صفحات الحوار

هيثم مناع… لماذا لا يمكن أن يكون العنف حلا في سوريا

مقابلة لموقع صحيفة “لا كروا” أجراها رئيس التحرير جان كريستوف بلوكان” لقد وقعت المعارضة في الفخ سريعا “

سالناه بصورة آلية عند لقائنا “هل كل شيء تمام؟” فأجاب مع ابتسامة حزينة :” من الصعب أن يجيب أي سوري على هذا السؤال بنعم “.

هذا الطبيب الذي أمضى أكثر من عشرين عاما في التحقيق في قضايا انتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي وسواه، انه يجلس اليوم بالقرب من سرير وطنه الأم الذي يحتضر، سورية.

على الرغم من كونه معارض قديم، إلا انه نأى بنفسه بعيدا عن الائتلاف الوطني والذي يعتبر حتى في فرنسا باعتباره البديل الوحيد لنظام بشار الأسد. ولقد استلم مهام الناطق الرسمي لتنظيم مختلف هو “هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي ” والذي تم تشكيله في 15 حزيران 2011 . إنه مناضل علماني ديمقراطي، وهو يرفض أية مهادنة مع القوى الجهادية الإسلامية التي سيطرت على الثورة المسلحة.

حصل هيثم مناع على اللجوء السياسي في عام 1978 عقب ملاحقة نظام حافظ الأسد له. ولقد زار في السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من أربعين بلدا وقابل الكثير من أصحاب النفوذ من القادة السياسيين ليعرض وجهة نظر الهيئة. أما في فرنسا فإن وزير الخارجية يتجاهله تماما.

عندما نعتمد السلاح فإننا نصبح تابعين للآخر

” بمجرد اختيارنا للعنف فإننا نفقد السيطرة على أقدارنا”. هذا ما يقوله لنا هيثم مناع في مقهى باريسي في الوقت الذي تدخل فيه الأحداث السورية عامها الرابع. “عندما نرضى بالتسلح فإننا نصبح تابعين للآخرين، ولكن هؤلاء الآخرين ليسوا جمعية خيرية “.

“في الصراع المذهبي يخسر الجميع”

” في نهاية 2011 عندما قرر بعض المعارضون انه ليس ثمة خيار سوى الرد بالعنف على قمع النظام، نبهتهم إلى أنهم لن يكسبوا الجولة. لقد أشرت عليهم في حينها، من اجل تقليص حجم الخسائر، إن يحترموا ثلاث ثوابت : أن يكون هناك دوما قيادة سياسية تعلو الجماعات المقاتلة ؛ أن يشكلوا قوة وطنية من جميع المذاهب وليس من الطائفة السنية حصرا ؛ وان عليهم أن يحققوا التفاف 70\100 من الفصائل المقاتلة. لقد فشلوا في تحقيق ذلك. وعندما ندخل في صراع مذهبي في الشرق الأوسط ، لن يكون هناك منتصر والكل خاسر حتما”.

“أسرة الأسد تعمل كل ما بوسعها لكي تبدو المعارضة بصورة تفوق صورتها بشاعة”

” في الحقيقة ، لقد وقعت المعارضة بسرعة في الفخ المنصوب لها ” يحلل هيثم مناع . ” منذ عقود راهن نظام الاسد على امكانية بقائه في السلطة معتمدا على قبول تكتيكي من قسم كبير من الشعب ، وذلك طالما كانت صورة منافسيه اسوأ من صورته . الراي العام في هذه الحال يختار الاحتفاظ بالذي يعرفه”.

” بتاريخ 17 ايار 2011 افرج النظام عن السجناء من مقاتلي القاعدة “

“هذا ما حصل في عام 2011 ، يتابع المعارض هيثم مناع.” في السابع عشر من شهر ايار من تلك السنة ، فتح النظام أبواب سجن صيدنايا. اطلق النظام سراح مقاتلي القاعدة والذين هم اليوم من عمدة القادة الجهاديين في سوريا. وانطلاقا من هذه الواقعة، مَن مكونات الشعب السوري المتعدد الملل والنحل، من سيقبل بأن يأتي هؤلاء ليؤسسوا دولة الخلافة الإسلامية ؟”

” في البداية، لم يكن الجهاديون مستهدفين”

“إن أول ضحايا هذه المؤامرة هو الحراك الشعبي المدني، الحراك الذي طالب في بداية الحراك ببديل ديمقراطي مدني.” هذا ما يؤكده هيثم مناع وهو يذكر بأن مدينته، درعا، كانت نقطة انطلاق الاحتجاجات الشعبية. بالنسبة له، يعتبر هذه المدينة في جنوب البلاد وبتاريخ 18 آذار منطلق الحراك. انطلقت حركة الغضب الشعبي والذي ما لبث أن انتشر إلى كافة المناطق في البلاد. “لقد تم تجاهل المطالب الشعبية السلمية والمدنية من قبل النظام ومن الجهاديين التكفيريين على السواء. تصرف النظام وكأن لا وجود لهؤلاء المتظاهرين السلميين إطلاقا. وانقض النظام على المناضلين المطالبين بالمواطنة الحديثة والحرية والكرامة وجعل منهم هدفا له. واغتيل منهم الكثيرين. بقي الجهاديون وقتذاك خارج نطاق الاستهداف إلى أن وجدوا مكانهم في صفوف المعارضة المسلحة بقوة وبدؤوا بإثارة الرعب بين السكان.

” في مواجهة المقاتلين الأجانب عاد الجيش بصورة مختلفة “

” لقد تبدلت صورة الجيش” ، يؤكد الناطق باسم هيئة التنسيق . “بعد أن كان تدخله مرفوضا ومكروها في بداية الحراك، لدرجة أن بعض أبناء الضباط قاطعوا أهلهم بسبب إطلاق الجنود الرصاص على المتظاهرين العزل. أما اليوم فقد بات الجيش بالنسبة لقطاعات هامة من الشعب، هو الحاجز الذي يقيهم من المتطرفين. كل ذلك حصل بسبب التسلح : فما كان حركة مقاومة مدنية أنزلت مئات الآلاف من المتظاهرين تحول إلى حرب أعادت للجيش دوره كضامن لوحدة البلاد، كمنقذ، وخاصة من موجة المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا على البلاد من الشيشان والافغان والليبيين والتونسيين …. هؤلاء ، وعندما يقومون بعملياتهم الانتحارية من هي الضحايا ؟ يقتلون سوريين ! هذا الأمر غيّر كل شيء “.

“‘ابو فلان‘ ، من هو في الحقيقة ؟”

“هناك خطر آخر ينجم عن الخيار العسكري، ولقد وقع فيه الكثيرون، ألا وهو خطر الغموض والسرية”، تابع هيثم مناع . ” الحراك السلمي يتمتع بالشفافية . حرب الفرق المسلحة عليها أن تتخفى وتخفي، عليها أن تستعمل أسماء مستعارة. ولكن من هو “أبو فلان”، ماهي حقيقة أبو فلان ؟ ” اهو مجرد شخص من العامة ؟ اهو عميل ؟ هناك مجرمون بحق القانون العام أصبحوا شيوخا موقرين يتحلون بأسمائهم الحربية. ولكن إلى أين يمكن إن يصل بنا هذا الأمر ؟ من يسيطر على هؤلاء من داخل المقاومة ؟ وهل يوجد تنظيم إرهابي واحد في التجربة البشرية غير مخترق من أجهزة المخابرات ؟ بمجرد أن يكون العمل في الخفاء فإن كل شيء يصير ممكنا”.

” بالنسبة للكثيرين ، العام 2011 صار حكاية قديمة “

” بناء على ذلك، صارت جرائم النظام طي النسيان بالنسبة لقسم من الشعب” يشرح المعارض، دون أوهام، بالرغم من أنه فقد شقيقه معن والعديد من عائلتي أمه وأبيه الذين اغتالهم النظام في شهري تموز وآب 2011 . “بكل أسف، بالنسبة للكثير من السوريين، أصبح عام 2011 حكاية قديمة وهو لا يذكرهم بأحسن ما قدم المجتمع وأسوأ ما قدم الحل الأمني العسكري. بات كل ما يحلمون به هو أن يتمكنوا يوما من العودة إلى زمن ما قبل التظاهر، أن يستعيدوا الأمان، الحق في الحياة، في الكهرباء، في مياه الشرب والمحروقات …. أما الديمقراطية فتأتي بعد كل هذا”.

” في الشيلي ، قرر المعارضون التفاوض مع ‘بينوشيه‘ “

” كيف يمكن اليوم ايقاف الحرب” ؟ يتساءل هيثم مناع . “منذ عدة سنوات، عملت كثيرا مع منصف المرزوقي حول تجارب تخص المراحل الانتقالية للديمقراطية. بعد الحرب العالمية الثانية، لم نجد حالة واحدة كان فيها العنف محركا نحو التحول الديمقراطي. اذكر في الشيلي أن المعارضين هناك قرروا، بالرغم من اعتراض منفييهم في فرنسا إجمالا، أن يفاوضوا بينوشه على مخرج تدريجي نحو الديمقراطية وقد نجحوا”.

“خمسون ألف إنسان غير سوري يقاتلون في سوريا”

“اليوم في سوريا، أصبح تطبيق قرار بوقف إطلاق النار في سوريا اليوم أمر في غاية التعقيد” يتابع محللا . “بوسع النظام ، بأوامر منه، أن يطبقه على عناصره المسلحة. أما الآخرون فليس ذلك بممكن لعشوائية السلاح. هناك ما لا يقل عن 25 فصيل مسلح وكل يعمل لحسابه . لقد اقترحنا البدء بالتأكيد على صفة اللا شرعية على الخمسين ألف شخص الذين يقاتلون في سوريا في المعسكرين. فبوسع هؤلاء الاستمرار في القتال لعشر سنوات أخرى وفق أجنداتهم بكل ازدراء للمواطن والشعب السوري. وطالما بقي هؤلاء طالما بقي للحرب طابعها المذهبي الطائفي الطاغي والمقيت”.

” اعادة الصراع الى الداخل الجغرافي السوري “

” المطلوب أن يضع مجلس الأمن هؤلاء المقاتلين في وضع الخارجين عن القانون الدولي. هم وكل من يدعمهم أيضا. عندها نكون قد أعدنا الصراع إلى الداخل الجغرافي السوري. من الممكن عندها عقد اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار وتعزيز ملفات المسائلة والمصالحة والسلم الأهلي. فنحن بأمس الحاجة للبحث عن تسويات تاريخية من أجل حل سياسي” .

“بشار لن يسقط ابدا بالضربة القاضية”

“ماذا نفعل بشأن بشار الأسد “؟ يتساءل المعارض. ” منذ نوفمبر 2011 ، كنت أتفاوض مع المجلس الوطني السوري بغرض تحرير اتفاق ألقي به في النهاية في سلة المهملات من قبل دولتين في الخليج. أصريت حينها على النقاط التالية: تطور الوضع سيكون بطيئا وقصتنا طويلة؛ نظام بشار لن يسقط بالضربة القاضية، سيتوجب علينا الربح بالنقاط ومن اجل ذلك يلزمنا 15 جولة ؛ ان كان للمعارضة ان تستلم السلطة فعليها ان تضمن الخروج الآمن لبشار، لأن أي تصرف انتقامي سينكأ الجراح ويعيدنا الى العنف لعشرين أو ثلاثين سنة أخرى ” .

” لكل فريق ضحاياه “

“بالنسبة لي لكل فريق ضحاياه، الدم سال في كل مكان، كل عائلة فقدت احد أفرادها. يجب أن يكون شعارنا “الدم السوري مقدس”. ” ان نهاية حرب مثل حربنا لا يمكن ان تنتهي الا بمنطق المعادلة الرابحة للجميع . كل فريق خائف من أن يربح الطرف الآخر. نحن محكومون بإيجاد حل وسط، تسوية سياسية”. .

“يجب أن تكون القوات المسلحة هي الضامن للوحدة الوطنية”

“سيتوجب علينا القبول بالتواجد المستمر للجيش، وان تستمر بنية الدولة الأساسية” يصر هيثم مناع . “علينا ان نقتنع بان غالبية موظفي الدولة لم يشاركوا في مباشرة في الصراع، وان الحفاظ على بنية الدولة أمر أساسي، خاصة مع الثمانية ملايين موظف في الدولة وعائلاتهم. على الجيش أن يكون هو الضامن للوحدة الوطنية. يتوجب أيضا أن ينضم إليه عناصر معتدلة من الجيش السوري الحر وكذلك وحدات حماية الشعب الذين حملوا السلاح عندما وصل الجهاديون إلى مناطقهم ” .

” فرنسا همشت نفسها بنفسها “

” من اجل كل ذلك سنحتاج إلى مساندة دولية ” يعترف المعارض. “فرنسا مرشحة للعب هذا الدور في حال غيرت مواقفها. من المستغرب أنها همشت المعارضة العلمانية ولا نستطيع نحصي كم من المتطرفين تم استقبالهم من قبل دبلوماسييها. وبسبب ذلك لقد همشت نفسها بنفسها . المفاوضات تجري حصرا بين الأمريكان والروس ” .

” لا للعنف ، لا للطائفية ،لا للتدخل الخارجي “

يبتسم هيثم مناع بمرارة وهو يتذكر كم كانت شريحة من المعارضة تؤمن بتدخل عسكري لقوات الحلف الاطلسي في نهاية 2011 ، بداية 2012 . ” كانوا يتحدثون عن مناطق حظر للطيران، عن ممرات آمنة، عن ضربات محددة الأهداف … اصطحبت البعض منهم إلى بروكسل حيث قال لهم ضباط من حلف شمال الاطلسي انه: ” لا يوجد اي برنامج لتدخل عسكري في سوريا” . ولكنهم كانوا يمنون أنفسهم بالأوهام ويقولون : “سيغيرون رأيهم”. من جهتي لم احد عن اللاءات الثلاث : “لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى