هل يستحق السوريون كل هذا؟
فايز سارة
عاشت دول المنطقة ومحيطها عشرات الكوارث الإنسانية في العقود الستة الأخيرة، وكان جيلنا السوري شاهدا يوميا على ما أحاط بها، وعرف وتفاعل مع كثير من تفاصيلها اليومية والإنسانية. وإذ كانت بعض تلك الكوارث من صنع الطبيعة كما هي الزلازل والعواصف والسيول الجارفة، فإن أغلب الكوارث كانت من صنع البشر وأغلبهم من أعداء أو حكام أطاحوا بحقوق شعوبهم وكرسوا الاستبداد والاستئثار بالسلطة في مواجهة شعوبهم، والبعض منهم قاد بلاده إلى حروب مدمرة مع الجوار أو أنه دخل ببلاده أتون حرب أهلية، بعد أن استنزف قدراتها البشرية والمادية عقودا من السنوات، وتركت تلك السياسات كوارث وآثارا لا تقل سوءا عما خلفته الكوارث الطبيعية، بل كانت أشد قسوة وأثرا.
وعلى الرغم من أنه لم يكن للسوريين في غالب الأحيان دور فيما أصاب تلك الدول وشعوبها من كوارث ومصائب، وعلى الرغم من أن حال السوريين لم يكن أفضل بكثير من أحوال الشعوب المحيطة بهم والقريبة منهم، فإنهم وقفوا، كما ينبغي للإخوة والبشر أن يقفوا، إلى جانب إخوتهم وجيرانهم في المحن التي تعرضوا لها، والسلسلة في ذلك ممتدة إلى بلاد وشعوب تقارب في كثير من أحوالها حالة الشعب السوري.
وإذا كان من الطبيعي، أن يساهم السوريون في حملات الدعم والمساندة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية، فليس من باب المنة قول إن السوريين، كانوا أكثر من وقفوا إلى جانب إخوتهم الفلسطينيين في المحنة الكبرى التي تعرضوا لها طوال قرن مضى، وكانوا أنصارهم وملجأهم في أغلب حلقات المحنة، ووفروا لهم ليس ملاذا آمنا فقط، وإنما حياة تماثل وتقارب حياة السوريين، كما وقف السوريون في مواجهة محنة الحرب بين الهند وباكستان بداية السبعينات، ووفروا ملاذا آمنا لعشرات آلاف الضحايا والهاربين من الحرب، واحتضن السوريون ضحايا الصراعات التي جرت في أفغانستان أواسط السبعينات، واستمرت سنوات طويلة، كما استقبل السوريون أردنيين وفلسطينيين وصلوا إلى الأراضي السورية نتيجة الصراع الدامي في الأردن بين المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية بين عامي 1970 و1971، ثم استقبلوا اللبنانيين في سنوات الحرب الأهلية 1975 – 1990، وزادوا على ذلك استقبال لبنانيين وفلسطينيين في كل الحروب الإسرائيلية على لبنان وخاصة في حروب 1978 و1982 و1996 وصولا إلى حرب عام 2006، التي جاءت ردا على عملية قام بها حزب الله عبر حدود لبنان الجنوبية، واستقبل السوريون إخوانهم من الكويت بعد اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990، ثم استقبلوا اللاجئين العراقيين الهاربين من الحرب الدولية على العراق مرتين؛ الأولى عام 1991، والثانية في عام 2003 التي انتهت بسقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق.
ولم يقتصر استقبال السوريين على اللاجئين والهاربين من الحروب، وتقديم كل مساعدة ممكنة لهم، بل امتد الأمر إلى استقبال ضحايا الاضطهاد السياسي من بلدان كثيرة في سوريا، التي عاش فيها لاجئون سياسيون وأصحاب رأي عراقيون ومصريون ويمنيون ومن دول عربية أخرى، ومن بلدان أفريقية وآسيوية، ووفرت لهم احتياجات إنسانية بعد أن تعذر عليهم العيش في بلادهم على نحو ما عاش معظم قادة العراق الحاليين في سوريا وسط أفضل شروط وفرها الشعب السوري.
وإن كان ثمة من يرى أن بعض تلك الحالات، تتوافق وسياسات النظام ومواقفه في ضوء الصراعات الإقليمية والدولية وموقفه منها، فإن ذلك لا يعني أن الشعب السوري كان يستجيب لتلك الحالات تناغما مع مواقف النظام وسياساته، إنما كانت مواقفه نتيجة الحس الإنساني والتضامني الذي ميز سلوك السوريين حيال أصحاب الحاجة إلى الملاذ الآمن والباحثين عن فرصة لحياة طبيعية بعد أن تعذر الحصول عليها في بلدانهم ووسط أهلهم وفي ظل حكوماتهم الباغية، وهذا سلوك سوري قديم، تؤكده فصول من تاريخ سوريا في استقبالها لمغاربة وجزائريين وشركس وأرمن وأرناؤوط وغيرهم ممن وفدوا إلى سوريا في ظروف صعبة، ثم اندمجوا في النسيج السكاني للسوريين.
وسط ذلك الإرث من مساعدة الآخرين باعتبارها واجبا أخلاقيا وأخويا وإنسانيا، تنطلق الأسئلة تباعا عن الأوضاع التي تحيط بالسوريين في بلدان الجوار وغيرها، حيث ثمة شكاوى من مواقف تمييزية كما الحال في لبنان، ومن سياسات احتجاز في مخيمات متواضعة الخدمات على نحو ما هو عليه الحال في الأردن وبعض مخيمات تركيا، ومن تقييد لاستقبالهم كما في العديد من الدول العربية، أو التشدد في منحهم أذونات الدخول إلى كثير من بلدان العالم. بل إن الأفظع مما سبق، مشاركة دول مثل روسيا وإيران في الحرب على السوريين بتقديم السلاح والمال والخبرات لنظام يقتل الشعب، وأن يسمح العراق بمرور شحنات الأسلحة عبر أراضية لقتل السوريين، وأن تسكت السلطات العراقية إن لم نقل إنها تدعم مرور عناصر الميليشيات الشيعية للمشاركة في الحرب على السوريين، ولعل أبشع ما يمكن في هذا المسار قيام قوات حزب الله بالهجوم على مناطق سورية وتدميرها على نحو ما يحصل في منطقة القصير وفي ريف دمشق في خطوة ستؤدي إلى تعزيز فرص حرب طائفية بين المسلمين الشيعة والسُنة، التي هي جزء من استراتيجية إيران في المنطقة.
إن الأسئلة المثارة كلها، يمكن اختصارها في سؤال جوهري خلاصته: هل يستحق السوريون ما يحصل لهم؟
الشرق الأوسط