صفحات سوريةفاروق حجّي مصطفى

هواجس «الجيش الحر»… والمخاوف الكردية


فاروق حجّي مصطفى

ما إنْ تنتهي من حواجز «الأعلام الصفر» للجان قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني في زيارة مدتها 45 دقيقة أي المسافة إلى مدينة كُوباني (عين العرب) التابعة لمحافظة حلب، الكائنة على مرمى حجر من الدبابات والمدافع التركية الموجهة أفواهها إلى عمق كوباني، حتى تطل على مدينة تل أبيض (75 كيلومتراً شمال الرقة) المعبر السوري الوحيد في محافظة الرقة، والتي تأخرت عن مواكبة المحافظات الأخرى في انتفاضتها ضد النظام السوري.

أثناء السير نحو تل أبيض تدور في نفسك تساؤلات عدة، وأنت تدقق النظر في الحدود التركية حيث ترى كيف تُنقل الآليات العسكرية عبر القطار متجهة نحو الشرق، وما إن تحجب التلال عن نظرك هذه الآليات العسكرية التركية، بالرغم من أنك على مقربة، حتى تشعر بالراحة، فتركيا تخيف المارة الكرد.

منذ شهرين بدأت القوات التركية تعزيز وجودها العسكري على الحدود، التي تمتد مسافة ما يقارب 900 كيلومتر، مع سورية. وهي بدأت أخيراً الرد بالمثل على إطلاق النار والقصف من داخل الأراضي السورية.

يقول أحد المزارعين من القرى المحاذية للحدود التركية والتابعة لمدينة تل أبيض: «لا أرى تركيا بلداً عدواً فهي تؤوي أهلنا النازحين، وقد أقامت المخيمات وفتحت المدارس للنازحين الذي هربوا من بطش الحرب التي تستهدف الأخضر واليابس». هذا المزارع الذي لم يغادر أرضه وما زال ينتظر الموسم، تابع الحرب «التي نعيشها مع الخوف من طائرات ترمي على رؤوسنا براميل البارود». ويضيف: «وضع البلد لا يحتمل الحروب والحال تتدهور اليوم رغم أننا لم ننته من الحرب مع النظام، فكيف سيكون الوضع إذا غزت تركيا بلادنا؟». ويردف قائلاً: «أنا لست كردياً… ولا أحمل ضغينة لأحد، غير أنّ تدخل تركيا أو أي بلد آخر في أراضينا سيحول بيننا وبين الحرية… هذه الحريّة التي كلفتنا ثمناً باهظاً».

وما إنْ تدخل إلى بلدة عين العروس، التي تقع شمال الرقة، حتى تُفاجئك احتمالات الحرب على ملامح السكان وعلى البيوت والمتاجر.

يقول أحد السكان: «أنا من الجيش الحر… ما ترونه من دمارٍ هو من فعل النظام الذي طبق على أهل هذه المدينة سياسة الأرض المحروقة… منذ أنّ حررنا تل أبيض، والنظام يمارس كل أنواع الانتقام من أهلنا، لذا هربوا من قسوة طغيانه، لكن انتقامه مستمر اليوم».

وكلما اقتربت باتجاه تل أبيض، تتعاظم معالم الحريق، إلى أن يصبح الخراب سيد الموقف. في هذه المدينة كل فردٍ أصبح معارضاً للنظام. ويقول أحد أبناء القرى المجاورة (أبو آزاد، معلم مدرسة): «من يحمل السلاح اليوم في تل أبيض ويقوم بحراسة المدينة وتحلق الطائرة فوق رأسه، كان قبل شهرٍ يحمل العصي إلى جانب النظام، وكان ما أن تشتعل مظاهرة حتى يهجم ليمارس التشبيح والقتل بحق أهله لوأد محاولة التظاهر في أرضها… أما اليوم فقد أصبح الجميع ضد هذا النظام».

يشير أبو آزاد إلى الطريق ويقول: «أهل تل أبيض نزحوا من هنا»، فيما يقول الناشط زانا ميسو: «نجوت من الموت مرتين، مرة عندما كنت أنقل عائلتي، ومرة أخرى حين كنت أصور آثار الدمار التي خلفتها قذائف المدفعية»، وتابع: «المرة الأولى كانت المسافة بيني وبين مكان سقوط القذيفة حوالى 25 متراً حين أصابت مدرسة الصباغ».

لم يبقَ أُناس كُثر في تل أبيض، وحالها ليس كما كانت قبل سيطرة الجيش الحر، ولعلّ سبب غياب الناس يعود إلى مهاجمة النظام المدينة بالطائرات والمدافع، يقول أبو آزاد: «الناس خائفة وهم دفعوا ثمناً باهظاً في الأسبوع الأول ولا يريدون أن يدفعوا أكثر… لذا هرب الجميع».

وجود عناصر الجيش الحر، وغالبيتهم من لواء ثوار الرقة ومن كتيبة القادسيّة وصواعق الرحمن، يعتبر بمثابة حراسة لـ «مدينة فقدت حياتها جراء مواظبة النظام على الضرب بيد من حديد». «للمدينة حراسها وعلى رغم ذلك لا تطمئن القلوب»، يقول رجل مسنّ.

وأنت تتقدم نحو الحدود، ترى الطائرات تحلق فوق بلدة سلوك التي فرض الجيش الحر أكثر من مرة سيطرته عليها. لا تعرف متى ستغير الطائرة، وحتى إن لم تفعل فإنك لا تعرف متى ستضربك قذيفة تركية ترد على القصف السوريّ.

في تل أبيض إشكالية تضعك بين أمرين، الخوف من النظام والخوف من الهجمات التركية؛ الخوف من النظام ومن طائراته، والخوف من أن يدخل الأتراك إلى الأراضي السورية. ويقول سكان من القرى المحيطة بالمدينة: «لقد أصبحنا بين فكي كماشة، من جهة الكُرد الذين سينظرون إلينا وكأننا فتحنا الباب للأتراك، ومن جهة أخرى سنواجه انتقام النظام».

تغيّر الوضع في تل أبيض كثيراً فما عاد هناك أي مركز أمني ولا صورة لـ «الرئيس» ولا علم. فقط عناصر من الجيش الحر يتحركون ببطء شديد داخل المدينة ويجتمعون في بعض المقار في انتظار «الشهادة» . يقول أحد أفراد هذه العناصر، وهو يقترب نحونا: «نتمنى أن لا تحقق تركيا حلم النظام… ما نريده من تركيا هو الوقوف إلى جانبنا ودعمنا بالسلاح، وأن تكون سنداً معنويّاً لنا». وعن سؤالنا عن مدى المخاوف من تدخل تركيا يجيب: «لو أرادت تركيا أن تتدخل لقامت بذلك منذ الأيام الأولى من تهديد النظام لها».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى