير تبعا للوضع الذي سيترتب «ولكن هناك رغبة قوية في الانتهاء من العملية نهاية العام الحالي».
متحدث دبلوماسي لم يذكر اسمه أوضح للصحيفة ان المقصود بانهاء العملية العسكرية هو وقف ضربات التشكيلات المسلحة الإرهابية في سوريا جويا. فضلا عن تقليص حجم القوة المسلحة والآليات العسكرية. ووفقا لبعض المعطيات فان لدى روسيا في سوريا 5800 عسكري، وستبقى فقط القوة اللازمة والوسائل الضرورية لعمل قاعدة حميميم العسكرية ونقطة الإمداد المادي والتقني التابعة للأسطول الحربي الروسي في طرطوس. وحسب المصدر الدبلوماسي فان هذه الخطط تعكس رؤية موسكو لدورها في سوريا ومستقبلها ومنطلقاتها للعملية العسكرية التي أدتها هناك، وان الانسحاب خيار استراتيجي.
دي ميستورا والدور المفقود للأمم المتحدة/ عبد الحميد صيام
نيويورك (الأمم المتحدة) ـ «القدس العربي»: عندما عين ستيفان دي ميستورا ممثلا خاصا للأمين العام للمسألة السورية في تموز/يوليو 2014 بعد استقالة الأخضر الإبراهيمي كتبت في هذه الصحيفة أن دي ميستورا جاء ليدير الأزمة لا ليحلها. فمن غير المعقول أن ما فشل في إنجازه أكبر وسيطين في المنظمة الدولية، الأمين العام السابق كوفي عنان، والدبلوماسي الجزائري المخضرم، الاخضر الإبراهيمي، يأتي شخص أقل دراية وخبرة من سابقيه ويحقق ما عجزا عنه. دي ميستورا لم نجد في سجله أنه نجح في العراق ولا أفغانستان ولا لبنان ولا ناغورنو كاراباخ ولا كوسوفو. أضف إلى ذلك أنه سيظل ممسكا بالعصا من النصف ويعمل على مبدأ «في الحركة بركة» ويظل بين الحين والآخر يقدم مبادرات ثم يقوم بتقديم نقاط جديدة ويعود ويراجعها مرة وراء أخرى كلما خفت الاهتمام بجهوده.
الحقيقة أن الأمم المتحدة لم تعد هي الفاعل الأهم في العملية السياسية ولولا مرجعية «بيان جنيف 1» 30 حزيران/يونيو 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 (2016) المتفق عليهما دوليا لانتهى دور الأمم المتحدة السياسي نهائيا. وفي رأينا أن الأمم المتحدة الآن ستبقى واقفةعلى السياج بانتظار إتمام التسوية السياسية خارج ملعبها ثم ترمى عليها مهمة إعادة الإعمار وإصلاح ما أتلفته الحرب.
المسارات الأربعة
منذ إندلاع الأزمة السورية 2011 وحتى اللحظة عملت الأمم المتحدة، أو على الأدق سمح لها أن تعمل، ضمن مسارات أربعة، تتعلق بالجوانب المتعددة والمعقدة لحالة نزاع بدأ سلميا لمدة ستة شهور أو أقل ثم تحول إلى مواجهات مسلحة بين النظام وأنصاره وبين مجموعات معارضة للنظام تحاول إسقاطه بالقوة إلى أن بدأ المتطرفون يتوافدون من أكثر من 80 بلدا لينضموا إلى جماعات إرهابية مسلحة مدعومة بمليارات الدولارات الخليجية كادت تحتل دمشق مع نهايات عام 2012 وبداية 2013 إلى أن تدخلت قوات حزب الله وقوات إيرانية إلى جانب النظام فبدأت تتغير المعادلة على الأرض لكنها لم تحسم إلى أن تدخلت روسيا في أيلول/سبتمبر 2015 وبدأت تتجه الأمور لصالح حسم المعركة العسكرية لصالح النظام وحلفائه.
في السنوات السبع من عمر الأزمة لعبت الأمم المتحدة عدة أدوار نوجزها في المسارات الأربعة:
أولا: المسار الإنساني
أخذت المنظمة الدولية على عاتقها منذ بداية الأزمة مهمة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها بالإضافة إلى تجمعات المشردين داخليا واللاجئين. ووصفت الأزمة الإنسانية في سوريا أنها أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية. فقد بلغ عدد المشردين نحو ثمانية ملايين ونصف مليون وعبر الحدو نحو تركيا والأردن ولبنان والعراق ما يزيد عن أربعة ونصف مليون وبقيت بعض المدن والبلدات محاصرة لسنوات مثل الفوعة وكفراية وبلودان والزبداني ومضايا والغوطة الشرقية ودير الزور التي كان يسطر عليها تنظيم «الدولة» فاضطرت الأمم المتحدة أن تقوم بعمليات إسقاط مواد تموينية من الجو.
قد اعتمد مجلس الأمن أربعة قرارات بالإجماع بدءا بالقرار 2139 (2014) الذي حدد مناطق عبور المساعدات الإنسانية من تركيا والأردن وطلب تعاون الدولة والجماعات المسلحة وعند تعذر تطبيق هذا القرار عاد المجلس وأقر بالإجماع القرار 2156 في تموز/يوليو 2014 مؤكدا على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية بأقرب وأسرع الطرق وحتى دون موافقة النظام ما جعل عمليات الإيصال أصعب بكثير من ذي قبل.
ويعيش ما مجموعه ثلاثة ملايين شخص في مناطق محاصرة يصعب الوصول إليها في سوريا. ويوجد نحو 400000 مدني محاصرين في الغوطة الشرقية غالبيتهم من النساء والأطفال وبعض المسلحين الذين يسيطرون على المنطقة من الداخل وقوات النظام تحاصرهم من الخارج. وفي آخر تقرير لمنسق الشؤون الإنساني، مارك لوكوك، قال إن نحو 13.1 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية من بينهم 5.6 مليون في أمس الحاجة ومعرضون للخطر بسبب التشرد والانقطاع التام أو الجزئي للمواد الغذائية الأساسية.
كلمة حق تقال إن اللوم لا يقع على عاتق الأمم المتحدة فحسب بل على الأطراف المعنية، إذ إن القوافل كانت تضطر أحيانا لعبور 11 حاجزا لتصل إلى الفئات المحاصرة. بل إن بعض القوافل تعرض للقصف الجوي مثلما حدث للقافلة التي كانت في طريقها لريف حلب 18 أيلول/سبتمبر 2016 وأدت إلى مقتل 16 عاملا إنسانيا.
ثانيا: مسار حقوق الإنسان
شكل مجلس حقوق الإنسان ومقره جنيف بتاريخ 22 اب/أغسطس 2011 فريقا مستقلا برئاسة باولو بنيرو من البرازيل وعضوية كارن أبو زيد وهاني مجلي الذي خلف كارلا دل بونتي بعد تقاعدها. مهمة الفريق «التحقيق في كافة مزاعم انتهاكات القانون الدولي الإنساني في سوريا منذ اذار/مارس 2011». كما منح الفريق حق توثيق الجرائم ومحاولة التعرف والتأكد من مرتكبيها كي لا يفلتوا من العقاب في المستقبل. وقدمت اللجنة ثمانية تقارير لمجلس حقوق الإنسان حول كافة الجرائم التي تشملها ولاية الفريق كما التقى رئيس الفريق وأعضائه مرارا أعضاء مجلس الأمن، وقدموا تقريرا أوليا حول استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية 2013 قبل تولي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية المهمة. ومن التقارير المهمة التي قدمها الفريق تقرير خاص بالمجازر التي ارتكبها تنظيم «الدولة» بحق الأزيديين والتي صنفت من الفريق بأنها «جريمة الإبادة الجماعية».
وفي آخر تقرير قدم الفريق وصفا مروعا لمعاناة المدنيين على أيدي الجماعات الإرهابية وعلى أيدي النظام. ومما جاء فيه: «استهدف جيش تحرير الشام وتنظيم «الدولة» الإسلامية الأقليات الدينية بالسيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية والاستعانة بالقناصة واحتجاز الرهائن بما في ذلك داخل مناطق واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية. ففي الراشدين (حلب) تسبب تفجير سيارة مفخخة في مصرع 96 شخصاً من بينهم 68 طفلاً نازحاً من الفوعة وكفرايا (إدلب) المحاصرتين سابقاً.
كما احتجزت بعدئذ الجماعات المسلحة 17 مدنياً على الأقل كرهائن في حين بقي آخرون في عداد المفقودين.
وأما القوات الحكومية فما زالت تتعمد استهداف المدنيين بما في ذلك من خلال استعمال الأسلحة الكيميائية داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. ففي 4 نيسان/أبريل أطلقت القوات الجوية السورية غاز السارين على بلدة خان شيخون كجزء من حملة جوية تشنها على منطقتي شمال حماة وجنوب إدلب، ما أسفر عن مصرع ما يزيد على 80 شخصاً أغلبهم من النساء والأطفال.
ثالثا: مسار تدمير الأسلحة الكيميائية
بعد الهجوم على منطقة الغوطة بغاز السارين في 21 اب/أغسطس 2013 اعتمد مجلس الأمن القرار 2118 في 26 تشرين الأول/أكتوبر بالاجماع والقاضي بتفكيك ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية بما في ذلك المعامل والمختبرات والمواد الخام. وكانت سوريا انضمت إلى الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية في 14 أيلول/سبتمبر 2013. وبسرعة قياسية تم تعيين الهولندية سيغريد كاغ للقيام بهذه المهمة خلال عام تقريبا، وأنجزتها ولكن في وقت أطول قليلا. لكن استخدام الأسلحة الكيميائية لم يتوقف بعد إعلان سوريا خالية منها. فأنشا مجلس الأمن «آلية التحقيق المشتركة» (جيم) برئاسة الارجنتينية فرجينيا غامبا بناء على القرار 2235 (2015) لتحدي الجهات الفاعلة والمستخدمة للغازات السامة كالسارين وأي مواد كيميائية أخرى وتحديد هوية الطرف الذي استخدمها.
وقامت روسيا مؤخرا باستخدام الفيتو لقتل هذه الآلية بعد أن حددت أن الجهة التي أرتكبت الاعتداء على خان شيخون هي طائرات النظام السوري واتهمت روسيا التقرير بعدم الحياد والانتقائية في المعلومات واتهمت أعضاء الفريق بأنهم ليسوا متوازنين جغرافيا.
رابعا- المسار السياسي
لم يشهد مجلس الأمن ربما منذ الأزمة الكورية انقساما حادا بين أعضائه مثلما حدث في التعامل مع الملف السوري. فقد استخدمت روسيا الفيتو عشر مرات والصين ست مرات. ومن هنا كان دور الأمم المتحدة السياسي مهمشا أصلا. لكن الملف السوري سحب من الأمم المتحدة ووضع بكامله في أيدي روسيا وإيران وتركيا. وكما تبلور عن اجتماعات أستانة إنشاء مناطق تهدئة قد يليها وقف إطلاق نار شامل بعد حل معضلة إدلب والغوطة والمناطق المحاصرة. أما اجتماعات سوتشي فهي ربما، الفصل الأخير في مسلسل الدراما السورية المعقد الذي استمر سبع سنوات. فالبلدان الثلاثة هي صاحبة القرار الميداني والسياسي وقد أشار الرئيس الروسي بوتين بعد لقائة بالرئيس الأسد أن على جميع الأطراف أن يكونوا على استعداد لتقديم تنازلات جادة. فالتسوية النهائية يجب أن تلبي طموحات الشعب السوري في إقامة دولة ديمقراطية تعددية يسودها القانون وتخضع لتناوب السلطة وتحترم حقوق الإنسان ولا مكان فيها للطائفية والمذهبية والعرقية والتقسيمات الأخرى.
في سوتشي سيتم طبخ القرار السياسي النهائي دون مشاركة من الأمم المتحدة ثم يقدم في مؤتمر كبير يضم المعارضة والنظام السوري في شهر شباط/فبراير المقبل، بعدها تبدأ العملية الانتقالية التي ستعود الأمم المتحدة لتعلب دورا جديدا لإدارة أكبر عملية حفظ سلام ربما في العصر الحديث تشمل إعادة اللاجئين والمهجرين وتوطينهم وإعادة الإعمار والبنى التحتية والإشراف على تطبيق خطة الطريق التي تتضمن كتابة الدستور الجديد والانتخابات التشريعية والرئاسية الحرة. لا نعرف إذا كان دي ميستورا سيبقى في المشهد السوري لغاية تلك اللحظة أم أنه سيأخذ حصة متواضعة من نجاح الحل السياسي ويرحل.
القدس العربي
مخاوف أمريكية من تحويل مؤتمر جنيف إلى لعبة لانتقال سياسي وهمي في سوريا/ رائد صالحة
تمكنت روسيا من تعطيل الجهود الأمريكية لتغيير النظام السوري وهي تستعرض أحدث أسلحتها، وأعادت تشكيل نفسها كلاعب في الشرق الأوسط مع استمرار هزائم تنظيم «الدولة الإسلامية» في حين تراجع موقع الولايات المتحدة إلى مقاعد المتفرجين. ونتيجة لدعم واشنطن للقوات الديمقراطية السورية التي يسيطر عليها الأكراد، تعرض البيت الأبيض لهزيمة غير متوقعة من الكرملين تمثلت في توسيع الخلافات بين تركيا، العضو في مجلس حلف الأطلسي والولايات المتحدة. وفي غضون أقل من عامين، ذهبت روسيا من مرحلة علاج تداعيات إسقاط طائرة من قبل تركيا إلى بيعها في نهاية المطاف نظاما للدفاع الجوي.
ونجحت موسكو، من خلال القصف المستمر للمدنيين في سوريا وخلق موجات جديدة من اللاجئين إلى أوروبا في تأجيج رد فعل وطني أوروبي ضد المهاجرين، وهو هدف استراتيجي واضح لبوتين، وقد منحه هذا النجاح الفرصة لإعلان تحقيق أهداف الحملة العسكرية والسياسية في سوريا قبل بدء الحملة الرئاسية الروسية عام 2018.
ومن المتوقع ان تنسحب معظم القوات النظامية الروسية من سوريا ولكنها ستترك وراءها قوة لمكافحة التمرد وطائرات في مطار حميميم ووجود بحري في ميناء طرطوس، ومن المرجح ان تنتقل معظم القوات الروسية إلى مقاولين من القطاع الخاص من مجموعة واغنر، وهي شركة شبه عسكرية يمولها أحد شركاء بوتين منذ فترة طويلة، وهذا يعني انه سيتعين على دول مثل تركيا والأردن والسعودية والعراق إضافة إلى الكيان الصهيوني ان تلجأ إلى موسكو للتأثير على الأحداث في سوريا أو القيام بمحاولات للحد من قوة إيران المتزايدة.
وتتعامل روسيا مع إيران كمحور لاستراتيجيتها في المنطقة، حيث يتم التنسيق والتدخل العسكري مع طهران على أعلى المستويات اضافة إلى التنسيق على المستوى التكتيكي والتنفيذي كما حدث عندما عملت موسكو بشكل وثيق مع قوة القدس الإيرانية في عملية استعادة حلب. ووفقا لاستنتاجات معروفة للخبراء، فقوة إيران المتزايدة تمنح موسكو قوة مع دول أخرى في المنطقة لانها الوحيدة التي تملك موقعا على الأرض، كما تريد موسكو الحصول على الموارد الطبيعية في سوريا مما يفسر حرصها على تحقيق نفوذ في المنطقة الغنية بالنفط في جنوب سوريا، حول دير الزور والقدرة على العمل كحارس بوابة جيوسياسية على طول الممر الشيعي من إيران إلى لبنان لأن هذا يعزز مكانتها.
الخطوة الرئيسية التالية لروسيا، وفقا للمحلل مايكل كاربنتر من مركز بايدن للدبلوماسية في جامعة بنسلفانيا، هي السيطرة على اتجاه المفاوضات بشأن مستقبل سوريا السياسي، وروسيا واضحة في انها لن تدعو الأسد إلى الاستقالة، ولكن الكرملين يتظاهر بإجراء مفاوضات حول الانتقال السياسي كوسيلة للتعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد سعت القمة الأخيرة بين بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي إلى وضع إطار مشترك لمستقبل سوريا السياسي يمكن مناقشته مع الولايات المتحدة ودول أخرى.
وبالنسبة إلى العديد من محللي السياسات الخارجية في الولايات المتحدة فان الرؤية السابقة لتطور الأحداث هي أفضل وسيلة لفهم وادراك التحركات السياسية أو الإطارات الدولية لتحقيق التعايش والسلام وحل القضايا الشائكة مثل مفاوضات جنيف، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشجع هذه المفاوضات في محاولة لوضع ترامب ضمن دائرة نجاحاته الدبلوماسية وحتى يتمكن من تغيير السرد في الولايات المتحدة حيث ينظر إلى روسيا على انها قوة غزت اوكرانيا ودمرت حلب وتدخلت في الانتخابات اضافة إلى تغيير رؤية العالم لروسيا إلى طرف مهم صانع للسلام في الشرق الأوسط وحليف للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب.
المحللون الأمريكيون ينظرون إلى روسيا كشريك (فظيع) لمكافحة الإرهاب في سوريا أو في أي مكان آخر، وهم يلفتون النظر دائما إلى حقيقة ان المصالح الأمريكية تتعارض تماما مع المصالح الروسية وان على الإدارة الأمريكية ان تقوم بإجراءات جادة لمقاومة محاولة بوتين لإعادة صياغة دور موسكو، وهذا لا يعنى بالنسبة إلى المحللين، بمن فيهم كاربنتر، ان الولايات المتحدة يجب ان تتوقف عن الحديث مع المبعوثين الروس حول سوريا، ولكنه يعني ان المسؤولين الأمريكيين يجب عليهم مقاومة لعبة موسكو في البحث عن انتقال سياسي وهمي، ووفقا لما أكده أكثر من محلل أمريكي، فان موسكو ماهرة تماما في ركل «العلبة» إلى أسفل الطريق حتى لا يكون هناك آمال في تغيير نظام الأسد.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وشك الوقوع في خطأ فادح، وفقا لقراءات مراكز الأبحاث الأمريكية، فقد كانت سوريا على رأس جدول الأعمال في حديث ترامب الأخير مع بوتين بعد يوم واحد من لقاء الرئيس الروسي مع الأسد في مدينة سوتشي، والبيت الأبيض أصدر بيانا أكد فيه على استقرار سوريا موحدة وسط محاولات واضحة من بوتين لاقناع ترامب واجبار المعارضة السورية على قبول الأسد في السلطة، وهذه نتيجة تضر بالولايات المتحدة.
واحتفل بوتين والأسد معا بنجاح المهمة التي تم انجازها، وبالنسبة للكرملين فقد حان الوقت لتثبيت الوضع في محادثات السلام، وقد التفت رموز المعارضة السورية لهذا التحول بسرعة، إذ استقال رئيس الهيئة التفاوضية الرئيسية للمعارضة إلى جانب تسعة من أعضاء اللجنة في حركة احتجاجية على «انتهاك إرادة السوريين» ووقوف روسيا وراء تمزيق المعارضة لصالح الأسد وخلق مطالب جديدة من شأنها تحويل محادثات جنيف إلى استعراض ضاحك، إذ يمكن لمطلب موسكو لإجبار المعارضة على قبول «منصة موسكو» وهي هيئة سياسية ذات توجهات واضحة مؤيدة للأسد ولروسيا في وفدها التفاوضي المقبل، ان يمزق تماما نسيج المعارضة الحقيقية.
وبصرف النظر عن العار الأخلاقي لإضفاء الشرعية على ديكتاتور وصفه الرئيس الأمريكي ذات يوم بالحيوان، وفقا لما قاله العديد من محللي المجلس السوري في واشنطن، فإن قرارات إدارة ترامب المقبلة بشأن سوريا، بما في ذلك تلك التي ستظهر في مؤتمر جنيف، قد تعرض المصالح الأمريكية إلى الخطر.
في نهاية المطاف، قال المحللون الأمريكيون ان بيان البيت الأبيض حول استقرار سوريا الموحدة يعني ان ترامب قد قبل بحكم الأسد، ولكن الكونغرس يجب ان يتحرك بسرعة ضد البادرة الدبلوماسية المزورة لروسيا وضمان ان لا تسمح محادثات جنيف المقبلة بتراجع المعارضة السورية الحقيقية والمطالبة بتنفيذ بيان جنيف الثاني الذي أقرته الولايات المتحدة الداعي إلى مغادرة الأسد.
سيناريو «أفضل الممكن»: المعادلة التي قد تدفع تركيا إلى التسليم لروسيا وإيران ببقاء الأسد/ إسماعيل جمال
عقب أكثر من 7 سنوات من الأزمة في سوريا التي كلفت تركيا الكثير من المتاعب السياسية والأمنية والاقتصادية، يرى صناع القرار في أنقرة أن التحولات والتطورات في السنوات الأخيرة لا سيما تبدل التحالفات وتقلبات موازين القوى على الأرض قد تدفعهم إلى اتخاذ قرارات صعبة ليس أقلها التسليم لروسيا وإيران ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة.
هذا التحول الكبير الذي ألمح إليه عدد من كبار المسؤولين الأتراك ومنهم الرئيس رجب طيب أردوغان، ليس خياراً مثالياً لأنقرة التي دعمت الثورة السورية منذ بداياتها وتعتبر من أهم وأبرز اللاعبين الدوليين المطالبين بإسقاط الأسد ونظامه وإزاحتهم عن السلطة بشكل كامل.
لكن وعقب سنوات طويلة من الحرب وتفوق نظام الأسد بدعم روسي إيراني على المعارضة المشتتة، وتصاعد قوة الجماعات الكردية على طول الحدود السورية مع تركيا شمالاً حصل تغيير كبير على أولويات تركيا في سوريا، بحيث بات الخطر الأكبر على الأمن القومي التركي هو احتمال قيام دولة كردية في شمالي سوريا، حسب إجماع السياسيين الأتراك.
ومن هذا المنطلق، بات المعيار الأول للسياسة التركية في سوريا يتعلق بكيفية وقف توسع وحدات حماية الشعب الكردية التي تمكنت خلال سنوات الأزمة في سوريا من التمدد بشكل غير مسبوق لتتمكن اليوم من السيطرة على أكثر من ثلثي الحدود السورية مع تركيا التي تمتد على طول 930 كيلو مترا ووصلت إلى منبج وعفرين والرقة غربي نهر الفرات وهو ما كانت تعتبره أنقرة خطاً أحمر وخطراً كبيراً على أمنها القومي.
كل هذا لم يكن ليحدث لولا الدعم الهائل الذي تلقته الوحدات الكردية من الإدارة الأمريكية التي وحسب الإحصائيات التركية أرسلت أكثر من 3 آلاف شاحنة أسلحة إليها في السنوات الأخيرة تحت بند الحرب على تنظيم «الدولة» ما مكنها من التوسع، وجعل من مجموعة من الميليشيات الكردية الصغيرة ما يمكن اعتباره جيشاً منظماً يمتلك دبابات ومدرعات وأسلحة متطورة.
ومع إصرار إدارتي أوباما السابقة وترامب الحالية على مواصلة إرسال الأسلحة إلى وحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابيا رغم المطالب والمحاولات والدعوات التركية المتكررة، يقول الأتراك إنهم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التعاون مع روسيا وإيران لحماية أمنهم القومي والضغط على الإدارة الأمريكية ويرون أن هذا التقارب ساعدهم في طرد تنظيم «الدولة» من الحدود والقيام بعملية «درع الفرات» التي مكنت الجيش التركي إلى جانب طرد تنظيم «الدولة» من جرابلس ودابق والباب، مكنته من منع تقدم الوحدات الكردية إلى هذه المناطق ولا سيما ربط مناطق سيطرتهم شرقي وغربي نهر الفرات.
وعقب ذلك مكنت التوافقات التي توصلت إليها تركيا مع روسيا وإيران ضمن مباحثات أستانة من إقامة منطقة «تخفيض توتر» في مدينة إدلب السورية وهو يعني لأنقرة التحصين من إمكانية لجوء واشنطن إلى الدفع بالوحدات الكردية للسيطرة عليها بحجة الحرب على الإرهاب وتنظيم جبهة النصرة، لكن الهدف الأبرز المقبل الذي يسعى إليه الجيش التركي هو أن تؤمن له هذه التوافقات التوسع نحو عفرين وطرد الوحدات الكردية منها ما يعني إضعاف مخطط إقامة كيان كردي موسع يصل مناطق السيطرة على ضفتي نهر الفرات.
وخلال الأيام الأخيرة تزايدت المؤشرات على احتمال قيام الجيش التركي بعملية عسكرية في عفرين، فبينما أكد مجلس الأمن القومي التركي على أنه بحث توسيع انتشار الجيش التركي من إدلب إلى عفرين، رد وزير الدفاع التركي نور الدين جانكلي على موعد العملية بالقول: «ربما غداً أو قبله»، فيما قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن الجيش التركي لن يتردد في دخول عفرين إذا لاح في الأفق أي تهديد، كل ذلك جاء بالتزامن مع مواصلة الجيش التركي إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة لحدود المدينة.
هذا التقارب غير المسبوق بين أنقرة وموسكو في سوريا والذي يرى مراقبون أنه ساهم في «تحجيم» النفوذ الأمريكي هناك، دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام وبشكل مفاجئ إلى المبادرة بالاتصال بأردوغان وإبلاغه بوقف إمداد الوحدات الكردية في سوريا، ولكن لم تمض ساعات قبل أن يعود التناقض إلى التصريحات الأمريكية عبر تأكيد البيت الأبيض والبنتاغون استمرار التحالف والتعاون مع وحدات حماية الشعب مع إمكانية حصول تعديلات على سياسة الإمداد بالأسلحة.
لكن وعود ترامب لم تتمكن من طمأنة المسؤولين الأتراك، وعلى ما يبدو يُجمع مراقبون على أنها لن تؤثر على استمرار تركيا في المسار الذي بدأته مع روسيا وإيران، بل على العكس يمكن أن تدفع أردوغان لتسريع وتوسيع تنسيقه مع موسكو وطهران وإن اضطره ذلك لتقديم تنازلات جديدة تتعلق بمصير الأسد سواء القبول ببقائه في الفترة الانتقالية التي يجري التفاوض عليها في جنيف أو حتى استمراره في الحكم تحت بند «الشعب السوري يقرر مصيره بنفسه» وذلك في حال يضمن ذلك لتركيا تعاوناً روسياً إيرانياً في تحجيم النفوذ الكردي ومنع إقامة كيان مستقل على حدودها، وبالتالي تحجيم نفوذ الوحدات الكردية ما يعني لأنقرة توجيه «تحول انتقامي» من السياسات الأمريكية تجاه الوحدات وتركيا.
ويرى محللون أتراك أن المسؤولين في تركيا توصلوا إلى قناعة أن واشنطن لن تقدم أي دعم حقيقي لإسقاط الأسد وأن ما تطلقه مجرد تصريحات وتستخدم قضية الأسد كوسيلة من أجل استمرار الأزمة في سوريا وتأخير الحل لتنفيذ أجندتها واستخدامها كوسيلة ضغط ضد العديد من الجهات أبرزها تركيا، وبالتالي فإنها ترى اليوم أن أي حل للأزمة السورية يضمن وحدة أراضيها حتى مع بقاء الأسد بمثابة مكسب للسياسة التركية أو «تقليلاً للخسائر»، بالحد الأدنى.
ويقول الكاتب التركي فخر الدين ألتون في مقال في صحيفة «ديلي صباح»: «النقاشات التركية الروسية الإيرانية تهدف إلى إيجاد حل للحرب الأهلية السورية في سوتشي، وهذا قد يزعج أولئك الذين تهدف سياساتهم فقط إلى تعميق الأزمة».
وعقب قمة سوتشي الأخيرة بين روسيا وإيران وتركيا، شدد أردوغان وكبار المسؤولين الأتراك على ضرورة عدم إشراك الوحدات الكردية في مؤتمر شعوب سوريا والحل السياسي، وفي الوقت نفسه أطلقوا عدة تصريحات تؤشر إلى إمكانية التسليم ببقاء الأسد.
وعلى الرغم من أن أنقرة لا تعتقد أبداً أن روسيا سوف تتخلى تماماً عن دعم الوحدات الكردية في سوريا إلا أنها تأمل أن تتوافق مصالح تركيا وروسيا في الضغط على واشنطن من خلال حلفائهم في سوريا وتحجيم النفوذ الأمريكي وهو ما يهم موسكو، بالتالي تحجيم نفوذ الوحدات الكردية وهو ما يهم أنقرة بدرجة أكبر، مقابل تسليم تركيا ببقاء الأسد بتعهد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهو سيناريو «أفضل الممكن» الذي تسعى له تركيا حالياً.
القدس العربي
مؤتمر جنيف يخطط لمستقبل سوريا ويعضل حل «لغز الأسد»/ هبة محمد
لا يخفى على السوريين ما تسعى إليه موسكو في حشد مجمل التحالفات والتفاهمات الإقليمية من أجل اقرار وجهة نظرها، للقيام بعملية اصلاحية بالنسبة للنظام السوري، وليست تغييرية، تدور حول شرعنه انتخابات برلمانية ورئاسية تضمن فيها حق بشار الأسد بالترشح، حيث تعمل موسكو على فرض هذه الرؤية على جنيف، بينما يتطلع السوريون إلى تمسك وفد المعارضة، بمبادئ الثورة وعدم القبول بأي عملية سياسية تقبل بقاء الأسد.
تحاول روسيا تقييد وحرف العملية التفاوضية في جنيف لتجعلها مقدمة لسوتشي الذي سيكون بدوره مقبرة جماعية لأهداف الثورة وطموحات السوريين، وتجاهلت من أجل ذلك أي ضغط على النظام لإجباره على خوض مباحثات جدية للوصول إلى حل نهائي، فيما تعاون الروس مع الإيرانيين على استمرار استهداف وقصف المناطق المحاصرة سيما في ريف دمشق حيث تزامن وقوع المجازر الأكثر دموية في الغوطة الشرقية مع جلوس الوفد المفاوض في جنيف على طاولة الأمم المتحدة للتباحث، في ظل تراخ دولي.
وقال عضو منصة القاهرة فراس الخالدي، في لقاء مع «القدس العربي» ان جوهر المحادثات في الأوراق التي قدمها الوفد الموحد لقوى الثورة والمعارضة خلال مباحثات جنيف، يصب في تحديد رؤية المعارضة للعملية السياسية ومستقبل سوريا، وذلك لتنظيم المفاوضات المباشرة مع وفد النظام الذي يحاول ان يتملص من الموضوع، مشيرا إلى ان المباحثات لم تتجاوز عن كونها مقدمة لتحقيق «إمكانية الدخول في تفاصيل عملية الانتقال السياسي والشكل الدستوري والمبادئ الانتخابية ومستقبل سوريا، وهو ملف متفق عليه أصلا في لوزان، فالمبادئ التي يتم بحثها إلى الآن هي خطوة ارشادية في سبيل تحقيق الانتقال السياسي».
روسيا تناكف المجتمع الدولي
وقال مصدر سياسي من المعارضة السورية مفضلا عدم ذكر اسمه لـ «القدس العربي» ان «روسيا تقود العملية السياسية في سوريا عبر قواعدها العسكرية، وحلفائها العسكريين، وإن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتي» عن مؤتمر الشعوب في سوتشي، وقبله أستانا، ليس إلا معارك لا دماء فيها، والهدف منها، خلق كيانات سياسية تناقض ما تم الاتفاق عليه في المقررات الدولية، خاصة تلك التي تتحدث عن انتقال سيــاسي في ســوريا، يؤدي إلى رحــيل الأسد عن سدة الحكم في البلاد».
وأضاف «روسيا تتشبث بالجغرافية السورية، وقواعدها في الساحل السوري أو المنتشرة منها بالقرب من المخازن النفطية السورية، أهم بكثير من الأسد ونظامه، ولكن موسكو لا ترغب بأي حال من الأحوال الإطاحة بالأسد ونظامه، ومن هنا يمكننا القول أن روسيا تحشد الدول الموالية لها بحلة عسكرية إلى الداخل السوري، لمواجهة المجتمع الدولي الذي على ما يبدو بات غير مكترث عما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، وإلى أي ضفة تأخذ مستقبلها». تطور عسكري كبير شهدته سوريا، تزامناً مع شبه انهيار أو تجميد مؤقت لمباحثات جنيف، بعد رفض النظام السوري لمخرجات «الرياض 2» وتهديده بمغادرة سويسرا، وعدم العودة إلى المفاوضات مجدداً. حيث شهد الداخل السوري مع دخول المباحثات الدولية في «جنيف» تطوراً دولياً مهما، إذ أعلنت وسائل إعلام روسية عن وصول مجموعات قتالية من الجيش الصيني إلى الساحل السوري، تحت مسمى «مكافحة الإرهاب».
مراقبون ومحللون للشأن السوري، يعتقدون أن الائتلاف العسكري للدول المدافعة عن النظام السوري، والذي تتزعمه روسيا عسكرياً وسياسياً، لا يرغب في إحداث أي تغيرات حقيقية عبر البوابة السياسية، وأن هذا الائتلاف لا يؤمن سوى بالحل العسكري لفرض بنود سياسية أحادية الطرف، تخدم مشاريعهم ومصالحهم التي لا يمكن تمريرها في الوقت المنظور سوى عبر بوابة النظام السوري.
تحد متواصل
وواجه الوفد الموحد محاولة تشويه بعد ان نجح في توحيد أطياف المعارضة وصهرها في بوتقة واحدة، واعتبر الكثير من السوريين ان هذه الخطوة في حد ذاتها هي نجاح كبير، بعد ان كانت الذريعة المعروفة التي انتهجها النظام السوري بتسمية المعارضة المشترذمة بـ «المعارضات» ما جعله في موقف حرج بعد تبريراته الدائمة في الهروب من العملية التفاوضية أمام المجتمع الدولي. وتناقلت وسائل إعلام خبرا مفاده ان وفد قوى الثورة والمعارضة أسقطت كلمة «العربية» من اسم سوريا، ووافقت على إطلاق اسم سوريا بدلا عن الجمهورية العربية السورية، فيما اعتبر ذلك البعض عزلا من المعارضة للمكون الكردي.
إبراهيم رمضان رئيس الدائرة الإعلامية لدى الوفد المفاوض في جنيف نفى في تصريح لـ «القدس العربي» اسقاط كلمة «العربية» من مسمى سوريا، مؤكدا على استخدام اسم الجمهورية العربية السورية في وثيقة المبادئ الأساسية التي سلمها الوفد إلى المبعوث الأممي، مضيفا «ان الوفد لم يتنازل أو يحذف مسمى العربية».
تصحيح الجيش وهيكلة الاستخبارات
وبحث الوفد المفاوض مستقبل سوريا في ما بعد الأسد مركزا على أهمية ترميم كامل لبنية الجيش العسكرية، وبناء جديد لأجهزة الأمن والاستخبارات، حيث قال فراس الخالدي عضو منصة القاهرة من جنيف لـ«القدس العربي» ان وفد المعارضة بحث مع دي ميستورا بناء جيش وطني في مستقبل سوريا، لا يمت لمؤسسة النظام العسكرية الحالية بصلة، اضافة إلى تغيير جذري في مؤسسات الحكم بما فيها الاستخبارات والأجهزة الأمنية» حيث أكد ان هناك فصلا بين موضوع الاستخبارات والجيش، بحيث يكفل الدّستور السوري إصلاح الجيش ليكون وطنياً مع إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات الأمنية.
النظام يهدد بمقاطعة جنيف
وهدد رئيس وفد النظام السوري إلى مباحثات جنيف، يوم الجمعة، بعدم عودة وفد الأسد إلى المفاوضات ثانية، بعد مغادرته المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بين النظام والمعارضة، وجاء تهديد الجعفري ردا على بيان للمعارضة السورية في مؤتمرها «الرياض 2» الشهر الماضي والذي قالت فيه انه لا يمكن أن يكون بشار الأسد أي دور في الفترة الانتقالية.
وقال الجعفري خلال مؤتمر صحافي: «نحن نرى أن اللغة التي استخدمت في بيان الرياض 2 عبارة عن شروط مسبقة. لغة بيان الرياض 2 بالنسبة لنا عودة للوراء، نكوص إلى الوراء، نعتبر بيان الرياض مرفوض جملة وتفصيلا». وأضاف أن «دمشق هي التي ستقرر» ما إذا كان الوفد سيعود الأسبوع المقبل.