صفحات العالم

هل ينفذ الأسد بجلده


طارق محمد الناصر

لا أرى، صراحة، أي وجاهة في الجدل الدائر حول الخشية من انزلاق سوريا إلى حرب أهلية في حال تم تسليح المعارضة السورية. فسوريا في طريقها المحتوم، للأسف، للانزلاق لتلك الحرب تحت وطأة الآلة العسكرية للنظام سواء تم تسليح المعارضة أم لم يتم.

مناهضو تسليح المعارضة الوطنية السورية يجادلون، محقين، بان تفريق السلاح بين الأيدي مهمة سهلة إلا ان إعادة جمعه منها مهمة شبه مستحيلة. ويجادلون بان التسليح من المؤكد بان يساهم في نشوء جماعات مسلحة قائمة على أيدلوجيات أو عرقيات مختلفة ستتقاتل فيما بينها على تحقيق أجندتها بمجرد سقوط النظام.

خشية مناهضي التسليح، وهم ليسوا بالضرورة من أنصار النظام، تقوم على ان التسليح سيصب مزيداً من الوقود على النار السورية المتقدة، وان من الأفضل إجبار المعارضة والنظام على الجلوس على طاولة التفاوض لإخراج البلاد من النفق الذي جرها النظام إليه.

هذا كلام جميل. إلا انه مستحيل التطبيق في الحالة السورية لسببين رئيسيين. الأول هو النظام السوري جعل من الصعب جدا على مواطنيه أن يغفروا له الوحشية التي ارتكب بها مجازره ضدهم. فالطلاق المضمخ بدماء الشهداء بين النظام والشعب قد وقع، ولا مجال الآن لأي تسوية يمكن لها أن تبقي الأسد في موقعه ولو لفترة انتقالية.

أما السبب الثاني فهو ان التفاوض مع النظام لن يجدي لأنه، ببساطة، لن يتفاوض على بنود مبادرة الجامعة العربية الداعية لتنحيه، كما انه، وهذا هو الأهم، مشهور بعدم احترامه لأيّ من تعهداته. إذ لدى المجتمع الدولي، وخاصة لدى المملكة، تاريخ طويل من التعهدات السورية المنتهكة مع بشار الأسد. فالرجل لا ينفك عن الكذب حتى ما عادت لعهوده أي قيمة.

ثم إن الحديث عن إمكانية التفاوض مع النظام وانتظار تغليبه للحكمة هو حديث متأخر جدا. فالمتابع للثورة السورية يجد بان زخمها يتزايد باستمرار على كامل التراب السوري. والنجاح المخضب بدماء الأبرياء الذي حققه النظام في بابا عمرو لن يستمر، إذ سبق له أن اقتحم الرستن لكن أهلها أعادوا تحريرها من قبضته بمجرد تحرك آلة قتل النظام خارج المدينة.

تسليح المعارضة الوطنية السورية شر لا بد منه. فالتسليح سيستنزف النظام ويضعف معنوياته، وهو كذلك سيشجع المزيد من أفراد جيشه المترددين على الانشقاق عنه متى ما تبين لهم ان بإمكان المعارضة حمايتهم.

ما زال لدى نظام الأسد بصيص من أمل للنجاة. لكن هذا الأمل سيخبو عندما تتمكن المعارضة السورية من توحيد صفوفها وتقديم برنامج يوضح سياستها بعد سقوطه. إن فعل قبل أن يفعلوا فقد يتمكن الأسد من النجاة بجلده.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى