هل يمكن إقصاء الأسد مثل صالح؟
عبد الرحمن الراشد
هذا ما قيل لتسويق مشروع الجامعة العربية لإنهاء العنف في سوريا، إخراج علي عبد الله صالح ورجاله من الحكم في اليمن دون حرب أو تمزيق للدولة. في رأيي، إن استنساخ الحل اليمني سوريّا دونه عقبات تجعله مستحيلا.
ولو كان ممكنا بالفعل أن نرى بشار الأسد وقادته يغادرون دمشق ويحل محلهم من يريده السوريون، لاستحق الأمر جائزة نوبل للسلام، طبعا للشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري، وبدرجة أقل نبيل العربي أمين الجامعة العربية، لكن أخشى أن تنتهي الخطة العربية بجائزة أوسكار سينمائية يحصل عليها الأسد في دور أفضل ممثل.
الظروف مختلفة تماما بين نظامي صالح في اليمن والأسد في سوريا. ولا يسمح لي هذا العمود الضيق بالإسهاب، إنما مهم التوضيح بأنه كانت في داخل اليمن وخارجه قوى حقيقية قادرة على إجبار رأس النظام على التنحي وتتويج ثورة الشارع برحيله. السعودية ودول الخليج والولايات المتحدة لليمن.. هي بمثابة روسيا وإيران لسوريا.
الأولى بدأت فعليا نشاطها لإخراج صالح مبكرا، منذ عشرة أشهر، عندما أعلن قادة قبيلته حاشد، ومعهم زعامات دينية زيدية، مطالبته بالتنحي انسجاما مع رغبة الشارع الثائر، وبعدها بيومين، أي 22 مارس (آذار)، أعلن استعداده للرحيل بنهاية العام، ربما مناورة. وردا على محاصرة الخارج له حاصر بقواته سفارة الإمارات في صنعاء لتخويف وفد مجلس التعاون، لكنه لم ينجح. أيضا حاول حشد جماهيره ضد ما سماه تدخل الولايات المتحدة، مع هذا استمر السفير الأميركي في صنعاء يعقد الاجتماعات في منزله مع قادة المعارضة للتنسيق لإنهاء حكم صالح. في سوريا الوضع معكوس تماما. إيران وروسيا تمدان حليفهما، النظام، بالأسلحة، والمرتزقة، وتخربان حتى جهود العالم لتخفيف القتل، ومنعت موسكو كل محاولات الشجب في مجلس الأمم المتحدة.
في سوريا، الأسد يختبئ وراء طائفته التي يحكمها بالقوة. وفي اليمن، صالح تخلت عنه قبيلته والقوى الحليفة، ولم يعد يحكم سوى صنعاء وبقية الدولة صار يحكمها بالوكالة. أما الأسد، فإنه يحكم سوريا بأجهزة مخابرات وأمنية وعسكرية من مدينة باب الهوى على الحدود مع تركيا شمالا وحتى درعا على الحدود مع الأردن جنوبا.
وخطة الجامعة الجديدة لإنهاء الأزمة السورية خطيرة، لأنها تعطي النظام المحاصر لأول مرة فرصة حقيقية للبقاء والقضاء على الثورة. روسيا وإيران منذ شهرين اقترحتا إعطاء النظام الفرصة، مقابل إشراكه المعارضة وإجراء انتخابات. الخطة المقترحة من الجامعة تقوم على نفس هاتين النقطتين. وتضيف الجامعة بشرط تسليم الصلاحيات لنائب الرئيس. طبعا هذا ليس دقيقا عند القراءة المتأنية للورقة. النص يقول: «تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية».
المطلوب من الأسد أن يمنح نائبه صلاحيات «تعاون» مع الحكومة، وهذا أمر يسير لا يمكن أن يقارن بمنحه صلاحياته كلها كما كان في الحل اليمني. ومهم أن أعيد التذكير بأنه في اليمن وجدت عصا مسلطة على صالح حيث بقي عاريا بلا سند، فالخليجيون والغرب كانوا عمليا مع رحيله. أما الأسد يتم إسناده رغم هول حجم القتل، روسيا أرسلت بوارجها لطرطوس، وإيران بعثت له بأسلحة وميليشيات ونفط. ثانيا، النظام استبق واخترع مسرحية للحل السياسي، اخترع معارضتين له، واحدة في الداخل، وأخرى في الخارج، لإقصاء الثوار والمعارضة الحقيقية. سمح للمعارضة المزورة بالعمل في دمشق في مسرحية مكشوفة مع بضعة أفراد يدعون أنهم معارضون في الخارج، لكن الجماهير السورية رفضتهم.
لاحقا، سنرى النظام، الذي يدعي الممانعة اليوم وينتقد الخطة توطئة، يجرجر أقدامه ثم يقبل بها ويختار ما يناسبه منها. وخلال ثلاثة أشهر، من العبث وتصفية الناشطين، سيرضى بـ«حكومة وطنية مشتركة»! وهي لن تكون إلا مثل فريق المراقبين، الذي رفضه نظام الأسد ثم قبل به بعد شهرين وبعد أن فرغه من أهم واجباته، وفرض على الجامعة العربية تكليف جنرال له سجل سيئ من نظام شرير موال له، أي السودان، فأنتج في النهاية تقريرا مزورا، غسل كل ثياب النظام الملطخة بالدم.
ستسألون، ما هو الحل العملي الممكن في ظرف عسير كهذا، كما سأل الشيخ حمد مجيبا أحد الصحافيين الغاضبين.. «إذا تقدرون تزيحون النظام أزيحوه.. هل تقدرون؟»، وللحديث بقية.
الشرق الأوسط