صفحات العالم

والله أهل سورية ما بيستاهلوا


جهاد الحازن

هل هناك في العالم من هو أسوأ حظاً من السوريين؟ مسلحون من المعارضة يتسللون الى داخل دمشق وحلب ويختارون أكثر الأحياء ازدحاماً بالسكان، ثم يطلقون النار من أسلحة خفيفة ليقولوا نحن هنا، ويرد جيش النظام بعنف هائل فيقصف المسلحين بالمدفعية الثقيلة، وأحيانا بغارات الهليكوبتر، ويُقتَل ناس ابرياء، وتُدمّر معالم التاريخ. ثم يتحدث الرئيس بشار الاسد عن عملاء الداخل وإرهابيين، وهم موجودون، إلا أن سوء أداء النظام مسؤول مثلهم، خصوصاً ان الثورة من صنع مواطنين ضاقوا ذرعاً بحياتهم، ولا علاقة لهم بعملاء أو إرهاب.

دمشق وحلب حجر الزاوية في تاريخ العمران البشري. هل أحتاج أن أحكي عن دمشق، أقدم مدينة مسكونة باستمرار في العالم، عن سورها وأبوابه، الجامع الاموي، كنائس المسيحية الاولى، القديس بولص وفراره في سلة أُنزلت من على السور بعد ان همّ اليهود بقتله، بردى والغوطة «ودمع لا يكفكف يا دمشق».

ومن قلعة دمشق الى حلب وقلعتها، اين صلاح الدين ليرى ما حل بقلعته؟ هي قديمة قدم التاريخ، عرفت الحثيين والآراميين والسلوقيين والرومان والبيزنطيين، وبنى صلاح الدين فوق السابقين، وبقيت القلعة وحلب حتى يومنا هذا.

هل تعرف المعارضة المسلحة أي تاريخ تهدده عملياتها؟ هل يفهم النظام أنه يدمر التاريخ؟ يبدو اننا امام فريقين: جاهلٍ وأشدَّ جهلاً منه. ثم أقول إنني لا أزال عند رأيي أن حفظ الحياة أهم من كل شيء، وكنت دنت قتل ثلاثة او اربعة مواطنين سوريين في اول مقال لي عن الوضع السوري في 1/4/2011، وأجد اليوم ان الضحايا عشرات الألوف، وكل يوم 50 ضحية او مئة او اكثر، يروحون قرباناً للجهل حتى الجريمة.

قبل ثلاث سنوات او نحوها، دُعيت الى حلب لحضور احتفالات ألفية مار مارون، فشفيع الطائفة المارونية سوري المولد، ومدفون قرب حلب.

قلت للرئيس بشار الاسد وهو يودع الضيوف بعد غداء أقامه تكريماً لهم، ان الملكة رانيا كانت مسرورة جداً بالزيارة غير الرسمية التي قام بها الملك عبدالله الثاني والملكة الى سورية، حيث أخذهما الدكتور بشار وقرينته أسماء الى آثار ومطاعم وسياحة والرئيس السوري يقود السيارة بنفسه. هو قال لي إنه وزوجته سُرّا بالضيفين وسيردان لهما الزيارة قريباً.

خرج الرئيس من المطعم وقاد سيارته بنفسه، والى جانبه السيدة اسماء، ورأى مواطنون في السوق الموكب فصفقوا وهتفوا، وأوقفت امرأة تحمل حاجات اشترتها ومعها بنتان، سيارةَ الرئيس للسلام عليه. هذا مشهد لا تستطيع استخبارات صنعه.

كيف ضيع الرئيس السوري في اسبوع شعبية بناها في عشر سنين؟ لا أعرف جواباً.

هو الآن يتحدث عن معركة مصيرية ويعد بالصمود، إلاّ أنه سيكون صموداً يدفع الشعب ثمنه من دمه مع الرئيس، الذي أصبح الاميركيون -وفق رواية «واشنطن بوست» قبل يومين- يقولون انه سيخرج وقد لُفّ في كفن.

ثم هناك المعارضة السورية، وقد شكوت يوماً -ولا أزال- ثقلَ دم هذه المعارضة، او «الغلاظة» باللهجة السورية، الا انني اليوم اشكو من الجهل القاتل. هل تريد المعارضة السورية تحرير سورية او تدمير معالم التاريخ فيها؟

بالنظر الى تعامل النظام مع الثورة الشعبية منذ آذار (مارس) السنة الماضية، ربما يصعب القول ان النظام التالي قد يكون أسوأ، غير ان المعارضة تصر على اخافة الناس، وفيها قلة من اعضاء يجمعون بين الثقافة العالية والوطنية الخالصة، ثم جماعات متطرفة لا اصل لها او فصل، مع عصابات ارهابية تقتل المسلمين، من العراق وافغانستان الى سورية اليوم.

من المستفيد من بطش النظام ورعونة المعارضة؟ إسرائيل وحدها.

لبنان والأردن والعراق والدول العربية كلها ستدفع الثمن، ومعها تركيا وغيرها، ولا احد سيستفيد غير إسرائيل، فلماذا تحارب وتقتل طالما ان اهل البلد يحارب بعضهم بعضاً ويقتلون ويدمرون، وعلى مستوى لم تحلم اسرائيل يوماً بتحقيق نصفه.

أما أميركا وبريطانيا وفرنسا، فعندها مجلس الامن لإصدار ما يناسب مصالحها من قرارات، وتعارضها روسيا والصين بما يناسب مصالحهما، ويُقتل السوريون يوماً بعد يوم، من دون ان تقف الخسائر عند هذا الجيل، فأجيالٌ قادمة ستأتي وتذهب قبل ان يكمل السوريون بناء ما يتهدم اليوم.

درس التاريخ هو أن الحروب الدينية اكثر الحروب دموية، ويكفي ان ننظر الى تاريخها الأوروبي، ودرسه الآخر ان الحروب الأهلية هي أسوأ انواع الحروب، وأهل البلد الواحد يقتل أحدهم الآخر، وأخشى ان تكون سورية فريسة حرب اهلية ثم طائفية.

ثم لا أملك إلا أن أقول باللهجة العامية: والله أهل سورية ما بيستاهلوا. هم أحبّاء. ولا غفر الله لمن كان السبب.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى