هُزمَ… فَقَبل
محمد سلام
نظام الأسد هُزمَ، لكنه لم يسقط. لذلك أصدر بياناً يعلن فيه قبولَه المزعوم بالمبادرة العربية، مع أن جوهرَ المبادرة هو واحدٌ لا غير: تنظيم انتقال سلطة النظام إلى غيره قبل سقوطه النهائي … حقناً للدماء.
نظام الأسد هُزمَ. هذه حقيقة. لذلك قبل الوساطة العربية. المنطق يقول إن الوساطة لا يقبلها المنتصر، بل المهزوم.
نظام الأسد هُزمَ. لذلك سعى إلى الإعلان عن قبوله الوساطة العربية بينه وبين شعبه كي يشتري وقتاً علّه يؤخّر أجلَ سقوطه، أو عَلّه يُعيد حقنَ الحياة في شرايينه.
لذلك على جامعة الدول العربية أن تدركَ وتعي أنها مسؤولة، بالتواطؤ الضمني أو بعدم الإدراك، عن كلّ قطرة دم يسفكها نظام الأسد في سوريا بعد إعلانها، أي الجامعة، عن قبول نظام الأسد مبادرتها.
نظام الأسد هُزمَ، وليس صحيحاً إطلاقا، قول النائب اللبناني عباس هاشم بأن المعارضة السورية سقطت. رأيه ليس تلفيقاً، وليس تشويهاً، وليس استنتاجاً خاطئاً. هو، ببساطة، محاولةً من قبل أدوات الأسد في لبنان لشدّ عصب جماعتها، ولو مؤقتاً، عبر الزّعم غير المباشر بأن الأسد انتصر بمجرد سقوط “المعارضة”.
تصريحُ النائب هاشم لتلفزيون “المنار” يعكسُ الخلطَ في المفاهيم لدى جماعة “حزب السّلاح” وتيار العماد عون حيالَ ما هو معارضة وما هو ثورة.
سقط أكثر من ثلاثة آلاف قتيل في سوريا وسعادة النائب هاشم يرى أن المعارضةَ السورية سقطت.
هل يوجدُ في العالم من سمعَ بمعارضة سقط لها ثلاثة آلاف قتيل … فقط لأنها تُعارض؟
لذلك نستنتجُ أن رأي سعادة النائب هاشم يثبت بما لا يقبل الخطأ بأن الشهداء الذين سقطوا، بما أنهم وفقَ وصفه مجرد معارضة، َقتَلَهم الجلاد. وبهذه الحالة يكون الجلادُ هو نظام الأسد.
كيف يقبل المنتصر المزعوم بوساطة خارجية بينه وبين شعبه؟ لو انتصر فعلاً … لأكمل سيطرته وحكم من دون منازع، ومن دون القبول حتى بسماع مفردة مبادرة أو وساطة.
كيف يقبل المنتصر المزعوم يا سعادةَ النائب هاشم بالبند الأول من المبادرة العربية الذي دعا إلى ما حرفيته “وقف كل أنواع العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين”.
كيف يقبل المنتصر المزعوم بهذا البند الأول الذي يشدّد على حماية المواطنين السوريين؟ حمايتهم ممن؟ من العصابة الخارجية التي يزعمُ نظام الأسد وجودَها؟ ما هذا الاستنتاج السخيف؟ العصابة الإرهابية المزعومة ليست طرفاً تشمله المبادرة العربية لا من قريب ولا من بعيد لأنه … لا وجود لعصابة مزعومة بالمعنى الذي قصدَه النظام. العصابة، في الوجدان العربي، هي نظامُ الأسد.
وكيف يقبل نظامُ الأسد، لو كان منتصراً، بالبند الثاني من المبادرة العربية الذي ينص على “الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الرّاهنة”.
والله غريب. لو سقطت المعارضة وانتصر نظام الأسد كما يبشّر النائب عباس هاشم، فلماذا يقبلُ المنتصر بالإفراج عن المعتقلين؟ لماذا لا يحاكمُهم؟
ربما يقصدُ النائب هاشم أن نظامَ الأسد قبل الإفراج عن المعتقلين لأن أخلاقَه “حميدة”!!!
وإذا كانت أخلاقُه حميدةً، فلماذا اعتقل عناصرَ “معارضة” ولم يَسمح لها أساسا بالتعبير عن رأيها؟
نظام الأسد هُزمَ. هذه حقيقة. ويريد شراءَ وقت لتأجيل سقوطه. لذلك يكذّب على جامعة الدول العربية ويزعم أنه وافقَ على مبادرتها، والجامعة العربية تستر كذبه.
أما أطرفُ تفسيرات العالم في الحديث الأسدي – وهذا اختصاصٌ حديثٌ في علم الحديث- فيسجلُ للنائب عباس هاشم قوله: “”زرع الألغام من قبل الجيش السوري على الحدود ليس فقط من أجل المهربين، بل يعني أنَّ سوريا ليس لديها نية لإجتياح الاراضي اللبنانية كما يدعي البعض بل من أجل ضبط الحدود”.
المطلوب يا سعادة النائب اللبناني أن تحترم عقول اللبنانيين والسوريين. لا نطالبك باحترام عقل جماعتك فهؤلاء سيصدقون كل ما تقوله من دون المرور بلحظة تفكير.
ولكن، إذا كان زرع الألغام على الحدود غير المرسمة بين لبنان وسوريا يعني، وفق رأي النائب عباس هاشم، “أن سوريا ليس لديها نية لاجتياح الأراضي اللبنانية”، فذلك يعني، وبنفس القياس أن حقول الألغام التي أقامها الجيش الصهيوني جنوبي خطنا الأزرق تعني أن الصهاينة ليس لديهم نية لاجتياح أراضينا، بل هم يضبطون فقط ما يسيطرون عليه من فلسطين المحتلة.
وبذلك يكون النائب عباس هاشم قد ضرب نظرية التمسك بالسلاح غير الشرعي تحت عنوان حماية البلد من اعتداء إسرائيلي، لأن الإسرائيلي، حسب النظرية غير السديدة يحمي نفسه منا، كما يحمى الأسد أيضا نفسه منا!!!!!
نظام الأسد هُزم. لذلك قتل 54 شخصا بإطلاق الرصاص في حمص ومناطقها منذ إعلانه عن قبوله مبادرة الجامعة العربية من دون تحفظ، مع أنه كذب لأنه لم يوافق على مكان الاجتماع بممثلي الثورة السورية في القاهرة.
يقول نظام الأسد “من دون تحفظ”، ويتحفظ في الاجتماع المغلق، ويستر العرب عورة كذبه، بعدم الإشارة في بيانهم إلى الخلاف المستمر على مكان انعقاد الاجتماع: القاهرة، كما تنص المبادرة، أم دمشق كما يريد الأسد…
نظام الأسد يأمل في أن يرفض المجلس الوطني السوري مبادرة جامعة الدول العربية كي يقول هو للعرب “أنا قبلت. هم رفضوا. هم مؤامرة خارجية”.
نظام الأسد هُزم. ولم تفاجئ هزيمته سوى أنصاره. ولم يفاجئ قبوله المزعوم بالمبادرة العربية سوى أدواته، الذين راحوا يهللون للكذبة.
نظامُ الأسد هُزم. وما قبولهُ بالمبادرة العربية بعد رفضها الصريح، ثم رفضها المُضمَر، ثم الاستهزاء بها، سوى إقرارهُ بهزيمَته.
إسألوا الشعب اللبناني. لقد جرّب وعود الأسدين قرابة 40 عاماً. والشعب اللبناني هو أكثر العارفين “بصدقية” نظام الأسد في وعوده.
نظامُ الأسد هُزم. وعلى أعضاء جامعة الدول العربية عدم إعطائه حُقنَةَ مُنشّط لأنها بذلك ستكون شريكتُهُ في استباحة دماء الشعب السوري … والشعب اللبناني أيضا.
الشعب السوري، عشية عيد الأضحى المبارك، يناشدُ قادةَ العرب ألا يقتلوه مرتين.
الشعب السوري، عشيةَ عيد الأضحى، يقول للقادة العرب إنه يريد أن يكتبَ تاريخه بنفسه، ولا يريد أن يكون بين صفحات هذا التاريخ ما يشير إلى تواطؤ القادة العرب مع الجلاّد، وإن بشكل غير مباشر.
الشعب السوري، عشيّة عيد الأضحى، يقول للقادة العرب إنه يريد أن يختار مستقبله بنفسه، ولا يريد أن يكونَ مستقبلُهُ ملوثاً بغصّات عربية.
الشعب السوري، عشيّة عيد الأضحي، يقول للقادة العرب: “نناديكم. نشدّ على أياديكم. نبوس الأرضَ تحت نعالكم. نحن جميعنا نفدي وطننا، فلا تجعلونا نكفر بعروبتنا”.
نظام الأسد هُزمَ، ولنرَ إذا كان سيوافق على الاجتماع مع ممثلي الثورة السورية خارج دمشق، وتحديداً في القاهرة حيث تنص المبادرة.
نظام الأسد هُزمَ. أدواتُهُ في لبنان تَكذبُ، وتَكذبُ، وتَكذبُ بانتظار من يَقتنع بالحوار معها لدى سقوط النظام.
لذلك، فإن كل من يعتقد بإمكانية الجلوس إلى طاولة واحدة في لبنان مع أدوات الأسد وحُلفائه، سواءٌ الآن، أو بعدَ سقوط نظامه، سيُحمّله التاريخ مسؤولية كل المظلومية الناشئة عن ممارسات هذا النظام وأدواته وحلفائه منذ العام 1970 وحتى …
لبنان سقط منذ العام 1958 عندما أطلق الرئيس صائب سلام رحمه الله شعار “لا غالب ولا مغلوب”.
التسويةُ، أي تسوية، هي مفتاح نزاع آت لا محالة. لذلك لم يستقر البلد لأن أحدا لم ينتصر فيه على أحد.
أميركا دولة عظيمة فقط لأن شمالها انتصر على جنوبها في الحرب الأهلية وقاد الأمة.
الاتحاد السوفياتي الراحل كان عظيماً فقط لأن ثورة العام 1917 انتصرت وقادت الأمةَ، ولم تنجز تسوية مع القيصر.
من ينتصر يقودُ الأمة. فليقُد لبنان من ينتصر فيه، من دون تحديد مُسبق للمنتصر. فليحكم أيّ منتصر إذا استطاع أن يؤمّن العدلَ والمساواةَ والاستقرارَ والحريةَ.
وإذا لم يَستَطع، فحسابُهُ مع شعبه كما كان حساب الاتحاد السوفياتي مع شعوبه، وكما كان حساب الرئيس الروماني نيقولاس تشاوتشيسكو مع شعبه، وكما كان حساب ميلوسوفيتش الصربي مع … العالم، وكما كان حساب القذافي السيء الصّيت مع شعبه، وكما يجري حساب نظام الأسد مع شعبه.
الجلوس إلى الطاولة مع أدوات المهزوم، أي مهزوم، ومع حلفاء المهزوم سيكون خيانة عظمى لمستقبل لبنان … وسيسجلُها الشعبُ الذي لا يَرحم.