صفحات سوريةهوشنك أوسي

هناك من يرغب بتأدية دور القذّافي كاملاً

هوشنك أوسي

معالم ومعطيات المشهد السوري، والتعاطي الوحشي للنظام مع الانتفاضة/الثورة السوريّة، تشي وكأنّ القذّافيّة والسيناريو الليبي، يوشكان على التكرار في سوريا. ذلك أن يوميّات الثورة السوريّة، وازدياد مأزق النظام، ووصوله مرحلة اطلاق التهديدات، كيفما اتفق، عربيّاً وإقليميّاً، وقبلها دوليّاً (تهديدات مفتي سورية لأوروبا)، تفضي لنتيجة مؤدّاها: إن سوريا صارت على مقربة من تكرار الشريط السينمائي الليبي، بتوقيع بشّار الأسد. وهنا، يغدو الأخير، كاتب السيناريو والمخرج والمنتج، ولاعباً دور البطولة المطلقة لشخصيّة العقيد الليبي معمّر القذّافي في الآن عينه!. ذلك أن جوهر الحديث الذي أدلى به الرئيس السوري لصحيفة «صنداي تايمز» البريطانيّة، كان ذا نبرة ومنحى قذّافيين، حين أشار إلى «عدم الركوع» و»القتال حتّى النهاية»، والتهديد بإحداث «زلازل» تطال دول المنطقة، في حال شهدت سوريا تدخّلاً عسكريّاً غربيّاً!. وبالتالي، ما قاله القذّافي، حين أرعد وأزبد، يكرره الأسد، بطريقة، لا تخلو من العنتريّات الكاريكاتوريّة!.

حديث الأسد المذكور، لم يكن متخماً بالتناقضات وحسب، وكأنّ به أن العالم هو على هذه الدرجة من الجهالة والسطحيّة والسذاجة التي تدفعه لتصديق حديثه المرتبك. فحين يقول: «نحن كدولة ليست لدينا سياسة وحشية مع المواطن»، هل يقصد الأسد، سوريا أم سويسرا؟!. ذلك أننا لن نعود لفاتورة الأشهر الماضية من عمر الانتفاضة السوريّة!، بل يكفي دليلاُ على وحشيّة سياسة الدولة تجاه مواطنيها، العودة لثمانية وأربعين عاماً من حال الطوارئ والاحكام العرفيّة التي كانت تشهدها سوريا منذ تسلم حزب البعث للسلطة سنة 1963، وارتكاب مذبحة حماة ومذبحة تدمر، ومذبحة قامشلو في اذار 2004، ناهيكم عن كل المشاريع والاجراءات والقرارات والممارسات العنصريّة التي كانت ولا تزال تطال الشعب الكردي…، كل هذا، ودولة البعث/الأسد، ليست لديها سياسة وحشيّة ضدّ المواطن السوري!!؟. زد على ما اقترفته دولة الأسد/البعث بحق المواطن السوري، ما اركتبته من سياسة وحشيّة ضدّ المواطن اللبناني والعراقي والفلسطيني أيضاً، إن بشكل مباشر، أو عبر زواريبه ودكاكينه السياسيّة و»شبيّحته» في لبنان والعراق وفلسطين، تحت شعار مقارعة الاحتلال واسرائيل!.

«عندما أرى أبناء بلدي ينزفون، أشعر مثل أي سوري آخر بالألم والحزن. إن كل قطرة دم تمسني شخصياً. لكن دوري كرئيس يكمن في العمل وليس في الخطابات أو الحزن. دوري التفكير في القرارات التي علي اتخاذها لتفادي مزيد من إراقة الدم». لكأنّ قائل هذا الكلام المهاتما غاندي أو هنري ثورو أو مارتن لوثر كينغ، وليس الرئيس السوري بشّار الأسد!؟. ثم، ما هي القرارات التي اتخذها الاسد للحؤول دون إراقة قطرة دم سوريّة واحدة، خلال هذه الأشهر؟!. أوليس عدد الضحايا يشي ببطلان هذا الكلام، عدا عن زيفه!؟، وأن الأسد، فشل في مسعاه الذي تحدّث عنه للدوريّة البريطانيّة، وما عليه الآن إلاّ تقديم الاستقالة والتنحّي عن منصبه، لأنه فشل في «واجب» منع إراقة نهر من دماء السوريين، سواء من المدنيين أو الجيش وقوى الأمن!؟. الشرف العسكري والمسؤوليّة الوطنيّة السياسيّة والأخلاقيّة تملي على الأسد ذلك، فلماذا لم يفعلها؟!، لسبب بسيط ووجيه ووحيد؛ أنه هو من يقود عمليّة إراقة دماء السوريين بهذه الطريقة الصدّاميّة _ القذّافيّة _ الأسديّة!.

ومن العجائب التي أتى الأسد على ذكرها للصحيفة البريطانيّة، قوله أنه «مستعد لترك منصبه إذا هزم في الانتخابات». والسؤال هنا: وهل هنالك أي رئيس، يزعم أنه ديمقراطي، ويحترم الديمقراطيّة، حين يهزم في الانتخابات، يبقى متشبّثاً بالحكم!؟. إن ترك الأسد لمنصبه، في حال هزيمته في الانتخابات، يعتبرها الرئيس السوري، إنجازاً وتحوّلاً ديمقراطيّاً في سلوكه ووعيه. في حين أن هذه المسألة، من بديهيّات وطبائع الأمور، في الأنظمة السويّة والمجتمعات السويّة والدولة السويّة. ولكن حين يكون النظام ورأسه موبوءاً بوعي وذهنيّة الطغمة، يغدو ترك السلطة، بقرار الانتخابات النزيهة، تراجعاً فلكيّاً، وإنجازاً كونيّاً، لشخصيّة الطاغية المستبدّ!.

القذّافي والرئيس اليمني أيضاً، ومن قبلهما صدّام وبن علي ومبارك…، كلّهم أبدوا رغبتهم في التخلّي عن السلطة، في حال هزموا في الانتخابات الرئاسيّة!. لكن، أيّ انتخابات ديمقراطيّة وشفّافة ونزيهة ستشهدها سوريا، مع وجود الدولة وأجهزتها ومؤسساتها في جيب بشّار الأسد، حاليّاً ولاحقاً، وحتّى بعد مضي قرن من الزمن!؟. ذلك أنه من التخريف والهزل الحديث عن انتخابات برلمانيّة ورئاسيّة مع وجود نظام من طينة النظام السوري، وعلى وضعه البربري والهجمي الراهن!.

الأسد في حديثه المذكور، يؤكد أن شخصيّة الطاغية، هي هي، مهما تغيّرت الأسماء والأعمار وتباينت المشارب الفكريّة والأيديولوجيّة والانتماءات القوميّة والدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة. وأن قرار الأسد، هو الدفع بسورية نحو السيناريو الليبي، واستجلاب التدخّل الاجنبي العسكري، فيما يشبه تكرار الشريط السينمائي الدموي، الليبي. زد على ذلك، أن «نبوءات»/ تهديدات الأسد، بحدوث «زلازل» في حال استهدف نظامه دوليّاً بشكل عسكري، وإيحائه بأنه صمّام أمان إسرائيل والمنطقة، والتلويح بقدرته على زعزعة أمن دول الجوار، تركيا واسرائيل والعراق ولبنان والاردن والعربيّة السعوديّة، عبر استخدام أذرعه الإيرانيّة/ اللبنانيّة/ العراقيّة/ الفلسطينيّة…، كل ذلك يؤكّد مدى التلاعب والتدخّل الامني والسياسي والعسكري الذي كان وما زال المحور السوري _ الإيراني يمارسه في المنطقة. وما الحديث الذي تداولته وسائل الاعلام عن سيناريوهات، يمكن أن يلجأ إليها «حزب الله» اللبناني، في لبنان، إذا سقط نظام الأسد، تلك السيناريوات، ما هي إلاّ تفصيل بسيط، مما يدور في العقول السوداء وخلف الغرف المشبوهة المغلقة/ المفتوحة!. ويدرك النظام السوري، أن زمن «زلازله» المفتعلة، قد فات، وأن الزمن ليس زمنه، وأن تهديداته هي فقاقيع صابون، إلاّ أن زواريب ودكاكين وشبّيحة هذا النظام في لبنان والعراق وأماكن أخرى، لم يدركوا بعد هذه الحقيقة المرّة والقاسية والمؤلمة التي ستودي بهم، في حال استمرّوا على تخندقهم الى جانب نظام استبدادي، فاشي، آيل للسقوط.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى