صفحات الناس

وثائقي للأرجنتيني إيرنان ثين: أطفال سوريون يحكون مأساة اللجوء إلى أوروبا/ خالد الكطابي

 

 

 

«لقد تم جبر هؤلاء الناس على الفرار، لم يريدوا أن يغادروا وطنهم. فقد صمدوا سنوات عديدة تحت القنابل في مدينة حلب … الناس لا تأتي لأنها تريد ذلك، بل لأنهم يفرون من ويلات الحرب». هكذا صرح المخرج الأرجنتيني «إيرنان ثين» عند حديثه أمام وسائل الإعلام الإسبانية، عن فيلمه الوثائقي «ناثيدو إن سيريا»/ولِد بسوريا، ليساهم في الرد على بعض الأكاذيب التي تحذر من توافد اللاجئين السوريين طوعا خارج بلادهم.

وأضاف ثين «ما يؤلم كثيرا هو أن هذا يحدث في أوروبا التي ما زالت لم تحرك ساكنا، وخاصة في عز موجة البرد الكاملة، عندما يصبح اللاجؤون أكثر عرضة للخطر وفي ظل استمرار العنف في سوريا». استغرق التصوير حوالي 14 شهرا قام خلالها المخرج بتتبع مسار اللاجئين في11 دولة، حيث يقدم للعالم حكايات يرويها أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين (8 إلى 15 سنة)، حيث يسردون حكاياتهم بكل تلقائية رغم حالتهم النفسية المهتزة وظروفهم الكارثية التي مروا بها، من انتهاكات المافيات التي تتاجر في مأساتهم، والمِحن التي صادفتهم في طريقهم برا وبحرا بلبنان وتركيا ولحظة فراقهم وفقدانهم لعائلاتهم، معتقدين بأن مجرد عبورهم البحر ستنتهي بعضا من مأساتهم حيث يقول الطفل مروان: «في البداية اعتقدت أن المشكلة فقط تكمن في إمكانية عبور البحر، لكنني الآن أدركت أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير».

الانقسام في الموقف الأوروبي

«ولِد في سوريا» رحلة مؤلمة تأخذ المشاهد إلى تتبع مسار المأساة بدء من وصول اللاجئين إلى تركيا ثم الجزيرة اليونانية ليبوس، صربيا والمجر والنمسا وألمانيا، بلجيكا. مع الإقامة في مخيمات العار والتعامل السيء واللاإنساني لحرس الحدود خاصة في هنغاريا. بل وحثهم على العودة إلى تركيا كما ورد في الفيلم على لسان فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري.. «من فضلكم لا تأتوا إلى هنا، لماذا يجب أن تأتوا من تركيا إلى أوروبا؟ فتركيا بلد آمن، ابقوا هناك، فنحن لا يمكن أن نضمن أن يكون مرحبا بكم هنا… لا نريد أن نحبط أحلام الناس».

مع ملاحظة أن سبب عدم البقـــاء في تركيا يرجع إلى استغلالهم، خاصة الأطفال مهنم، فالطفل مروان قبل أن يتمكن من ركوب الزورق، أمضى سنة كمستخدم في مصنع غير قانوني للملابس حتى يتمكن من جمع المال.

الأطفال السبعة

قدم إيرنان ثين، المراسل الحربي والكاتب والسينمائي، حكايا سبعة أطفال في الوقت الذي كان يتابع فيه أكثر من عشرين طفلا، فقد التواصل معهم في وت لاحق، فلم يتبق الاتصال في النهاية سوى هؤلاء الأطفال السبعة ..

قيس

قيس يبلغ العاشرة، يعاني من تشوهات في الوجه والرأس ويده اليسرى غير قادرة على الحركة تماما، ذلك بعد انفجار برميل للنفط إثر سقوط قذيفة كاد أن يؤدي بحياته. ففي الوقت الذي استفاق فيه من هول الانفجار لم يكن يعرف أنه فقد والده، وقام عمه بنقله إلى كِلِّز بتركيا حتى يعالج حروقه .. «لقد حطموا رجلاي وذراعي ورأسي وعيناي…».

مروان

ويتذكر مروان (13سنة) وصوله على متن قارب صغير إلى جزيرة ليسبوس باليونان، وبينما تظهر فيه على الشاطيء أكوام من سترات الإنقاذ بلاستيكية مزيفة وإطارات أنابيب. وكل ذلك أمام أعين بعض المصطافين الغير مبالين بما يقع على بعد أمتار منهم. ويذكر .. «في الشارع كانت سيارتان، رأيت رؤوسا مقطوعة..شعرت بهلع كبير، وذهبت إلى البيت وأغلقت الباب عني، بعدها قرر والدي الهروب إلى تركيا التي كلفت حوالي 6000دولار».

قاسم

وينحذرقاسم (14ربيعا) من درعة ويحكي كيف أنه اضطر لمغادرة بلاده في الوقت الذي بقي فيه والداه في دمشق من أجل الاهتمام بأجداده، «لقد نزحت من درعة لأنهم يمطرون منازلنا، لقد قتلوا عمي وابنه، لقد دمروا بيتنا بالقنابل والغازات السامة، والآن فنحن هنا نعيش في حالة سيئة تماما، كما أننا نعيش في السجن، ويضيف قاسم «مر أكثر من شهر دون أن نستحم ودون أكل في حالة جيدة، لقد توجهنا إلى عدة فنادق لكنهم رفضوا استقبالنا لأننا سوريون». ومنذ عدة أسابيع قاسم يقضي فترات نومه في محطة القطارات بالعاصمة المجرية بودابيست.

حمودة

ويروي حمودة (8سنوات)، الذي رسم على دفتره رسومات يصف فيها الحرب بالمدمرة ناقلا مشاهد الرعب (طائرة وجثث مرمية)، كيف قدم إلى تركيا رفقة عمه محمود بعد فقــــدان والديــــه وتمكــــنا من اجتــــياز الحدود الهنغارية ثم النمساوية للوصول إلى ألمانيا .. «لقد تمت معاملتنا بقسوة من طرف السلطات الهنغــارية ولم يقدموا لنا لا الطعام ولا الملابس، وضعونا في غابة موحشة، في حين كان تعامل النمسا أحسن بكثير».

جيهان

وتتذكر جيهان (15سنة) نزوحها قبل أربعة أعوام «جئت رفقة والدي. لقد تركنا أمي وإخوتي في لبنان، لأنه لم يكن لدينا المال الكافي لاصطحابهم معنا». كما أنها لا تتردد في اتهام النظام والمعارضة معا بكونهما كانا ضد مصلحة الشعب السوري «كنا ضحية لقوات النظام السوري وعناصرالجيش الحر، لقد عملوا معا ضدنا». وجيهان التي تمارس رياضة الكيكبوكسينغ، تعترف أنها فقدت براءتها بسبب مشاهد الرعب التي صادفتها في مسار النزوح.

محمد

ويحكي محمد (13عاما)، الذي يتواجد رفقة والده وأحد أشقائه بمخيم للاجئين بإيدوميني في اليونان،عن ظروف المخيمات والتي وصفها بـ «مخيمات العار» والتي كانت قبل تفكيكها جد مزدحمة، وتجمع أكثر من 8 آلاف لاجيء سوري وعراقي. كما يصف أجواء الرتابة التي تميز المخيمات .. «أستيقظ، أغسل أسناني، أتوجه للإفطار ثم اللعب، وبعد ذلك الأكل، ثم العب مرة أخرى». وهي إشارة ذكية لغياب أي أنشطة تعليمية والاهتمام من طرف المجتمع الدولي لتربية الأطفال. وينتظر محمد رفقة والده وإخوته الحصول على تأشيرات للالتحاق بأمه التي نزحت قبلهم وتمكنت من الدخول إلى ألمانيا. كل هذه الحكايات تنضاف إليها معيقات جديدة كاللغة التي تبقى كحاجز يعيق الاندماج في بدايته الأولى ويطرح مشكل التواصل في البحث عن العمل وتسوية الإقامة والسقوط السهل في أيدي تجار الأزمات.

أزمنة الحكايات

يجمع الفيلم بين ثلاث مستويات في زمن الحكاية وسردها، بداية من حكاية ماضي الأطفال من خلال تذكرهم لما مروا بهم في هجرتهم القسرية، ثم يتتبع مسار اللاجئين، وكيف تتعامل معهم بقسوة السلطات المجرية، وأوضاع مخيمات العار التي يعيشون فيها. وأخيراً الأطفال في حاضرهم. إضافة إلى توظيف تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين (أنجيلا ميركل، فيكتورأوربان) والعاملين في مجال الإنقاذ والميدان الاجتماعي. فيلم «ناثيدو إن سيريا»اشتغل فيه مخرجه على حكايات لأطفال لاعتقاده الشديد بأنها الفئة الأكثر تضررا في الحروب والمآسي…فوفقا للبيانات الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة ف30٪من اللاجئين هم من الأطفال. ويؤكد إيرنان ثين «في الفيلم أحكي من خلال الأطفال، أوقف المشهد وأستخدم الحركة البطيئة، لكي نظهر للناس ما وراء العناوين الرئسية.

عن المخرج وفيلمه

سبق لإيرنان ثين أن اشتغل في عدة مواقع للنزاع في العالم، حيث قام بالتواجد في أكثر من خمسين دولة من بينها فلسطين المحتلة فأنجز فيلمه الوثائقي «ولِد بغزة» سنة2014 وفازبجائزة لجنة التحكيم للفيلم الطويل في دورته الـ11من مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية كما تم ترشيحه ضمن جوائز غويا سنة 2015 كذلك كتابه «تمطر على غزة» ( 2007) الذي يندد فيه بتقتيل المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة، إثر العملية العسكرية شتاء الصيف التي شنها جيش الاحتلال. وحقق فيلم «ناثيدو إن سوريا» (2016) نجاحا جماهيريا أثناء عرضه بعدة قاعات سينمائية بإسبانيا وفي مهرجانات دولية وحاز على جوائز مهمة لأفضل فيلم وثائقي كان من أهمها جائزة «غويا» الاسبانية لأفضل فيلم وثائقي في دورتها الـ31 وجائزة البلاتينيوم للسينما الإيبيرولاتينية في نسختها الرابعة، والتي يصر إيرنان ثين على إهدائها لكل اللاجئين الذين يعتز بكفائتهم ويطالب بتغيير النظرة إليهم. ويؤكد إيرنان ثين عند تتويج الفيلم بهذه الجوائز قائلا: «إنها اعتراف بمأساتهم، شكرا لكل أولئك الذين اختاروا الفيلم لمساعدتنا في إيصال صوت اللاجئين الذين يفرون من الحروب كسوريا واليمن وجنوب السودان، الذين يفرون من القنابل والرعب والإرهاب ويذكرنا بواجب استقبالهم وتوفير حياة أفضل لهم. كما نهدي التتويج لزمن ترامب والبركسيت ونقول لهم كفى من بناء جدران عازلة يجب بناء الجسور».

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى