واشنطن وموسكو تجهدان لمنع انهيار التهدئة… ودلائل روسية لعدم الغرق في الرمال السورية/ روزانا بومنصف
أعلن مركز المصالحة الروسي في القاعدة الجوية داخل مطار حميميم أن التهدئة لمدة 48 ساعة في داريا التي يحاصرها النظام منذ عام 2012 جاءت بمبادرة روسية وتنسيق مع النظام السوري والولايات المتحدة. وسبق للنظام أن منع دخول مساعدات انسانية تقدمها الامم المتحدة الى البلدة، كان آخرها في 12 أيار حين أعطى النظام موافقته على إدخال مساعدات إنسانية، لكن الفرقة الرابعة في الجيش التابع للنظام بقيادة شقيق الرئيس السوري ماهر الاسد منعت دخول المساعدات بذريعة أنها تتضمن مساعدات طبية وأغذية، وهو لم يوافق على ذلك. وحين غادر الوفد قصف النظام أماكن تجمع فيها أهالي البلدة لنيل المساعدات وأوقع إصابات. وسبق أن مانعت روسيا ومنعت صدور قرار عن مجلس الامن الدولي للضغط على النظام من أجل السماح بإدخال مساعدات الى البلدة المحاصرة. إلا أن المرونة التي أبدتها روسيا تتصل وفق ديبلوماسيين مراقبين بواقع الجهود التي تبذلها كل من روسيا والولايات المتحدة من أجل محاولة إبقاء الهدنة، أو ما بات يسمى نظام التهدئة بعد سقوط الهدنة، قائمة تحت وطأة الخوف من انهيار امني في سوريا قد يطيح جهود البلدين ويعيدها الى نقطة الصفر، ولو انها لم تقلع بعيدا من هذه النقطة. لكن ثمة دلالات تتصل في جزء منها بما كانت التزمته مجموعة دعم سوريا من حتمية اللجوء الى إسقاط المساعدات الانسانية جوا في حال لم يسمح النظام بخرق الحصار إنسانيا، فهبت روسيا للمساعدة في الضغط على الاخير من اجل ان يسمح بعبور بعض المساعدات وإظهار أنها تستطيع ان تمارس ضغوطها او ان تقنع النظام ربما لقاء بعض المكاسب له في المقابل.
يقول الديبلوماسيون المراقبون إن روسيا يهمها الا يعود الوضع الامني الى نقطة الصفر وينهار الاتفاق بينها وبين الولايات المتحدة، انطلاقا من اقتناع هؤلاء بأن روسيا ستكون في أزمة حقيقية إذا كانت ستغرق في ما سبق للرئيس باراك اوباما ان تحدث عنه لجهة غرقها في المستنقع السوري، خصوصا أن سقوط نظام التهدئة وتصاعد حمى الانتخابات الاميركية التي تساهم في ترحيل اي اتفاق اخر محتمل الى الادارة الاميركية الجديدة من شأنهما ان يساهما في هذا الواقع الذي لا تود روسيا السقوط فيه، ولا يسمح لها وضعها بأن تفعل.
ولذلك فهي تظهر مؤشرات أقله في المرحلة الراهنة بناء على العوامل الآتية: تسريب مسودات عن دستور سوري محتمل وضعته روسيا، على أن يكون صيغة أساسية يتم وضع تعديلات عليها، فيما المفاوضات الثنائية بين وفدي النظام والمعارضة قد سقطت وليس من افق واضح حتى الان لاعادة تأمين اجتماعها. في حين ان المسودة الروسية، التي ترصد روسيا ردود الفعل العملانية عليها من جانب الدول الاقليمية والدولية كما من جانب الافرقاء السوريين، تعتبر خطوة متقدمة نسبيا تعبر عن مدى رغبة روسيا في عدم العودة الى مواجهة عسكرية يمكن ان تتورط فيها على نحو يعيدها الى تجربة افغانستان، فيما جهود المنسق الدولي لسوريا ستافان دو ميستورا هي في مكان آخر، وذلك بغض النظر عما اذا كانت المسودة الروسية للدستور السوري سيتم التعامل معها بجدية على انها مستند يمكن درسه ام لا، خصوصا ان النظام كان قد نفى اعداد الخارج لدستور سوريا منتفضا لسيادة بلاده، في حين ان ما يجري هو عملية استكشاف الصيغة التي يمكن ان يرسو عليها الحل لسوريا.
كانت هناك إشاراتان لافتتان في الاداء الروسي، إحداهما اعلان موسكو انها ستعيد الى اسرائيل دبابة كان غنمها الجيش السوري في معركة السلطان يعقوب عام 1982. ولا يعتقد أن الرئيس الروسي قرر إهداء ما تم اهداؤه له من النظام السوري، من أجل الاطلاع ربما على تقنية عسكرية أدخلها الاسرائيليون، أو سوى ذلك من دون معرفة حليفه السوري الذي لزم الصمت حيال هذه المسألة كما سائر حلفائه الايرانيين و”حزب الله” ايضا، على رغم ما للمسألة من رمزية غير مشرفة للمحور الممانع، ما لم يكن ذلك لقاء مقابل ربما من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. فهناك ما قد تكون سعت موسكو الى الحصول عليه من اسرائيل لقاء ذلك، ويتصل بالوضع في سوريا وما تمهد له روسيا في هذا الاطار، إن ميدانيا او سياسيا، خصوصا ان التنسيق كامل بين موسكو وتل ابيب على الصعيد الميداني في سوريا منذ دخول روسيا عسكريا في المعارك الهادفة الى انقاذ النظام ومنع انهياره. وتاليا، فإن خطوة اعادة الدبابة الاسرائيلية ليست بادرة كريمة، ولا تنفصل بالنسبة الى المراقبين انفسهم عن الواقع المتصل بسعي روسيا الى تأمين اهدافها او ما يصب في مصلحتها، ومن ضمنها توفير المستلزمات الممكنة لإعادة تأهيل النظام عسكريا او ميدانيا ومساعدته على استعادة السيطرة او النفوذ على أراض باتت تحت سيطرة فصائل معارضة.
هناك طبعا تساؤلات من نوع لماذا لا تسعى روسيا الى حل جدي للحرب في سوريا بناء على اساس يقضي بالاستغناء عن رأس النظام السوري بشار الاسد الذي يتعذر على غالبية السوريين القبول باعادة فرض سيطرته عليهم، ما دامت قد ضمنت واقعيا سقوط مشروع الاخوان المسلمين في المنطقة، إن في ليبيا او في مصر او في سوريا، بما يمكن ان يطمئنها الى مخاوفها من التشدد او التطرف الاسلامي؟
النهار