هل يؤدي الصراع المسلح في سوريا إلى تقسيمها؟
رندة حيدر
دخل الصراع الدائر في سوريا مرحلة جديدة وصفها غير مصدر بأنها بداية لحرب أهلية. جاء ذلك إثر عجز النظام السوري عن قمع الثورة، التي تحولت حركة مسلحة، وبعد المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين الأبرياء، مثل مجزرتي الحولة والقصير، ومع استمرار الجيش السوري النظامي في قصفه العنيف للأحياء السكنية في عدد من المدن، في طليعتها مدينة حمص التي تحولت معقلاً للمعارضة المسلحة، مما أدى الى حركة نزوح عن هذه الأحياء وخلف دماراً كبيراً فيها.
مع مرور الوقت، بدأت تتضح خريطة المواجهات العنيفة الدائرة ما بين قوات النظام السوري من جهة، والقوى المسلحة للمعارضة وعلى رأسها الجيش السوري الحر من جهة أخرى، مما رسم صورة جديدة لصراع على السيطرة على الأرض، وبدأ تظهر أكثر فأكثر محاولة القوات السورية النظامية تشديد قبضتها على عدد من النقاط الاستراتيجية الأساسية لحماية النظام والدفاع عنه، مما دفع بعض المراقبين الى الحديث عن سعي النظام السوري الى انشاء منطقة خاضعة للسيطرة العلوية. ففي مقال نشرته صحيفة “الموند” في 21 /6 /2012 بعنوان: “le regime syrien prepare une zone de repli dans la montagne alaouite” تحدثت عن مخطط يسعى بعض الأطراف في النظام السوري الى تحقيقه، ويرمي الى انشاء منطقة علوية يمكن أن ينسحب اليها أركان النظام وكبار المسؤولين وأبناء الطائفة العلوية في حال خرج الوضع عن السيطرة، أو في حال اتخذ منعطفاً مذهبياً خطراً. وبالاستناد الى ما جاء في هذا المقال فإن هذه المنطقة ستمتد مئات الكيلومترات على طول المنطقة الساحلية، ما بين طرطوس جنوباً واللاذقية شمالاً مع عمق يبلغ خمسين كيلومتراً، حيث يشكل العلويون غالبية السكان، وحيث من المفترض أن يكون الدفاع عن هذه المنطقة سهلاً.
ويشير المقال الى أنه ضمن هذا المنظور يمكن فهم الرد العنيف لأجهزة الاستخبارات السورية خلال الأيام الأولى على حركة الاحتجاج التي انطلقت في اللاذقية وبانياس وجبلة في “جمعة الكرامة” (25 آذار 2011) والتي لم تكن معادية للعلويين، لكنها على ما يبدو شكلت خطراً على هيمنة النظام على هذه المنطقة. كما يدخل في هذا السياق القصف المدفعي لحي الرمل الفلسطيني المخصص للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية، والذي تحول مع مرور السنوات مركز تجمع سكنياً للسنة الذين هم في الأصل من مدينة إدلب. وكذلك القمع العنيف لانتفاضة بلدة الحفة، التي تشكل أهم مركز سكني سني يقع شمال جبل النصيريين على الطريق بين اللاذقية والصلنفة، والتي يمكن من خلالها الوصول الى وادي الغاب، وهي تشكل بديلاً من الأتوستراد الذي يربط اللاذقية بحلب عبر جسر الشغور. كما يدخل في هذا السياق سعي النظام لافراغ مدينة تلكلخ، التجمع السني الوحيد الذي يفصل الحدود بين سوريا ولبنان، والتي تصل حمص بشمال لبنان، والتي يمكن بواسطتها التحكم بحركة التنقل في اتجاه طرطوس واللاذقية. أما السيطرة على حمص فأساسية، لأن الذي يسيطر عليها يستطيع ان يملك المفتاح الذي يصل الى وسط سوريا ويمكنه أن يعزل دمشق عن حلب. وقد أثارت التحذيرات من الانزلاق الى حرب طائفية، والحديث عن اقامة منطقة خاضعة تماماً للسيطرة العلوية المخاوف من تحول الثورة نزاعاً طائفياً بغيضاً قد يؤدي في وقت ما الى مشاريع تقسيمية. فما مدى صحة هذه الادعاءت؟ وما احتمال أن تتحول هذه السيناريوهات حقيقة سياسية جديدة؟
للوقوف على صورة واضحة عن هذه المسألة، قمنا بالاتصال بعدد من الخبراء الأجانب المختصين بسوريا، وببعض أطراف المعارضة في الداخل، الى عدد من الكتاب اللبنانيين لمناقشة هذه الفكرة.
خطة النظام استئصال المعارضة المسلحة وحماية المناطق العلوية
يرى فابريس بالانش، الأستاذ في جامعة ليون الثانية ومؤلف كتاب بعنوان “la region alaouite et le pouvoir syrien” والذي يعرف مدينة حمص عن كثب، لا سيما أنه أمضى عدداً من السنوات في سوريا، أن الصراع الدائر اليوم في مدينة حمص له أهمية مزدوجة سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي، نظراً للأهمية الاستراتيجية للمدينة كنقطة وصل بين الساحل السوري وبين مدن الداخل، وقال: “في الماضي كانت حمص مدينة سنية تسكنها أقلية مسيحية، ولم يبدأ العلويون في النزول الى المدينة إلا في العام 1930 في اطار حركة النزوح من الريف. وقد ازدادت موجة النزوح هذه في الستينات مع وصول حزب البعث الى السلطة، وبعدما نجح العلويون عبر علاقاتهم بالجيش وبأجهزة الاستخبارات في الوصول الى مناصب مهمة في الادارة المحلية للمدينة، حيث بات وجودهم طاغياً”. ويشير بالانش إلى أن الانتفاضة في حمص تركزت بصورة خاصة في الأحياء السنية الفقيرة، المهملة من جانب الدولة التي تقع في ضواحي المدينة، حيث يبرز بصورة خاصة نفوذ الحركات الإسلامية التي استغلت تخلي الدولة عن هذه الأحياء كي تنشط فيها من خلال تقديم المساعدات الطبية والغذائية، وهذا ما قد يفسر طغيان الخطاب الطائفي والمذهبي.
وتابع “يبلغ عدد سكان مدينة حمص اليوم 800,000 نسمة، نحو 500 ألف منهم من السنة، و200 ألف من العلويين، و100 ألف من المسيحيين. ويبذل النظام السوري جهده للسيطرة على الأحياء السنية في المدينة وذلك عبر استخدام أسلوب القصف العنيف الذي يؤدي الى افراغ هذه الأحياء من سكانها، قبل أن يقوم الجيش باقتحامها كما جرى مع حي بابا عمرو”. ولا يعتقد بالانش أن النظام السوري يسعى من خلال قصفه الأحياء السنية في حمص الى احداث تطهيرعرقي، أو انشاء منطقة خاضعة للنفوذ العلوي، بقدر ما هو أسلوب يهدف الى حماية المناطق ذات الغالبية العلوية من تسلل الجيش السوري الحر عبر حمص الى مناطق قريبة من البلدات العلوية وتعريضها للخطر. هذا في رأيه ما حصل، على سبيل المثال، في مدينة الحفة التي سعى الجيش السوري النظامي الى إحكام سيطرته عليها بعدما أصبح خطر المجموعات المسلحة المعارضة يتهدد مدينة القرداحة، التي شعر أهلها بالخطر وطلبوا حماية الدولة لهم. ويبدو أكثر فأكثر أن الجيش السوري النظامي يركز جهوده على المحافظة على السيطرة على وسط المدن الكبرى وعلى المحاور الاستراتيجية، تاركاً الريف في قبضة الثوار. وما يهم النظام احكام القبضة على الساحل السوري ومنع الثوار من اقامة تواصل بين الداخل السني وبين المدن الساحلية”.
وأشار بالانش الى أنه منذ بدء الانتفاضة في سوريا بدأ العديد من العلويين بالتسلح، وأن عدداً ممن يسكنون مدناً سورية كبرى، مثل دمشق وحمص وحلب، بدأ بمغادرة هذه المدن نحو مناطق أكثر أمناً بالنسبة لهم. فالعائلات الغنية على سبيل المثال انتقلت الى طرطوس حيث استأجرت الشاليهات المعدة لقضاء العطلة الصيفية، أما العائلات المتوسطة فانتقلت الى قراها، ويشهد عدد من القرى العلوية حركة بناء ناشطة لشقق معدة لأبناء الطبقة المتوسطة بأسعار معتدلة.
في رأي بالانش إن خطة النظام السوري هي الاجهاز الكامل على الانتفاضة المسلحة خلال الأشهر الخمسة الباقية قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، واثبات أنه ما يزال الأقوى. وأضاف: “كلما طال أمد الثورة ضعف النظام، والتخوف الأكبر هو من أن تتحول سوريا أفغانستان جديدة”.
وأشار بالانش الى أنه في هذه الأثناء فإن أبناء الأقليات من المسيحيين والدروز لا يزالون مع النظام. فالمسيحيون يتخوفون من تحول سوريا الى عراق آخر، ويخافون من حكم إسلامي سني راديكالي. أما البرجوازية السنية في المدن الكبرى فهي ما زالت مع النظام لأنها لم تنسَ ما حدث لها أيام حافظ الأسد حين تعرضت لعقاب شديد لوقوفها مع تمرد “الإخوان” في الثمانينات، وهي لا تريد خسارة امتيازاتها. بعض هذه العائلات انتقل الى الخارج والى الخليج وليس الى صفوف المعارضة. أما المعارضون من أبناء البرجوازية السنية فهم الذين يعيشون في الأساس في الخارج، أو الذين كانوا على خلاف مع حاشية عائلة الأسد التي تقبض على الحياة الاقتصادية في سوريا. ورأى بالانش أن أبناء الطبقة الوسطى من سكان المدن الكبرى أو ما يسمى “بالغالبية الصامتة” ضد عسكرة الانتفاضة، ويرغبون في الاستقرار، وهم ليسوا مع النظام لكنهم يخشون الفوضى، وعندما يرون ما يحدث في مصر يزداد خوفهم على مصيرهم.
تقسيم سوريا الى دويلات لن يحصل
ماذا تقول المعارضة السورية في الداخل في هذا الشأن؟ في رأي الأستاذ منذر خدام رئيس المكتب الاعلامي في هيئة التنسيق لقوى التغير الوطني أن الصرع رغم كل شيء ليس طائفياً، وكتب: “رغم كل الأعراض الطائفية التي برزت في سياق انتفاضة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته وبناء نظام ديموقراطي بديل لنظام الاستبداد القائم، فإن الصراع الطائفي ليس خياراً واقعياً، وبالتالي فإن تقسيم سورية إلى دويلات طائفية لن يحصل. بل أستطيع التأكيد، استنادا إلى ما حصل في مدينة الحفة والقرى المجاورة لها، أن الصراع الطائفي لم يخرج عن نطاق الخطاب الإعلامي والسياسي النخبوي إلا بحدود ضيقة جداً، أما على الأرض فالمسألة مختلفة كثيراً، لقد استغل النظام واقعة كون أغلب المشاركين بالثورة هم من السنّة لكي يؤسس لخطاب طائفي تجاه الأقليات يخوفها من البديل القادم، من أجل أن يكسبها إلى صفه وقد حقق بعض النجاح في البداية، لكن مع استمرار النظام بخياره العسكري الأمني وعدم القبول الجدي بفتح أي خيار سياسي تفاوضي لإنهاء الأزمة، وخصوصا بعدما تسببت حربه المجنونة على شعبه بسقوط آلاف الشهداء من العسكريين وعناصر الأمن، وغالبيتهم من الطائفة العلوية، بدأ مزاج الطائفة العلوية يتغير بعض الشيء تجاه دعم النظام.
لقد برز تغير مزاج العلويين بصورة واضحة من خلال الأحداث التي جرت في الحفة. فمن المعلوم أن هذه المدينة تمثل جيباً تحوطه قرى علوية من جميع الجهات تقريبا، وقد خشي كثيرون من حدوث صراع طائفي فيها، غير أن الوقائع على الأرض كذبت مقولة الصراع الطائفي في سورية. لقد ساهم كثير من العلويين في تأمين خروج المدنيين من المدينة، واحتضنت أسر علوية عديدة في مدينة اللاذقية مئات الأسر التي فرت من منطقة الاشتباكات، واقتسموا معهم كل شيء، من لقمة الأكل إلى السكن.
وفي الجهة المقابلة لم يعرف عن المسلحين الذين سيطروا على المدينة، وهم في غالبيتهم العظمى من سكانها، أن اعتدوا على أحد من العلويين، حتى أنصار النظام والبعثيون المسلحون الذين كانوا في مقر الحزب أو في المؤسسات الحكومية سمحوا للجميع بالخروج، وكان خطابهم لهم أننا لسنا في صراع معكم بل مع النظام الذي يستعبدنا نحن وإياكم.
ومن اللافت أن بعض مشايخ العلويين الذين كانوا يتخوفون من حصول اقتتال طائفي بين العلويين والسنة في المنطقة بتشجيع من بعض أتباع النظام، ساهموا بمنع ذلك من خلال جولات قاموا بها على القرى المجاورة لمدينة الحفة، واجتمعاعهم مع أهلها ودعوتهم إياهم لعدم الانجرار إلى أي صراع طائفي مع جيرانهم. لقد شكل التضامن بين العلويين والسنة في منطقة الحفة درساً في الوطنية السورية سوف تذكره وتتعلم منه الأجيال المقبلة. ولا بد من التنويه أيضاً بما قام به بعض ضباط الجيش وعناصره، الذين دخلوا مدينة الحفة بعدما انسحب منها المسلحون، إذ منعوا في كثير من الحالات نهب المحال التجارية وبيوت المواطنين من بعض الأفراد المحسوبين على أشخاص نافذين في المحافظة، وتم اعتقال بعضهم وقدموا للقضاء.
باختصار الصراع في سورية ليس صراعاً ما بين طوائف أو مذاهب أو مكونات عرقية وإنما صراع سياسي ساخن ما بين النظام وأجهزته العسكرية والأمنية وهي مكونة من جميع طوائف سورية، وبين المسلحين الذين انشقوا عن قوات النظام، والمسلحين المحليين الذين أرغموا على حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأهلهم، إلى جانب مجموعات مسلحة مختلفة لا تعرف لها هوية محددة بدأت بالظهور والانتشار اخيراً في كل مناطق سورية”.
التقسيم الطائفي غير وارد
أما في رأي الكاتب في الشؤون السورية والكردية بدرخان علي فإن فكرة تقسيم سوريا الى دويلات طائفية هي فكرة خيالية، وكتب لنا: “هذه المقولة-الفرضيّة، التي تبدو لي ذهنيّة وخياليّة، هي إحدى إفرازات “القراءة الطائفيّة” لطبيعة الصراع السياسي والاجتماعي في سورية، بين سلطة ديكتاتوريّة مغلقة، وانتفاضة وطنيّة شعبيّة. كذلك توجد صورة مقلوبة لهذه الفرضيّة عند داعمي النظام الطائفييّن، أن ليس هناك انتفاضة شعبية بل انتقام طائفي، بدفع من قوى خارجيّة، ضد “الطائفة العلويّة”.
الحقيقة أن سورية تشهد أياماً عصيبة جداً، وستشهدها في الفترة المقبلة أيضاً. كل الاحتمالات السيئة واردة، من اقتتال وفوضى وتخريب واسع النطاق في البنية المجتمعيّة وانهيار مؤسسات الدولة، وهي احتمالات على درجة عالية الخطورة. لكن تقسيم البلاد على أساس طائفيّ-مذهبيّ غير وارد، في رأيي، رغم إمكان حدوث اقتتال أهلي على أسس طائفيّة-مذهبيّة وانتقامات هنا وهناك.
الحقيقة أن ليس هناك مناطق سورية معزولة عن بعضها بالصورة التي يتم الكلام عنها. هناك تداخل سكانيّ وجغرافي بين كل مكوّنات المجتمع السوريّ كافة من جهة، المجتمع السوري ليس كانتونات طائفيّة. علماً أنني لا أفسّر سياسة السلطة الاسئتصاليّة بناء على دوافع مذهبيّة. ليس هناك ما يثبت أو يدل الى سياسة في هذا الصدد ، أي “إنشاء مناطق خاضعة للسيطرة العلويّة” كما جاء في السؤال. هذه سياسة سلطة تحارب من أجل البقاء وتستخدم كل الأداوت المتوافرة، من عنف وإكراه وتخويف المكونات المجتمعيّة بعضها من بعض. أنا أميل إلى رأي يقول أن النظام الحاكم بسياسته الوحشيّة هذه ورهنه لغالبية من الطائفة العلويّة، يعبث بحياة أبناء الطائفة العلوية ومستقبلها، لا إلى حمايتها”.
الخوف من عرقنة سوريا
ثمة صعوبة في الوقوف على رأي الخبراء اللبنانيين من النزاع الدائر في سوريا والمخاوف من تحوله حرباً طائفية، نظراً لخصوصية الوضع السوري وتشابكه. وقد رأى النائب فريد الخازن مؤلف كتاب “تفكيك أوصال الدولة في لبنان: 1967- 1976” (صادر عن دار النهار للنشر العام 2002) أن الحوادث في سوريا تتجه نحو المزيد من العنف، وقد تجاوزت الوضع السوري الداخلي وبات لها بعد مذهبي وإقليمي ودولي، وليس في استطاعة أحد الجزم بوجود خطة تقسيمية رغم أن مثل هذه الأفكار قد تراود البعض. وهو لايعتقد أن الوضع في سوريا على الأرض يسير وفق خطة تقسيمية، وهناك شيء من المبالغات في تصوير الأمور.
يعتقد د. الخازن أنه ليس في استطاعة أحد معرفة متى تنتهي الأزمة، التي يبدو أنها تخطت الحلول السياسية. وفي رأيه ان الوضع في سوريا تحول الى ما يشبه عليه الوضع في العراق، وتحولت سوريا الى أرض “للجهاد” ضد نظام الأسد، ومثلما جذبت الحال العراقية الجهاديين والمقاتلين في العراق تجذب اليوم هؤلاء الى القتال في سوريا. ويميز الخازن ما بين حالات النزوح التي تشهدها سوريا بسبب الصراع الدائر، وبين نشوء كانتونات، الذي يستبعده. كما أعرب عن تخوفه من تدهور الوضع وانزلاقه الى المزيد من الفوضى، نظراً لعدم قدرة أي فريق على التحكم في مسار الأزمة.
إما النظام التعددي وإلا فالخريطة السورية ستصبح موضع شك!
يرى الكاتب حازم صاغية مؤلف كتاب “البعث السوري: تاريخ موجز” (الصادر العام 2011 عن دار الساقي) أنه “ليس من الصعب أن نلاحظ أنّ الثورة السوريّة وقعت على أرض بالغة التفتّت طائفيّاً وإثنيّاً ومناطقيّاً. وهذا ما دأب النظام البعثيّ، منذ 1963، ولكنْ خصوصاً منذ 1970، على إحداثه على نحو موسّع. لكنْ قبل النظام البعثيّ، وككيان ما بعد عثمانيّ حديث النشأة، مثله مثل لبنان والعراق وسواهما، تضجّ سوريّا بتناقضات موروثة (سنّة-علويّين، أكثريّة-أقليّات، ريف-مدن، دمشق-حلب، عرب-كرد) لم تعمل أنظمة ما بعد الاستقلال على رأب صدوعها، بل فاقمت تلك الصدوع ووسّعتها.
وهذا ما يجعل طلب الحريّة كما نراه اليوم محكوماً بالاختلاف عن طلبها في مجتمعات متجانسة، حيث يدور الانقسام بين شعب/مجتمع وبين سلطة. هنا نحن أمام أبعاد عدّة متداخلة ومتقاطعة، بحيث تستطيع السلطة أن تماهي نفسها مع شطر صلب من شطور المجتمع. وهذا، فضلاً عن المداخلات الإقليميّة والدوليّة، هو السرّ الأبعد وراء إطالة النزاع وتعقّده، تلك الإطالة التي يستثمر النظام فيها، جاعلاً من سقوطه مساوياً لسقوط المجتمع السوريّ. وبدوره فكلّما طال النزاع أكثر، زادت الأحقاد والدماء وتعاظمت صعوبات رأب المجتمع، خصوصاً أنّ تمادي الأزمة سوف يأتي مصحوباً بتعوّد المناطق والجماعات على العيش وحدها بعيداً عن الاشتراك في دورة حياة وطنيّة مع الآخرين. وعلى مدى أبعد، يصعب جدّاً تخيّل سلطة مركزيّة بالمعنى الذي عرفه السوريّون في ظلّ حافظ وبشّار الأسد. فإمّا أن يرسو الوضع على نظام يقرّ بتعدّديّة المجتمع السوريّ ويعكسه، أو أن تغدو الخريطة السوريّة عينها موضع شكّ. وهذا ما أظنّه مكسباً كبيراً للسوريّين بعد طول معاناتهم مع عسف تلك السلطة المركزيّة، كما أنّه مكسب للبلدان الصغرى في جوار سوريّا التي عانت الأمرّين من الدور الإمبراطوريّ الذي مارسته السلطة الدمشقيّة”.
عمل جنوني
يعتقد روائي وكاتب لبناني أن كل حديث عن منطقة علوية هو بمثابة اعلان هزيمة للنظام السوري، وتعريض الطائفة العلوية كلها لخطر الابادة لا سيما سكان المدن الكبرى. وهو يتوقع ألا تسمح تركيا بنشوء مثل هذه المنطقة العلوية على حدودها لا سيما مع وجود طائفة علوية واسعة في تركيا. ويختم قائلاً: “تقسيم سوريا عمل جنوني وهو غير وارد”.
النهار