صفحات العالم

هل يمكن تسمية النزاع في سورية بالحرب الأهلية؟


روجر أوين *

تعلّمنا تسمية عدد كبير من الفترات التي شهدت صراعاً داخلياً في تاريخ البشرية بالحروب الأهلية. وبرزت محاولات عديدة لتحديد طبيعتها وفق مشروع لتحديد هويات الحروب تأسس في جامعة ميتشيغن عام 1963 والذي يشير إلى أنّ الحرب تسمى بالحرب الأهلية عندما تكون المواجهة قائمة بين حكومة ما وبين كيان ما ليست له صفة حكومية بحيث تُشرك الحكومة الآلاف من جنودها في القتال ويسقط ضحايا في صفوفهم خلال المعارك.

وفي ما يتعلق بما يجري حالياً في سورية، يبدو أنّ النقاش الدائر حيال تسمية ما يجري بالحرب الأهلية أو عدمه هو مسألة سياسية، ولا يقتصر الموضوع على مجرّد تحديد ويعتمد بشكل كبير على تأثير مجموعة معيّنة من الذكريات التاريخية التي تبدو ثقافية بأغلبيتها.

لننظر في السياسة أولاً. في حال صحّ أن إدارة أوباما وحلفاءها الأوروبيين يحاولون من خلال تسمية ما يجري، بالحرب الأهلية كما هي الحال أو اعتبار أنّ الوضع سيتحوّل إلى حرب أهلية، إرسال تحذير معيّن إلى النظام السوري، فلا يُنظر إلى هذه المسألة بهذه الطريقة في دمشق وربما في موسكو أيضاً. فالأكيد أن الحروب الأهلية تفترض وجود طرفين فيها بينما ينظر إلى الأمر من وجهة نظر نظام الأسد على أن هناك طرفاً واحداً هو الحكومة وحدها، بينما الطرف الآخر يتألف بشكل واسع من «مرتزقة» أو من مقاتلين مدفوعين من الخارج. وما يثير قلقهم أكثر هو الإشارات التي تدل إلى وجود غزو عسكري شبيه بالمهمة التي نفذّها حلف شمال الأطلسي في إطار تدخّله في ليبيا والتي أدت إلى إنشاء ملاذات آمنة تحظى بحماية الطائرات العسكرية البريطانية والفرنسية بدلاً من حماية الشعب الأسير من وحشية النظام ونشر مراقبين دوليين وإرسال الفرق التي تقدّم مساعدات إنسانية.

أما في ما يتعلّق بالذكريات التاريخية والثقافية، فتملك شعوب الشرق الأوسط مجموعة كبيرة تختار بينها، بدءاً ربما من الحروب الأهلية في اليمن ومن ثمّ لبنان التي دامت على مدى نحو عقد واستدعت أشكالاً مختلفة من التدخّل الخارجي إلى أن ساهم الإرهاق الكبير في وضع حدّ للقتال. والجدير ذكره أنّ بعض شرائح المجتمع لم يعتبر الحرب اللبنانية حرباً أهلية بل مجموعة من التدخلات غير المرغوب فيها من الخارج بدءاً بالتدخلات الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.

وإذا سئلتُ ما إذا كان الاسم الذي سيطلق على نضال مماثل هو أمر مهمّ لأجبتُ بنعم لا سيّما أنّ إجراء مقارنة مع أحداث مماثلة يقدّم مجموعة من التفسيرات المهمة حول كيفية بدء القتال وطبيعته الحالية ووقعه على الدول المجاورة وكيفية إنهائه.

وإذا ما نظرنا إلى البداية، فإنني اتفق مع الرأي الذي عبّر عنه ديفيد ليش في كتابه الجديد بعنوان «سورية» والذي اعتبر أنه عقب التظاهرات السلمية المرتبطة بالربيع العربي الذي بدأ في آذار (مارس) 2011، سجّلت نقطة تحوّل أساسية في آب (أغسطس) من ذلك العام حين انتقل النظام مما يسميه السياسة «المعدّلة سياسياً» والقائمة على إطلاق النار على المتظاهرين إلى «حرب شاملة». والتذكير بهذا السجل الزمني يعني الإقرار بأنّه لم يكن ممكناً تفادي هذه التطورات التي كانت ردة فعل محتمة.

وفيما ازدادت حدة القتال، بدأت بعض الخصائص التي تميّز ما يسمّى الحروب الأهلية بالبروز. تمّ الفوز بأجزاء من الأرض وخسارتها وتم تقسيم العائلات بين قوات النظام الموالية والمعارضة فيما عرضت الحكومة والمعارضة وقائع متعارضة عن الحدث نفسه. ومن ثمّ بات العامل الطائفي أكثر بروزاً بحيث راحت تبرز مجموعات صغيرة من اللاجئين الداخليين الذين فروا من أماكن شعروا فيها بعدم الأمان إلى أماكن يقطنها أشخاص بوسعهم توفير الحماية لهم.

والمهم هو ما لم يحصل. فمن جهة لم يتجه السوريون الذين اضطروا للهرب إلى الخارج إلى مواجهة بعضهم بعضاً بنفس الحدة التي نشهدها بين السوريين في الداخل وباسم الغرائز والعقائد التي نجدها في ديارهم، وهذه هي الحال في معظم الحروب الأهلية، فالسوريون في الخارج بقوا متحدين في حبهم لبلدهم، وهذا عامل ستكون له أبعاد مهمة في المستقبل. من جهة أخرى بقيت المعارضة منقسمة ما أضر بها سياسياً على صعيد الدعم الخارجي المحتمل لو تمكنت من تحويل أنشطتها إلى أنشطة عسكرية من خلال منع النظام من مهاجمة أو إلغاء هدف واحد.

وأخيراً انتهت بعض الحروب الأهلية الحديثة سريعاً نتيجة فوز فريق معين كما حصل في إسبانيا في الحرب العالمية الثانية واليونان بعدها. إلا أن الحروب الأخرى بما فيها الحروب التي اندلعت في الشرق الأوسط في لبنان والسودان واليمن، فقد امتدت لسنوات فيما حظي الطرفان بالدعم الكافي من القوى الخارجية للحيلولة دون هزيمتهما.

ويجب أن ننتظر لنرى ما إذا كان ذلك سيحصل في سورية إلا أن هذا احتمال قائم. كما يمكن أن يتقلّص الدعم للنظام إلى حدّ أن يتمّ إجباره على محاولة بلوغ اتفاق مع خصومه أو يمكن أن نشهد على حدث خارجي مثل ما حصل عند اندلاع حرب الشرق الأوسط عام 1967 التي أجبرت القوات المصرية على الانسحاب من اليمن.

ونحن نعلم جيداً أنّه في ظلّ الأوضاع التي تشبه الحرب الأهلية، نادراً ما ترسل القوى الخارجية جنوداً باستثناء قوات حفظ السلام. فهم يعمدون بشكل عام إلى الانتقال من محاولة فرض حظر تام على الأسلحة إلى تسليح جهة وتبرير هذه الإجراءات بأنها تصب ضمن المصلحة الوطنية. هذه هي النقطة التي بلغناها على ما يبدو في سورية. فالسلاح يجرّ النفوذ. والنفوذ يسمح للقوى الخارجية القلقة من عواقب القتال المستمر بقول الكلمة الحاسمة فيما سيحدث في المستقبل.

* أكاديمي بريطاني – جامعة هارفارد

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى