خورشيد دليصفحات سورية

واشنطن والأزمة السورية


خورشيد دلي

خلافا للموقف الأمريكي من ثورة الشعب المصري وما جرى في ليبيا يبدو الموقف الأمريكي مغايرا لما يجري في سورية على الرغم من فداحة المشهد حيث الارتفاع اليومي في اعداد القتلى والجرحى والنازحين، فواشنطن لم تقل أرحل بشكل واضح وصريح للرئيس بشار الأسد كما كان الأمر بالنسبة لحسني مبارك ومن بعده معمر القذافي، والسؤال هنا، ما هي الأسباب والاعتبارات التي تحكم الموقف الأمريكي هذا؟

لقد ظل الموقف الأمريكي يتلخص خلال الفترة الماضية في الحديث عن إمكانية الحل السياسي والتهديد بإجراءات إضافية ما لم يشرع النظام السوري في إصلاحات سياسية حقيقية ويستجيب للمبادرات العربية والدولية، وفي كل هذا لم يصل إلى حد الحديث عن الخيار العسكري، بل ظل المسؤولون الأمريكيون يحذرون من تداعياته، وفي العمق فان ثمة أسباب تقف وراء هذا الموقف، لعل أهمها :

الأول: أسباب أمريكية داخلية، وهي تتعلق من جهة بالإنكفاء الأمريكي على الداخل جراء الأزمة المالية،ومن جهة ثانية بالأعباء والتداعيات من تكرار ما جرى في أفغانستان والعراق، ومن جهة ثالثة بالانتخابات الرئاسية حيث يتطلع أوباما إلى ولاية جديدة وهو لا يريد ان يخسرها لقرارات غير محسوبة بدقة ومضمونة النتائج.

الثاني : له علاقة بالجيوسياسة التي تشغلها سورية والتي لها علاقة بموقع سورية في منطقة حساسة حيث التنافس الإقليمي الذي وصل إلى درجة الصراع (إيران روسيا سورية من جهة وتركيا ودول الخليج العربي من جهة ثانية) ومن جهة ثانية لها علاقة بطريقة إدارة النظام للأزمة ونجاحه في جعل الأزمة أزمة إقليمية ودولية أعادت إلى العلاقات الدولية أجواء الحرب الباردة بعد الانخراط الروسي بقوة إلى جانب النظام السوري.

الثالث: له علاقة بإسرائيل، فواشنطن تدرك ان استخدام الخيار العسكري للتخلص من النظام السوري سيفتح المنطقة أمام المجهول، نظرا لأن هذا الخيار سيؤدي إلى تفجير المنطقة بحكم التحالف القوي بين سورية وإيران وحزب الله والقناعة بأن الطرفين الأخيرين لن يقفا مكتوفا الأيدي في حال ضرب النظام السوري حيث تشير التقارير إلى ان حزب الله يملك عشرات آلاف الصواريخ تصل إلى كل مناطق إسرائيل، ومثل هذا الوضع يعد أمرا في غاية الدقة والخطورة في حسابات واشنطن التي تبحث عن نتائج مضمونة لأي عمل عسكري هنا أو هناك، خاصة بعد ما جرى لها في أفغانستان والعراق، كما أنها لا تتحمل القدرة على مغامرة عسكرية في منطقة تقع إسرائيل في قلب استراتيجيتها، نظرا لطبيعة العلاقة العضوية بين تل أبيب و واشنطن والغرب عموما.

  لكن ما سبق لا يعني ان واشنطن تريد بقاء نظام الأسد، وأنما تغييره عبر استراتيجية مختلفة لما جرى في ليبيا نظرا لاختلاف الخصوصية السورية، وحقيقية فان واشنطن تتبع استراتيجية دفع النظام إلى الانهيار من الداخل عبر سلوك مركب يعتمد على التصعيد التدريجي للعقوبات وزيادة الضغط السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية والإقليمية، وإعطاء دور كبير للدول الإقليمية ولاسيما تركيا ودول الخليج العربي وكذلك جامعة الدول العربية، والأهم دعم المعارضة السورية والتغاضي عن تسليحها، إذ باتت العمليات التي ينفذها الجيش السوري الحر واضحة من حيث التكتيك والاشتباك والأسلحة ومواقع الاستهداف وزيادة الأعداد… في مؤشرات على أنه يتلقى المزيد من الدعم والتدريب والتوجيه والتسليح. فواشنطن تريد في النهاية إنهاك النظام السوري أمنيا وعسكريا واقتصاديا ووتفكيك منظومته الخاصة في الداخل بغية دفعه إلى الإنهيار تحت وطأة هذه العوامل. وهي تفعل ذلك تدرك ان حجم المخاطر والتكلفة أقل لجهة التداعيات المحتملة على أمن المنطقة والعالم في حال اللجوء إلى الخيار العسكري لإسقاط النظام. كما ان لهذا الأسلوب علاقة بإعداد البديل حيث الخوف من بديل إسلامي في بلد متعدد الطوائف والأقليات والمذاهب.

في الواقع، من الواضح ان ما يعني أمريكا من الأزمة السورية ليس وقف إراقة الدماء وأنما مصالحها بالدرجة الأولى وكيفية الحفاظ على أمن إسرائيل في ظل ثورات الربيع العربي التي أدخلت المنطقة مرحلة جديدة. ومثل هذا النهج بغض النظر عن مبرراته له مخاطر جمة على مجمل سورية من خلال عسكرة كل شيء وسفك المزيد من الدماء والانفتاح على المجهول والتفتيت بما يعني إطالة عمر الأزمة والدخول في نفق لا آفق له، وبالتالي استنزاف الجميع في معركة تحولت إلى حياة أو موت.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى