هواجس ليلة صيف/ عقل العويط
حسناً. يمكننا أن نتنفس الصعداء قليلاً، بعد سماعنا الرئيس الأميركي وهو يلقي كلمته من أمام حديقة الورود في البيت الأبيض، وقبله حين انحنى رئيس مجلس الوزراء البريطاني أمام قرار مجلس العموم، الذي رفض المشاركة في ضربة عسكرية ضد النظام في سوريا.
لن تقع منطقتنا وبلادنا، والحال هذه، في أتون حرب جديدة، هذه الليلة، أو فجر يوم غد، أو بعده. لن يُلقى علينا سلاحٌ كيميائي، انتقاماً، أو كردّ فعل. لن يوجّه أحدٌ صواريخه على إسرائيل لاستدراجها إلى حرب مضادة. إذاً، ينبغي لنا أن نعيد ترتيب حياتنا، وإن لأيام معدودة، كما يحلو لنا أن نفعل كبشرٍ عاديين. سيكون في مقدورنا أن نغلق شاشات التلفزة، ومواقع النشرات الإخبارية، لنولي أشياءنا الصغيرة بعض الاهتمام: جلوساً مترفاً مجهولاً في مقهى، أو حواراً افتراضياً على شاشة، أو – لِمَ لا – مغامرةً عاطفية. يمكننا أيضاً أن نباشر مراودة غيمة، أو نجمة. أن نذهب إلى السينما. أن نمشي حفاةً على شاطئ بحر رملي. أن نبدأ بكتابة فصل من رواية. أو أن نحضّر لعمل مسرحي. لقد أصبحنا في أيلول. يمكننا أن نوعز إلى دار النشر بإمكان نشر الكتاب النائم في الأدراج.
يمكننا، والحال هذه، أن نلقي عن أكتافنا بعض أوزار الشرط البشري، فنشارك في جلسة عرق قروية، ضيافة السيد أنطونيو، والسيدة جورجيت، صحبة الأصدقاء الطيّبين الخلّص، تحت هواء شجر الحور، وعلى مسامع الثعالب ونداءاتهم المنتشية.
* * *
لقد استولت عليَّ هذه التداعيات الشخصية، وأنا مُساهرٌ هؤلاء النبلاء الحقيقيين، تحت قمر الكَرَم الريفي الأصيل. لكن هذا لم يمنعني من تنغيص الجلوس بالتفكير في الآتي: في غمرة هذه “الهدنة” الكاذبة، سيكون في مقدور الطبقة السياسية اللبنانية أن تمعن في خلافاتها السياسية حول شكل الحكومة، وسوى ذلك من أساليب الدوران في الحلقة المفرغة. وسيكون في مقدور محرّكي لعبة القتل في بلادنا حملنا على الهجس مجدداً بالسيارات المفخخة، لنظلّ أسرى السؤال: هل نستطيع أن نذهب إلى المجمّعات التجارية، أو الاحتشاد داخل سياراتنا في الشوارع الغارقة في الفراغ والخوف؟ هل تُفتَح المدارس في مواقيتها؟ هل نشتري الآن الكتب المدرسية لأولادنا، أم نؤجل ذلك إلى أيام مقبلة؟
تبّاً لنا. إن لم تكن الضربة العسكرية هي التي تمنعنا من العيش، فثمة ضرباتٌ من نوع آخر، تافهة حيناً، لكن مصيرية وخطيرة في غالب الأحيان. كاستمرار هذا النظام الاستبدادي الخطير، ممهوراً بصغائر الطبقة السياسية اللبنانية.
أيجب علينا حقاً أن نظلّ “خارج الحياة”؟
النهار