صفحات العالم

وثيقة” الإخوان المسلمين” وُضعت برعاية عربية


روزانا بومنصف

اهتمت مراجع سياسية وديبلوماسية عربية بمعرفة رد الفعل على الوثيقة السياسية التي اعلنها الاخوان المسلمون في سوريا وتوجهت بالاسئلة المناسبة الى سياسيين مسيحيين وغير مسيحيين علما ان الاستهداف واضح لمعرفة الرأي المسيحي قبل سواه. فالهدف من هذه الوثيقة هو توجيه رسائل مطمئنة الى الداخل السوري والدول المجاورة فضلا عن الغرب بقدر ما هو عرض للمشروع المستقبلي للاخوان في سوريا بعد سقوط النظام. ففي ظل البحث الغربي المستمر عن البديل المناسب قدم “الاخوان” وثيقة رأى فيها مراقبون غربيون عوامل مهمة لطمأنتهم مماثلة لتلك التي يرتاحون اليها لدى “الاخوان المسلمين” في تونس والتي ادرجت في الدستور الجديد لتونس بعد الثورة، او كما هي الحال في تركيا. ويهتم العالم الغربي بان يرى حكما للاخوان المسلمين في سوريا اذا فازوا في الانتخابات بعد سقوط النظام يكون مماثلا للحكم التركي. وهذا ما فاتحت به مرجعيات سياسية غربية مرجعيات روحية لبنانية على قاعدة ان النموذج التركي هو الذي تود ان تراه في سوريا مستقبلا.

وكشف هذا الاهتمام العربي الرسمي وفق مصادر معنية مدى انخراط بعض الدول العربية المعنية على نحو مباشر بما يجري في سوريا من خلال المساعدة في تقديم اجوبة عن الاسئلة المقلقة التي تثيرها المرحلة المستقبلية في سوريا. فالوثيقة جاءت في توقيتها ومضمونها قبل انعقاد مؤتمر اسطنبول الداعم للمعارضة السورية من اجل ان تستبق المواقف وفي ظل حرص غربي واقليمي على توجيه رسائل مطمئنة الى الاقليات في سوريا لمساعدتها في رؤية ما تذهب اليه سوريا والانفكاك عن النظام. ومع ان هذا الهم اقليمي كبير فانه كان ولا يزال هما غربيا ايضا في الدرجة الاولى، على رغم تأكيد مصادر ديبلوماسية غربية ان اي ضمانات لا يمكن ان يقدمها الغرب لا الى المسيحيين ولا الى سواهم في سوريا، ولكن خصوصا الى المسيحيين لان هذه الضمانات يمكن ان تنقلب ضدهم لجهة استغلالها الحتمي من النظام السوري في الدرجة الاولى اذ تقدم اليه ذرائع لاتهام الغرب بالتدخل ولاحقا قد تكون الاتهامات ممن يخلفه ربما على قاعدة ان الغرب يعيد استعمار المنطقة. لذلك فان الدول المعنية خصوصا الاوروبية منها حرصت على ان تقوم الدول العربية ذات الغالبية السنية بتقديمها الضمانات غير المباشرة الى المسيحيين والدروز وسواهم، على قاعدة ان مستقبل سوريا لا يحمل مخاوف على مصيرهم وفق ما يروج النظام بل هو متاح للجميع على قاعدة المساواة. ولذلك صيغت وثيقة “الاخوان المسلمين” بعناية ادهشت كثيرين وشكلت مفاجأة عامة ولم تحصل من دون رعاية اقليمية وعربية باعتبار ان الرعاية الاقليمية والعربية لهذا الخطاب هي الضمانات التي يمكن ان تقدمها دول المنطقة ولا تستطيع ان تفعل اكثر، علما ان بعض الدول المعنية افادت من جولة البطريرك الماروني بشارة الراعي الاخيرة من اجل ان تسلط الضوء على معنى هذه الوثيقة واهميتها من هذه الزاوية. ولذلك اعتبرت دول عدة الوثيقة متقدمة جدا ومهمة في مضمونها خصوصا في توجهها للبنان نتيجة وجود طائفة مسيحية مؤثرة من موقعها على المسيحيين في العالم العربي ولمعاناة لبنان والمسيحيين منهم في شكل خاص من النظام السوري الذين “دجنهم سياسيا” وطوعهم لمصلحة الالتحاق به خلال وصايته على لبنان، مما ادى الى خسارة موقعهم السياسي المؤثر تاريخيا. لكن هذه الوثيقة اصابت اهدافا عدة في الوقت نفسه.

فهي من جهة سحبت من يد النظام السوري اوراقا يخيف بها الاقليات في بلاده من زاوية ان مشروع “الاخوان المسلمين” ليس تحويل سوريا الى جمهورية اصولية بل على النقيض من ذلك. كما سحبت من يده ورقة الاتهامات بان خصومه مجموعة “ارهابيين” اصوليين ينوون العودة بسوريا الى الوراء. فهذه الوثيقة تتقدم في بنودها على مجموعة الاصلاحات التي قدمها النظام وينوي تقديمها. فاذا كان من تنافس سياسي حقيقي وربما انتخابي فان وثيقة “الاخوان” تتقدم باشواط على ما قدمه النظام. ويسري سحب مضمون الوثيقة الذرائع من جهة اخرى على حلفاء النظام في لبنان. اذ ان السؤال الكبير لمن يمكن ان يشكك من هؤلاء في مضمون الوثيقة وصدقية القيمين عليها ان هذا التشكيك مردود على اصحابه، باعتبار ان تطوير الحليف الاساسي للنظام السوري في لبنان اي “حزب الله” خطابه السياسي ومشروعه القائم والداعي في الاصل الى اقامة جمهورية اسلامية في لبنان عاد وتخلى عنه وفقا للتطورات في لبنان والمنطقة ولا تسمح في المقابل بالتشكيك بتطور خطاب جماعة الاخوان المسلمين في سوريا. فكيف يمكن الركون الى مشروع الحزب الاصلي والاساسي في هذا الاطار والتغيير الذي ادخله على هذا المشروع ولا يجوز التعامل بالمثل مع مشروع متطور لـ”الاخوان المسلمين”؟ فهذا الاخير كما ذاك، والتطور الذي ادخله الحزب على خطابه السياسي ومشروعه يقدمه حليفه المسيحي كأحد المبررات للتحالف معه. وهذا الامر يفترض ان يشجع الاقليات في سوريا على ان لبنان يقدم نموذجا جانبيا اخر من ضمن هذا المشهد السياسي ايضا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى